اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

أهم استراتيجيات إعلام "داعش" المرئي


Recommended Posts

يقوم تنظيم "داعش" بتوظيف مجموعة الخصائص التي يتميز بها محتوى إعلامه المرئي، للوصول إلى أهدافه وتحقيق مصالحه، وذلك من خلال الاعتماد على عدت استراتيجيات إعلامية ودعائية. ورغم تعدد وتنوع الاستراتيجيات التي تبناها تنظيم "داعش" منذ بدء استخدامه للنشاط الإرهابي الإلكتروني، إلا أنه غالبًا ما كان يستغل إصداراته المرئية في إعادة صياغة وتجسيد الأحداث لتضليل المُشاهِد، وتوسيع قاعدته الجماهيرية بتجنيد، واستقطاب المزيد من العناصر الفاعلة والمُناصرة له، وذلك على النحو التالي:

1- القولبة: تُعد عملية "القولبة"إحدى أدوات التضليل الإعلامي التي يتم من خلالها اختزال المعلومات والحقائق في قوالب عامة جامدة بهدف تصدير صور نمطية معينة للمُتلقي سواء فيما يخص قضية ما، أو فيما يخص فئة أو جماعة من الأشخاص، خاصة بعد أن أصبحت وسائل الإعلام هى المصدر الأساسي والمباشر للأفكار والتصورات عن الدول والشعوب والثقافات والديانات والأعراق، والاتجاهات السياسية والفكرية الأخرى المختلفة حول العالم.

تبدأ عملية "القولبة" بإلصاق مجموعة من السمات السلبية بالموضوع محل الاستهداف، ثم المبالغة في تلك السمات وتكرارها حتى تتلاشى أي جوانب إيجابية، ليتم بعد ذلك البحث عن شواهد ضعيفة المصدر أو نادرة الوجود للتأكيد على تلك السمات وترسيخها في عقل المشاهد. ومع مرور الوقت وإحكام عملية القولبة بتنوع وسائل الإعلام والأدوات المُستخدمة في عرض وتصدير الصور المُنمطة، تنجح عملية التضليل الإعلامي للمُشاهِد، بتصنيع صورة سلبية تجاه الضحية، التي تواجه في نهاية المطاف شتى أنواع الكراهية والنبذ والتي قد تصل إلى العنف والقتل.

وتتجلى عملية التضليل الإعلامي خاصة في ظل الحروب، وتضارب المصالح والأهداف، حيث يسعى كل طرف لكسب تأييد الرأى العام الجماهيري، وجذب المُنضمين إلى صفوفه في مواجهة الطرف الآخر، وذلك من خلال:

أولًا، المبالغة في كم وغموض المعلومات التي يتم استعرضها خلال الإصدارات المرئية، قصد تعجيز، ومنع المُتلقي من تحليلها وتفسيرها للتأكد من مدى مصداقيتها. وثانيًا، التلاعب بالمواد المرئية كالصور والفيدوهات إما بطريقة التقاطها أو بتغيير مضمونها بالتقنيات الحديثة من خلال إضافة أو حذف شئ منها، لإعطاء انطباع معين يُخالف تفسيره حقيقة الواقع. وثالثًا، انتقاء مصطلحات إما إيجابية أو سلبية في أصلها لاستغلالها في سياق مُحدد يخدم عملية التضليل، ويؤدي لإصدار أحكام غير موضوعية على الطرف الآخر. ورابعًا، إثارة أزمات زائفة أو تسليط الضوء على أحداث معينة لتشتيت الانتباه عن القضايا الأصلية. وخامسًا، التمادي في التهويل أو التهوين لحدث أو فكرة ما لإعطاء انطباع زائف.  

وتُعد "القولبة" إحدى أهم استراتيجيات الإعلام "الداعشي" المرئي، حيث يقوم من خلالها بتضليل المُشاهِد بما يضمن تحقيق مصالحه وأهدافه، لاسيما أن خطابه ليس تلقائيًا يُلقيه خطيب أو مُنظر، إنما هو منظومة مُتكاملة تضم مُحترفين على مستوى عالٍ من الكفاءة في إنتاح الأفلام القصيرة والوثائقية والفيويدوهات.

تمر عملية الإنتاج الإعلامي في التنظيم بعدة مراحل أهمها مرحلة ما قبل الإعداد والتي يتم خلالها وضع جميع المبادئ التوجيهية من قبل اللجنة القضائية للإعلام الخاصة بالتنظيم، لتحديد الأحداث والأهداف المُستهدف تغطيتها، وكذلك لتحديد طبيعة المواد المُراد تجميعها سواء كانت نصوصًا، أو صورًا، أو مقاطع فيديو، أو صوتًا. وتتم عملية "القولبة"التي يتبناها التنظيم على النحو التالي.

أولاً: يقوم التنظيم خلال أعماله المرئية بترسيخ الحقد والكراهية تجاه الآخر المختلف عنه سواء في الدين أو في المذهب أو في الانتماء الفكري أو السياسي، وإلصاق بعض السمات به مثل "الطواغيت"، "أعداء الله"، "أعداء الإسلام"، "الكفرة" "المرتدين"، "الخونة" ... إلخ، لتحفيز روح العداء والانتقام للإسلام عند أتباعه.

ثانيًا: يُسقط التنظيم مُسميات إيجابية على معاني سلبية، بما يتناسب مع خدمة استراتيجيته وأهدافه، كاستخدام مصطلحات "الجهاد"، و"الشهادة"، و"الخلافة الإسلامية"، و"أشبال الخلافة" التي أصدر بها سلسة من الأفلام الوثائقية التي يتم عرضها على الأطفال في إطار برنامجه للتنشئة "الجهادية" التدريجية.

ثالثًا: يُصور التنظيم نفسه بأنه نموذج لتطبيق العدالة الاجتماعية والمعاملة الحسنة وفق تعاليم الإسلام سواء تجاه جنوده وعناصره، أو تجاه النساء والأطفال والكهول والفقراء، وغيرهم من الفئات المُستضعفة.

رابعًا: يدعي التنظيم خلال أعماله المرئية كيف يتقن أمور الحكم، ويستعرض كيف تمتلئ الأسواق في ظل حكمه بالأغذية والخيرات، وكيف يُؤمِّن لأنصاره وأتباعه حياة كريمة مليئة بالترفيه والعروض والاحتفالات الدينية.

خامسًا: يتم توجيه الخطاب للمسلمين بهدف إقناعهم بأن المعركة التي يخوضونها لإقامة الدولة الإسلامية المزعومة هى واجب شرعي، وإن السبيل الوحيد للنصر هو استخدام السلاح والقوة المُفرطة من خلال استعراض صور ومشاهد لعمليات الإعدام، والذبح، والحرق، والتفجير.

2- بروباغندا التجنيد: تُسهم الدعاية "البروباغندا"التي تقوم بها أدوات الإعلام المرئي في عملية "الضبط الاجتماعي" للمُجتمع المُستهدف من خلال التأثير على اتجاهات الناس وسلوكهم في إطار زمني معين، لتأسيس بناء اجتماعي موحد عبر تجانس الاتجاهات الفكرية والعاطفية لدى الأفراد تجاه موضوع أو قضية أو طرف ما، مما يجعل الخروج عن ذلك البناء في كثير من الأحيان أمرًا صعبًا للغاية، لاسيما أن فاعلية البروباغندا تتزايد مع القدرة على احتكار الوسط المُستهدف، وتوفير فرصة أكبر للتأثير فيه وتوجيه مساره بالاعتماد على تقنيات ومهارات الاتصال الشخصي، واستخدام وسائل تخاطب مُتعددة. وتنقسم الدعاية لـ3 أنواع، على النحو التالي.

أ‌- الدعاية البيضاء: يكون المصدر والهدف مُحددين ومعروفين بالنسبة للمُتلقي، ويدرك الجمهور أن هناك محاولة للتأثير عليه من خلال تعرضه للمُنتج الإعلامي المرئي.

ب‌- الدعاية السوداء:يتم إخفاء المصدر والهدف ولا يدرك الناس أن هناك محاولة للتأثير عليهم ودفعهم في اتجاه معين.

ج- الدعاية الرمادية: يُخفي الخطاب الإعلامي المُعلن أهدافًا أخرى غير مُعلنة.

والجدير بالذكر في هذا الشأن أنه لا يمكن حصر خطاب "داعش" الدعائي المرئي في أحد تلك الأنواع، إنما هو مزيج بينها. ويختلف الخطاب "الداعشي" باختلاف الفئات المُستهدفة ثقافيًا، وعمريًا، وجنسيًا، ويختلف كذلك باختلاف الإطار الزماني والمكاني الذي يتم فيه بث ونشر المحتوى المرئي، لاختلاف المُستجدات والأحداث وما غير ذلك من مُتغيرات.

فمع بداية أزمة جائحة كوفيد – 19، عام 2020، واعتماد التنظيم على أنمعظم مُقاتليه من أجيال مواكبة لعصر التكنولوجيا وشبكات الإنترنت، تصاعد حضور حسابات "داعش" وأنصاره على مواقع التواصل الاجتماعي مُستغلاً في ذلك الدور الذي لعبته الجائحة في تنامي دور وسائل الإعلام والدعاية الرقمية.

واكتسب الأمر أهمية مُتزايدة خاصة في ظل تطبيق "الحظر المنزلي" وما أسفر عنه من زيادة في الوقت الذي يتم قضاءه على شبكات الإنترنت، والتفاعل مع المحتويات الدعائية المُتطرفة التي يقوم التنظيم بنشرها وتداولها. فالجدير بالذكر أن تصاعد حضور "داعش" الإلكتروني لم يكن فقط بهدف تحفيز عناصره واستقطاب وتجنيد آخرين، إنما أيضًا لاستغلال محتواه الإعلامي الإفتائي في تصوير الوباء "كجند من جنود الله يضرب الله به الدول المُتحالفة على محاربته".

وبينما اعتاد التنظيم على الجمع بين خطابى "المظلومية" و"العنف"، ليُبرر الأول ما يتم ممارسته في الثاني من وحشية وترهيب، توسع التنظيم مؤخرًا في الجمع بين خطابى "الدمج" و"التحريض"، بحيث يكون الأول مُقدمًا على الثاني ودافعًا له. هذا، من خلال قيام بروباغندا "الدمج" في البداية بمخاطبة المُشاهِد كأحد أفراده والإيحاء إليه بدوافع ومبررات لتهيئته وتطبيعه على أيديولوجيا التنظيم ونشاطاته والعمليات التي سيُكلف للقيام بها في المستقبل، ليتم بعد ذلك نقله من مرحلة التأييد السلبي إلى مرحلة التأييد الإيجابي ومن حالة رفض الواقع للتمرد عليه والقيام بالعمليات الإرهابية من خلال بروباغندا "التحريض".

ومن أمثلة هذه الاستراتيجية، الفيديو الذي أصدرته قناة "الاعتصام" "الداعشية" عام 2014، ويظهر فيه أحد المقاتلين الكنديين، المدعو أبو أنور الكندي وهو يوجه رسالة إلي مسلمي كندا والولايات المتحدة الأمريكية، فيصف نفسه في البداية كواحدٍ منهم كان يتزحلق على الجليد ويلعب الموسيقى إلا أنه اختار "الجهاد" لـ"إقامة شريعة الله في الأرض"، وليُطالبهم بعد ذلك بالاختيار بين أحد الأمرين، إما الهجرة إلى "أرض الخلافة"، أو "الجهاد" في "دار الكفر" التي يعيشون فيها، قائلاً: إما أن تشد رحالك أو تجهز عبوتك الناسفة".

فضلاً عن الإصدار المرئي الذي بثه التنظيم عقب مقتل المدرس الفرنسي في أكتوبر 2020، حيث مدح وأثنى على مُرتكب العملية الإرهابية، وحرض وشجع على ارتكاب العمليات الإرهابية دون التفرقة بين عسكري ومدني، وانتقد في الوقت ذاته كل من يدافع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم – بالطرق السلمية أو الفكرية فقط، وحض على الدفاع عنه فقط باستخدام العنف والقتل. 

هذا بينما حضر خطاب"اليوتبيا" أكثر في إصدارات التنظيم المرئية الموجهه سواء للعرب أو للغرب، حيث يتم تصوير مثالية الانتماء للتنظيم ولـ"الدولة الإسلامية" المزعومة التي يدعو لها كـ"مدينة فاضلة"، على غرار الفيلم الذي أنتجته قناة "الحياة" "الداعشية"، بعنوان "لا حياة بلا جهاد" ويظهر فيه أحد المقاتلين الأجانب، مُتكلمًا بالإنجليزية قائلاً: "إن علاج الاكتئاب هو الجهاد في سبيل الله. أشقاؤنا الذين يأتون إلى الجهاد يشعرون بالسعادة التي نشعر بها".

ويسعى الفيلم للربط بين فكرة الانضمام إلى التنظيم والسلام النفسي، من خلال التمادي في ادعاء وتصدير صور مُشابهة لحياة الصحابة، بعرض مشاهد الراحة والسعادة التي تعم المقاتلين وترسم على وجوههم الابتسامة مع التركيز على إظهار مشاعر الأخوة القوية بينهم، حيث يستغل تنظيم "داعش" حالة العزلة وعدم الانتماء التي يعيش فيها بعض الشباب المسلم في المجتمعات الغربية، خاصة مقارنة بالشباب ذوي الأصول الغربية، ليقدم له الانضمام إلى دولة الخلافة المزعومة وكأنه الخلاص من التهميش، وازدواجية المعايير التي يُعاني منها في الغرب.  

واستغلالاً لما تشهده بعض البلدان العربية من تردي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانتشار للفساد وارتفاع الأسعار، أصدر التنظيم الجزءالثالث من الفيلم الوثائقي "الدولة الإسلامية" بعنوان "الدولة الإسلامية: إنفاذ الشريعة في الرقة"، حيث يظهر فيه الرجال وهم يسيرون في الشوارع برفقة زوجاتهم، والتجار يديرون محلاتهم في أمان، ورجال الحسبة يتابعون عملهم بلطف ويتأكدون من إنفاذ القوانين، وإقامة العدل فيما يخص معاملات البيع والشراء.

ختامًا، يمكن القول إنه رغم الهزائم التي تعرض لها تنظيم "داعش" الإرهابي على الأرض، إلا أن الانتصار الحقيقي عليه يبدأ من هزيمته أولاً في الميدان الرقمي، حيث ينشر أفكاره ويستعرض عملياته ويستقطب أتباعه. فمن المقولات الشهيرة لزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري: "نحن في ساحة المعركة، وأكثر من نصف هذه المعركة يحدث في وسائل الإعلام". ورغم أنه قيل قديمًا أن "الصورة لا تكذب" إلا أنه مع التطورات التكنولوجية والإعلامية الهائلة التي طرأت على العالم المُعاصر، ومع ظهور أدوات الإخراج والمونتاج والحيل الفنية والتقنية الهائلة، أصبحت الصورة أحد أهم وأبرز أدوات الكذب والتضليل.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...