إسماعيل بلال قام بنشر September 8, 2012 ارسل تقرير Share قام بنشر September 8, 2012 فكرة فصل السلطات بين النظرية والواقع (1) عبد الكريم منصور لقد سادت فكرة فصل السلطات أنظمة الحكم في العالم لسيطرة النظام الرأسمالي الديمقراطي على العالم وتأثر الجميع بنظم حكمه. فنريد هنا أن نتناول هذا الموضوع لنعرف ماهية هذه الفكرة أي فكرة فصل السلطات؟ ومن أين أتت هذه الفكرة؟ وهل هي عبارة عن نظرية لا تنطبق على الواقع ولا تطبق فيه أم قابلة للتطبيق؟ وهل توافق الواقع أم تخالفه؟ إن فكرة فصل السلطات هي هيكل الدولة المدنية. وهي فكرة غربية بحتة مرتبطة بالفكر الغربي الديمقراطي. وقد ظهرت هذه الفكرة مع ظهور فكرة الدولة المدنية التي هي مضادة لمفهوم الدولة الدينية الغربية. فظهورها كان كردة فعل على حصر السلطات في يد الحكام المستبدين في أوروبا من ملوك وأباطرة. ولقد ظن بعض المفكرين السياسيين الغربيين بأن الاستبداد سببه حصر السلطات أو حصر صلاحيات الحكم في يد الحاكم. فأوجدوا هذه الفكرة كردة فعل على هذا الواقع السيئ في بلادهم لمعالجة موضوع الحكم عندهم. ويعتبر الانكليزي جون لوك في كتابه الحكومة المدنية الذي أصدره عام 1690 أول من تكلم في موضوع فصل السلطات ضمن مفهوم الدولة المدنية وذلك عقب الثورة الانكليزية ضد الاستبداد الذي كان يتمثل بالحكم الملكي المطلق بالتحالف مع الكنيسة إلى جانب تحكم العائلات العريقة والثرية في رقاب الناس، وطالبت بإقامة الجمهورية ولكن لم تتمكن من إقامتها. ومن ثم جاء من بعده الفرنسي مونتسكيو في كتابه روح القوانين عام 1748 فقام بتطوير هذه الفكرة إلى أن رسخت حتى يومنا هذا على أساس فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية عن بعضها البعض. ولكن يقال أن الفيلسوف اليوناني أرسطو هو أول من تكلم في هذا الموضوع في كتابه السياسة. ولكنه لم يتكلم في ذلك بوضوح ولم يبلوره حسب الشكل الحالي بل أراد ترشيد الحكم وتنظيمه. فذكر أن الديمقراطية ترتكز على ركنين؛ حكم الأكثرية وحماية حقوق الأقليات والأفراد. وقال: السيادات ثلاث هي السيادة الفردية ويعني بها سيادة الحاكم، والسيادة الشعبية، والسيادة الشرعية. ومن المعلوم أن الفلسفة اليونانية هي أحد مصادر المعلومات الأولية للفكر السياسي الغربي. فيأتي الفلاسفة والمفكرون الغربيون فيدرسونها ويستقون منها المعلومات، ومن ثم يعملون على تطويرها حسب مبدئهم الرأسمالي ليعملوا على تطبيقها حسب واقعهم. وقد أصبحت فكرة فصل السلطات إحدى الأفكار الأساسية لنظام الغرب الديمقراطي الذي ينادي له في كافة أنحاء العالم ولدولته المدنية التي يعمل على تسويقها من جديد بين المسلمين. مع العلم أن الأنظمة في العالم الإسلامي ومنه العربي قد أقيمت على هذا الأساس ولو بشكل نظري عندما اسقط الغرب نظام الحكم في الإسلام وهو نظام الخلافة الإسلامية عن طريق عملائه. وبعد حدوث الثورات في البلاد العربية بدأت الدول الغربية تعمل على تفعيل تطبيق هذه الفكرة من جديد ضمن الدولة المدنية الديمقراطية عندما رأت هذه الدول أن الأنظمة التي أقامتها على هذا الأساس شكليا ولكنها كانت استبدادية فعليا بدأت تتساقط نتيجة ازدياد الوعي لدى الأمة وكسر حاجز الخوف. فخافت الدول الغربية على سقوط نظامها السياسي ومنظومتها الفكرية فأرادت تفعيل ذلك بصورة ملمعة لتظهر على أنها غير استبدادية. فالفكرة بشكل عام موجودة في الدساتير التي وضعها الغرب للأنظمة التي أقامها في العالم الإسلامي ولذلك نراه يلزم المسلمين بنفس الدساتير ويريد أن يخدعهم من جديد، فيظهر أن الخطأ كأنه ليس في وجود أنظمته وإنما في عدم تفعيلها أو تطبيقها كما ينبغي وفي وجود حكام فاسدين. فأوهم الغرب الناس قائلا بأنه عندما يجري إقامة نظام الدولة المدنية على أسس فصل السلطات فعندئذ تطبق الديمقراطية ويستعيد الإنسان كرامته ويسعد في ظل الحرية. فهذه السلطات الثلاث تتكون منها الدولة المدنية عند الغربيين؛ فأولها السلطة التشريعية التي تتمثل بالبرلمان الذي ينتخب أعضاؤه كنواب عن الشعب في سن القوانين وتشكيل السلطة التنفيذية ومراقبة هذه السلطة وإسقاطها بحجب الثقة عنها. وثانيها السلطة التنفيذية التي تتمثل بالحكومة التي تنفذ القوانين التي تشرعها السلطة التشريعية. وثالثها السلطة القضائية وعلى رأسها المحكمة الدستورية وهي التي تنظر في دستورية القوانين وتنظر في مدى التزام السلطة التنفيذية بهذه القوانين وتسمع لشكاوى الناس بحقها. فأصبحت الدولة لديهم مركبة من هذه السلطات الثلاث. وقالوا بأنه يجب أن تكون كل سلطة منفصلة عن الأخرى ومستقلة. فتكون الدولة مركبة من سلطات ثلاث منفصلة وليست من سلطة واحدة. فقالوا إن الدولة تحكمها ثلاث سلطات مستقلة عن بعضها البعض كل واحدة تمارس صلاحياتها باستقلالية، بل قالوا إنها قوى ثلاث قادرة أن تفرض نفسها على الآخرين بحدود صلاحياتها. وبذلك تتوزع الصلاحيات على قوى ثلاث فيزول احتمال التفرد بالسلطة وبالتالي يمنع الاستبداد. وبالرغم من قولهم بفصل السلطات إلا أن التداخل بينها حاصل؛ فيحصل التداخل بين السلطة التنفيذية والتشريعية وكذلك التعارض والتناقض. فالسلطة التنفيذية أو الحكومة تريد سن قوانين وتنفيذ قرارات معينة حسبما ترى من مصلحة عند ممارستها لصلاحياتها وقيامها برعاية شؤون الناس وربما السلطة التشريعية لا ترى ذلك. فيحدث تصادم بين السلطتين ربما يؤدي ذلك إلى شلل في عمل الحكومة. ولذلك قاموا بالتحايل على الأمر فجعلوا تشكيل الحكومة من الأكثرية البرلمانية حتى يساعدها ذلك في سن القوانين أو التشريعات واتخاذ القرارات عندما يصوت حزب الأكثرية وهو حزب الحكومة لصالح تشريعاتها وقراراتها أو إذا كانت ائتلافية فتكون الأكثرية البرلمانية من الأحزاب التي تشكلت منها الحكومة. فأصبحت السلطة التشريعية متوافقة أو متواطئة مع السلطة التنفيذية فلم تعد هناك استقلالية ولا انفصال بين هاتين السلطتين بل أصبحتا متحدتين، وهذا مع ما يجري في كافة الدولة المدنية الديمقراطية. فعندئذ تستصدر السلطة التنفيذية التشريعات والقوانين بسهولة ويسر لدى السلطة التشريعية، أي أن البرلمان يشرع للحكومة ما تريد ويقر قراراتها ويوافق على سياساتها. لان هاتين السلطتين أصبحتا مشكلتين من حزب الأكثرية أو من عدة أحزاب شكلت الأكثرية. وبذلك انتفى فصل السلطات في الواقع بشكل عملي. فهذا يدل على مدى تناقض النظرية أو الفكرة مع الواقع في موضوع فصل السلطات وعلى عدم إمكانية فصل تلك السلطتين عن بعضهما البعض، وإلا لا يمكن تسيير أعمال الدول وشؤون الناس. ويدل ذلك على مدى التحايل والخداع للشعب بأنه يحكم وأن ممثله البرلمان يشرع وهو مستقل عن الحكومة، فدل كل ذلك على فساد فكرة فصل السلطات. وقد وضعت سلطة قضائية ووضع على رأسها المحكمة الدستورية فهي أعلى مرتبة في القضاء والحل والفصل الأخير يرجع إليها لتنظر في دستورية التشريعات الصادرة من السلطة التشريعية وتراقب تنفيذها من قبل السلطة التنفيذية، وحتى تمكن أحزاب الأقلية المعارضة من الشكوى لديها لتنظر في المخالفات الدستورية والقانونية، بالإضافة إلى شكاوى الناس إذا رأوا أن الأحكام التي صدرت بحقهم تخالف الدستور. فالأصل أن تكون السلطة التشريعية هي المشرعة وتشريعها هو التشريع فلا سلطة عليه؛ فكيف يضع عليها حكما فيفند تشريعاتها ويحكم على صحتها وخطئها؟ فكيف تكون إذن السلطة التشريعية مستقلة وهي ترى أن فوقها قوة أقوى منها ربما تحكم على تشريعاتها بالخطأ فتسقطها؟ فهل تستطيع أن تنظر في القوانين بشكل مستقل وهي تحسب حسابا للمحكمة الدستورية وتخاف أن ترد تشريعاتها؟ فإذا حكمت سلطة أخرى على صحة تشريعات المشرّع فهل هذا مشرع حقيقي؟ فيدل ذلك على عدم استقلال السلطة التشريعية في تشريعاتها ويدل على عجز هذا المشرّع وأن احتمال الخطأ وارد عليه! فهذا يدل على إقرار أهل الفكر الغربي ضمنيا بان المشرّعين الذين أنابهم الشعب ناقصون وأنهم ربما يخطئون! لأنهم وضعوا فوق السلطة التشريعية التي هي الأصل وهي المشرع الأول والأخير في النظام الديمقراطي وضعوا فوقها سلطة قضائية ربما تفند كل تشريعاتها؟ فكيف يكون المشرع مخطئا وكيف يوضع فوقه سلطة أقوى منه ليست منتخبة من الشعب وإنما هي مجموعة أفراد لا يتجاوز عددهم مجموع أصابع اليدين ويكون المئات من ممثلي الشعب محكوم لهذه الفئة القليلة بل إن الشعب كله أصبح محكوما لأحكام وقرارات تلك المحكمة؟ فيدل ذلك على عدم صحة فصل السلطة وأن الشعب غير مشرع ولا يحكم نفسه بنفسه فيعني ذلك أن لا وجود للديمقراطية في الواقع. فالسلطة التشريعية هي سلطة الشعب الحقيقية في الديمقراطية التي تعني أن الشعب هو المشرع وهو الذي يحكم فكيف يوضع عليه سلطة من عدة أفراد في المحكمة الدستورية من السلطة القضائية؟ فهذا يناقض الديمقراطية ويناقض مفهوم الدولة المدنية التي رفضت سلطة رجال الدين الذين كانوا يشرعون للملك وزمرته وكانت سلطتهم فوق الشعب؟ وإذا قيل أن الشعب عاجز عن أن يضع قوانينه بنفسه لأنه غير متخصص بذلك وكذلك ممثليه في السلطة التشريعية وأن محكمة الدستور متخصصة في القانون وتفهمه أكثر ممن هم في البرلمان وفي غيره! فهذا الكلام وحده ينقض الديمقراطية ويبرهن على أنها غير موجودة أصلا لأن الشعب لا يحكم نفسه بنفسه فلا يشرع ولا يدير دولة وإنما تفرض عليه القوانين فرضا ويحكم بصرامة القانون وبقوة الشرطي. والحقيقة أن الشعب غير راض عن كثير من التشريعات ولا تخدمه وإنما تخدم فئة قليلة من أصحاب النفوذ والمال. ونلاحظ في الغرب الديمقراطي أن كل فئة من الناس غير راضية عن القوانين التي تتعلق بها؛ فتراها لا تؤدي تلك القوانين لأنها هاضمة لحقها وتخدم فئة نافذة فيما يتعلق بموضعها، ولذلك سمحوا بحرية الاحتجاج والإضراب لكل فئة حتى تطالب بحقها من الفئة المتنفذة، وتعمل على تسوية الأمور بعد الإضرابات والاحتجاجات بحل وسط يلبي بعض مطالب المحتجين وليس كلها ويترك الباقي إلى مرحلة أخرى فوضعت قاعدة خذ وطالب حتى لا يتمكن المحتجون على هضم حقوقهم من تلبية كامل حقوقهم فتبقى ناقصة. والسلطة القضائية أيضا عاجزة ولكنها جعلت على أنها الحكم مع أنها مكونة من مجموع أفراد قليلين بينما البرلمان مشكل من أعداد كثيرة تمثل الشعب وانتخب على أساس مطالبه ولكن محكمة الدستور أقوى منه! فكيف يحصل ذلك؟ وإن قيل أن هؤلاء الأفراد متخصصون في القانون ويفهمون الدستور أكثر من غيرهم من الناس فيفهمونه أكثر من الشعب ومن البرلمان الذي يمثله! فهذا القول وحده ينقض الديمقراطية كما قلنا ويثبت أن الديمقراطية غير موجودة فعلا؛ لأن الشعب لا يحكم نفسه بنفسه فلا يشرع لنفسه بل يشرع له أفراد قليلون ويحكمون على التشريعات، ولا يدير هو دولة حسب تشريعاته وإنما تفرض عليه التشريعات فرضا ويحكم بصرامة القانون وقوة الجندي! وقلنا بأننا نلاحظ في الغرب الديمقراطي أن كل فئة من فئات الشعب غير راضية عن القوانين التي فرضت عليها والأصل حسب الديمقراطية أن تكون كل فئة هي المشرعة للقوانين المتعلقة بها أو على الأقل يؤخذ رأيها فيما يتعلق بها! ولكن لا هذا ولا ذاك يحدث، وإنما تفرض عليها القوانين فرضا، ويترك لكل فئة حق الاحتجاج والإضراب في محاولة للتنفيس حتى لا تقوم ضد القانون وضد الدولة وإذا نجحت في إضرابها واحتجاجاتها تلبى لها بعض المطالب وليس كلها وتعطى بعض العلاوات لا كلها. والدستور في الدولة المدنية التي تحكم المحكمة الدستورية بمقتضاه ويسن البرلمان القوانين حسبه وترعى الدولة شؤون الناس به؛ هذا الدستور لا يضعه الشعب الذي يعتبر في الديمقراطية هو المشرع الحقيقي وهو مصدر السلطات ولا يصدره البرلمان النائب عن الشعب في التشريع حسب التحايل الديمقراطي وإنما تضعه لجنة تأسيسية دستورية من عدد من الأشخاص يعينون من قبل السلطة التنفيذية المؤقتة أو من قبل سلطة عسكرية مؤقتة عندما تستولي على الحكم. وبعد أن تضع الدستور تحل تلك اللجنة التأسيسية، وبعد ذلك يعرض الدستور على الشعب لإجراء الاستفتاء عليه، فإذا أقر بأكثرية شعبية فوق النصف يصبح هذا الدستور ساري المفعول! وتكون هذه اللجنة قد حددت صلاحيات السلطات الثلاث وما يتعلق بها من كيفية تشكيلها وحلها. فيجري بعد ذلك انتخابات عامة لتشكيل السلطة التشريعية ومنها يجري تشكيل السلطة التنفيذية من جديد وتحل السلطة التنفيذية المؤقتة ومن ثم يتم تشكيل السلطة التنفيذية الدائمة وتعين السلطة القضائية. فتكون مجموعة قليلة من الناس هي التي وضعت دستورا لكافة الناس فهي الحاكمة على الناس جميعا، فهذا يخالف القول في الديمقراطية بأن الشعب يحكم نفسه بنفسه أي أنه هو المشرع ويخالف حكم الأكثرية أيضا. هذا من جانب، ومن جانب آخر فان قبول نسبة فوق النصف من الناس ولو كانت نسبة واحد في المئة فوق النصف يصبح هذا الدستور ساري المفعول، ويهمل الجزء الآخر من الشعب وربما يكون هذا الجزء أقل من النصف بواحد في المئة! فكيف يصبح الشعب مشرعا ولم يضعه وجزء هام منه يصل إلى النصف رفض الدستور؟ حتى إن الذين وافقوا على الدستور لم يطلعوا عليه والنزر اليسير من الناس من يطلع عليه وأقل من هذا النزر من يدرك معانيه وقد صوت الذين وافقوا عليه من تأثير دعائي وليس عن إدراك ووعي وهذا ما يشاهد في كافة الدول الديمقراطية. فكل ذلك يدل على عدم ديمقراطية الدستور حسب الفكر الديمقراطي الذي يجعل الشعب يحكم نفسه بنفسه. وتسري عدمية الديمقراطية في النظام الديمقراطي على البرلمان بعدما يتشكل حيث يشرع حسب فئة قليلة وبنسبة معينة لا تمثل الشعب جميعا وحسب دستور لم يضعه. وإذا دققنا في ممارسات السلطة القضائية في النظام الديمقراطي وخاصة محكمة الدستور وفي المحاكم العليا الأخرى فسوف نرى مدى علاقتها بالسلطة التنفيذية بل بقوى نافذة في البلد؛ فهي تقع في كثير من الأحيان تحت تأثير القرار السياسي وتقف بجانب السلطة التنفيذية أو بجانب قوى نافذة في البلد. فعندما يكون الحال هكذا فمن الصعب أن تقول باستقلالية القضاء. إن تناقض ذلك مع الواقع من كونه لا يمكن الفصل بين السلطات فصلا مطلقا، ولا يمكن عمل كل سلطة لوحدها، ولا يمكن منع تداخل هذه السلطات مع بعضها البعض، ولا يمكن تعيين القائمين فيها من دون تأثير الأخرى مباشرة أو غير مباشرة. وإذا وجد تنافر بين هذه السلطات فان الدولة سيصيبها الشلل. فالحكومة تريد تشريعات معينة وترى مصلحة البلد في أمر ما كذا وكذا، وربما ترى المصلحة أكثر دقة مما تراه السلطة التشريعية والأخيرة تعارض الأولى. فالقائم على رعاية المصالح يدرك حقيقتها وحقيقة المشاكل التي يوجهها الحكم أثناء هذه الرعاية أكثر مما يدركها الجالسون في المجلس النيابي وان كان رأيهم لا يجوز إهماله بسبب أنهم يراقبون هذه الرعاية. ولذلك لا يمكن أن تعمل الدولة إلا إذا صار توافق بين هذه السلطات وبعبارة أخرى إلا إذا وافق البرلمان على التشريعات التي تريدها الحكومة ولم ينقضها القضاء. فعندئذ تسير الأمور على ما يرام. وإذا قالوا فان ذلك يسير على الأغلب في الدولة المدنية فنقول لماذا إذن الادعاء بفكرة فصل السلطات وهي تشل عمل الدولة وتعرقل سيرها في رعاية المصالح عند محاولتها تطبيق هذه الفكرة؟ وإذا تم التوافق بين هذه السلطات في الأغلب فكيف يتم الحديث عن وجود فصل للسلطات؟ فالفكرة واقعيا غير موفقة أو أنه لا يمكن تطبيقها واقعيا، فتبقى نظرية عند محاولة تطبيقها فان عمل الدولة يشل فلا تتمكن الحكومة من رعاية المصالح. والتناقض الذي يحصل بين هذه السلطات أو التعارض بينها سببه: أولا: أن الحاكم هو الذي يجب أن يتبنى القوانين؛ لأنه هو الذي يحكم ويمارس الحكم ويرعى مصالح الناس فكان أدرى وأحق بذلك. ولذلك وجب أن يكون الحاكم هو الذي يسن القوانين والمجلس يراقبه ويحاسبه ويرشده، والقضاء ينظر في شرعية تلك القوانين ودستوريتها. ثانيا: رؤية الأمر المعين الذي يراد سنه أو تبنيه قانونا أهو مصلحة أو غير مصلحة؟! وهذا يرجع إلى مسألة التحسين والتقبيح للأعمال. فعندما ترك للإنسان تعيين الحسن والقبح في الأعمال فعندئذ تختلف الرؤى بين الناس، لأن العقل يكون هو الحكم، وعقول الناس مختلفة وأهواؤهم ومصالحهم التي تؤثر على عقولهم مختلفة. فكل إنسان يقيم المصلحة حسب هواه وحسب مصلحته وحسب قدراته العقلية وإحاطته بالأمر الذي يراد أن يسن ليصبح قانونا. وتتغير النظرة للحسن والقبح من زمن لآخر ومن بيئة إلى بيئة، ومن شخص إلى شخص. فعندما تكون النظرة للحسن والقبح متأثرة بهذه العوامل ولا يمكن للإنسان أن يتحرر منها فيكون من الخطأ الفاحش أن يترك للإنسان حق التشريع لأنه لا يمكن أن يعطي نظرة صحيحة عن حسن العمل أو عن قبحه حتى يقرر أن ذلك مصلحة أو مفسدة! ولهذا لا يعطى حق التشريع لا للحاكم ولا للبرلمان ولا للقضاء ليقرر الحق في التشريع. ثالثا: أنه لا يمكن أن يسير أعمال الدولة ويرعى مصالح الناس ويدير شؤونهم إلا سلطة واحدة فالدولة سلطة واحدة وليست عدة سلطات. وهذا هو الواقع ولذلك لا يمكن أن يسير الأمر على ما يرام إلا إذا وافق البرلمان على التشريعات التي تريدها الحكومة ولم ينقضها القضاء. وإذا لم يحصل ذلك فان التناقض سيظهر وبذلك تتوقف أعمال الدولة أو تتوقف رعاية المصالح وإدارة الشؤون وكأنه لا توجد دولة. فلو استمر الأمر هكذا في كل مسألة فتصبح الدولة في حكم العدم. وبذلك لا يمكن الرعاية إلا بتوافق ما يسمى بالسلطات الثلاث فتعتبر سلطة واحدة. ولذلك فان البلد لا يدار إلا بسلطة واحدة. رابعا: أن القيادة فردية فلا يمكن للدولة أن تسير إلا إذا كان هناك شخص واحد هو الذي يقرر في النهاية أن الأمر يجب أن يسير هكذا أو هكذا. وإذا ترك اتخاذ القرار لمجموعة من الناس فان تسيير الدولة أو إدارتها لا يتحقق لأن قدراتهم العقلية ومداركهم متفاوتة. فللحسم والقطع في الأمور أي للعزم على التنفيذ لا بد إلا أن يكون القائد فردا واحدا. وأما دور الآخرين فهو للشورى وللمراقبة وللمحاسبة. وعندما سحبوا من الحاكم في الغرب حق التشريع لان ذلك يؤدي إلى الاستبداد وأعطي هذا الحق للشعب حتى يقضى على الاستبداد فأدركوا أن الشعب لا يستطيع التشريع فسقطت الديمقراطية، فصار تحايل على الأمر بان أعطي هذا الحق لمجلس يمثل الشعب. فأصبح البرلمان هو المستبد الذي يشرع رغما عن الجميع بل جعلوا فوق مجلس الشعب محكمة تقضي وتحكم عليه. فأصبحت هذه المحكمة بمثابة المستبد في الأمر فإنها تحكم رغما عن المجلس وعن الشعب كله. فإذن لم يستطيعوا أن يتخلصوا من الاستبداد من قبل فرد أو من قبل مجموعة من الأفراد. فما حصل في الغرب من ردة فعل على الدولة الاستبدادية أو الديكتاتورية لكونها دولة ثيوقراطية أي دولة دينية أو دولة الاستبداد الديني كان بسبب أن فردا ومعه فئة ممن يسمون النبلاء والعائلات الثرية بالتحالف مع رجال الدين أو الكنيسة كانوا يشرعون حسب مصالحهم. فالكنيسة تشرع بصلاحيات كاذبة من الله ليحصل توافق بينها وبين الدولة وتتواطأ على حكم الناس بغير ما انزل الله. فحصل الاستبداد فنودي بالدولة المدنية ليتخلصوا ممن أسموها بالدولة الدينية بالمفهوم الغربي وبالديمقراطية حتى يحكم الشعب نفسه بنفسه، ولكن لم يحصل من هذا القبيل شيء كما ذكرنا. أي لم يحكم الشعب نفسه بنفسه فلم يشرع ولم يحكم بل بقي محكوما والتشريعات تصدر من فوقه رغما عنه من قبل فئة قليلة من الناس فعاد الاستبداد بصورة أخرى بل إن الدولة المدنية الديمقراطية يتحكم فيها أصحاب النفوذ وخاصة أصحاب رؤوس الأموال فهم الذين ينتخبون الحاكم وهم ينتخبون مجلس الشعب وهم يتحكمون في الحكم ولكن بصور خفية تخفى على كثير من الناس. والناس يذهبون إلى صناديق الاقتراع ليصوتوا على أشخاص فرضوا عليهم من قبل أصحاب النفوذ وعلى رأسهم أصحاب رؤوس الأموال. ولذلك سادت دكتاتورية أصحاب رؤوس الأموال أي الاستبداد الرأسمالي فسمي النظام بالرأسمالي وهذه الحال في كل دول الغرب الديمقراطية. وقد جعلوا للحاكم ولأعضاء الحكومة والبرلمان الحصانة، فلا يحاكم هؤلاء وهم في الحكم وفي المجلس، وهذا نوع من الظلم والاستبداد. فالحاكم أصبحت له الحصانة كما كان في العصور ما قبل ظهور الديمقراطية حيث كان للملك وللنبلاء وللقطاعيين الحصانة. وإذا قيل يجب أن تكون للحكام حصانة ما داموا في الحكم حتى يتمكنوا من الحكم وحتى يكون هناك استقرار فنقول إنكم قد أقررتم بالاستبداد. فالحق ألا يجعل لأحد حق بالحصانة، بل يجب أن يحاكم الحاكم فورا مثله مثل عامة الناس. والخلاصة أن القول بتعدد السلطات وبفصل السلطات قول خاطئ لأنه غير متحقق فعليا، ولا توجد غير سلطة واحدة في الدولة وهي التي ترعى مصالح الناس وتسير شؤونهم. ولقد رأينا أن فكرة تعدد السلطات وفصلها وجدت كردة فعل على الاستبداد من جراء حصر السلطة في شخص رئيس الدولة ملكا كان أو إمبراطورا، ولكن الاستبداد ليس آتيا من ذلك وإنما آت من أن المشرعين هم البشر سواء في الدولة المدنية الحالية أو الدولة الدينية البائدة. فالقضية أن التشريعات التي يصدرها البشر لا تنتج العدل وإنما تنتج الظلم. فلا بد أن يأتي التشريع من خالق البشر، والبشر يديرون أنفسهم بهذه التشريعات، فينتخبون حكامهم ويحاسبونهم ويقومونهم ويسقطوهم بناء على ذاك التشريع الذي أنزله خالقهم، فعندئذ يزول الاستبداد ويسود العدل ويسعد البشر. يتبع إن شاء الله تعالى... 17 شوال 1433هـ http://www.azeytouna.net/YourLetters/Van_de_lezers456.htm يوسف الساريسي أبوالهمام 2 اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
إسماعيل بلال قام بنشر September 8, 2012 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر September 8, 2012 فكرة فصل السلطات بين النظرية والواقع (2) عبد الكريم منصور من جراء عدم إدراك كثير من المسلمين في هذا العصر لنظام الحكم في الإسلام ومن جراء وقوعهم تحت تأثير الفكر الغربي وتطبيق النظام الغربي عليهم مباشرة منذ فترة من الزمن والبريق الخادع له، ومن جراء الدعاية الكاذبة له، صعب عليهم أن يفرقوا بينه وبين النظام الغربي الديمقراطي. وصعب عليهم أن يفرقوا بين مفهوم الدولة الإسلامية ومفهوم الدولة الدينية عند الغرب، ولم يدركوا مدى تناقض الدولة المدنية مع الدولة الإسلامية ولم يدركوا فكرة فصل السلطات ومخالفتها للواقع ولنظام الحكم في الإسلام، ولم يدركوا معنى الديمقراطية الحقيقي فظنوا أن معناها الانتخابات أو ركز أمام أعينهم على هذا الجانب حتى يغطى على المعنى الحقيقي لها الذي يجعل التشريع للبشر حتى يتم تجريعها لهم، لان الغرب أدرك انه لا يمكن أن يقنع المسلمين بالديمقراطية إذا أظهرها على حقيقتها. ولذلك رأينا التناقض العجيب عندما قام مسلم يعتبر متدينا وأصبح رئيسا للجمهورية في مصر فيقسم في 29/6/2012 قسم الولاء لهذا النظام فيقول بأعلى صوته: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ على النظام الجمهوري" في ميدان التحرير فتصفق له الحشود المليونية المسلمة هناك عندما اقسم على الولاء للنظام الذي ثاروا ضده. وخاطبهم قائلا:" اليوم أسس الشعب المصري لحياة جديدة ديمقراطية حقيقية وإعلاء مفهوم المؤسسية". وقال :" سأحترم واقدر السلطة القضائية والسلطة التشريعية وأقوم بدوري لضمان استقلال هاتين السلطتين عن بعضهما البعض وعن السلطة التنفيذية". وقال:" سنكمل المشوار في دولة مدنية وطنية دستورية حديثة". وإن من أسباب هذا التناقض العجيب لدى المسلمين ومن يتولى حكمهم هو انه عندما قامت الثورات في العالم العربي وطرحت شعار إسقاط النظام وإعادة كرامة الإنسان ولم تطرح البديل بشكل واضح لعدم اكتمال الوعي لديها تحرك الغرب بسرعة وأدرك أن هذه الثورات حقيقية ستطيح بالأنظمة التي أقامها والدساتير التي وضعها ونصب عليها أتباعا له في فكرته وفي سياسته، فجعلهم عملاء مخلصين له ومستبدين في الأمة يسومونها سوء العذاب حتى يحافظ على نفوذه، فتحرك الغرب بسرعة وضحى ببعض عملائه وقبل بإسقاطهم في سبيل الحفاظ على نظامه الغربي الذي أقامه في بلاد المسلمين وقبل بأن يأتي أناس من المحسوبين على التيار الإسلامي بشرط أن يتعهدوا بالولاء للنظام الديمقراطي والدولة المدنية وان يحترموا فكرة فصل السلطات. وبدأ الغرب يروج لذات النظام الذي أقامه من قبل والذي أصبح على وشك السقوط ولكن أراد الحفاظ عليه بتلميع صورته ليظهر اقل استبدادا، وصار ينادي ويروج للدولة المدنية القائمة على أساس فكرته في فصل الدين عن الدولة وفي هيكلها فصل السلطات. فلو أدرك المسلمون إدراكا تاما بان فصل السلطات شيء غير متحقق في الواقع وهو مخالف للواقع وانه لا يوجد إلا سلطة واحدة يديرها شخص واحد يسمى الخليفة بأحكام شرعية مستنبطة مما أنزل الله لما قبلوا بالديمقراطية أو بفصل السلطات ولا نادوا بالدولة المدنية. فما حصل في الغرب لم يحصل عندنا بل كان تاريخنا مشرقا مختلفا عن تاريخهم المظلم. فلم يحدث أن طالب الناس على مدى 13 قرنا بإسقاط الخليفة لأنه فرد واحد يحكم وأنه مستبد. لأن هذا الخليفة لم يكن مستبدا فلم يحكم حسب هواه وحسب مصالحه بل حكم بما أنزل الله فلم يعترضوا على حكمه ولذلك لم يكن مستبدا أو دكتاتورا. وكل ما اعترضوا عليه هو إساءة تطبيق البيعة أي أن الخليفة كان يرشح ابنه أو أخيه أو أحد أقاربه حتى يبايع على الخلافة من بعده باجتهاد خاطئ للمحافظة على وحدة الدولة ومنعا لاختلاف الناس من بعده والحيلولة دون الفتن. مع العلم أن الإسلام يعطي الحق للأمة لتختار وتبايع من تريد سواء ابن الخليفة أو احد أقاربه أو أي شخص آخر من بينها يحوز على الأهلية. ولا توجد في الإسلام زمرة رجال الدين لان الإسلام لم يعط حق التشريع للعلماء ولا لغيرهم من البشر، وما يقوم به العلماء هو الاجتهاد فقط. فيقومون ببذل الوسع في استنباط الحكم الشرعي لمسألة عملية من الأدلة التفصيلية أي من القرآن والسنة وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي. والخليفة ربما يكون هو أيضا مجتهدا فإذا تبنى حكما شرعيا سواء باجتهاده أو باجتهاد علماء آخرين فيصبح حكما شرعيا في حق الرعية فيلزم الناس به حتى يتمكن من رعاية شؤونهم وتسيير مصالح الدولة. فالدولة الإسلامية ليست دولة دينية بالمفهوم الغربي وان كان أساسها الدين الإسلامي أي دستورها وقوانينها نابعة من الدين الإسلامي. بل هي دولة بشرية يحكمها بشر بما انزل الله ويختار حكامها ونوابها من قبل البشر. فلم يعينوا من قبل الله فليست هي دولة إلهية وليست هي دولة ثيوقراطية. ورئيسها الخليفة أو الإمام ليس معصوما بل هو بشر يصيب ويخطئ. والإسلام يرفض الحصانة للحكام وممثلي الشعب كما يقرها النظام الديمقراطي. فالخليفة أو أي حاكم في الدولة أو أي نائب يحاكم من قبل محكمة المظالم فورا. والدولة النموذجية هي التي تكون على منهاج النبوة أي خلافة راشدة. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي". وقد هاجم الإسلام مفهوم الدولة الدينية عند الغرب التي يشرع فيها رجال الدين. فجاءت الآيات تهاجمهم قائلة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ( التوبة 31). ووصفت هؤلاء المشرعين بالكذابين فقالت: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران78). وهددهم الله الحاكم على عباده بعذاب منه لفعلهم ذلك مقابل عرض دنيوي فقال: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} (البقرة 79) وغير ذلك من الآيات العديدة التي تهاجم المشرعين من رجال الدين. كذلك هاجم الإسلام الدولة المدنية التي يصبح فيها زمرة من الناس مشرعين فقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} (التوبة 29). وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (النساء 150 ـ 151) وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} ( النساء60ـ61) فالذين يزعمون انهم مؤمنون او مسلمون ومن ثم يرفضون حكم الله ويريدون حكم البشر وهو حكم الطاغوت وصفهم الله العالم بخفاياهم بأنهم منافقون وليسوا بمؤمنين وقد أضلهم الشيطان ضلالا بعيدا. فالديمقراطية التي تجعل البشر مشرعين هي طاغوت والدولة المدنية القائمة على ذلك هي أيضا طاغوت أي هما استبداد ودكتاتورية. ووصف الذين لا يحكمون بما انزل الله بالكفرة والظلمة والفسقة. فالحكم بغير ما انزل الله هو الظلم بعينه وهو الاستبداد. وفرض إقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بما انزل الله في العديد من الآيات، كما أن كثيرا من الأحكام التي تتضمنه الآيات وتطلب من المسلمين تطبيقها لا يمكن تطبيقها من قبل الأفراد بل تقتضي وجود دولة لتطبيقها. بجانب ذلك هناك كمّ هائل من الأحاديث التي تتعلق بالدولة الإسلامية منها قولية ومنها فعلية والى جانب ذلك كله إجماع الصحابة واستمرارهم بالفعل على إقامتها وتقويتها. والأمة كلها بعلمائها وبعامتها وبحكامها كلهم اتبعوا ذلك على مدى 13 قرنا وحافظوا عليه وطبقوه لأنهم أدركوا أن ذلك من صلب دينهم، بل إن ذلك تاج الفروض فمن دونه لا يمكن أن تقام الفروض الأخرى. فالدولة الإسلامية فيها سلطة واحدة ترعى شؤون الناس ومصالحهم بشرع الله خالقهم. فكانت السيادة للشرع وليس للأمة ولا للخليفة، ولكن السلطان للأمة تمنح الشخص الذي تنتخبه خليفة السلطة ليرعى شؤونها ومصالح حسب أحكام الشرع. فعندئذ لا يكون الخليفة مستبدا. وان كان هو على رأس السلطة ويملك كامل الصلاحيات إلا أن للدولة أجهزة عديدة من معاونين تفويض يعاونون الخليفة وينوبون عنه، ومعاونين تنفيذ، وولاة وعمال، وجيش، وامن داخلي، وخارجية، وصناعة، وقضاء ومنهم قاضي المظالم، وهناك جهاز إداري، وبيت مال، وإعلام، ومجلس أمة يشاوره الخليفة ويحاسب الخليفة. فقاضي المظالم ينظر في الدعاوى المرفوعة ضد الخليفة وغيره من الحكام في الدولة فليس لأحد منهم حصانة وينظر في شرعية القوانين. ولكنه ليس سلطة منفصلة وإنما يعين ويعزل من قبل الخليفة، ولكن حين النظر في الدعاوى لا يجوز للخليفة أن يعزله. ومجلس الأمة ينتخب من قبل الأمة لينوب عنها في الشورى والمحاسبة، فليس له حق التشريع. ولذلك كانت الدولة الإسلامية بشرية ينتخب رئيسها من قبل البشر وهو ليس معصوما وليست له الحصانة، وليس له حق التشريع وإنما هو يتبنى الأحكام الشرعية فتصبح قوانين نافذة ظاهرا وباطنا يلزم الناس بإتباعها. فالأمة قادرة على محاكمة الخليفة أمام محكمة المظالم وقادرة على إسقاطه بواسطتها عند مخالفته للأحكام الشرعية، فلها حق المطالبة بعزله لأسباب شرعية. فالسلطان في الدولة الإسلامية للأمة أي للبشر ولكن السيادة فيها للشرع. فالكل حاكم ومحكوم خاضع للشرع. لأنهم كلهم مخلوقون فلا معصومية ولا حصانة لأي أحد منهم، كلهم سواسية كأسنان المشط أمام سيادة الشرع. يتبع إن شاء الله تعالى... 19 شوال 1433هـ http://www.azeytouna.net/YourLetters/Van_de_lezers457.htm فكرة فصل السلطات بين النظرية والواقع (3) عبد الكريم منصور وبعد أن بحثنا موضوع فصل السلطات بشكل واقعي مجرد لنناقش فيه أصحاب الفكر العلماني والديمقراطي والمنادين بالدولة المدنية وفصل السلطات، وبعد أن تعرضنا في الجزء الثاني إلى واقع الدولة الإسلامية، نريد في هذا الجزء الثالث أن نتناول مسألة ليست قليلة الأهمية ألا وهي ما نلاحظه على المفكرين والمشرعين الغربيين قديما وحديثا وهم يتناولون موضوع نظام الحكم فلا يلتفتون إلى نظام الحكم في الإسلام قطعا. فنراهم يتجاهلونه تجاهلا تاما حتى يظن البعض انه لا يوجد نظام حكم في الإسلام، فلا يقومون بدراسته وبحثه بصورة مجردة. وما يقوم به المستشرقون لا يعد دراسة ولا بحثا وإنما يقومون بكتابات مغرضة خدمة للحروب الاستعمارية التي يشنها الغرب المستعمر على الإسلام والمسلمين، وقد أسس معاهد الاستشراق على اثر هزيمته في الحروب الصليبية بقصد محاربة الإسلام فكريا. مع العلم أن الدولة الإسلامية كانت أعظم دولة في العالم على مدى قرون عديدة وكانت تغزوهم في عقر دارهم وتفتح بلدانهم وقد عمرت ثلاثة عشر قرنا. وسبب تجاهلهم لنظام الحكم في الإسلام وهم يشاهدون وجوده ماثلا أمامهم ويحسون بعدله ونجاحه سبب ذلك نابع من أمرين رئيسين: أولهما: أنهم كانوا يعتبرون الإسلام عدوا لهم فاتخذوه عدوا حقا، فكانت مواقفهم تجاهه مواقف عدائية، ولذلك لم يلتفتوا إلى نظام الحكم في الإسلام ولم يكلفوا أنفسهم بالبحث فيه ولو على سبيل اخذ المعلومات السابقة أو على سبيل حب الاستطلاع. وقد أدركوا أن الإسلام يخالف وجهة نظرهم مخالفة تامة ويتناقض مع حضارتهم تناقضا تاما فلا يوجد وجه شبه بين الإسلام وبين ما هم عليه. ومثل ذلك لم يدركه كثير من المسلمين في هذا العصر؛ بان وجهة نظر الغرب على النقيض من وجهة نظرهم وحضارته وثقافته تتناقض مع حضارتهم وثقافتهم تناقضا تاما حتى يكونون محصنين ضد ما يأتيهم من الغرب ولا يلتفتوا إلى نظمه وتشريعاته سواء نظام الحكم أو غيره من النظم كما فعل المسلمون الأوائل الذين لم يلتفتوا إلى نظم الحكم لدى الأمم الأخرى ولا إلى تشريعاتهم ولم يترجموها. مع العلم أنهم ترجموا علومهم ليستفيدوا منها لأنهم أدركوا أنها ليست لها علاقة بوجهة النظر عن الحياة وليست لها علاقة بالحضارة والثقافة. فالعلم عالمي لا يستند إلى عقيدة معينة، تماما كما أدرك ذلك الغربيون بان العلم عالمي فأخذوا العلوم من المسلمين وبنوا عليها وطوروها وتقدموا على أساسها بل تبنوا طريقة البحث العلمي التي اكتشفها المسلمون. وقد ترجم المسلمون فلسفات الآخرين للرد على قضايا فكرية تمر في فلسفاتهم وقد أثيرت أمام المسلمين فاضطر المسلمون لدراستها للرد عليها وإعطاء رأي الإسلام فيها، ولكنهم لم يترجموا نظم حكم تلك الأمم ولا تشريعاتهم. وثانيهما: اتخاذ الغربيين فكرة فصل الدين عن الحياة عقيدة لهم، وقاعدة فكرية يبنون عليها كافة أفكارهم، فرفضوا كل دين وكل فكر يمت إلى الدين كردة فعل على ما كان عندهم من واقع الدولة الدينية فقاسوا الإسلام على النصرانية. فلم يعنوا أنفسهم ببحث نظام الحكم في الإسلام ليكتشفوا انه بعيد عن الدولة الدينية في مفهومهم والتي تعني الاستبداد الديني. فاتجهوا نحو الفكر السياسي والفلسفي لدى اليونانيين القدامى، لأنه فكر مادي بحت بعيد كل البعد عن الدين فاستقوا من هذا الفكر معلوماتهم الأولية فيما يتعلق بالفكر وبالسياسة وبنظام الحكم مثل فكرة فصل السلطات والديمقراطية والجمهورية وغيرها الكثير من الأفكار، ولكن قاموا بتطويرها حتى تلاءم مبدئهم وواقعهم. بينما نرى المسلمين منذ بدء الغزو الغربي لهم فكريا وسياسيا وعسكريا واحتلاله لبلادهم نراهم يأخذون كل شيء من الغرب. وكل ذلك بسبب الضعف الفكري الذي طرأ على أذهان المسلمين من جراء عوامل عديدة وقد بهرهم تقدم الغرب ماديا فتأثروا بفكره وبنظمه. فلم يلتزموا بوجهة النظر التي لديهم ولم يعودوا يدركون مدى التناقض بين وجهة نظرهم ووجهة نظر الغرب. ولذلك لم يتخذوه عدوا فكريا وسياسيا وحضاريا كما اتخذوه عدوا عسكريا محتلا. فرفضوا احتلاله لبلادهم وقاوموه ولكنهم لم يرفضوا فكره ونظمه وثقافته وحضارته. فالغشاوات التي غشت على فهم المسلمين لإسلامهم جعلهم يسيئون فهمه ويتأثروا بالفكر الغربي، ولم يدركوا سر تقدم الغرب المادي وسر تأخرهم المادي مع العلم أن الغرب كان متأخرا عنهم وكانوا هم متقدمون عليه، بل لم يكن عند الغربيين أي تقدم وهم يسمونها عصورهم بالعصور الوسطى المظلمة والتي كانت لدى المسلمين مضيئة. فعندما صار الحال لدى المسلمين على هذا الشكل خضعوا للغرب ولفكره ولنظمه، فأخذوا النظام الجمهوري والديمقراطي ونادوا بالدولة المدنية وبالحريات العامة من دون إدراك لديهم أن ذلك كله يخالف الإسلام ونظمه. بل تجاوز البعض الحد بان قال بان ما عند الغرب يوافق الإسلام أو انه في الأصل هو فكرنا وان هذه بضاعتنا ردت إلينا. مع العلم أن الغرب يسخر من هذه الأقوال ومن أصحابها ويتعجب كيف أصبح هؤلاء أسرى لفكره الغربي ومنضبعين به، بل هو يتعجب كيف نجح في ذلك في أمة عظيمة لديها دولة عظمى سادت العالم مدة لم تسدها أية دولة في العالم عبر التاريخ وتؤمن بمبدئها وتتمسك به؟! فيعد ذلك من انتصاراته الكبرى على الإسلام فأصبح يعتبره فكرا رجعيا ليس له علاقة بالسياسة وبالفكر التنويري، بل صوره على انه يحجر على العقول، فيسخر منه ويستهزئ به بأشكال متعددة ويقيسه على النصرانية، بل انه يحترم النصرانية كدين روحي أكثر مما يحترم الإسلام، وبعض الدول الغربية لا تعترف به رسميا كأحد الأديان الموجودة في بلادها، وكل ذلك بسبب الحقد الذي يكنه له وقد اتخذه عدوا له واعتبر الغربيون ان التاريخ انتهى بانتصار الرأسمالية بكل أفكارها ونظمها، ولا يوجد بعدها مبدأ سيسود في الأرض. فقبول حركات تعتبر إسلامية بأفكار الرأسمالية من ديمقراطية ودولة مدنية وحريات عامة وبفكرة فصل السلطات وغير ذلك من الأفكار والنظم السياسية الغربية وبعد قيام الثورات التي تفجرت في وجه هذه الأنظمة التي تستند إلى الفكر الغربي الرأسمالي لهو دليل على أن التأثر بالغرب وبوجهة نظره وبأفكاره ونظمه ما زال موجودا لدى الكثير من الناس خاصتهم وعامتهم. فلو لم يكن ذاك التأثر موجودا لرفضوا تلك الأفكار والنظم جملة وتفصيلا وقد سببت لهم المآسي الكبيرة وعمتهم البلوى من جرائها منذ أن ادخلها الغرب عليهم، ولو لم يكن الأمر كذلك لأصروا على إقامة نظام الإسلام كما أقامه رسولهم عليه الصلاة والسلام ومن بعده الخلفاء الراشدين المهديين. بالرغم من انه قد تولدت لديهم قناعة بان الإسلام هو الحل ولكن لعدم بلورتهم لأفكاره وعدم وعيهم التام عليها وخاصة الأفكار التي تتعلق بالحكم وبالسياسة والاقتصاد بجانب ضعف الإرادة لدى القائمين على تلك الحركات فلا يجدون لديهم القدرة على التحدي وعلى تطبيق الإسلام والإصرار عليه مهما بلغت التضحيات، ولعدم وعيهم السياسي التام حيث يقعون في فخاخ الدول الغربية ويتخوفون من أنها سوف لا تسمح لهم بتطبيق الإسلام وسوف تجهز على بلادهم إذا ما فعلوا ذلك ويشعرون بأنه ليست لديهم القدرة على ردهم والتصدي لهم، كل ذلك عرقل إقامة نظام الحكم في الإسلام حتى الآن. مع العلم أن الأفكار والنظم الغربية التي ينادون لتطبيقها بعد الثورة هي بالأصل قائمة في بلادهم ومطبقة عليهم منذ سقوط الخلافة. وقد شاهدوا بل عايشوا فساد تلك الأفكار والنظم الغربية واصطلوا بنارها قرنا من الزمان فلحقهم الظلم والجور وأصابهم الفقر بسببها. فكيف يقبلون بها مرة ثانية بعدما ثاروا عليها؟ فيظهر أن تلميع الغرب لها من جديد، وإغراء البعض بالمناصب، والاستعجال بقطف شيء ما من ثمار الثورة من إعادة الكرامة وتنفس رائحة الانعتاق من الظلم والاستبداد جعل البعض يغتر بذلك فيقبل بإعادة النظام السابق من جديد بصورة ملمعة وبوجوه جديدة. كما حصل تماما بعدما انعتق الناس من نير المستعمر وخروج جيوشه من بلادهم فاخذوا نظمه التي كان يطبقها عليهم أثناء استعماره المباشر لهم! فلم يتغير حالهم بعد خروج المستعمر بل أصبح المستعمر يديرهم بواسطة هذه الأنظمة التي أقامها. فالدساتير التي وضعها المستعمر أثناء الاستعمار بقيت بعد خروجه والآن يعملون على إبقائها بعد الثورة بعد إجراء عمليات تجميلية عليها. ومن جانب آخر فان الشعوب الغربية قد سئمت أنظمتها الرأسمالية وذاقت الويلات منها وهي تعيش في ضنك من العيش وتبحث عن بديل وقد بدأت تتململ من جديد. فكان الأحرى بالمسلمين الثائرين أن يفكروا في هذه الظاهرة ويعملوا على أن يكونوا محررين ومخلصين لتلك الشعوب بعدما تأثرت هذه الشعوب بثوراتهم فأرادت تقليدها ولكنها لم تنجح حتى الآن. وقد قامت الشعوب الغربية ضد نظمها سابقا وقد تطلعت إلى الاشتراكية كمخلص لها، وقد حاربت الدول الغربية الفكر الاشتراكي بكل الوسائل ومن أخبثها تبنيها لتشريعات اشتراكية والسماح لتأسيس أحزاب اشتراكية لا تتعارض مع المبدأ الرأسمالي وتصل إلى الحكم وتصدر تشريعات اشتراكية تعتبر ترقيعات في ظل المبدأ الرأسمالي وقد عبر عنها باشتراكية الدولة، مع العلم أن الاشتراكية المستندة إلى الفكر الماركسي وصلت إلى الحكم في روسيا والصين وغيرهما من البلدان التي اتبعتهما ولكنها فشلت وسقطت فلم يعد لها وجود سوى اسمها والأحزاب الحاملة لاسمها. فالغربيون حتى الآن لا يتطلعون إلى الإسلام كنظام للحياة يمكن أن يأخذوا به ليحل محل المبدأ الرأسمالي مع أنهم في حاجة ماسة إلى نظام حياة ينقذهم. فما زال الغرب ينظر إلى الإسلام على انه مجرد دين كهنوتي، وليس على اعتبار انه دين ومن دولة ونظام حياة كما هي حقيقته. وأغلب الحركات الإسلامية من أحزاب وجمعيات وهيئات ومؤسسات لا تعرض الإسلام على الغرب بهذه الصورة بل تتوجس من عرضه عليه بهذه الصورة وهي متأثرة بالفكر الغربي فلا تستطيع أن تجيب على كثير من الأسئلة بل تظهر نفسها بأنها تقبل بأفكار الغرب ولا تعرض إلا الجانب الروحي والخلقي من الإسلام. وبجانب ذلك فانه لا توجد دولة في العالم الإسلامي تكون نموذجا لتطبيقه ولحمله للعالم وتلفت نظر الغربيين بشكل جاد إليه أي إلى الإسلام على اعتباره نظاما شاملا للحياة. فتبقى النظرة العدائية السابقة لدى الغربيين عن الإسلام مسيطرة على أذهانهم. وقد التفتت الشعوب الغربية إلى الثورات العربية وتابعها البعض باهتمام ولكن وسائل إعلامهم التي تملكها الدولة ويملكها أصحاب رؤوس الأموال الذين يملكون المليارات ويحرمون شعوبهم منها عملت على عدم إبراز تلك الثورات أو تلميعها، ولم تعمل على التركيز عليها خوفا من أن تنتقل العدوى إلى بلادهم وشعوبهم ولم يقم مفكرون منهم بدراستها وعرضها عليهم، إلا أن بعض أخبارها لامست أسماعهم فحاولوا تقليدها وقاموا ببعض من مظاهرها كاحتجاجات وول ستريت وغيرها في أمريكا وأوروبا، ولكنها لم تنضج، والثورات العربية لم تطرح بديلا حتى تلفت نظر الغربيين بل جرى التحايل عليها بإعادة النظام القائم بثوب جديد، وهو النظام الذي ثاروا عليه وأرادوا إسقاطه وهو النظام الغربي الرأسمالي نفسه الذي أقامه المستعمر منذ استعماره لبلاد المسلمين وهدمه لنظام حكمهم نظام الخلافة. فقبل من ركبوا على أكتاف الثائرين بهذا النظام على شرط أن يتوظفوا فيه رؤساء ووزراء ونوابا، فأقسموا الأيمان المغلظة على أن يكونوا مخلصين في المحافظة على النظام القديم الفاشل وأشهدوا الله على الإخلاص لنظام الكفر من جمهورية وديمقراطية ودولة مدنية وفصل سلطات. فكيف يشهدوا الله على أن يخلصوا لنظام ما أنزل الله به من سلطان يخالف بل يعادي النظام الذي انزله الله ويقسموا الأيمان المغلظة على ذلك؟! فالثورات العربية حتى الآن لم تنجح في الإتيان بنظام بديل جديد حتى تلفت نظر الشعوب الغربية التي تبحث عن نظام بديل. وأكثر ما سيجري من تغيير هو وضع بعض المواد التي تظهر أن لها علاقة بالإسلام في الدساتير وان يجري سن بعض القوانين باعتبارها انها غير مخالفة للشريعة الإسلامية وان تصل بعض الأحزاب التي تعتبر إسلامية إلى الحكم في ظل النظام الرأسمالي القائم، فتنطلي هذه الحيلة على الشعوب الإسلامية كما فعل الغربيون تماما مع الاشتراكية والاشتراكيين وتحايل عليهم. وبهذا الشكل تظهر ترقيعات إسلامية في الثوب الرأسمالي كما ظهرت الترقيعات الاشتراكية في الثوب الرأسمالي. فالدول الغربية تتقن فن التحايل على شعوبها وعلى شعوب العالم كله، وهذا هو سر بقاء النظام الرأسمالي حتى الآن وإلا كان من الطبيعي أن يسقط من أول أيامه في بداية القرن التاسع عشر عند ظهور وحشيته وجشعه وظلمه، وقد بدأت الأفكار الاشتراكية للحلول محله بعد مرور فترة قصيرة على البدء بتطبيقه. وقد تعرض للانهيار عدة مرات ولم ينقذه سوى مثل هذا التحايل، وهو قبول ترقيعات من غير جنسه في لباسه، ومن ثم يعمل مع الزمن على إزالتها إذا رأى أنها لم تعد صالحة له. ولذلك كان اخطر شيء على الإسلام أن تؤخذ منه أفكار وتشريعات ويعمل على تطبيقها في ظل النظام الرأسمالي القائم لتكون ترقيعات فيه تديم عمر النظام الرأسمالي مع جعل المسلمين يوافقون على بقائه فوق رؤوسهم ويحافظون عليه بجعلهم يتبنون أفكاره من دولة مدنية ديمقراطية أو علمانية ومنها فكرة فصل السلطات وغير ذلك من الأفكار والنظم وعلى الأخص منها تلك التي تتعلق بالحكم وبالسياسة والاقتصاد. فإذا لم تضرب تلك الأفكار كلها وتنقض نقضا تاما وان يميز بينها وبين الإسلام وما لم يدع إلى تطبيقه تطبيقا كاملا وتاما في جميع نواحي الحياة مستندا الى عقيدته ووجهة نظره في الحياة وبعيدا عن النظم الأخرى فلا يمكن أن يكتب النجاح للعاملين على تطبيقه، ولن يكون مثالا للشعوب الأخرى التي تتعطش لنظام جديد ينقذها مما هي فيه ويحررها من ربقة النظام الرأسمالي الاستبدادي. 21 شوال 1433هـ http://www.azeytouna.net/YourLetters/Van_de_lezers458.htm يوسف الساريسي 1 اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
يوسف الساريسي قام بنشر September 12, 2012 ارسل تقرير Share قام بنشر September 12, 2012 (معدل) السلام عليكم ما أروع هذا الكلام والخلاصة أن القول بتعدد السلطات وبفصل السلطات قول خاطئ لأنه غير متحقق فعليا، ولا توجد غير سلطة واحدة في الدولة وهي التي ترعى مصالح الناس وتسير شؤونهم. ولقد رأينا أن فكرة تعدد السلطات وفصلها وجدت كردة فعل على الاستبداد من جراء حصر السلطة في شخص رئيس الدولة ملكا كان أو إمبراطورا، ولكن الاستبداد ليس آتيا من ذلك وإنما آت من أن المشرعين هم البشر سواء في الدولة المدنية الحالية أو الدولة الدينية البائدة. فالقضية أن التشريعات التي يصدرها البشر لا تنتج العدل وإنما تنتج الظلم. فلا بد أن يأتي التشريع من خالق البشر، والبشر يديرون أنفسهم بهذه التشريعات، فينتخبون حكامهم ويحاسبونهم ويقومونهم ويسقطوهم بناء على ذاك التشريع الذي أنزله خالقهم، فعندئذ يزول الاستبداد ويسود العدل ويسعد البشر. بارك الله في أخينا أسعد منصور ونور بصيرته تم تعديل September 12, 2012 بواسطه يوسف الساريسي اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
ورقة قام بنشر September 12, 2012 ارسل تقرير Share قام بنشر September 12, 2012 اللهم آمين، أمة معطاءة اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
أبو مالك قام بنشر September 14, 2012 ارسل تقرير Share قام بنشر September 14, 2012 الحضارات قد تختلف في نظرتها الى. القضايا اختلافات يجعل من التفاهة استيراد مفاهيمها الجزئية بمعزل عن مفاهيمها الكلية وكذلك استيراد فروعها بمعزل عن الأصول التي بنيت عليه نظرة الاسلام للحكم والحاكم ووظيفته وكيف يحكم تخلو من مسالة الاستبداد والتسلط لا في سن القوانين لانه ليس المشرع ولا في تطبيقها لانه لا طاعة له في المعصية من جهة ويشرع الخروج عليه بتطبيق ضد النظام من جهة اخرى ومن ناحية ثالثة هناك دور المجتمع والأحزاب والأفراد ومسؤولياتهم على صعيد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحاسبة وما الى ذلك من جهة ثالثة فحوصر التطبيق بالكيان المجتمعي لضمان حسن سيره وفقا للأحكام الشرعية فلم نحتج لفصل سلطات لان التشريع لله والقضاء وفق لأحكامه والحكم بأحكامه أما في الغ فالمتشرعون بشر فيخشى من استبدادهم والحكام قد يسنون من الأحكام ما يستبدون به والقضاة كذلك يحكمون وفق أهواء السلطة التنفيذية المالكة للقوة من هنا احتاجوا لفصل السلطات لكنهم فشلوا في ضمان حصول هذا الفصل اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
أسامة الثويني قام بنشر September 18, 2012 ارسل تقرير Share قام بنشر September 18, 2012 بارك الله في كاتب المقال. جاء في المقال ما يلي: "وبالرغم من قولهم بفصل السلطات إلا أن التداخل بينها حاصل؛ فيحصل التداخل بين السلطة التنفيذية والتشريعية وكذلك التعارض والتناقض. فالسلطة التنفيذية أو الحكومة تريد سن قوانين وتنفيذ قرارات معينة حسبما ترى من مصلحة عند ممارستها لصلاحياتها وقيامها برعاية شؤون الناس وربما السلطة التشريعية لا ترى ذلك. فيحدث تصادم بين السلطتين ربما يؤدي ذلك إلى شلل في عمل الحكومة. ولذلك قاموا بالتحايل على الأمر فجعلوا تشكيل الحكومة من الأكثرية البرلمانية حتى يساعدها ذلك في سن القوانين أو التشريعات واتخاذ القرارات عندما يصوت حزب الأكثرية وهو حزب الحكومة لصالح تشريعاتها وقراراتها أو إذا كانت ائتلافية فتكون الأكثرية البرلمانية من الأحزاب التي تشكلت منها الحكومة. فأصبحت السلطة التشريعية متوافقة أو متواطئة مع السلطة التنفيذية فلم تعد هناك استقلالية ولا انفصال بين هاتين السلطتين بل أصبحتا متحدتين، وهذا مع ما يجري في كافة الدولة المدنية الديمقراطية. فعندئذ تستصدر السلطة التنفيذية التشريعات والقوانين بسهولة ويسر لدى السلطة التشريعية، أي أن البرلمان يشرع للحكومة ما تريد ويقر قراراتها ويوافق على سياساتها. لان هاتين السلطتين أصبحتا مشكلتين من حزب الأكثرية أو من عدة أحزاب شكلت الأكثرية. وبذلك انتفى فصل السلطات في الواقع بشكل عملي" هذه الممارسة في الحكم البرلماني. هل ينطبق نفس الكلام على الحكم الرئاسي؟ اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.