العامل النفسى الخفى فى إنضمام الشباب للجماعات الإرهابية

[كمال الدين الفاتح]

تُعد مشكلة إنضمام الشباب للجماعات المتطرفة إحدى الموضوعات التى حظيت بإهتمام الباحثين لمحاولة الوقوف على أسبابها حيث توصلت بعض الدراسات إلى أن القصور الاجتماعي تجاه الشباب يوفر المناخ للجماعات المتطرفة لتكونَ البديل الأمثل الذي يملأ حياتهم، ويحقق طموحاتهم، ويلبي حاجاتهم.

لذلك نجد أن تلك الجماعات ولا سيَّما تنظيم داعش انتهز فرصةَ ما يعيشه بعض الشباب في مجتمعاتهم من ظروف سيئة، وفراغ روحي، واهتزاز نفسي، فكان خطابها الذي يدغدغ المشاعر لملء الفراغ الحاصل؛ بترويج شعارات فضفاضة واعدة، مدلِّسين وملبِّسين على الشباب أن الالتحاق بهم، أو دعمهم، أو على الأقل التعاطف معهم، إنما هو في حقيقة الأمر نصرة للإسلام والمسلمين في جميع بقاع العالم، وإعلاء لراية التوحيد.

إن انجذابَ كثيرٍ من الشباب إلى جماعات التطرف إضافة إلى وجودهم في الدول التي تعيش صراعًا مسلحًا أو تغصُّ بالجماعات الإرهابية، إنمــــــــــا هــــــو نتيجة لعاملين رئيسين، ويتفرع منهما عدد من الأسباب، هما العامـل الذاتي الداخلى، والعامـــــل البيئي الخارجى (المحيط الاجتماعي).

الأسباب الذاتية لدى الفئة المتجهة نحو التطرف تتجلَّى في الهرب من الواقع المؤلم لأسباب مختلفة، مثل الاضطرابات النفسية، والمشكلات الاجتماعية المختلفة، فتصعُب مقاومة هذه القوة، وتنتهي بالاتجاه نحو جماعات العنف، لا سيَّما في مناطق الصراع الساخنة، ويُعزِّز ذلك الفهمُ الخاطئ للدين خاصة في مسائل الجهاد.

أن الدوافع النفسية التي تدفع نحو الهرب من الواقع هي مطلبٌ مهمٌّ لجماعات التطرف والعنف، فهي تهتم بالشباب المرتبكين نفسيًّا، وتسعى إلى ضمِّهم وتجنيدهم، لضعف وعيهم بالواقع من حولهم، وعدم إدراكهم مآلات أفعالهم، ولأنهم حبيسو الألم النفسي الذي يعانونه، وأهم من ذلك أنهم الفئة الأنسب لممارسة العنف، مثل القتل والعمل الانتحاري.

أما الأسباب البيئية فهي جميع المثيرات الخارجية المحيطة بالإنسان، فالبيئةُ المحيطـــــــة والظـــروفُ الاجتمــــــاعية المختلفـــــة لبعض الشبــــاب، إلى جانب المعاناة النفسية، تجعلهم أكثرَ عرضةً للتطرف؛ بل قد يرَون أن الالتحاق بجماعات العنف وانتهاج وسائل العنف هو الطريق الذي لا بديل له؛ لأنهم إذا لم يكونوا سعداءَ في حياتهم.

ومن المناسب التدليل على تلك لأسباب بالمثال الواقعي الآتي: "يروي أحد الموقوفين أنه كان دائمًا على خلاف مع والده في المرحلة الثانوية (عامل اجتماعي أسري) إذ يرغب الأب في أن يلتحقَ ولــده بتخصُّص دراســـــــــي محدد، لكن الولد لا يرغب في هذا التخصص (عامل تعليمي)، لذلك فكَّر هذا الشاب في الهرب من هذا الواقع نتيجةَ الصراع النفسي الذي عاشه (عامل نفسي)، وفكر فى الذهاب إلى العراق للجهاد، فسأل مدرِّسَ التربية الإسلامية (عامل اجتماعي ديني تعليمي)، ونجح المعلم في إيصاله إلى أشخاص يمارسون الأعمال الإرهابية في الداخل، وكانت بداية عمله معهم أن طلبوا منه شراء سيارة باسمه يدفعون له ثمنها، وبعد استخدامهم السيارة أخبروه أن السيارة مطلوبة للجهات الأمنية، والسيارة باسمه وقد يُقبَض عليه، وإضطر حسب توصيتهم للاختفاء معهم، ولم يخبر والده بكلِّ تلك الأمور لضعف شخصيته (عامل نفسي)، ثم تم تلقينه الفكر المتطرف، وإقناعه بكفر السلطة ولم يكن على علم بمعنى التكفير، وامتثل لهم في قناعاتهم التكفيرية، ثم تم تسليمه السلاح وتدريبه عليه بحُجة الدفاع عن النفس، وكانت المرحلة الأخيرة هي الممارسة العملية للإرهاب، وذلك بمواجهة الجهات الأمنية وقد أصيب في إحدى المواجهات.

يلاحَظ في المثال السابق تعدُّد الأسباب والعوامل، فقد تبيَّن أن الطالبَ لديه ضعفٌ في الشخصية، وعدمُ تقدير للذات، ويعتمد على غيره في تقرير مصيره، ولديه جهلٌ ديني، ولم يُوفَّق في اختيار رجل الدِّين الذي يستشيره، واعتمد على العَلاقة الدراسية بالمعلم، وكذلك تبيَّن ضعف الثقة بين الطالب وأسرته، لأنه لم يُطلعها على شيء، وما آل إليه وضعُه عندما زعمت الجماعة الإرهابية أنه أصبح فردًا مطلوبًا وعليه المشاركة في عملياتها.

خُلاصة القول أن الفكر المتطرِّف والسلوك الإرهابي الذي يعتنقه كثيرٌ من الشباب له دوافعه وأسبابه، وظروفه، ومن ثَم يجب تناول مشكلة توجُّه الشباب لمناطق الصراع والالتحاق بجماعات التطرف بناءً على وجهة النظر النفسية والبيئية، وأن التعويل على أن الفكر أو التدين هو الأساس الدافع للسفر بحُجَّة الجهاد، ينقصه كثير من الدقة، بل قد يكون ذلك تجنيًا على الإسلام، وهذا ما يسعى إليه كثيرٌ من أعداء الإسلام، أيًّا كانت ديانتهم أو اتجاهاتهم أو أهدافهم.