الصابر قام بنشر January 11, 2013 ارسل تقرير Share قام بنشر January 11, 2013 (معدل) استراتيجية الحرب الإقليمية على أرض الشام بسم الله الواحد القهار والصلاة والسلام على الضحوك القتال ملاحظة مهمة :كنت أود نشر هذه الأوراق في فترة مبكرة وفي شهر جمادي الأول تحديدا أي قبل أربعة شهور من الآن إلا أن هذه الأوراق و"بطريقة ما" وصلت إلى يد المخابرات السورية ففضلت التريث قليلا ، ثم بدى لي أن أنشرها بعد أن أكدت الأحداث صحة المسار الإستراتيجي الذي كنت أرقبه منذ البداية .. ولا أعتقد بأن هناك ضررا يترتب على نشر مثل هذه الإستراتيجيات على العلن فالحراك الجهادي قد ضرب بأوتاده في أرض الشام بفضل الله وأصبح نجاح الثورة السورية مرتبطا بنجاحه ، كما أن الحديث هنا عن الخطوط العامة للحرب وهو نفس ما تمارسه مراكز البحث في الجيوش المتقدمة وتنشره على العلن أيضا ..ومن توفيق الله أن المخابرات السورية وقعت تحت تأثير الفرضيات المذكورة بالملف وفي اعتقادي أن ذلك قد ساهم في تضليل العدو ! فبينما كان منشغلا في تكثيف عملياته في غرب سوريا وهو مسرح العمليات المذكور هنا باغتته عمليات المجاهدين في الشرق فسقطت بذلك المراكز الحدودية مع العراق وتركيا بسهولة أكبر ولله الحمد والمنة . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ استراتيجية الحرب الإقليمية على أرض الشام إن هذه الإستراتيجية سوف تعمل بعون الله على الإلتفاف على محاولات النظام لترويض الثورة أو تحطيم سقف خياراتها والإكتفاء بالمشاركة السياسية بدلا من إسقاط النظام .. وستعمل بنفس الوقت على الإلتفاف على محاولات القوى الإقليمية والدولية في إفشال الخيار العسكري كحل لإنجاح الثورة ولترويض الحدث نفسه ريثما يتم ترتيب أوراق المنطقة بما يناسب الجميع وبما لا يشكل خطرا على إسرائيل ! فكلا الإلتفافين سيعمل على وضع الشعب السوري في طريق لا عودة منه إلا بتحقيق تغيير حقيقي في واقعه وهذا لن يتم عبر الحلول التوافقية أو المزيفة التي ستطرح له بين فينة وأخرى وإنما يتم بتغيير شامل في المحيط الشامي برمته وليس في سوريا فحسب ! وهذا ما سنحاول رسمه منذ الآن وعبر هذه الإستراتيجية .. فسوريا هنا هي مفتاح التغيير في الشام كله بما فيه فلسطين المحتلة والشام هنا هو مفتاح التغيير للعالم العربي ومن بعده الإسلامي بإذن الله تعالى . المقدمة جاءت الثورة السورية بعد أكثر من شهرين من اشتعال الثورات العربية ، وهذه المساحة من الوقت أعطت القيادة السورية فرصة ذهبية لترتيب أوراقها وأولوياتها في التعامل مع الحدث القادم وهو ما لم يحصل مع أنظمة بن علي مبارك والقذافي إلا أني زيادة على ذلك كنت وما زلت أعتقد أن النظام السوري هو أقوى الأنظمة العربية القمعية على الإطلاق لأنه يرتكز على نواة طائفية صلبة ويعتمد في نفس الوقت على حلف إقليمي ودولي متين وله دور وظيفي تحرص القوى العظمى وقوى الجوار على إستمراره ، ولذلك توقعت وفي فترة مبكرة من الثورة في مقالي ( الجهاد على أرض الشام .. كيف ومتى ولماذا ؟ ) بأن سوريا ستكون منطقة مقفلة عسكريا أمام أي تدخل خارجي وقد جاءت الأحداث بصدق ذلك وبسوء تقدير كل من راهن على السيناريو التونسي المصري "الناعم" في إسقاط النظام أو السيناريو الليبي "المدعوم من الخارج" وبات واضحا بأن الحالة السورية سوف تتميز بسيناريو خاص .. فما عساه أن يكون ؟ قبيل إنطلاق الثورة السورية سربت وثيقة ولا أذكر مصدرها الآن تفيد بأن النظام قد جهز نفسه للأسوأ وأن هذا الأسوأ سوف ينتهي بدولة " علوية" على الساحل الشامي حيث تتواجد غالبية الأقلية النصيرية ، والمراقب لمسار تعامل النظام السوري مع تطورات الثورة يرى أنه قد اعتمد على مجموعة خيارات للقضاء على الثورة أو إضعافها والإلتفاف عليها فحاول اللعب على جانب الإرهاب النفسي في عمليات قتل الأطفال والتعذيب العلني ومارس الحصار العسكري للمدن المنتفضة وحرص منذ البداية على إذكاء الحرب الطائفية ووظف ذلك كله للوصول إلى مرحلة يقبل فيها الشعب السوري بأية حلول وسط عبر وكلائه في الخارج ولذلك اهتم النظام بوجود المعارضة بل وساعد على إيجادها عندما أخرج بعض رموزها من معتقلاته في بداية الثورة وسمح لرموز أخرى بتنظيم مؤتمرات للمعارضة في قلب العاصمة دمشق ! وكان القصد من ذلك إيجاد مفاتيح لحل الأزمة بعيدا عن جموع الثائرين التي لا تعرف سوى ( الشعب يريد إسقاط النظام ) وبالعموم فإن سلسلة الإجراءات والتكتيكات العسكرية التي اتخذت لقمع الثورة من استخدام الطيران الحربي إلى قتل الحمير كانت تصب في سياق استراتيجي واحد يهدف إلى ترويض الثورة شيئا فشيئا وتحطيم خياراتها السلمية والدولية والعسكرية حتى يأتي اليوم الذي تلتقط فيه ما يلقى لها من مبادرات للخروج من الأزمة . واستحضر النظام في تطوير هذه الإستراتيجية دروس الحرب الأهلية في لبنان فحرص على جلب العناصر الشيعية من الخارج ورفع لواء العنف الطائفي المفرط منذ أول يوم وكل تلك المشاهد التي يسب فيها الله وتقصف فيها المآذن ويهان فيها أهل الدين كانت بقصد دفع الشعب السوري إلى التخندق كل خلف طائفته .. فيرفع أهل الإسلام شعارهم ويلتم النصيرية على بعضهم وينشغل الأكراد بمشروعهم القومي وينأى النصارى بأنفسهم عن مثل ذلك مع بقية الدروز والأقليات .. وبذلك تتفكك تركيبة الثورة وتتحول إلى حرب أهلية وتتحول معها الضغوطات الدولية والإقليمية من المطالبة بتنحية الأسد كمخرج من الأزمة إلى محاولة جمع جميع الأطراف إلى ما يشبه " مؤتمر الطائف " للوصول إلى ذلك المخرج وهذا ما يمهد له كوفي عنان حاليا ! والحقيقة أن النظام قد قطع شوطا لا بأس به على طريق الوصول إلى تلك النتيجة فتنحي بشار الأسد الآن أو مقتله لن يوقف الركض في الماراثون الجماعي نحو الحرب والثأر ! وقد حقق النظام أيضا وقبل ذلك نجاحا ملحوظا في تغيير مزاج الثورة فما كان يطرح سابقا من سلمية الثورة وعدم التدخل الخارجي ونبذ الطائفية لم يعد له وجود على الأرض خصوصا بعد أحداث بابا عمرو وما تلاها في أدلب إلا أن الأسابيع القليلة الماضية قد سجلت حركة نزوح و تهجير ممنهجة ومدفوعة من قبل الجيش النظامي في مناطق وقرى أهل السنة في جبال النصيرية مقابل الساحل الشامي وهذا مؤشر واضح على قرب لجوء النظام السوري إلى الحل الأخير والدولة العلوية ومؤشر أيضا على فشل مراهناته برضوخ الثورة قبل ذلك ! إلا أن ذلك لا يعدوا إلا تهيأة لخط الرجعة وليس شروعا فيه فما زال أمام النظام أحد طريقين أعتقد بأنه سيضعهما أمام عينيه قبل الدخول في مخبأه وإعلان دولته ! الطريق الأول يتعلق بتثبيت الموقف العسكري عند الحد الذي يسمح بجمع شتات الكتائب المنضوية تحت مسمى الجيش الحر خصوصا إن حملت له الأيام منطقة عازلة تحت غطاء دولي أو إنساني أو حاجز عسكري من قوات عربية كما حدث في بيروت إبان الحرب الأهلية عندما فصلت القوات العربية بين أطراف النزاع وهو ما تطالب به قطر وأمانة الجامعة العربية ، وهذا الوضع سيشكل آخر ورقة بيد الثورة وآخر أمل للثوار بعد أن جربوا السلمية وتطلعوا للحماية الدولية ولم يخرجوا بطائل وبعد أن دفعوا من دمائهم وأعراضهم ثمن كل يوم إضافي في الثورة وبعد أن انقطعت علائق نفوسهم بالغرب والشرق والقريب والبعيد عند هذه اللحظة سيتطلع الجميع إلى نتيجة المعركة ليحدد موقفه وعندها فقط قد ينقض النظام بأسلحته المتفوقة جوا وبرا على الكتائب قبل أن تتقن القتال من مراكزها الجديدة فهذه الكتائب عبارة عن إنشقاقات فردية من أسلحة وأفرع مختلفة وشبه جماعية في حالات أخرى إلا أن سوادها الأعظم من المتطوعين وإن كانت حروب العصابات تستوعب مثل هذا الخليط إلا أن الحروب النظامية لا تسمح بذلك وهذا بموازاة التفوق الكمي والنوعي لدى الجيش النظامي سيجعل سحق مثل تلك الكتائب الغير متجانسة في معركة مفتوحة أو شبه مفتوحة هو تحصيل حاصل خاصة إن كانت المنطقة العازلة عارية من التضاريس التي يصلح الإحتماء بها أو تساعد في تحييد أسلحته المتفوقة ، فالنظام إن سمح بوجود منطقة آمنة أو عازلة فسيلجأ إلى ذلك من باب الخديعة وإعطاء فرصة للفريسة بأن تخرج رأسها لا غير ! وقد يكون أيضا بتواطأ من أي قوات أممية يشترط وجودها النظام من دول معينة كما حدث في قضية المراقبين وكما فعلت قوات الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك عندما سمحت بمرور القوات الصربية إلى مخيمات اللاجئين البوسنويين فقامت بمذبحة " سربنتسة" الشهيرة . أما الطريق الثاني أمام القيادة السورية فهو بيت القصيد من هذه الورقات وهو الأمر الذي كنت أرقبه منذ بداية الثورة وأتألم عندما أرى الأعداء يشمرون عن سواعد الجد للسير نحوه ونحن نائمون ! فصمود النظام النصيري لا يكمن في قواه الذاتية بقدر ما يرتكز في وجوده واستمراره على دوره كضلع من أهم أضلاع الحلف الشيعي الممتد من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان وهذا الحلف بقياداته وجمهوره في كل بلد يرى أنه في معركة مصيرية لن يتنازل عن أي جزء منها حتى لا يقول فيما بعد ( أكلت لما أكل الثور الأسود ) وهذا في مقابل وضع مزري وساذج وبئيس مما يفترض أنها دول وشعوب يجمعها وحدة الدين والدم والمصير ! والمقصود أن الوضع في سوريا لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الحرب التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من المنطقة ككل فسوريا أو الشام هي أحد أهم المسارح الإستراتيجية للحرب المرتقبة بين الحلفين الشيعي والسني ومن خلفهما دول الدعم المباشر وأي اشتعال لفتيل الحرب على شريط المواجهة سواء كان في جبهة الخليج العربي أو العراق أو جبهة بلوشستان أو اليمن فستمتد آثارها العسكرية والسياسية بنفس اليوم إلى الجبهة الشامية وسينكسر أي جمود في الموقف العسكري مهما تكن القوة التي تقف خلفه لأن تركيبة الموقف السياسي والعسكري في سوريا تعتمد في جمودها على غطاء دولي تقف ورائه بحزم روسيا والصين وغطاء إقليمي إيراني عراقي لبناني متصل يمد النظام بالمال والسلاح والمقاتلين وأي حرب من شأنها تغيير هذه المعادلة أو تعطيلها عن العمل ستفقد النظام النصيري خطوط دفاعة التي يحتمي بها !! فمن البديهي إذن أن تضع القيادة السورية هذا الإعتبار نصب عينيها وتدرس أفضل خياراتها للتحرك عند ذلك وقبل أن أتطرق لذلك أود أن أشير إلى أننا عندما نتحدث عن المواجهة بين الحلفين السني والشيعي فإننا نتحدث عن حرب قد مهد لها بالفعل ومنذ سنين ولم يبقى سوى صافرة البداية وهذا ما دعى عراب الدبلوماسية الأمريكية ووزير الخارجية الأسبق " كسنجر" إلى القول ( إن طبول الحرب تدق ومن لا يسمعها فهو مصاب بالصمم ! ) طبعا كسنجر ينطلق من رؤية أكبر للصراع تدعوه إلى الإعتقاد بأنها الحرب العالمية الثالثة والتي ستكون بحسبه بين القوى المتصاعدة المتمثلة بالصين و روسيا من جهة والقوى الغربية المتمثلة بأمريكا والإتحاد الأوربي في الجهة الأخرى إلا أنه ربط ذلك بإسقاط إيران كبداية حتمية لهذا الصراع ! والحقيقة أن كسنجر اليهودي ينطلق أيضا من دوافع ورؤى صهيونية تلمودية في تفسير واستغلال الأحداث القادمة للشروع في بناء "إسرائيل الكبرى " التي لم يذكرها نصا في حديثة لصحيفة "ديلي سكيب" وإنما ذكر مصطلحا أذكر أنه قد ورد في بروتوكولات حكماء صهيون عن ما يسمى "بالحكومة العالمية" التي ستنشأ عن هذا الصراع كقوة منتصرة ! والغريب أن حديث كسنجر عن الحكومة العالمية يأتي بعد حالة " الغلاء العالمي" في أسعار المواد الغذائية وهي نقطة وردت في البروتوكولات كتمهيد لثورات شعبية ينتج عنها صراع عالمي تقوم على إثره تلك الحكومة العالمية !! فهذه الإعتبارات دعت كسنجر إلى القول بأن على إسرائيل أن تخوض حربا شرسة وألمح بأن عليها أن تقتل أكبر قدر من العرب ! ونحن ننطلق من دوافع فرضها الواقع بعد التمايز الكبير بين السنة والشيعة وكلانا ينظر إلى الملف النووي الإيراني كمفتاح لإخراج المشاريع الإستراتيجية من الأدراج المقفلة ! وكالناقة التي تسببت في حرب البسوس !! وللتوضيح أكثر في معرفة أهمية موضوع الملف النووي الإيراني في إشتعال تلك الصراعات سأذكر جزء من رسالة كنت قد ناقشت فيها إحتمالات الموقف الحالي : (.. والذي أراه والله أعلم أن جميع الأطراف تريد تجنب الحرب أو لا تريد أن تكون هي البادئة بها على الأقل ! والجميع يصعد ويهدئ ويستخدم ما لديه من أدوات ضغط وقوة ناعمة وغيره لتشديد الخناق على الطرف الآخر ، فالأمريكان يراهنون على العقوبات الإقتصادية لثني إيران عن المضي في برنامجها النووي ولتأجيج السخط الشعبي على أمل حدوث ثورة لإسقاط النظام ويسعون كذلك لتغيير نمط النظام الحاكم في سوريا بقصد تفكيك التحالف الشيعي في ثاني أهم مفاصله بعد أن فشلت كل محاولات إحتواء النظام السوري عبر السعودية قبل إندلاع الثورات العربية ، وإسرائيل مازالت تراهن على عمليات الإغتيال ضد علماء البرنامج النووي لتعطيل أو تأخير المشروع وهو نفس السيناريو الذي اتبعته مع البرنامج العراقي قبل أن تقوم بضربه ، وأما دول الخليج ما عدا قطر وعمان - لأنها لا تعاني من مشاريع شيعية في الداخل - فقد بدأت ترتب نفسها للأسوأ بعدما فشلت محاولات التعايش السلمي مع إيران في السنوات الماضية فالسعودية سمحت بتصعيد الخطاب الإعلامي المعادي للشيعة في مرحلة متقدمة قبل إندلاع الثورات ثم أخذت تعلن عن إبرام صفقات ضخمة بعد كل تصعيد إيراني في المنطقة والكويت أوقفت نفوذ اللوبي الإيراني في الحكومة بعد أحداث البحرين ، والإمارات زادت من تحصيناتها العسكرية بعد فتح القاعدة الفرنسية في خطوة سابقة ثم استجلاب الشركات الأمنية العالمية [ جيوش صغيرة محترفة وعالية التقنية ] هذا بالطبع بجانب الوجود العسكري الأمريكي وصفقات الأسلحة التي كان من آخرها شراء منظومة - دفاعية على ما أظن - بقيمة مليار ونصف دولار ، والأكيد أن جميع دول المنطقة تعتمد على الإلتزام الأمريكي بحفظ الأمن إلا أن الأزمة الإقتصادية العالمية وتأثيراتها على أمريكا وأوربا على وجه الخصوص وعدم تحمل الشارع الأمريكي لأي حرب أخرى بعد الهزائم الأخيرة جعلت الشكوك تحوم حول حقيقة وقوة ذلك الإلتزام ! وهذا ما دعى السعودية أن تطرح مبادرة الكونفدرالية بين دول مجلس التعاون بعد أن روج لها د. عبدالله النفيسي وأصبح لها قبول في الشارع الخليجي والغريب أن د.النفيسي عندما طرح فكرة الكونفدرالية لأول مرة بهدف توحيد سياسات دول الخليج بشأن الدفاع والخارجية والنفط لمواجهة إيران وكان ذلك قبل الثورات العربية واحتدام الموقف مع إيران استقبلها معظم المسؤولين بالسخرية وكتب الكثير من المفكرين والسياسيين في الرد عليها وتفنيد الفائدة منها ثم لما حدث تسخين للأجواء بعد ذلك تبناها الملك عبدالله بنفسه ! وهذا ما يجب علينا الإنتباه له لأن أي تسخين قادم سيوسع دائرة الإقتراحات والمشاريع لدى هذه الدول لمجابهة الخطر الإيراني ! أما الحلف الشيعي فقد حقق نجاحا كبيرا على المستوى الإستراتيجي واستطاع أن ينمو بخفاء وذكاء في عدد من الدول حتى تمكن من الإستحواذ على مقاليد الحكم فيها كالعراق ولبنان وكما هو مقرر في البحرين واليمن ، والحقيقة أن ساسة إيران قد تصرفوا بحنكة في بناء قوتهم لأنهم استخدموا التقية السياسية مع الأمريكان طوال فترة قوتهم وتعاونوا معهم في الحملة الصهيوصليبية ولم يظهروا أي مخالفة للخط الأمريكي إلا بعد أن أدركوا بوادر ضعف الهيمنة الأمريكية وذلك في أواخر الفترة الرئاسية الثانية لبوش الإبن ففي تلك الفترة قرر المرشد الأعلى وضع رجل المواجهة " نجادي " مكان رجل المداهنة " خاتمي " للبت في مشروع الهيمنة على المنطقة - راجع أصل الفكرة في كتاب محركات السياسة الفارسية للدكتور عادل عبدالله - ومنذ اليوم الذي تولى به نجادي الرئاسة بدأت الهيمنة الإيرانية بالظهور في العراق ولبنان واليمن مع تصعيد واضح ضد إسرائيل و جدية هذه الهيمنة هي من أرغمت الأمريكان وغيرهم على الجلوس مع الإيرانيين لتسوية أي أوضاع في العراق أو لبنان أو اليمن ! إلا أن النقطة الفاصلة في الصراع بين الحلفين ليست في أي شيء سوى إمتلاك إيران السلاح النووي لأن هذه النقطة بالتحديد ستغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط وليس في الخليج وحسب ! لأن إيران بحسب ذلك ستدخل فيما يطلق عليه [ منطقة الحصانة النووية ] وأي شخص يفهم نظرية الأمن أو استراتيجية الدفاع الإسرائيلي والمتداولة بكثرة في المذكرات الشخصية للقادة اليهود يدرك أن إسرائيل لايمكن أن تسمح لإيران بإمتلاك مثل ذلك السلاح الذي يهدد وجودها لأنها ومنذ نشأتها تعتمد على مبدأ " التفوق الدائم على المحيط المعادي " وهذا يتناسق ويتماشى مع السياسات الأمريكية في المنطقة إلا أن اللخبطة التي حصلت بفعل الثورات العربية بالتوازي مع الضعف الأمريكي بعد الحرب على الإرهاب قد جعلت حل الضربة الإسرائيلية الوقائية " آخر العلاج الكي" لأن الإيرانيين أعلنوا ومنذ البداية أنهم سيستهدفون القواعد الأمريكية في المنطقة إن تعرضوا لأي ضربة وهذا الموقف هو الذي دعى ساسة البيت الأبيض إلى الضغط على إسرائيل لتأجيل أي ضربة حتى تؤتي العقوبات الإقتصادية أكلها إلا أن ذلك كله سينتهي مع اقترابنا من نهاية العام الجاري لأنه الموعد المحتمل حسب التقارير الإستخبارية المعلنة منذ سنوات لوصول إيران إلى مستوى درجة 80 بالمئة في تخصيب اليورانيوم وهي النسبة اللازمة لصناعة الأسلحة النووية ولذلك صرح وزير الدفاع الأمريكي مؤخرا بأنه يتوقع أن تقوم إسرائيل بالضربة في موعد لا يتعدى الربع الثاني من العام الجاري ! والإيرانيون أنفسهم لن يتمكنوا من إجتياز هذا العام مع إزدياد العقوبات الإقتصادية عليهم لأنهم قد يتعرضوا لإنهيار إقتصادي قد بدأت ملامحة مع انخفاض قيمة الريال الإيراني وارتفاع معدلات البطالة وهذا ما سيدفع الإيرانيين إلى التصعيد من جانبهم في نفس العام ولذا أعتقد أن هذا العام قد يحمل الشرارة الأولى للحرب بين الحلفين بعد أن يقترب الجميع من نهاية العام وبعد أن يستنفذ كل منهم أوراق الضغط التي بحوزته ). ومن هنا يمكننا القول بأن القيادة السورية قد تفكر في استغلال هذه الضجة الكبيرة لفرض واقع جديد تتعايش أو تتفاوض في نهاية الحرب على أساسة فتبدأ مع اندلاع الحرب بتنفيذ عمليات إبادة وتهجير ضد أهالي السنة في المدن والمحافظات الواقعة في نصف سوريا الغربي وأعتقد أن ذلك سيتم وفق تفاهم وتنسيق مع دولة يهود لأن هذا المخطط يخدم كلا الطرفين - كما أن هذه الحرب ستتميز بالأدوار المزدوجة - ولأن نشوب مثل هذه الحرب سيجلب الخبراء الروس والصينيين لإدارتها فنيا كما حدث في حرب 73 عندما كان يشرف على توجيه وتدريب الجيش السوري قرابة 10 آلاف خبير روسي ومن الثقافة المعروفة لدى الإستراتيجيين في روسيا والصين الإعتماد على عمليات التهجير والإبادة في فرض واقع جديد وأكثر ملائمة كما فعل الروس بالشعوب المسلمة في القوقاز وغيرها وكما فعل الصينيون أيضا في تركستان الشرقية . فهذه الثقافة أساسية عند كل نظام عقدي أو عنصري أو قمعي شمولي والتاريخ المعاصر قد ضم تجارب هائلة في تنفيذ ذلك كالحرب التي سبقت إنفصال بنغلاديش عن باكستان عندما أقدم الجيش الباكستاني بهجير 10 ملايين بنغالي خارج أراضيهم وكما حدث في عمليات تهجير الفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي وكما حدث مؤخرا من عمليات تهجير جزئي في العراق ، وبالتالي قد تبرمج القيادة السورية عمليات تهجير ممنهجة وبدون ضجة في محيطها الإستراتيجي في جبال النصيرية لإبقائه كمنطقة آمنة - وقد بدأت بذلك منذ فترة- ثم تنطلق مع إنطلاق الحرب لتنفيذ الجزء الأكبر من عملية التطهير والإبادة .. وقد ذكرت أن العملية قد تستهدف نصف سوريا الغربي فقط لأنه الجزء الذي يقع فيه غالبية السكان وأي" تهجير مليوني" للمسلمين من تلك المدن والمحافظات سيلقي بهم في الجزء الصحراوي من سوريا أو بإتجاه الأردن أو صحراء الأنبار وأي نزوج بهذه الأعداد هو عبارة عن عملية إعدام غير مباشر كما حدث في تهجير الأقليات السوفيتية بعد الحرب العالمية الثانية عندما أراد "ستالين" معاقبة هذه الشعوب على شبهة التعاون مع العدو النازي فتسبب قرار التهجير فقط بموت أكثر من 7 مليون شخص ! وقد توجس ملك الأردن من هذا السيناريو عندما شبه الأمر بحرب البلقان في إشارة إلى خوفه من موضوع الحرب الأهلية وما ستجره على الأردن من ويلات كمخيمات اللاجئين المليونية وانتشار الجماعات والتنظيمات المسلحة على الحدود وفي المخيمات - بدأ ذلك الآن على الجانب اللبناني- كما حدث في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي غيرت التركيبة السكانية في الأردن وغيرت موازين القوى الداخلية تبعا لذلك واضطر الملك حسين لخوض حرب ضد هذه المنظمات وضربهم بالطيران لإخراجهم من الأردن بالقوة وهذا ما يتحاشاه ابنه الآن !! ومع أني ذكرت في بداية الثورة وفي مقال " الجهاد على أرض الشام" بأن الأمر سيكون شبيه بحرب البلقان إلا أنني بت أعتقد الآن أن الأمر سيكون أكبر من ذلك ! فالميزان العسكري يميل بشدة إلى الطائفة النصيرية والميزان البشري يميل بدون أي مقارنة للجانب المسلم وأي توازن أو تقارب تفرضه الحرب القادمة في الميزان العسكري بين المسلمين والنصيرية سيؤدي حتما لحرب إبادة ضد النصيرية وقد قلت " إبادة" لأن المسلمين حينها لن يرضوا بأقل من ذلك بعد الذي عانوه على أيدي تلك المخلوقات المجرمة ! ولأن الجمود العسكري عندما يكسر في المسرح الشامي فلن تكون هناك آلية لضبط إستخدام السلاح أو توجيهه وفق مصالح الدول العظمى فهذا الضبط وتلك المصالح هي الخشبة التي سيتعلق بها النصيرية إن إنقلب الميزان العسكري ضدهم وبدونها لن يكون لهم بقاء ! وموروثهم التاريخي يجعل هذه الحقيقة ماثلة أمام أعينهم وهذا ما جعلهم يرتبطون دائما وأبدا بقوة خارجية لظمان سلامتهم كالإستعمار الفرنسي قديما وكالإرتباط بروسيا حديثا وبموانع حماية طبيعية كالجبال التي يختبئون بينها ! فجبال النصيرية هي الحصن الحصين للطائفة إن ادلهمت الأمور عليهم وهي القاعدة الخلفية التي ستدار منها الحرب في المراحل القادمة وقد خرجت تقارير متنوعة في الآونة الأخيرة تشير إلى إجراءات من شأنها تجهيز هذه المنطقة لذلك الدور المرتقب وهذه هي النقطة التي يجب أن نضعها في اعتبارنا عند وضع أي خطة للتعامل مع الخريطة الشامية . وبعد هذه الجولة السريعة مع خيارات العدو العسكرية ودوافع تلك الخيارات والمدى الذي قد تبلغه وتصل إليه وقبل الشروع في طرح الإستراتيجية المضادة أو أن أشير إلى نقطة هامة في فهم مسار الصراع هنا وكيف وصلنا إلى هذه النتيجة ؟ وإلى أين سنذهب ؟ والحديث هنا يتناول قلب العالم الإسلامي المتمثل بالعالم العربي وليس الشعب السوري فحسب .. وهذه الفقرة بمثابة فاصل بين الواقع الملموس والذي تدارسناه في الأوراق السابقة وبين ما يمكن أن ينتج عنه بعد بضع سنين .. فقد أحببت أن أستعجل هذه الفقرة قبل التعرض للإستراتيجية المقترحة حتى نتعرف أو نتلمس نهاية الطريق بناء على بدايته ولذلك أقول وبالله التوفيق .. إلتقاء المسارات >> صراع الأمم >> الحرب المكشوفة إلتقاء المسارات بدأت الثورات العربية بحركة ميكانية تعتمد على " التقليد" و"التطوير" واهتمت بموائمة فكرة الثورة مع البيئة المحلية بنفس الثقل الذي اجتذبت به الإهتمام الخارجي واستفادت في تسويق فكرة الثورة من وسائل التواصل الألكتروني وأنظمة الإعلام المفتوح . والحقيقة أن الشعوب العربية أظهرت شجاعة وذكاء في كسر الحواجز النفسية والمادية التي طالما احتمت دونها الأنظمة العربية وهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى ، والأمر بعمومه يعتمد على إنتقال الفكرة بالتقليد ثم التطوير بعد ذلك للوصول إلى النتيجة المطلوبة في إسقاط النظام . فبدأت الثورة التونسية بغضبة صغيرة إنتشرت كالنار في الهشيم وأظهرت هشاشة ذلك الهشيم وهذا ما شجع الفكرة على الخروج من سيدي بوزيد إلى بقية المناطق معتمدة على قدرتها الذاتية في التواصل الإجتماعي والإعلامي وقلت في نفسي حينها : هذا أمر يتحرك بذاته وبلا رأس ! فكيف سيوقفونه ؟ فالأنظمة العربية كانت ومازالت تعتمد على وجود كيانات وزعامات معارضة للتفاهم معهم حول أي طارئ ومن ثم ترويضه وبانعدام وجود ذلك إنعدمت فرص ترويض الحدث ولم يعد أمام بن علي سوى الإفلات بجلده بعد أن باغتت الأحداث " فرنسا وأمريكا والسعودية" وهم الحاضنين الدوليين والإقليميين للنظام في تونس ورأوا أن يتخلوا عن بن علي مقابل بقاء النظام من بعده وهو القرار الذي عظوا عليه أنامل الندم بعد ذلك وفتح عليهم أبواب الجحيم كما سنرى ! ثم إنتقلت الفكرة "بالتقليد" إلى مصر وتفنن المصريون في تطوير وسائل تسويق الأفكار الجامعة للشعب كالحرية والكرامة والعدالة وغيرها مما ساعد على تماسك الجبهة الشعبية مقابل محاولات النظام لتفتيتها عندما اتفق مع البابا شنودة - لا رحمه الله - على حياد النصارى ومع حزب الوفد على المشاركة السياسية ، وقادت الصدفة الثوار إلى ميدان التحرير الذي أصبح رمزا بعد ذلك وتم تقليد فكرته في بن غازي واليمن والبحرين ثم انتقلت فكرة الثورة والتطوير الذي طرأ عليها من مصر إلى ليبيا ولكن عقلية القذافي وطريقة تعامله مع الثورة إختصرت الطريق على الشعب الليبي وعاد بفطرته إلى طبيعته وتاريخه في الجهاد وساعده على هذا الإختيار التلقائي توفر السلاح في المعسكرات الشرقية وعدم وجود زعامات سياسية تقود الثورة أو تحافظ على سلميتها كما حدث لاحقا في سوريا ! ثم جاء التدخل العسكري من قبل حلف النيتو بعد أن أعطوا القذافي الوقت الكافي لإنهاء الأزمة من جانبه ولكنه لم يفلح ، وكان هذا بموازاة رغبة شديدة من فرنسا وبريطانيا ورغبة أقل حماسا من جانب أمريكا في إعادة تقسيم الثروات الليبية وذلك على حساب روسيا والصين إلا أن الشركاء الثلاثة حافظوا على توازن معين للقوى على الأرض ليتجه الطرفان إلى الحل السياسي بعد أن يقتنع الجميع بعدم جدوى الحل العسكري الذي كان بإمكان الشركاء الثلاثث أن يجعلوه لصالح الثوار منذ البداية ولكن فرنسا وبريطانيا وأمريكا رفظوا تسليح الثوار من جهة - واكتفوا بتزويدهم بأجهزة إتصالات ليتجسسوا عليهم - ودأبوا على ضرب مراكز وقوات القذافي من جهة أخرى ليعود إلى رشده أو ينقلب عليه أحد المقربين منه ووظفوا هذه الإستراتيجية في جر الأطراف المتنازعة إلى مشروع التقسيم أو المصالحة على أساس توافق سياسي ينسحب بموجبه القذافي من المشهد السياسي بسلام ودون محاسبة وكانت هذه الإستراتيجية الغربية تراعي إفشال الخيار العسكري الشعبي في إسقاط الأنظمة حتى لا ينجح النموذج الليبي فينتقل " بالتقليد" إلى مكان آخر !! وخرج وزير الخارجية الفرنسي " ألان جوبيه" بعد أن نجحت إستراتيجية النيتو في تجميد الموقف نوعا ما خرج ليقول في وقت مبكر من الحرب " أن التدخل لم يتح قلب ميزان القوى بين قوات معمر القذافي وقوات المعارضة ويجب العمل من أجل حل سياسي " ثم توالت المبادرات الإفريقية والتركية وغيرها لإيجاد أرضية لذلك - كما يحدث الآن في سوريا - ثم خرج " جوبيه " في رمضان تحديدا وبعد أربعة أشهر من تصريحه السابق ليؤكد فكرته بتصريح صحفي يشير فيه إلى أن الحل السياسي هو الحل الوحيد الممكن للخروج من الأزمة ! وبعد هذا التصريح بأيام قليلة نجحت كتائب مجاهدي الثورة الليبية في التقدم نحو خطوط الدفاع الأولى حول طرابلس ونجحت في اقتحام العاصمة في عملية أطلق عليها ( فجر عروس البحر ) وهي واحدة من أجرأ العمليات تخطيطا وتنفيذا وخرج "أوباما " بعدها على إستحياء ليقول : إن الموقف ما زال غامضا ! في اعتراف ظمني إلى أنه أمر لم يأتي على مزاج النيتو و الشركاء الثلاثة ! وفي أثناء إنطلاق الثورة الليبية إنطلقت الثورة السورية - بعد عدة محاولات فاشلة - بنفس الطريقة التي اقتبستها الشعوب العربية وقلدتها من ثورتي تونس ومصر واصطدم السوريون بأسوأ من العوائق التي اصطدم بها إخوانهم في ليبيا إلا أن مزايا النظام السوري التي شرحناها في بداية الموضوع واستفادته من الدروس السابقة في ثورتي مصر وليبيا وإخلائه المنطقة من السلاح وعدم وجود مصلحة للقوى العظمى في التدخل العسكري حرمت الثوار من تطوير خياراتهم في إسقاط النظام وظلوا يرددون سلمية سلمية وترسخ هذا الإختيار المر بعد أن تشكلت الهياكل السياسية الثورة كالمجلس الوطني وهيئة التنسيق ولم يتغير هذا الوضع المزري إلا بعد أن فتحت طرابلس علي أيدي المجاهدين فعندها فقط سجلت الثورة السورية أو تصريح يدعو إلى عسكرة الثورة وكان بلسان رئيس إحدى هيئات التنسيق في الداخل وبذلك انتقلت عدوى " التقليد" إلى الجانب السوري وهذا ما كان يخشاه الغرب ولذلك صرح أحد خبراء السي آي أيه بعد أن تكررت العمليات الإستشهادية ضد مراكز النظام السوري بأنه : لا يخشى وجود تنظيم القاعدة ولكنه يخشى إنتشار فكر تنظيم القاعدة !!! والحقيقة أن تصريح هذا المسؤول الإستخباراتي قد لخص كل ما أردت قوله هنا ! فالشعوب العربية وعبر رحلتها المفيدة والمريرة طوال العام الماضي وتطور أفكارها وانتقالها بالتقليد والموائمة وصلت في إحدى أهم ثوراتها وأكثرها حساسية وجذبا للأنظار وللإهتمام الإقليمي والدولي وصلت إلى نقطة الإلتقاء مع المسار الذي إختاره التيار الجهادي وتنظيم القاعدة على وجه الخصوص قبل ذلك بعقد ونيف بضرورة إسقاط هذه الأنظمة الفاسدة بالعمل العسكري القائم بذاته وإن اصطدم ذلك بمصالح الدول العظمى !! والقصد أن إشتباك المصالح الدولية والإقليمية في بقاء النظام النصيري الفاسد وانكشاف زيف الشعارات التي تدعيها بعض الدول العظمى في الشرق والغرب وسخونة وقسوة الأحداث التي أعادت تشكيل الولاء والبراء في المنطقة العربية على أساس الدين بعد أن سقطت أكاذيب المواطنة .. هذه المعالم التي وقفت على جوانب طريق الثورة السورية وهي تخوض معركتها العادلة والشريفة في سبيل تحقيق أبسط حقوقها في العيش بكرامة قادت هذا الشعب المبارك إلى شعار ( الشعب يريد إعلان الجهاد ) بعد أن كان قد بدأ ثورته بالشعار المقتبس : الشعب يريد إسقاط النظام ! فالمراقب لمشوار الشعارات المرفوعة في كل جمعة من جمعات الثورة السورية والحديث هنا عن شعارات الشارع وليس التنسيقيات التابعة للمجلس الوطني يرى أنها كالسبورة التي تعلم عليها الشعب السوري كيفية الوصول إلى حل معادلة ثورته الصعبة .. الحل الشرعي والواقعي والعملي وكان لابد من هذا المشوار والدرس القاسي للوصول إلى تلك النتيجة العظيمة التي ستقلد فيما بعد ! فالثورة السورية كانت بمثابة المقلاة التي نضجت عليها مفاهيم وخيارات الشعب السوري ومن خلفه الشعوب العربية - المراقبة والمتأثرة بالحدث - في تحديد المسار الصحيح والواجب سلوكه في تحقيق تطلعاتها في العيش الكريم دون أي إستجداء لعطف الذئاب أو طمع في شهامة ونخوة الكلاب أو أي حل توافقي ترعاه الثعالب ! فالأحداث الجسام التي مرت بها شعوب المنطقة من خلال هذه الثورات قد أعادت صياغة العقل العربي بشكل يقوده إلى التأثير بمحيطه ، فلولا استمرار الشعب التونسي بالتظاهر في كل مكان لما رفع الغرب الغطاء عن بن علي ولولا صمود الشعب المصري في ميدان التحرير رغم الرعب والجراح والمكائد لما اضطر الغرب للضغط على مبارك ولولا ثبات الليبيون في الميدان وتقديمهم آلاف الشهداء وهم يشقون طريقهم نحو العاصمة لما فشل الغرب في فرض الحل السياسي عليهم ولولا تكسر الخيارات السلمية والوطنية والخارجية للثورة السورية على مطرقة الواقع الأليم لما توصل السوريون إلى بداية الطريق الصحيح في نيل مطالبهم ! إلا أن الحالة الأخيرة كانت وما زالت تصطدم بمصالح القوى العظمى وهذا ما يجعل نجاح الثورة السورية على حساب مصالح الغرب بعكس النجاحات السابقة للثورات العربية والتي استطاع الغرب التعايش معها والإلتفاف عليها بدرجات مختلفة ! وهذا التصادم الذي سيوجبه احتضان الشعب السوري لفكرة الجهاد والعمل من خلالها - وهذا مشاهد الآن - بعد أن جرب كل الحلول العقيمة سيكشف ضعف القوى العظمى أمامه وسيكشف أيضا لعموم المسلمين مدى القوة التي يملكونها بالرجوع إلى تلك الفكرة العظيمة وهي النقطة التي ستبدأ عندها عجلة " التقليد" بالعمل وسواء كان ذلك قبل الحرب الإقليمية المرتقبة مع الحلف الشيعي أو بعدها إلا أن هذه المرحلة آتية لا محالة ! وهذا التصادم أيضا سيضع شعب بأكمله في مواجهة بقية العالم المسيطر عليه عسكريا وسياسيا وإعلاميا وثقافيا من قبل القوى العظمى وهو نفس الوضع الذي ابتدأ فيه تنظيم القاعدة الحرب ضد رأس النظام العالمي والأنظمة العميلة التابعة له إلا أن المواجهة ستنتقل من مستوى " التنظيم" إلى مستوى " شعب " وبما أن الحركة الميكانيكية لأفكار الشعوب العربية أثبتت قدرة كبيرة على تقليد أي نجاح وبما أن أي حرب إقليمية ستعمل على إذابة الحدود والفوارق التي وضعت منذ سنين بين الشعوب العربية فأستطيع القول بأن الجهاد قد ينتقل في هذه المرحلة من جهاد الطليعة أو النخبة إلى جهاد الأمة وهو الأمر الذي افتقدناه منذ سنين وعقود طويلة وهو الأمر الذي سيسجل أيضا كنجاح باهر لإحدى أهم الإستراتيجيات التاريخية في استنهاض الأمم والتي وضع أولى لبناتها الشيخ المجدد أسامة بن لادن رحمه الله . صراع الأمم للتعرف على أهمية الوصول إلى مرحلة جهاد الأمة لا بد من الرجوع إلى كتابات الشيخ أبو مصعب السوري حفظه الله فهو خير من تكلم عن ذلك إلا أني أو أن أعيد بشكل آخر أن الوصول أن الوصول إلى هذه المرحلة استوجب سلسلة من عمليات " التقليد" مارستها الشعوب العربية لتخطي عدة عقبات مختلفة إلا أن معضلة الثورة السورية استوجبت إستدعاء وتقليد النموذج الفريد لتنظيم القاعدة في تخطي مثل هذه العقبات الكبيرة - منظومة سايس بيكو الإقليمية ومنظومة النظام العالمي - وأي نجاح تحققه الثورة السورية التي ستتحول إلى ثورة جهادية أي نجاح تحققه هذه الثورة في إسقاط النظام أو تحقيق الأمن الذاتي في محيطها في ظل هذه الظروف المعطيات المستحيلة سيشجع بقية الشعوب التي بائت ثوراتها بالفشل - وخصوصا اليمن - على تأييد ذلك النموذج وهو الأمر الذي سيقود في النهاية وفي ظل جو الخروج العام من الهيمنة الغربية إلى جهاد الأمة . وهذا التقليد سيشمل ويقتبس المسار دون الأسلوب فأسلوب القاعدة وتكتيكاتها خاصة بمرحلة صراع معينة أما مسارها الشرعي والمنهجي الذي طرحت نفسها من خلاله وبوضوح جعل كثير من منتقديها يرونها بلا مشروع قابل للتطبيق في الواقع المعاصر ! فهذا المسار هو الراية التي ستنتقل من يد التنظيم إلى أيدي الشعوب العربية التي ستدرك واقعية مسار تنظيم القاعدة في التعامل بفاعلية مع أطراف الصراع الإقليمي والدولي و في إحداث التغيير المنشود في واقعها المعاصر وهو مالم توفره أي تيارات إسلامية أو قومية مهما إدعت ذلك ! ولذلك أكد المتحدث بإسم تنظيم القاعدة الشيخ سليمان أبو غيث حفظه الله وفي بداية الأحداث أن القاعدة : هي طليعة أخذت على عاتقها إشعال فتيل المواجهة الحتمية بينها وبين أعدائها وهي بذلك لا تقاتل نيابة عن الأمة بل هي تعمل على تجييشها ضد عدوها لتنهض جميعها في وجه الغاصب المحتل ! وهذا دليل على أن القاعدة كانت ومنذ البدايات الأولى للصراع مع الحلف الصهيوصليبي ترقب وتعمل من أجل هذه اللحظة التاريخية وأي صبغة جهادية تتحول إليها الثورة السورية بعد أن تكتشف خيوط المؤامرة الإقليمية والدولية ضدها ستؤكد صحة وواقعية هذا الدور الوظيفي الذي قامت به وأسست من أجله القاعدة !! ولذا أسجل هنا تراجعي عن فكرتي السابقة بخصوص التخلي عن العمل بمسمى القاعدة في هذه المرحلة والتي ذكرتها في " المذكرة الإستراتيجية " فالضابط في ذهابي إلى ذلك هو تحقيق مصلحة الأمة ومصلحة الأمة هنا تتحقق من خلال الشرح السابق في الإحتفاظ بهذا الإسم والإستمرار به كذراع عسكري بجانب أي مشروع آخر حتى يتم الإنتقال إلى مرحلة " جهاد الأمة " الذي سينشأ عنه إعادة العنوان الرئيسي والرسمي للأمة الإسلامية والمتمثل في صرح "الخلافة الإسلامية" وهذا بمجمله سيعيد الصراعات الدولية إلى الشكل الأممي وسيعود عندها " صراع الأمم" لا لأن المسلمين وحدهم اختاروا الوحدة تحت كيان واحد بل لأن الآخرين لن يحافظوا على شيء من مصالحهم إلا إن عادوا للتحرك والتصرف كأمم قوية وهذا ما سيغير من طبيعة الحرب ومتعلقاتها السياسية والإعلامية المعهودة إلى نمط مغاير أستطيع أن أطلق عليه " الحرب المكشوفة " أي أن الحروب في تلك المرحلة سوف ستخاض بدوافعها وشعاراتها الأصلية دون أي مواربة أو خداع ! الحرب المكشوفة وللتوضيح أكثر أقول بأن الشعارات السياسية الحديثة - كالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان والأقليات وغيرها - خرجت لحاجة ولم تكن هكذا بلا مناسبة .. فبإنتهاء العصر الإستعماري اضطرت القوى العظمى إلى تغيير أسلوبها من الإحتلال المباشر إلى الإحتلال غير المباشر عبر الوكلاء والغزو الثقافي وفرض الأنظمة السياسية والإقتصادية بشكل لا يستطيع معه أي نظام في أي بقعة في العالم إلا وأن يتأقلم معه وهو ما عرف "بالنظام الدولي" الذي يعتمد على مؤسسات دولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والبنك الدولي وصندوق النقد .. باطنها رعاية المصالح الغربية وظاهرها المساواة بين الجميع ! وهذه التركيبة الجديدة للصراع العالمي إستوجبت شعارات جديدة وأسلوب خطابي جديد ومعايير ممغنطة بنفس المبادئ القديمة أي أن التغيير قد طال القالب دون القلب وأي عودة أو ظروف تضطر معها القوى العظمى لإعادة إستخدام الأساليب القديمة والإحتلال العسكري المباشر سيظهر معها شيئا من موروثات الماضي ! وهذه هي حقيقة ما حدث أثناء عملية احتلال أفغانستان والعراق الذي خالطها وظهر بين ثناياها الروح الصليبية سواء جاءت كزلة لسان من أحد الحمقى أو كصليب معلق على فوهة دبابة أو بالتراتيل المسيحية التي كانت تسبق أي عمليات هجومية !! أو كانت هذه العودة لنفس الأسباب التي دعت تلك القوى إلى مبدأ الإحتلال المباشر إبان التوسع الإستعماري الذي ظهرت الحاجة إليه لإستغلال الثروات الطبيعية في كل بلد وفتح أسواقها المحلية لمنتجات البلد المستعمر - الذي كان وتبعا للثقافة السائدة آنذاك يسمي ذلك من جملة حقوقه الإستعمارية - وما يلحق ذلك من سيطرة على المواقع والممرات الملاحية المهمة وهو صراع آخر يضع في حسابه محاصرة ومجابهة أي تقدم للقوى الإستعمارية الأخرى على الخريطة .. وكان وضع الشعوب المستعمرة آنذاك ومنها الشعوب العربية كالأطرش في الزفة لا يدري ما ذا يقول ! ولا إلى أين يذهب !! وأي فوضى تحدث في المنطقة العربية سترجع تلك الحاجة لترتيب الأوضاع من جديد بما يناسب المصالح الغربية وأي تعارض أو ممانعة سياسية من قبل الأنظمة العربية الجديدة أو من قبل الأنظمة التابعة للشرق والرافظة للتغيير الذي أدى بدوره للفوضى التي ساعدت على خلق حالة ضاعت فيها هيبة ومصالح الدول الغربية ستؤدي إلى رفع احتمالات الحلول الإستراتيجية الجذرية والدخول في حرب بمواصفات ومقاييس عالمية لإعادة تشكيل النظام العالمي بقوالب جديدة تظمن استمرار النفوذ الغربي في المناطق الحيوية وتتماشى مع أي واقع جديد بعد الحرب . وهذه الحاجة لإعادة الإحتلال المباشر لا بد وأن تأخذ شكل وطابع أممي حتى يتم إقناع الشعوب الغربية بجدوى وأهمية ذلك ولذلك قد نرى دور مهم " للفاتيكان" في تلك المرحلة بموازاة الدور المرتقب للإتحاد الأوربي وهي نفس التركيبة التي قادت الحملات الصليبية لأكثر من مئتي عام ! فالمنطلق كان من أوربا وبإجماع ملوكها وتجارها على الفائدة والمصلحة من ذلك وبتحريض ودعم مباشر من البابا الذي كان يدعو عوام النصارى إلى الجهاد المقدس و تحرير القدس من أيدي المسلمين إلا أن خطر إنتشار الإسلام في أوربا المعاصرة وبشكل مخيف سيكون من أكبر دوافع البابا لإحياء جذوة الحروب الصليبية كمنطلق لتطهير عقر دار النصارى من المسلمين كما حدث في محاكم التفتيش التي أدت إلى إخلاء الأندلس من الوجود الإسلامي ! ولا بد كذلك أن يخرج هذا التحرك بهذا الشكل الأممي الديني في مقابل تحرك مماثل أي في مقابل تحرك أممي ديني من قبل الشعوب العربية والإسلامية أي أن الغرب لن يلجأ لمثل هذا الشكل من التحرك المفضوح لمجرد وجود أسباب عودة الإحتلال المباشر وإنما لعدم جدوى الأساليب السياسية والعسكرية القديمة في تنفيذ ذلك أو لنقل بسبب إنكشاف زيف وكذب تلك الدعاوى التي تغلف تلك الأساليب وعدم جدوى التلبس بأي شيء مشابه فهنا فقط تخرج الحاجة للكشف عن الهوية والتحرك بكل وضوح ! والوصول إلى هذه المرحلة لا يمكن أن ينتج عن طريق سلوك نفس القوالب التي صاغها الغرب لنا من أنظمته السياسية أي لن يكون بسبب المنظومة الديمقراطية والبرلمانات والأحزاب والحكومات المنتخبة والقوى الإجتماعية الناعمة لأنها أدوات تشتيت لأجزاء الأمة وتكريس لهذا التشتيت والتفرقة ! وإنما الوصول لهذه المرحلة لا بد وأن يكون نتيجة لقوة ظهرت كممثل عن الأمة طالبت بوحدتها وعزتها وتكلمت بلسانها وحاربت كطليعة لها حتى أتت الظروف وجاء المناخ الذي إستوجب عودة المسلمين كأمة وهو عين ما نادى به تنظيم القاعدة ومارسه طوال العشر السنين العجاف الماضية عندما سار المجاهدون نحو هذا الهدف بثبات لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم وصدق الله العظيم { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } وقد تكون هذه العودة أيضا وهذا الإحتلال المباشر جراء الخطر الذي سيحدق بإسرائيل إن تمخضت هذه الحروب المرتقبة عن كيانات معادية فأي خطر على وجود اليهود سيدفع لوبيات الضغط في العالم بأسره إلى الضغط بإتجاه تحالف عسكري عالمي لحماية إسرائيل لأن تأثير القوى الصهيونية المالية العالمية تأثير لا يقاومه شيء فهم أرباب الربا العالمي وهم الممسكون بالآلة الإعلامية التي تعمل على تشكيل الرأي العام العالمي وهم .. وهم .. إلخ وقد تتكاتف هنا الرؤى المسيحية واليهودية العقدية بشأن معارك آخر الزمان مع المطامع الإستعمارية الجديدة للقوى العظمى لتدفع بهذا الإتجاه ! وقد أثبت الغزو الأمريكي للعراق وجود شيء من ذلك التكاتف الفكري والمصلحي في الدوافع التي تقف ورائه والحديث عن ذلك يطول ولكن يكفي أن نتذكر بعض عبارات بوش الإبن كقوله " إني أتلقى الأوامر من الله مباشرة !! " أو كقوله "العراق ستكون سنغافورة الخليج ! " فكلتا العبارتين تدل على البعد العقدي والمصلحي وراء عملية الغزو التي عاد منها ذلك الأحمق بخفي حنين وخفين آخرين أيضا !! ومما سبق نستطيع القول بأن سوريا أو منطقة الشام ككل سوف تعود بإذن الله في المراحل القادمة لممارسة دورها التاريخي في صد الحملات العسكرية ذات الطابع الأممي على أمة الإسلام وكأرض معركة لتلك الحروب العالمية وكنقطة تجمع وإرتكاز للقوات الإسلامية المدعومة بإسناد مصر ومدد اليمن . وقد كان القصد من هذه اللمحة السريعة لخطوط الصراع التي يمكن أن تنشأ عن معركة الشام هو أن نتعرف على الطبيعة التي يمكن أن تنزع إليها الحرب مع الأيام .. فعملية التعرف هذه ضرورية للكشف عن المسار الذي ينبغي أن يسلك للدخول في هذه الحرب منذ البداية وهي عملية شبيهة بعملية " المحاكاة " التي تقوم بها قيادة الأركان العامة أو إدارة العمليات والتخطيط في الجيوش النظامية الحديثة فتقوم ووفقا لأساليب علمية تستخدم فيها الحواسيب المشحونة بالمعلومات والمعطيات السياسية والعسكرية والإقتصادية لكلا طرفي النزاع وبوجود فريق تقييم وغيره بعمل تجربة شبه واقعية للحرب وفرص كل طرف حسب ظروفه وإمكانياته وتتظمن أيضا هذه العملية أرقام الخسائر المتوقعة والتأثيرات الإقليمية والدولية والوضع الإستراتيجي الذي قد ينشأ عن ذلك ، فعملية المحاكاة هذه تتيح للقادة السياسيين وضوح أكثر عند إتخاذ قرار الحرب تجاه أي نزاع قائم وهو ما حاولت أن أبدأ به هنا قبل الدخول في عملية تحديد الإستراتيجية المناسبة . مقدمة الإستراتيجية تمخض تاريخ الحروب البشرية عن عدة مبادئ عامة تقف بثبات خلف أي خطة في حالتي الهجوم والدفاع وتقف أي إستراتيجية يصح أن نطلق عليها " إستراتيجية " على عدة مبادئ هي روح الخطة الغير مدون على الخريطة الحربية ! وقد قادني البحث هنا إلى مراعاة ثلاثة ركائز أرى أنها ركائز أساسية للعمل في المسرح الشامي .. ومن خلال ذلك أقول أن أي قوة عسكرية ذات طابع جهادي وأقول "جهادي" لأن الموانع والعقبات أمام هذه القوة ستختلف عما إن كانت قوة وطنية أو قومية وأيضا التطلعات ستختلف بشكل كبير ولذا أقول بأن أي قوة جهادية تريد العمل على الساحة الشامية التي تموج وسوف تموج أكثر بمستوى عنف أكبر وبعدد لاعبين أكثر يجب أن ترتكز على إستراتيجية " مرنة " للتحرك وفق أي نشاط يسود في الساحة أو ضد أي أوضاع تفرضها القوى العظمى ! فمنطقة الشام وسوريا تحديدا جاءت في وضع استراتيجي تشابكت فيه خطوط الصراع الدولي بشقيه الغربي والشرقي مع الصراع الإقليمي بشقيه السني والشيعي مع الصراع المحلي بين المسلمين والنصيرية ! وهذا المسرح الذي إلتقت فيه كل هذه الصراعات مؤهل بهذا الإعتبار لأن يكون ساحة حرب طويلة الأمد وبعيدة التأثير وهذا يحتم وجود قوة قائمة بذاتها وتتمتع بمرونة في حالتي التمركز والحركة حتى تستطيع البقاء في ظل هذه المعادلة وحتى تتمكن من العمل بفاعلية وفق ذلك فمعركة الشام القادمة سيكون عنوانها الرئيسي البقاء للأذكى وليس للأنكى كما سيظن البعض في البداية !! وأقرب مثال على تشابك تلك الصراعات العالمية والإقليمية والمحلية وما تفرضه من تغيير سريع في مواقع القوى وخروج ودخول اللاعبين هو الحرب اللبنانية التي استمرت قرابة الخمسة عشر عاما فتلك الحرب قامت على وضع عسكري معين وانتهت بآخر مغاير تماما ! فالجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية والكتائب المارونية وميليشيا القوى اليسارية والقوى الوطنية وأهل السنة وحركة أمل الشيعية والجيش السوري والجيش الإسرائيلي وحزب الشيطان والدروز وغيرهم كلها قوى قد تبادلت مراكز اللعب من وقت لآخر فهذه الحرب شهدت بروز قوة الفصائل الفلسطينية مع أنها لم تكن موجودة قبل نشوب الحرب وشهدت أيضا بروز قوة حزب الشيطان في النهاية مع أنه لم يكن موجودا حتى منتصف الحرب وشهدت أيضا تدخلات مباشرة من جيوش دولية وإقليمية ومجاورة كالقوات الفرنسية ثم الأمريكية ثم العربية ثم السورية فالإسرائيلية . والحقيقة أن هذا الوضع لم ينشأ عن قوة بأس ومراس الأطراف المتنازعة على الأرض وإلا لأصبحت القوات الإسرائيلية هي المتسيدة للموقف بما لديها من تفوق نوعي وكمي أو لأصبحت الفصائل الفلسطينية هي المنتصرة بعد أن شهد الجميع بكفائتها القتالية وإنما نشأ لطبيعة الوضع الإستراتيجي للبنان كنقطة إلتقاء للصراعات الدولية والإقليمية والمحلية التي أقامت جسور إمداد سياسي وعسكري لمختلف الأطراف فكانت روسيا والعراق وليبيا خلف منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية وكانت سوريا خلف حركة أمل والقوى اليسارية وكانت فرنسا خلف الجيش اللبناني والكتائب المارونية وكانت أمريكا خلف الجيش الإسرائيلي الذي كان بدوره خلف جيش لبنان الجنوبي وكانت إيران خلف حزب الشيطان وكان البقية خلف مصالحهم في كل مرة وهكذا ! وللتدليل على أهمية هذا التشابك في خطوط الصراع وتأثيره على نتائج الحرب جاءت حرب عاصفة الصحراء كمفتاح لإنهاء حرب لبنان بعد أن أعطت أمريكا التي تسيدت المشهد السياسي للعالم آنذاك بإنتهاء الحرب الباردة أعطت الضوء الأخضر لسوريا في لبنان في مقابل إنظمام الجيش السوري للتحالف العالمي الذي قادته أمريكا ضد العراق ، فجاء حل معضلة الحرب اللبنانية من خارج لبنان وليس من داخله ! وبالنظر إلى الأطراف المشاركة في تلك الحرب نجد أن حزب الشيطان قد إتبع استراتيجية تحرك مرنة أكثر من أي طرف آخر وهذا ما ساعده على البقاء والنمو حتى إنتهاء الحرب وبعدها حتى وصل إلى ما وصل إليه . ففي البداية رأت القيادة الإيرانية بأن نجاح مشروعها الوليد في لبنان يتطلب ثلاث خطوات رئيسية تمثلت في وجود حاضنة وغطاء وموقع مساعد ، ولذلك أرسلت 5 آلاف عنصر إيراني كنواة للمشروع في ظل حاضنة شيعية أصولية بعكس حركة أمل التي اعتمدت على حاضنة شيعية علمانية - وقد دخل معها الحزب في معارك بعد ذلك - ثم اختارت الجنوب اللبناني كإتجاه إستراتيجي مستقبلي تمارس من خلاله مقاومة وقتال العدو الصهيوني المحتل للجنوب وتحتكر هذا الأمتياز للتجنيد ولبناء الشعبية ولجعله غطاء شرعي تمار من خلاله أي دور مهم ثم جاء إختيار الجنوب أيضا لأنه موقع جبلي بغطاء نباتي يساعد على تحييد الطيران والمدرعات في كثير من أجزائه وهذا ما يعطي أفضلية لصاحب الأرض على أي قوات غازية خاصة إن كان يجيد التحرك والتمركز في تلك الأراضي والمرتفعات وهذا ما حدث في حرب تموز 2006 عندما صمد الحزب في وجه الإجتياح الإسرائيلي وهو الأمر الذي لم يحدث في إجتياحي 78 و82 أثناء تمركز منظمة التحرير في الجنوب فأسلوب إستخدام الأرض وخطوط الإتصالات المدفونة بين الجبهات ومراكز القيادة وغيرها ساعدت الحزب على الصمود في وجه قوة متفوقة بشكل رهيب كالجيش الإسرائيلي . أما الركيزة الثانية التي يجب أن نعتمدها بجانب المرونة فهي أن يكون لدينا " دور وظيفي " محدد لتوظيف طاقاتنا بالشكل المناسب وفي الإتجاه الصحيح فمعركة الشام القادمة لن تكون شبيهة بما عهدناه من الحروب الثورية في التاريخ المعاصر لأنها ستخرج من هذا الرداء بفعل الصراع الطائفي والإقليمي والعالمي ولذا أرجو ألا نقف عند تلك الدروس المستفادة من تلك الحروب على أنها الأساليب التي يجب إتباعها بحكم التجربة ، كما أنه قد يقع خلط بين مبادئ التعامل مع الثورة كما تعلمناها من التجارب الثورية في التاريخ المعاصر وبين المسار الأممي الذي تسير إليه الأحداث فأي لعب محلي لا يراعي الدائرة الأعم ويفهم كيف يسايرها وينسق الجهود بموجب ذلك فلن يفلح في تحريك شيء إلا أن يشاء الله . فخطوط الصراع التي تعرضنا إليها في السابق تشير إلى حرب ضروس وطويلة الأمد وهذا يحتم علينا توظيف طاقاتنا المتواضعة بشكل مؤثر حتى نحصل على أفضل إستثمار ممكن للمجهود . وللتوضيح أكثر أقول بأن طبيعة الحرب القادمة سوف تقدم لنا في أحيان كثيرة فرص للسيطرة على مدن وقرى ومناطق وهذه في حالة الحروب الثورية فرصة طيبة لممارسة الحكم والإدارة لأنها المقصود من الثورة أما في حالتنا هذه فقد تكون مدعاة لتشتيت طاقاتنا في وقت مبكر وفي غرض يمكن إدارته بأسلوب أوفر لطاقاتنا ! وأنا أدرك أهمية ممارسة الحراك الإجتماعي والإداري بجانب الحراك العسكري ولكن طبيعة الحرب القادمة مهيأة بشكل كبير لتعود بنا إلى قوانين حكم غير معهودة في الوقت الحالي ! فمن المعروف أن ثقافة الحكم قد تغيرت في العصر الحديث عما كانت عليه في السابق فبدخول قوى " المجتمع المدني" على خط الحكم في الدولة الحديثة جعل من القوة العسكرية قوة أقل شأنا عما كانت عليه بل وفي معظم الحالات تعتبر قوى تابعة للمجتمع المدني - باكستان تتنازع بين السيادة لكلا القوتين وكذلك تركيا سابقا و مصر الآن - وهذا ما كرسه النظام الديمقراطي الغربي كي يكون مفاتيح دخول له على الساحة الداخلية لأي بلد ! أما بوجود حرب بالمواصفات التي نتحدث عنها فأعتقد بأن " القوة العسكرية " ستعود لتأخذ مكانها كقوة حاكمة بمجرد وجودها وسيطرتها على الأرض بلا مزاحمة من تيارات سياسية أو أحزاب أو غيره فوجود مثل هذه الحرب سيعود بنا إلى قوانين الغابة والبقاء للأقوى وهنا ستعود الفطرة البشرية بإلقاء التبعية والولاء والتخندق خلف القوة التي تنتمي إليها بحكم الدين أو العرق وهنا بالتحديد تفشل المنظومة الإجتماعية السياسية الغربية في إختراق وحدة الصف الناتجة عن ذلك لعدم وجود مناخ إجتماعي ثقافي مساعد ! والمقصود أن من سيمتلك القوة على الأرض في هذه الحرب القادمة سيمتلك بقية أنواع القوة الموجودة تبعا لذلك ولذلك يجب أن نوظف طاقاتنا في بناء قوة ضاربة تتولى حماية أهل السنة في الشام وأن نستثمر وجود هذه القوة في جانبنا لممارسة دور إشرافي على السلطات المحلية في كل منطقة دون التدخل والإنشغال بمهام الحكم وواجباته .. فهذه الأخيرة أدت وفي حالات كثيرة إلى تشتيت القوة كما حدث في العراق عندما تداخلت المهام الإدارية في المهام العسكرية وأصبح بعض المجاهدين يجد صعوبة في التوفيق بين العمل الإجتماعي الذي يتطلبه إصلاح شؤون الناس وبين وظيفته الأساسية كمجاهد ! وهذا ما يجب أن نتجنبه في حالات مشابهة فسخونة المسرح العراقي تمنع ممارسة الإدارة مع الحرب في آن واحد بعكس المسرح اليمني الذي يسمح بذلك بل ويتطلبه لنجاح أي مشروع ولا يعني ذلك أن ينشغل أنصار الشريعة أيضا بالإدارة على حساب المهام العسكرية بل يستثمر الأول في تطوير وتسويق وتسهيل مهمة الثاني وهذا ما يفعلونه بحمد الله . لأن المسرح اليمني يتعلق بتحدي من نوع " إثبات الذات" في البرهنة على قدرة الأنصار على تقديم نموذج ناجح في الإدارة والحكم والخدمات في ظل وجود قوى محيطة تسعى لنفس الهدف - حكومة المشترك والحوثيين والحراك الجنوبي - والنجاح في هذا المجال شرط لأي نجاح آخر ! أما المسرح العراقي قديما والمسرح الشامي حديثا فهو يتعلق بتحدي من نوع " حماية الذات " لأن بيئة الصراع تحتم القتال دون وجود الطائفة ودون حقوق الطائفة وحتى النهاية أكثر من أي مجال آخر والنجاح في هذه الوظيفة القتالية هو شرط لأي نجاح إداري آخر . وبمعنى أدق أقول بأن سخونة وطول أمد الحرب المرتقبة في الشام ستجعل المجتمع القروي أو المدني تابعا للقوة العسكرية وخادما لوجودها ومجهودها إن نجحت هذه القوة في تحقيق ثقل عسكري يراهن عليه في حمايتها بعكس الحروب الأقل سخونة وأقصر وقتا التي ما إن تنتهي حتى تبدأ قوى المجتمع المدني في التعبير عن نفسها والمطالبة بالحكم وإرجاع العسكر والمقاتلين إلى ثكناتهم كما حدث في ليبيا ! وهذا التحول الذي سيطرأ على ثقافة الحكم سيكون نتيجة مؤكدة لطبيعة الحرب القادمة التي ستعيد مفهوم الحكم القائم على إمتلاك القوة الخشنة بدلا من القوة الناعمة - النظام الإسلامي يراعي الممازجة بين القوتين ولكنه يظمن إستقلالية أكبر للحاكم من خلال شرط البيعة المعروف " وألا ننازع الأمر أهله " - لأن أي حرب بالمواصفات التي تطرقنا إليها من حيث خطوط التشابك ودرجة العنف ستمنع إعادة تسويق ثقافة الحكم الغربي في الشام كما كان يحدث بعد كل حرب خاصة إن كانت القوى المحسوبة على أهل السنة ذات طابع جهادي أصيل وهو الأمر الذي لم يكن موجودا في الحرب الأهلية اللبنانية فأدى إلى توافق بين مختلف الأطراف المتنازعة في مؤتمر الطائف ولم يكن فاعلا في حرب البلقان فأدى إلى إتفاقية " دايتون" ففي كلا الحالتين إستطاع الغرب النفوذ مرة أخرى إلى الداخل عبر نظام وثقافة الحكم التي تساعده على ذلك - ديمقراطية الأحزاب والبرلمانات - وهذا مالا ينبغي أن نسمح بحدوثه مرة أخرى وهذا يقودنا إلى الركيرة الثالثة في هذه الإستراتيجية وهي التي أطلق عليها مبدأ " إستمرار الصراع " فأي كيان سياسي عسكري يريد ممارسة الحكم المطلق كدولة بمبادئ وأنظمة ورؤى مغايرة لأكثر ما في واقعه يجب أن يخوض سلسلة من الصراعات والحروب المتصلة حتى يتم ترويض الواقع بما يناسب مشروعه الجديد وأي توقف قبل ذلك سيعرضه للفشل ولتربص القوى المعادية التي ما زالت تنبض في الداخل أو الخارج ! والمتأمل في نشأة الدول الإتحادية أو الممالك الكبيرة كما في الحرب الأهلية الأمريكية أو حروب الثورة الفرنسية أو حروب توحيد جزيرة العرب أو الحروب التي أدت إلى قيام الدولة الصفوية أو الإتحاد السوفيتي وغيرها كثير حتى على مستوى الدول الصغيرة أو التي تعيش في محيط معادي كإسرائيل التي إحتاجت إلى سلسلة من الحروب لتثبيت نفسها كدولة وهي حروب 48و56و67و73و82 ، المتأمل في ذلك يرى بوضوح أن مبدأ " إستمرار الصراع" يأتي حتى تتجنب القوة العسكرية الناشئة الوقوف في موقف جامد من الناحية الأمنية بوجود كيانات معادية أو غير منقادة في محيطها الإستراتيجي ولكي تتجنب أيضا التعامل مع خليط سكاني مخترق من الخارج أو غير متعاون مع السلطات الجديدة . تم تعديل January 11, 2013 بواسطه الصابر اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
الصابر قام بنشر January 11, 2013 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر January 11, 2013 أي أن كل الإفرازات السلبية التي ستخرج مع ظهور قوة جديدة بمبادئ جديدة يصعب هضمها في البداية لن يكون بالإمكان تجاوزها بممارسة الإصلاح والإدارة بقدر ما يمكن ذلك بإستمرار الصراع من حولها ! فهذه الركيزة ستوظف طاقات الشعوب في إتجاه واحد دفاعا عن أمنها ووجودها وهذا هو المناخ الصحي الذي سيساعد على تقليم وتهذيب الدولة الوليدة يوما بعد يوم بما يناسب المشروع الجديد . لأن أي شعب تقدم له قضية عادلة ينشغل بها ويوظف طاقاته فيها سيتخلص تلقائيا ومع الأيام من إفرازاته السيئة أو تناقضاته الداخلية التي تظهر عادة في أوقات الرخاء والسلم ولذلك تعمد كثير من الأنظمة إلى إشغال شعوبها بقضايا داخلية أو دينية أو في اللهث وراء لقمة العيش حتى لا تلتفت تلك الشعوب إلى مساوئ النظام فتظهر تبعا لذلك القلاقل والإضطرابات التي تقود بدورها إلى زعزعة نظام الحكم . هذا بالإضافة إلى أن الشعوب عندما تتبنى قضايا عادلة كقضية الدفاع عن النفس أو طرد الغزاة أو تحرير المقدسات وغيرها تبدأ مع ذلك عجلة الإبداع بالعمل عند هذه الشعوب وتبدأ بإكتشاف نفسها وطاقاتها ومواهبها المتنوعة وتبدأ بالإعتماد على نفسها صناعيا وغذائيا وتعليميا وتسود وسط ذلك معاني جميلة في التضحية والتكافل الإجتماعي وتنشأ عندها أجيال تربت وصنعت على عين قدوات صالحة من ذلك الجيل المكافح وهذه القصة تكاد تتكرر في تواريخ كل الشعوب الناجحة ! ومن أجل مراعاة هذا الإعتبار المهم يجب علينا أن نبرمج تحركاتنا في إتجاه سلسلة من الصراعات ضد سلسلة الأعداء الموجودين في المنطقة بدءا من النصيرية وانتهاء بالعدو الصهيوني .. وهذا ما سيجعل الشام ميدان متكامل ومتحد وهذه نقطة أخرى سنأتي عليها عند تحديد الإتجاه الإستراتيجي للتحرك . سنتعرض الآن إلى الجزء التنفيذي من الإستراتيجية المقترحة للمسرح الشامي وقد أطلقت عليها " خطة الباب " إقتباسا من قوله تعالى [ ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ] فقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن معركة فتح فلسطين وأرشدت إلى وجود " باب " لذلك وهذا ما نحاول أن نبحث عنه عبر هذه الإستراتيجية . ( خطة الباب ) إن أي خطة عسكرية توضع على الطاولة للمناقشة يجب أن تخضع لإعتبارين أو تجيب على سؤالين : ماذا نريد من هذه الخطة ؟ وبما تخدمنا ؟ وعند الحديث عن المسرح الشامي يجب أن نضع في اعتبارنا أيضا الدروس المستفادة من التجارب السابقة في هذه المنطقة في مقابل أرقام وأحداث الوضع الحالي وما تشير إليه في المستقبل فبين هذه وتلك نستطيع أن نعرف ماذا يجب أن نفعل ؟ وكيف نفعله ؟ فالتعامل مع مسارح الحرب النشطة كما هو متوقع في المسرح الشامي لا يقتصر على وضع الخطط المرحلية في بناء القوة أو للتقدم العسكري على الأرض لأنك قد تتعرض لإنتكاسة عسكرية - بفعل الطبيعة النشطة لمسرح الحرب - تعيدك إلى نقطة الصفر في كل مرة ! خاصة في مسرح أو منطقة كمنطقة الشام تعج وسوف تعج أكثر بخطوط الإمداد والتجنيد لمختلف الأطراف على الأرض سواء كانت إقليمية أو دولية وهذا بجانب أن هذا المسرح يقع بجوار قوى لها تاريخ في عمليات التدخل المباشر كتركيا وإسرائيل . وبالعودة على العبارة الأولى التي إبتدأت بها حديثي أقول أن أي ضابط أركان يريد إقناع بقية القادة الجالسين حول الطاولة بجدوى خطته يجب أن يبدأ بشرح الظروف التي تدعوا لتبني مثل هذه الخطة ثم يشرع بذكر المزايا التي تقدمها خطته للوصول إلى الهدف من الحرب وعلى هذا الأساس المنهجي يتم إستيعاب الخطة ومناقشتها بشكل علمي ومن أجل ذلك سأبدأ بتمهيد بسيط يضاف إلى التمهيد الرئيسي في الجزء الأول ثم أشرع في ذكر الإستراتيجية المقترحة . ومن أجل ذلك أقول وبالله التوفيق بأن هذه الإستراتيجية سوف تعمل بعون الله على الإلتفاف على محاولات النظام لترويض الثورة أو تحطيم سقف خياراتها والإكتفاء بالمشاركة السياسية بدلا من إسقاط النظام .. وستعمل بنفس الوقت على الإلتفاف على محاولات القوى الإقليمية والدولية في إفشال الخيار العسكري كحل لإنجاح الثورة ولترويض الحدث نفسه ريثما يتم ترتيب أوراق المنطقة بما يناسب الجميع وبما لا يشكل خطرا على إسرائيل ! فكلا الإلتفافين سيعمل على وضع الشعب السوري في طريق لا عودة منه إلا بتحقيق تغيير حقيقي في واقعه وهذا لن يتم عبر الحلول التوافقية أو المزيفة التي ستطرح له بين فينة وأخرى وإنما يتم بتغيير شامل في المحيط الشامي برمته وليس في سوريا فحسب ! وهذا ما سنحاول رسمه منذ الآن وعبر هذه الإستراتيجية .. فسوريا هنا هي مفتاح التغيير في الشام كله بما فيه فلسطين المحتلة والشام هنا هو مفتاح التغيير للعالم العربي ومن بعده الإسلامي بإذن الله تعالى . وبالرجوع إلى تاريخ حيثيات الثورية الجهادية في سوريا أعوام 79 و80 و81 و82 نجد أن عناصر الإستراتيجية التي إعتمد عليها نظام الأب هي نفسها التي يعتمدها نظام الإبن الآن حيث التوجه التام نحو الحل الأمني العنيف والعمل على ترويض وإختراق المعارضة السياسية والعسكرية ومعاقبة كل مدينة أو حاضنة شعبية لأي نشاط مسلح بشكل عنيف وشامل كما حدث في حماة 82 وكما يحدث الآن في حمص وإدلب وغيرها والحقيقة أن هناك تشابه أيضا في إستراتيجية القوى الإقليمية والدولية في التعامل مع الحدث فالعراق إبان حكم صدام حسين والأردن كانا قد إستضافا المعارضة السورية المتمثلة بالإخوان المسلمين وفتحت لهم المعسكرات للتدريب وقدمت دول الخليج الدعم المالي كما تفعل اليوم وكان ذلك في إطار معاقبة النظام السوري على مساندته لإيران في حرب العراق والتي كانت على أشدها آنذاك وهذا ما تفعله دول الخليج الآن إضعافا لموقف إيران الإستراتيجي في المنطقة ! أما القوى العظمى فقد تعاملت وفق ما تمليه قواعد الحرب الباردة وهو ما تفعله الآن بعد أن عادت موازين القوى العالمية إلى شيء من التوازن بعد تراجع مركز الولايات المتحدة كرأس للنظام العالمي إلا أن هذا التشابه في الإستراتيجيات المتبعة في المشهد القديم و المشهد الجديد والذي أدى إلى وأد الثورة الأولى جاء هذا التشابه والذي تعقد عليه الآمال في وأد الثورة الثانية جاء ليصطدم بواقع مغاير تماما ! فالحراك الشعبي في سوريا الآن هو جزء من حراك شعبي أكبر عم الشارع العربي بنسب متفاوته والحراك العسكري الطائفي في سوريا الآن هو جزء من حراك عسكري طائفي أكبر سيعم المنطقة بأكملها وبين تغذية الحراك الأول وامتطاء الحراك الثاني تكمن الإستراتيجية الناجحة في الوصول إلى التغيير المطلوب أو الهدف المنشود في الشام ككل وليس في سوريا وحسب .. ولكن كيف ؟ عندما انطلقت الثورة السورية من درعا وانطلقت معها ومنذ اليوم الأول دوامة العنف من قبل النظام أدركت أن السلمية ستزول لا محالة وسيتجه الجميع إلى السلاح وبما أن الدروس القديمة لايتم إستحضارها بنفس سرعة الأحداث توقعت أن تكرر نفس الأخطاء العسكرية التي حدثت في الماضي واستفاد منها النظام في القضاء على الثورة وبالأخص تكتيك معاقبة المدن التي تضم جماعات مسلحة بالقصف العنيف والتهجير والإغتصابات وغيره حتى تنزجر بقية المدن عن فعل ذلك وتحدث عملية تأنيب وتأليب داخلي شعبي ضد أي نشاط مسلح يستخدم محيطه للعمل - وهذا ما بدأ الكلام حوله بعد عمليات قصف حمص وإدلب - ومع تلك البداية وفي تلك الأيام قمت ببحث موسع حول الخيارات الممكنة لتجنب المزالق التي يستفيد منها النظام في تعامله مع الثورة ولإستثمار الظروف الجديدة في المنطقة وراجعت التوصيات التي دونت في كتاب " التجربة السورية " والذي يعتبر أهم مرجع للثورة الأولى والحقيقة أني لم أجد من بين تلك التوصيات ما يساعد على صياغة إستراتيجية عمل فالتوصيات كانت عبارة عن خبرات نتجت عن تجارب عمل مع النظام والشعب والحركات الإسلامية والسياسية ومع العمل الجهادي نفسه ، والكتاب جيد في فهم هذه المكونات إلا أننا الآن بحاجة إلى أسلوب عمل يتماشى مع الصراع المحلي والإقليمي والدولي ويوظفه لصالحه ! ولذا واصلت البحث بشكل مستقل والحقيقة أني كنت أصل إلى نفس النتيجة في كل مرة ! وأذكر حينها أني كنت أتناقش مع أحد الأخوة الأفاضل عن الوضع العسكري المتوقع في سوريا وكان يقول بما روجه بعض المحللين ومعارضي النظام ومسؤولي التنسيقيات من أن سقوط النظام مسألة وقت لا أكثر ! إلا أني شرحت له وجهة نظري في أن النظام قوي في بنيته الطائفية وتحالفاته الإقليمية والدولية وأن الناس سوف يكررون نفس الأخطاء ولن يخرجوا بنتيجة ! فقال لي : إذن وما الحل ؟ فقلت : الحل في تورا بورا !! في عام 2003 إلتقيت بمهندس تحصينات تورار بورا التي صمد فيها المجاهدون لأكثر من شهر تحت القصف الأمريكي العنيف وكان ضابطا سابقا في أحد الجيوش العربية ، وقد أسند إليه الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله مهمة بناء خنادق وتحصينات تورار بورا لخبرته الجيدة في ذلك وبعد أن شرح لي التفصيلات الخاصة بالخنادق وطريقة العمل قال لي أن الغرض من موقع تورا بورا أن الشيخ أسامة أراد أن يصمد العرب في موقع حصين ومجهز ذاتيا ولو سقطت أفغانستان كلها في يد الأمريكان ! لأن الشعب الأفغاني لن يلقي السلاح وسيظل يقاتل مادام العرب يقاتلون وقد بنى تصوره هذا على معرفته الجيدة بطبيعة الشعب الأفغاني وقد جاءت الأيام بصدق ذلك ولذلك ما زال المجاهدون العرب يحافظون على تواجد وتمثيل رمزي في عدة جبهات أفغانية لعظيم الفوائد التي تحصل بسبب ذلك . هذا بالنسبة للغرض الإستراتيجي أما الأغراض التكتيكية فتمثلت في نقطتين ، الأولى أن القتال من موقع تورا بورا سيجنب السكان المحليين القصف الجوي العنيف الذي يطال كل قرية أو مدينة تأوي المجاهدين ولذلك إضطر أكثر المجاهدين العرب إلى مغادرة أفغانستان بعد أن تسبب وجودهم في مآسي كبيرة للسكان لدرجة أن قرية أراد المجاهدون دخولها فقيل لهم : إما أن تدخلوا فنخرج أو تتركونا بسلام ! أما النقطة الثانية فهي أن القتال من موقع تورا بورا سيظمن إستمرار الصراع بالشكل الذي سيفشل أي مشروع سياسي أمريكي لإدارة البلاد وهو ما حدث في انحياز المجاهدين إلى تورا بورا وشاهي كوت وبقية المناطق الجبلية بعد ذلك ، فهذه الإستراتيجية التي عملت على الإلتفاف على إستراتيجية العدو الأمريكي هي نفسها التي نحتاجها للإلتفاف على العدو النصيري وحلفائه الإقليميين والدوليين وستعمل أيضا على خلط أوراق الأعداء وإسقاط أوراق التوت عن مواقفهم الحقيقية من الشعب السوري وستجند الأخير خلف القوة الوحيدة التي يستطيع الإحتماء بها والإعتماد عليها في ظل الأوضاع المرتقبة .. هذا إن أحسنت القوة الجهادية الدخول إلى دائرة الصراع بالشكل الذي يحقق لها صدارة الموقف العسكري المقابل للعدو النصيري والذي سنراهن عليه لاحقا في صدارة الموقف السياسي .. ولكن كيف ؟ إستراتيجية التحرك عندما تفحصت الخارطة السورية وجدت أن الحيز الوحيد الذي يصلح جغرافيا لقتال وحروب العصابات التي تناسبنا من خارج المدن هو الشريط الجبلي الممتد من "لواء إسكندرون" إلى لبنان بإتجاه الجنوب فهذا الشريط المقابل للساحل الشامي يتمتع بغطاء نباتي جيد في كثير من أجزائه وهذا مهم لتجنيب السكان المحليين مخاطر القتال بينهم إلا أن الأهم في الموضوع هو أن أي تمركز لنا في أعلى هذا الشريط من الجانب السوري وتحديدا في محيط جبال النصيرية سيعمل على تهديد مشروع خط الرجعة للدولة العلوية وسيربك تكتيكات النظام المحسوبة مسبقا وسيقدم لنا فرصة جيدة للرد المباشر على كل إعتداء تتعرض له مدن أهل السنة بعمليات مماثلة ضد قرى ومناطق النصيرية وهذا ما سيفقد العدو القدرة على الردع وسيفقده كذلك القدرة على الإشتباك بأسلحته المتفوقة كالطيران وسلاح المدرعات وسيعمل على زعزعة وحدة الصف النصيري بعد أن يذوقوا شيئا مما ذقناه ! وسيقلل من فائدة عمليات الإختراق الإستخباراتي في صفوفنا بما أن دائرة تمركزنا خارج المدن والمناطق التي يمكن أن تطوق بناء على الجهد الإستخباراتي . فهذه النقلة الشطرنجية على ساحة الصراع ستقطع الطريق أمام الحل السياسي للقضية بعد كل هذا المشوار الذي قطع في ترويض الشارع والمعارضة والمحيط الإقليمي والدولي لأن هذا التمركز وما سيعقبه سيقدم فرصة ثمينة للمراهنة على نجاح الحل العسكري . والأمر شبيه بالإرباك الذي يحدث لأي جيش في قيادته وبين وحداته عندما تظهر قوات مهاجمة من خلف خطوطه القتالية ! وسواء كان هذا التمركز ككتلة واحدة كما في موقع تورا بورا أو كمواقع صديقة تساند بعضها كما في المعسكرات الأمريكية التي أنشأت في "خي سان " شمال فيتنام وهي منطقة متقدمة في عمق أراضي "الفيتكونغ" إلان أن الموقع يجب أن يتمتع بمرونة عملية كي يستخدم كقاعدة إعداد وتدريب وإنطلاق للمجموعات القتالية ضد خطوط إمداد العدو ومراكزة ومناطقه السكانية . وهذه المرونة يجب أن تشمل الموقع من حيث التجهيز ومن حيث الموقع نفسه بحيث يتم إختيار الموقع وفق شروط معينة ومتطلبات توضع في الإعتبار كأن لا يقع في محيط جغرافي مغلق وكأن يكون بالإمكان تموينه شهريا من مدن أهل السنة أو عن طريق الساحل فحل مشكلة التموين شيء أساسي هنا لأنها هي السبب في الإنسحاب من تورا بورا لأن مخزون الذخيرة لم يدم أكثر من شهر وهو السبب أيضا في الإنسحاب من " خي سان " لأن التمويل الجوي تعذر بعد أن وضع الجنرال جياب مدافعه المضادة للطيران فوق المرتفعات وبشكل مموه يصعب إستهدافه . وهذه المرونة يجب أن تشمل أيضا الأساليب المستخدمة في مصاولة العدو والتأثير عليه كالصواريخ ذات الأمدية المختلفة لإستهداف قرى النصيرية وهذه تقودنا لمسألة مهمة تتعلق بضرورة الإعتماد على الذات في التصنيع العسكري لأن المعركة القادمة ستستهلك معدلات كبيرة من القذائف وأي نقص أو نفاذ للذخيرة سوف يخرجنا من الحرب لا محالة وهذا ما يعتمد عليه النظام والأنظمة المحيطة في ترويض الحراك العسكري فهذا المزلق أدى في كثير من القضايا إلى توقف القتال ولذا نجد أن من أهم القرارات التي تتخذ للسيطرة على أي أزمة هو قرار حظر الأسلحة وما يعقبه من مراقبه الحدود وشبكات التهريب وغيره .. والدول المحيطة بسوريا غير مأمونة الجانب في السماح بمرور السلاح سوء عن طريق تجار السلاح أو غيرهم وأي تفاهمات أو ضغوطات ستؤدي إلى إلغاء أي موافقة أو تغاظي سابق عن ذلك - كما في نهاية الثورة الأولى من قبل العراق والأردن - وهذا ما سيجعل المجاهدين والمقاتلين في سوريا تحت رحمة دول الجوار ! وتقنيات التصنيع الحربي المحلي قد تطورت كثيرا في السنوات الماضية ويستطيع المجاهدون بعد الإستعانة بالله ثم بأهل الخبرة في ذلك من تصنيع الصواريخ والقذائف كالهاون والآر بي جي والطلقات النارية والقنابل اليدوية والحرارية والعبوات بأنواعها وغيرها كثير مما يمكن تأمينه من خلال شبكة من الورش الصناعية في مدن أهل السنة . وليس الغرض من هذه الورقات التعرض لمثل هذه التفاصيل ولكن من المهم أن ندرك المزايا التي سيقدمها لنا هذا الأسلوب في العمل والمتطلبات اللازمة لذلك ، وبالعودة على المسار الإستراتيجي أقول أن الهدف المرحلي من خلال العمل من هذا الموقع هو تسجيل حضور حقيقي ومؤثر على الساحة وعلى خط الصراع العالم ومن أجل تفعيل هذا الهدف يجب الدخول في مرحلة صمود طويلة من داخل هذه " القلعة " لإستنزاف العدو ونشر قواته على مساحة أكبر لتستهدفها خلايا العمل الخارجية واللعب معه بما نجيده من فنون التطويق والكمائن الجماعية وغيره فبمجرد وجودنا وتمركزنا بشكل قوي في هذه المنطقة الحساسة بالنسبة للنظام سوف يجلب لنا حملات عسكرية متتابعة وهذا ما يجب أن نستثمره في الحصول على الغنائم وغيره أي أن الموقع سيكون بمثابة كمين ضخم ودائم بقدر ما هو تهديد مباشر للوجود النصيري وبإنتهاء هذه المرحلة نكون قد أمنا المحيط الجغرافي الذي سننطلق منه إلى المراحل اللاحقة وأعتقد بأن هذا المحيط يجب أن يشمل الخط الواصل من أدلب إلى الساحل الشامي ، فبعد تهجير سكان هذه المنطقة من النصيرية بإتجاه لواء إسكندرون يكون ظهرنا لتركيا والميمنة يغطيها البحر وهو وضع تكتيكي جيد سنستفيد منه عند الشروع في الإتجاه الإستراتيجي الجديد والأخطر نحو الجنوب ، وقبل الشروع في الحديث عن هذا الإتجاه أود أن أشير إلى أن نجاحنا في السيطرة العسكرية على خط ( إدلب - الساحل ) سيضع مشروعنا على السطح وسيصلط الأضواء علينا لأن المرحلة السابقة قد لا نخدم فيها إعلاميا ولكن دخولنا في هذه المرحلة سيكون بمثابة دخول قوات أنصار الشريعة في اليمن إلى زنجبار العام الماضي فمع أنهم كانوا يصولون ويجولون في عدة مناطق داخلية إلا أن مدينة بحجم زنجبار وضعتهم على السطح وأمام الجميع وهذا ما يجب أن الإنتباه له ! وإن كان دخول أنصار الشريعة لزنجبار سببا في بدء الحملة السعودية الأمريكية عليهم فإن السيطرة على خط ( إدلب - الساحل ) سيكون بإذن الله سببا كافيا لكسب الدعم المحلي والإقليمي ! فالعادة جرت أن طبقة الداعمين لا تبذل إلا للقوي خاصة في المعارك والحروب المصيرية وكسب هذه الطبقة بالإضافة إلى الطاقات الشبابية للتجنيد وغيره سيكون تحصيل حاصل بعد ذلك الفتح ! أما الأهم في هذه المسألة أن دخولنا في هذه المرحلة إن تم قبيل أو بعد نشوب الحرب الإقليمية بين الحلفين الشيعي والسني سيجلب لنا عروض الدعم العسكري والمالي والفني من قبل تلك الدول السنية وعلى رأسها السعودية وهذا أمر أعتقد بأنه سيطرح على الطاولة أيضا في الحالة اليمنية لمجابهة الخطر الحوثي ولا يخفى أهمية ركوب هذه الموجة والتحرك من خلالها لأنها سوف تختصر الكثير علينا كما أننا سنعتمد عليها كثيرا في بناء قوتنا العسكرية اللازمة للمراحل القادمة . فنشوب الحرب الإقليمية سيعيد ترتيب الأولويات لدى تلك الأنظمة وسيخرج التيار الجهادي من دائرة الأعداء إلى دائرة الحلفاء بهدنة مشروطة أو ما شابه فتقاطع المصالح الذي ستحضره الحرب الإقليمية معها سيكون بمثابة بطاقة دعوة لنا للدخول على خط الصراع الإقليمي وبذلك نكون قد كسرنا معادلة النظام السوري الذي يحتمي بها . وحسابات الحرب الإقليمية لن تساعدنا فقط في كسر التفوق العسكري للنظام النصيري بل وسنستفيد من الدعم الذي ستجلبه لتوسيع مساحة الحرب والدخول إلى لبنان ! فلبنان هي الإتجاه الإستراتيجي الثاني بعد مرحلة " القلعة " والحرب الإقليمية ستسهل إنطلاقنا عمليا نحو هذا الإتجاه وستشرعن له كذلك إلا أن ذلك يتوقف على وجود آلية لتلقي هذا الدعم وتوظيفه وهذا ما يقدمه لنا سيطرتنا الأولية على خط ( إدلب - الساحل ) فالمنفذ البحري هنا ضروري لإستقبال الدعم الخارجي أو لإستجلابه حتى لا نقع تحت رحمة الأتراك في تمرير ذلك ، وهذا ما استفاد منه المجاهدون في ليبيا عندما استخدموا البحر والمنافذ البحرية في كسر حصار النيتو والدول المجاورة بخصوص السلاح والنقل بل وفي كسر جمود الموقف العسكري عندما أنزلوا قرابة 200 قارب على سواحل العاصمة في عملية " فجر عروس البحر" إذن نستطيع ترتيب أفكارنا منذ الآن ونقول بأن اختيار موقع "القلعة" سيكون على أساس معالجة مشكلة التموين وتهديد مناطق النصيرية واختيار خط ( إدلب - الساحل ) سيكون على أساس معالجة مشكلة تلقي الدعم الخارجي اللازم للمرحلة التالية سواء كان ذلك الدعم من خلال الأنظمة في الحلف السني أو من خلال شبكات الدعم الجهادية والتي يجب أن نوفر لها منفذ بحري لإستقبال دعمها البشري والمادي كما أن هذا المنفذ سيفتح لنا المجال أمام العمليات البحرية المساندة في عمليات السيطرة على مدن الساحل بالتوازي مع المجهود البري . وأتوقف هنا لأعرج على نقطة غاية في الأهمية فكما هو معروف سوريا تعج الآن بمجاميع قتالية متنوعة منها ما يتبع للجيش الحر ومنها ما هو مستقل ويتبع له بالإسم ومنها مشاريع إسلامية أو جهادية أو عشائرية وهذا في عام واحد فقط والوضع مؤهل للزيادة مع أي تمدد للعمل المسلح وهذا المستنقع العسكري جيد في إنهاك وتبديد قوات النظام إلا أن مجاراة هذه العشوائية غير مفيدة لما نحن بصدده وقد تتسبب لنا بنفس التشتيت الذي تتعرض له قوات النظام ! ولذا أرى أن نختار العمل ككتلة متحدة وفي نطاق معين ومدروس في كل مرحلة وهذا له فوائد سنعرج عليها لاحقا ولكن المهم الآن أن ندرك خطورة تشتيت القوة مع هذا الوضع الذي أعتقد بأن من يتقن " حشد القوات" هو من سيحسن التحرك في هذه المعمعة وهذا ما يقدمه لنا التمركز في القلعة ثم الإنتقال إلى خط إدلب الساحل ثم الإتجاه إلى الجنوب في الشريط الجغرافي التي يضم ( إدلب - بانياس - طرطوس - اللاذقية - حماة - حمص - دمشق - بالإضافة إلى طرابلس من لبنان ) فهذا المستطيل الجغرافي هو الأهم في منطقة الشام وهو الأفضل من ناحية التضاريس لتحركاتنا وهو الأكثر إكتفاء ذاتيا من ناحية الأمن الغذائي بشقيه الزراعي والمائي ومن ناحية توفر ساحل ومنفذ بحري للمنطقة وهذا ما يؤهل هذا المستطيل لمقاومة أي حصار إقتصادي يفرض عليه في أي مرحلة ! كما أن هذا المستطيل سيتيح لنا تفعيل مبدأ " إستمرار الصراع " وهو أحد مرتكزات الإستراتيجية فوجودنا شمال لبنان سيعمل على ذلك كما كان يفعل وجود الجيش السوري في لبنان سابقا ، فكلا الأمرين يعمل على توسيع دائرة الصراع ويربط بين خيوطها بحيث لا تحل قضية دون أخرى . واستراتيجيا تعتبر سيطرتنا القوية على هذا المستطيل الجغرافي سقوط غير مباشر لبقية مناطق الشرق السوري و القصد من التحشد هنا إلى جانب ما ذكرنا هو تجنب تشتيت القوة الذي قد يفرضه الإنتشار الواسع بالإضافة إلى أن من مرتكزاتنا أن نحافظ على " الدور الوظيفي " لطاقاتنا وأي تمدد لإدارة بقية المدن والمناطق سوف يضاعف من مسؤولياتنا الإدارية والتزاماتنا نحو الناس والأخطر أنه سيضعنا في احتكاك مباشر مع بقية القوى الصديقة حينئذ سواء كانت عشائرية أو قومية أو إسلامية أو وطنية أما تموضعنا على خط إدلب الساحل وانطلاقنا بالمجهود الرئيسي من ذلك الخط بإتجاه الجنوب كما أسلفنا والمعارك الناتجة عن ذلك سيتيح لنا تنفيذ عملية تمشيط كاملة وكنس لأي قوى موجودة ضمن هذا الشريط بحيث لا تنتهي المعركة مهما طالت ولا تصل إلى طرابلس أو دمشق إلا ونحن لم نترك خلفنا قوات لا تتبع لنا سواء من قواتنا الأصلية أو ممن رضخ للواقع وانضم إلينا فمثل تلك المجاميع العشوائية لا تلقي القياد ولا ترضخ إلا بوجود قوة كبيرة ومنظمة تخشى سطوتها خاصة إن كانت هذه السطوة في ظل إنتصارات كبيرة كتلك التي ستنتج عن دحر بقية قوات النظام في المستطيل الجغرافي . أما على مستوى الصراع الثنائي مع الجيش النظامي فإن إختيارنا لهذا الإتجاه الإستراتيجي للتحرك هو إزاحة وإخراج للجيش من منطقة الخندق الذي يتحصن بها وأي نجاح نحققه هنا سيعرض بقية فرق الجيش في الوسط والشرق والشمال والجنوب السوري إلى أن تكون مكشوفة وتقدم أيضا فرصة كبيرة لإحداث الإنشقاقات وتفتيت وحدات الجيش بسقوط منطقة الرأس منه ! وهذا ما لا تفعله السيطرة على الشمال أو الشرق أو الجنوب لأن النظام يرتكز على وجوده العسكري والطائفي القوي في هذه المنطقة ولذلك جعل منها مخزن إستراتيجي للسلاح والذخيرة وهذه نقطة يجب أن نراعيها عند ترتيب أولوياتنا في العمليات الهجومية فإنطلاقنا من خط إدلب الساحل إن تم بطريقة هندسية تؤدي وتعمل على إحداث إنهيار عام بين وحدات الجيش السوري سيقود ذلك إلى ترك المعسكرات ومخازن السلاح دون مقاومة كما حدث معهم في الجولان 67 وكما يحدث عادة مع كل عملية هجومية جريئة وشجاعة ! وعادة تترك هذه المخازن ويتم التركيز على متابعة المطاردة لإستثمار النصر ولكن بوجود قوى صديقة "متطلعة" يجب ألا تترك هذه المخازن بلا حراسة أو لنقل أنه وحتى بعدم حدوث الإنهيار المطلوب في صفوف العدو يجب أن نبرمج تحركاتنا بهدف السيطرة على تلك المناطق والمخازن العسكرية كهدف أهم من السيطرة على المدن أثناء الحرب لأن الأولى ممهدة ومعينة على الثانية والعكس قد يكون غير صحيح خاصة إن إنشغلنا بمصاولة الجيش وانشغل غيرنا بتحميل الغنائم والتي يفترض أن نحافظ عليها كإحتياطي إستراتيجي للحروب القادمة وكظمان لعدم بروز أي قوى أخرى بفعل ذلك . ومن الجدير بالدراسة أن نحدد الوقت الملائم لإعلان النفير العام فوصولنا إلى هذه المرحلة سيتيح لنا ذلك وبوجود السلاح والرجال نستطيع من خلال ذلك وبعد وقفة تعبوية الدخول في المرحلة التالية وقد لا نستطيع قراءة شيء منذ الآن نحو تلك الفترة ولكن وصولنا إلى تلك العتبة أعتقد أنه سيكون في ظل وضع عسكري ساخن في المنطقة ككل وقد تعم تلك السخونة الأردن فإن تم ذلك من خلال تأثيرات الحرب الإقليمية فهذا جيد وإن تم من خلال أي حراك عسكري سوري ضد الأردن تحت أي ظرف أو دعوى فهذا جيد وإن تم من خلال مخيمات اللاجئين السوريين كما حدث أيام الحراك العسكري لمخيمات الفلسطينيين فجيد أيضا وإن تم بفعل أي عمليات تهجير جماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية بإتجاه الأردن وهو سيناريو سيتطلع إليه اليهود حتى يستفيدوا من غبار المعارك في المنطقة لتنفيذ ما يتطلعون إليه منذ أمد ! والمهم أن أي تحرك يغير الوضع العسكري والأمني في الأردن حتى لو كان ثورة داخلية سيكون بوابة لنا للدخول إلى الأردن وهذه خطوة مهمة في تطويق العدو الأهم " إسرائيل " فاليهود في مكان قوة لا يمكن تجاهله في الميزان العسكري وأي جبهة نفتحها عليهم من مكان ضيق كالجولان أو جنوب لبنان قد لا تأتي بالنتائج المطلوبة وقد لا نخرج منها بطائل أما دخولنا الحرب معهم من خلال جبهة تمتد لأكثر من 500 كيلو كما تقدمه الجبهة الأردنية وبغطاء سكاني مساند كما تقدمه الضفة الغربية وبخطوط إمداد مفتوحة من كل الإتجاهات الخلفية والجانبية من العراق والشام وجزيرة العرب فهذا من شأنه أن يوسع خياراتنا العسكرية ويعطينا العمق الجغرافي اللازم لمقابلة عدو لدود ومتقدم ومتربص وذكي كالعدو الصهيوني ! كما أن دخولنا للأردن هو بمثابة إعلان حرب على إسرائيل وبمثابة إخراج للأفعى من جحرها ! لأن نظرية الأمن الإسرائيلي الحالية تقوم على وجود كيان صديق في الأردن ولذا ما زالوا يعتبرونها دينيا واستراتيجيا الضفة الشرقية لإسرائيل واكل يذكر كيف هددوا بضرب الجيش السوري إن دخلت دباباته الأردن أثناء معارك أيلول الأسود ! وهذا الإتجاه الإستراتيجي الثالث في الخطة العامة يأتي لتغذية مبدأ " إستمرار الصراع" الذي سنستفيد منه في تهذيب وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة كما شرحت في السابق ، فمن خلال هذه السلسلة المتواصلة من أنواع الصراع يمكننا تجنب الجمود العسكري الذي تفرضه القوى العظمى ليتسنى لها ممارسة أدوارها المعروفة في قلب الطاولة من الداخل وعبر أدواتها المتنوعة ولكن إستمرار الصراع بهذا الشكل الشبيه بسقوط أحجار الدومنة سيوحد صفوف المسلمين في الداخل والخارج خلف القوة التي ينتمون إليها بحكم هذا الصراع واستمراره وسيقلل من فرص إمكانية إحداث أي خرق في هذا الصف . والفكرة هنا تعود لمبدأ معروف وقد تعرض له ابن خلدون في مقدمته وهي أن مرحلة بناء الدولة والحروب التي تنشأ بسبب ذلك تجعل الكلمة الأولى لأصحاب "السيف" وأي إستقرار يحدث لاحقا تنتقل معه الكلمة إلى أصحاب "القلم" وحالتنا هذه إن إستمر فيها الصراع فستكون الكلمة الأولى لنا أما إن حصل إستقرار أو جمود في الموقف العسكري قبل إنتهائه لصالحنا بالكامل فسوف تنتقل الكلمة وسيفتح الباب لمن سيقدم لشعوب المنطقة الحل السياسي للخروج من الأزمة والأمر شبيه بما يحدث دائما في لبنان فعند نشوب النزاعات المسلحة تتجه الأنظار وينصب الإهتمام نحو أصحاب السلاح كحزب الشيطان وغيره كما حدث في 2006 وفي الحرب الأهلية وعند المفاوضات وعقد الإنتخابات تنشأ كيانات ليس لها رصيد عسكري سابق كتيار المستقبل مثلا وأي قوة تريد تغيير هذا الواقع الحركي عن العمل بهذه الطريقة يجب أن تدخل وتعمل على إستمرار الصراع حتى ينشأ التغيير المنشود وهذا ما فعله وحرص عليه الجيش السوري في إجتياحه للبنان حتى يستمر الصراع ولا ينتهي إلا بحل مربوط بمسألة الجولان وما فعله الجيش الإسرائيلي أيضا في 82 . وحتى لا أتهم بأني أحاول أن أجرب أفكاري الخاصة على المسلمين فنفس هذا السيناريو موجود ومعد عند الأعداء وإن لم نسحب منهم أرضية العمل التي تحقق لهم ذلك فسنكون نحن الضحية لا محالة ! فاليهود يترقبون لأي أوضاع ساخنة حتى يشرعوا في مخططاتهم القديمة المتعلقة بإسرائيل الكبرى وإن كانت الظروف السياسية لم تساعدهم سابقا في تنفيذ ذلك فإن الظروف القادمة ستقفز بهذه المشاريع التي يقف خلفها كبار الصهاينة بكل قوة لتوضع على طاولة مجلس الحرب للتنفيذ وهذا ما دعا "كسنجر" لتلميحاته في تصريحاته الأخيرة بأن الأوضاع المقبلة ستدعوا أمريكا إلى إحتلال 7 دول نفطية وأن إسرائيل ستستغل جو المعارك وهذه الحرب الشرسة في قتل أكبر قدر من العرب !! فعراب الدبلوماسية الأمريكية كما يسمونه لم يعرض أو يلمح لإسرائيل بأن تحتل بل لمح لها بأن تقتل وهذا يشير إلى مسألة تغيير الواقع السكاني فهذا الأخير هو الذي يمهد لتوسيع إسرائيل وليس مجرد الإحتلال الذي جربوه وعانوا من مشاكله اللاحقة كما في الضفة و قطاع غزة . كما أن الجانب الصفوي النصيري يسعى ومنذ مدة إلى تغيير الجغرافيا السكانية في منطقة الشام ومشاريع التوطين الفارسي معروفة في الشام ولا تحتاج لدليل كما أن مشروع التوطين الفارسي الناجح في العراق سيناريو مشجع لتكراره في الشام إلا أن المنطقة الثانية تحتاج لتطهير عرقي وتهجير أكبر مما حدث لأهل السنة في العراق والذين لا يزالون حتى الآن في مناطق اللجوء في شمال العراق والأردن وسوريا . إذن فأي طرف لا يرتقي لمستوى ودرجة الصراع هنا قد لا يحدث أي تأثير لصالحه وقد ينشغل بنتائج المشاريع الأخرى وبمعالجة أعداد وأوضاع اللاجئين من أهل السنة الناتجة عن ذلك كما حدث مع المجاهدين في العراق . والمقصود من هذه المناقشات المتنوعة لجوانب الإستراتيجية هو أن أبين أن منطقة الشام مؤهلة لأنواع كثيرة من الصراعات والمشاريع والمتغيرات وهذا لا يمكن مجاراته بردات فعل في وقتها وإنما بإستراتيجية تحرك ثابتة تصمد أمام أي متغير مهما كان ومن أي إتجاه خرج وهذا ما دعاني منذ البداية إلى وضع مرتكزات عامة توفر لنا التعايش مع أي صراع وتحت أي ظرف كان وهي ما تعرضت لها عند مناقشة العناصر الثلاثة الخاصة بالمرونة والدور الوظيفي وإستمرار الصراع . وبما أن المشهد الأكثر خطورة على الإطلاق هو ما يتعلق بالإتجاه الإستراتيجي الثالث نحو " فلسطين المحتلة " والذي يعتبر دخول الأردن أول خطوات الشروع فيه فيجب أن نزيد من ترتيب وضعنا الإستراتيجي بما يناسب ذلك ، لأن هذه النقطة قد تدخلنا في مواجهة مع القوى العظمى بنفس الوقت وقد تنهي أي هدنة معقودة مع أي طرف سابق في الحرب الإقليمية مع الحلف الشيعي وقد تتبدل كثير من الأوراق مع ذلك ، ومن أجل إتخاذ أفضل الإستراتيجيات الإحترازية لتفادي مثل هذه المخاطر أرى أن نكتفي بشمال لبنان دون التوغل في وسطه أو جنوبه لأن هذه المنطقة من الوسط إلى الجنوب ستعمل كمصد واقي ضد أي تقدم يهودي على هذا المحور وذلك لوجود حكومة محايدة بالإضافة لقوات الحزب المتمركزة في الجنوب ، وبوجود منطقة خالية من القوى المعادية في الشرق السوري وصحراء الأنبار يبقى علينا تأمين المنطقة الشمالية حتى نقلص الإتجاهات التي نريد التعامل معها من أربعة إلى إثنين ولذلك أرى أن نعيد تمركزنا في هذه المرحلة ونركزه في المربع الجغرافي الذي تحده جبال لبنان الشرقية من الغرب وحمص من الشمال ودمشق من الجنوب لأن أي قوات تتموضع في مثل هذه المنطقة ستكون في مأمن من مخاطر القصف البحري الذي قد تشنه بارجات العدو على تواجدنا العسكري في الساحل فنكون أهداف سهلة لتلك البارجات - وهذا ما يحدث الآن لمدن زنجبار ووقار في اليمن لقربها من خليج عدن فأصبح من السهل على الزوارق الأمريكية والبريطانية إستهداف المدينتين - وسيوفر أيضا الغطاء النباتي والجبلي فرصة جيدة للإحتماء من أخطار القصف الجوي فيبقى بذلك أخطار الزحف البري المدرع والتموضع في هذا المربع يوفر فرص تعامل جيدة لإستيعاب أي محور إقتراب يختاره العدو وهذا يفوت عليه الإستفادة من مبدأ " المباغتة " أهم مبادئ الحرب . أما مسألة تأمين المنطقة الشمالية فأعتقد أنها تتم بتحويلها لمنطقة " قتل " أو لخطوط قتال تعطيلي لأي قوات قادمة من إتجاه تركيا ، وتضاريس الجبال في المناطق الشمالية وشريطها الممتد إلى الجنوب يساعد على مثل ذلك النوع من القتال ، أما الساحل فأرى والله أعلم أنه لم يستفيد جيش في التاريخ المعاصر من تحصين سواحله ضد أي إنزال بحري أو برمائي ! فالمهاجم - الجرئ والذكي - من جهة البحر في موقف أفضل دائما كما أن ذلك يشتت الطاقات ويتعب الأعصاب من طول فترة الترقب وعمليات إنزال النورماندي وآشتون وخط بارليف بالإضافة إلى سلسلة إنزالات المارينز في مسرح المحيط الهادئ شاهدة بذلك .. ولذلك أرى أن نترك الساحل كما هو مع التركيز على أعمال الإستخبارات البحرية وتدمير كل الأرصفة البحرية والإكتفاء بموانئ صغيرة لأغراض الصيد والنقل البحري بين مدن الساحل حتى لا تستخدم هذه الموانئ والأرصفة في إنزال القوات والمعدات والآليات .. فالجيوش النظامية تبحث أولا عن إمكانية الإستيلاء على الموانئ فإن لم تجد أمامها شيء ذهبت تخطط لعمليات الإنزال وهذا يرتبط بأحوال الطقس وطبيعة الساحل وغيره بعكس الموانئ الجاهزة وهذا يقلل من فرص العدو في التحرك ويحدد أمامنا تواريخ وأماكن معينة لمعرفة إحتمالات الإنزال من خلال أحوال الطقس وقابلية الأرض ! وتموضعنا السابق سوف يكشف خطوط الإقتراب لأي إنزال في أي جهة على الساحل وفي وقت مبكر ، وهكذا نكون قد وصلنا إلى منطقة التحصين الثالثة بعد خط إدلب - الساحل والمستطيل الجغرافي ، فخط إدلب الساحل هو تموضعنا القتالي تجاه جيش النظام النصيري وتموضعنا في المستطيل الجغرافي هو الخط القتالي ضد الحلف الشيعي أما التموضع في المربع الجغرافي فهو القاعدة لأي إنطلاقة بإتجاه الأردن ففلسطين المحتلة . وأعتقد بأن نجاحنا التكتيكي في العمل ككتلة واحدة ومتنامية عبر عدة مراحل ثم دخولنا في هذه المرحلة التي طال إنتطار الأمة لها سيعمل على تمهيد ضم مدن ومناطق الغرب الشامي لنا بعد أن نكون قد سحبنا البساط من تحت أي قوى غير متوافقة معنا فهذه المدن قد أهملنا التعامل معها بقصد لأنها تقع ضمن دائرة ميتة ومتعبة في ظل المراحل التي نريد العمل من خلالها والفوز بهذه المناطق بما فيها حلب سيكون في متناول اليد بعد نجاح المرحلة الثانية وبعد تمركزنا الأخير للإتجاه الإستراتيجي الثالث وليس قبل ذلك . واستراتيجيا يعتبر دخولنا الأردن - تحت أي ظرف - بمثابة تحطيم للجدار الفاصل بين الشام وجزيرة العرب فعندها ستأخذ معركة تحرير فلسطين بعدا آخر لا يتوقف على إمكانياتنا فقط بل سنوظف أي قوى أخرى راغبة في المشاركة سواء كانت شعبية أو رسمية أو جهادية ففتح الأردن سيكون مقدمة وتوطأة لعمليات إمداد بشري وعسكري من كافة البلدان العربية والإسلامية التي تستطيع العبور إلى جزيرة العرب ثم الشام وهذا ما لم يتم في السابق أي أن مسلمي الهند وباكستان وأندونيسيا وغيرهم وبعد أن تتغير موازين القوى بين الأنظمة الحاكمة والشعوب واستقلال الثانية بتحركاتها أكثر بفعل التغيرات الكبيرة التي ستشهدها المنطقة سيجدون معبرا سالكا نحو جزيرة العرب ومعبرا آخر إلى الجبهة الشامية مباشرة . وأهمية ذلك تعود إلى أننا لن نستطيع مع تطور الحصار البحري المصاحب للدخول في هذه المرحلة لن نستطيع إستقبال أي معونات أو إمدادات من طريق الساحل أو من الشمال - إن لم يتغير النظام التركي كعضو في النيتو - وسواء كانت هناك تطورات على جبهة سيناء أم لا فستبقى الجبهة الشامية الممتدة من أطراف درعا إلى العقبة هي الساحة الإستراتيجية للحرب التي يمكن أن ندخلها بما نملك فسيناء وما يقابلها من فلسطين في صحراء النقب أرض مدرعات ولا يمكن مزاولة أي نشاط آخر دون ذلك وهذا ما يجعله بالنسبة لنا إتجاه ثانوي قد نستخدمه عندئذ في حالة وجود قوى حليفة لجذب قوات العدو لا غير أما المعركة الأساسية فهي على طول الجبهة الشامية . والحقيقة أن الحديث عن هذه المعركة حديث ذو شجون إلا أننا نقتصر هنا على تناول الخطوط العريضة للصراع ولولا الحاجة لمعرفة ما قد ينتج عن ذلك لما أسهبت فيما وراء ذلك ، وقد يقول قائل ولما القفز على الواقع ؟ عندما يحدث شيء بخصوص فلسطين فلكل حادث حديث وأقول بأن الحادث قد وقع بالفعل وبقي الحديث !! فالبداية التي كنا نبحث عنها كمدخل لمعركة فلسطين قد أتتنا من حيث لا نحتسب فكل نظريات تحرير فلسطين سواء كانت نظريات قومية أو وطنية أو إسلامية أو جهادية لم تجدي نفعا وأكثرها كان حبرا على ورق حتى تلك التي كتبها الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله تحت عنوان " خطوات عملية لتحرير فلسطين" وقد كنت متحمسا لها بعد أن كنت متحمسا للعمل المسلح المنطلق من قطاع غزة ثم فقدت الحماس لكلا المشروعين لمباعدته عن الواقع وأدركت أن الأمر يحتاج لثغرة مناسبة ومباشرة للدخول في تلك المعركة وهذا ما شجعني على كتابة " إستراتيجية الحرب المرتقبة" قبل أكثر من عامين والتي إرتكزت على إستغلال الحرب الإقليمية بين الحلفين الشيعي والأمريكي لإحتلال موطأ قدم على الجولان أو جنوب لبنان وأرجو أن يرجع إلى المقالة لأهميتها في محاكاة الصراع القادم أما الآن وبعد زلزال الثورات العربية والثورة السورية على وجه الخصوص واقتراب إشتعال الحرب الإقليمية فالثغرة التي طال إنتظارها قد أتت والحقيقة أنها أكبر من ثغرة لأن ما كنا نطمع به من موطأ قدم في جنوب لبنان أو على جبهة الجولان أصبح أكثر من 500 كيلو مع إرتداد وعمق إستراتيجي آمن وهذا كله يتوقف بعد توفيق الله سبحانه وتعالى على حسن إدارة الصراع من جانبنا ومنذ اليوم . وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين عبدالله بن محمد @Abdllh_bn_m7mmd.twitter.com اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
واعي واعي قام بنشر January 11, 2013 ارسل تقرير Share قام بنشر January 11, 2013 الرابط لا يعمل http://archive.org/stream/noor2wq/Strategy#page/n19/mode/2up اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.