اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم 

أهل الباطل ينفقون الأموال للصّدّ عن سبيل الله

فماذا عنكم يا أهل الحقّ؟!

 

 

 

صراع الحقّ والباطل حقيقة لا يمكن إنكارها، حقيقة ذكِرت في كثير من الآيات القرآنيّة؛ يقول عزّ وجلّ في سورة الإسراء: ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾، وفي سورة محمّد: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ﴾.

 

ولقد أقرّ أهل العلم هذه الحقيقة؛ فهذا سيّد قطب رحمه الله اعتبر أنّ المعركة "لا تفتر بين الحقّ والباطل، وبين الإسلام والجاهليّة، وبين الشّريعة والطّاغوت، وبين الهدى والضّلال". وأيّد ذلك الشيخ ابن عاشور رحمه الله إذ قال إنّ "المصارعة بين الحقّ والباطل شأن قديم، وهي من النّواميس التي جُبِلَ عليها النّظام البشريّ"... فكيف نجد من ينادي بالتّسامح مع الكافرين والضّالّين والعفو عن المجرمين والظّالمين قتلة أطفال ونساء المسلمين؟! كيف يمكن أن لا نكون أشدّاء عليهم ونعتبرهم أعداء وقد أعلنوها على ديننا حربا وأبادوا الأبرياء وسفكوا الدّماء؟!

 

لقد أمر اللّه رسوله بالشدّة والغلظة على الكفّار والأعداء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ فمن يحبّ الله يبغض أعداءه وأعداء رسوله، وذلك من لوازم المحبّة الصادقة الخالصة. كما أمره بأن يكون رحيما ليّنا مع المؤمنين، قال تعالى لرسوله: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

 

هذا هو سبيل المسلمين في معاملتهم للكفّار؛ عليهم أن يعلموا أنّ هؤلاء أعداء ما داموا مصرّين على الشّرك واتّباع أهوائهم، وما على المسلم إلّا أن يكون شديدا معهم لا يرحمهم وقد تمسّكوا بكفرهم وغيّهم.

فهل يعقل أن يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء؟! هل يعقل أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! هل يتّبعون من هم على ضلال ويحاربون الهدى؟ هل يستبدلون الباطل بالحقّ؟!

 

سمّي القرآن بـ"الفرقان" لأنّه يفرق بين الحقّ والباطل، بين الهدى والضّلال، بين ما أنزل الله من تشريع وما سنّه البشر من قوانين. فمن وقف في جانب الحقّ مدافعاً عنه، يكون قد عمل خيرا وهدي إلى سواء السبيل، ومن وقف في جانب الباطل، ونافح عنه، يكون قد عمل شرّا، وضلّ عن سواء السبيل.

 

لقد بيّن الله طريق الحقّ وجعله واحدا "سواء السّبيل" وما دونه سبل متفرّقة تحيد بمن يسلكها عن الطّريق المستقيم، وأكّد أنّ أهل الباطل يحاربون الحقّ دائما ويسعون لاجتثاثه من حياة النّاس ونشر مفاهيمهم الخبيثة التي فيها الهلاك والضّياع.

 

لقد اعتاد هؤلاء عبر نظامهم السّائد (النّظام الرّأسماليّ) على الكيل بمكيالين لنشر مفاهيمهم المسمومة وجعلها تسود فيضمنون بقاءهم وقيادتهم للعالم. يرفعون شعارات حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها ويدّعون الدّفاع عن حقوق الإنسان وضمان الحرّيات، ولكنّ الواقع يفنّد كلّ ذلك ويؤكّد أنّهم يطلقون أحكامهم ويسمّون الأشياء والأفعال بمسمّيات متناقضة فتسقط عن وجوههم تلك الأقنعة وتظهر حقيقتها. فالقتل عندهم بل الإبادة الجماعيّة مشروعة في غزّة وفلسطين وسوريا ويعتبرون ذلك دفاعا عن النّفس ومحاربة للإرهاب، أمّا دفاع الشّعوب عن أراضيها المغتصبة واسترجاع ما ينهبه الاحتلال المباشر وغير المباشر فهو إرهاب واعتداء!

 

فما يرتكبه أولياؤهم من الكفّار وأعداء الإسلام من مجازر وإبادات وانتهاكات أمر مشروع يؤيّدونه بكلّ قواهم ودولهم العظمى، أمّا سعي المستضعفين في الأرض المباركة وسوريا لرفع الظّلم ومحاربة الأعداء فهذا كلّه إرهاب وعلى الجميع الاستنفار لصدّه وردّه!

 

تجتمع ملّة الكفر على إبادة المسلمين واجتثاث مفاهيمهم الإسلاميّة، أمّا ملّة الإيمان فمتفرّقة مستضعفة وقد نال منها الأعداء بعد أن فقدت دولتها وحصنها المتين وصارت بلا خليفة يحكمها بشرع الله ويطبّق فيها أحكامه العادلة.

 

ملّة الكفر اليوم يساند بعضها بعضاً للنّيل من كلّ نفس يدعو لعودة الإسلام وتمكينه، فتسارع بالتأييد والتّمويل وتصمّ آذانها عن الانتهاكات وجرائم الحروب التي ترتكب في حقّ الضّعفاء والأبرياء وتصمت عن كلّ من يسيء للإسلام والمسلمين ضامنة له ما تدّعيه من "حرّيّة الفكر وحقّ التّعبير"!

 

كشفت صحيفة يسرائيل هيوم في تقرير نشرته، أنّ كيان يهود تلقّى مساعدات عسكريّة من الولايات المتّحدة بما تزيد قيمته عن 22 مليار دولار، منذ السّابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023. وأضافت الصّحيفة أنّه تمّ إرسال أكثر من 10 آلاف طنّ من الذخائر بقيمة 2.4 مليار دولار في البداية، وزادت هذه الكمّيّة خمسة أضعاف لتصل إلى 50 ألف طنّ بحلول آب/أغسطس 2024.

 

كما أرسلت واشنطن بحسب التّقرير مجموعة متنوّعة من المعدّات العسكريّة المتقدّمة، المُتمثّلة بصواريخ المنظومة الدّفاعيّة "القبّة الحديديّة"، والقنابل الموجّهة بدقّة، إضافةً إلى طائرات مروحيّة من نوع "CH-53" للنّقل الثّقيل، ومروحيّات هجوميّة من نوع "أباتشي AH-64" وقذائف المدفعيّة من عيار 155 ملم، وقنابل تخترق الحصون والمركّبات المدرّعة. وأشارت الصّحيفة إلى أنّ إجمالي عائدات شركات تصنيع الأسلحة الثّلاث الكبرى في كيان يهود ارتفع بنسبة 15% بعد بدء العدوان على غزّة وبلغ 13.6 مليار دولار.

 

هذه هي إنجازات الدّولة العظمى؛ ترسل مساعدات حربيّة لدولة الاحتلال لتحارب ما تسمّيه (إرهابا) فتقتل الرضّع والأطفال والنّساء والشّيوخ وتهدم المساجد والمستشفيات مدّعية محاربة (الإرهابيين) الذين يهدّدون أمنها وحضارتها! تتكاتف مع هذه الدّولة الغاصبة في إبادتها لشعب أعزل وقتلها للأبرياء.

 

ويعتبر الاتّحاد الأوروبي، المؤسّسة الثّانية التي تقدّم أكبر قدر من التّمويل لجامعات كيان يهود، بعد الحكومة، كما بيّن ذلك إيفار إيكلاند، المحاضر بجامعة باريس دوفين الفرنسيّة في حديث لوكالة الأناضول، ولفت إلى أنّ الأبحاث في جامعات كيان يهود تشمل "تطوير تقنيات متقدّمة مثل المسيرات والصّواريخ، وتُنفّذ برامج بحث وتطوير طويلة المدى" وقال إنّ هناك "علاقة وثيقة بين الجامعات والجيش في (إسرائيل)، والصّناعات العسكريّة (الإسرائيليّة) تستفيد من الدّعم الدّوليّ الذي تتلقّاه الجامعات" وأضاف: "من الواضح جدّا أنّ صناديق أبحاث الاتّحاد الأوروبّيّ تدعم في نهاية المطاف الصّناعة العسكريّة (الإسرائيليّة)".

 

ينفقون الأموال لمحاربة الإسلام والمسلمين ويموّلون كيان يهود وجامعاته ويدعمونه ليطوّر من صناعاته العسكريّة ليواجه أيّ خطر يمكن أن يهدّد كيانه ووجوده.

 

يقول الطّبري في تفسيره للآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾:

 

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنّ الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم، فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقوَّوا بها على قتال رسول الله ﷺ والمؤمنين به ليصدّوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله، فسينفقون أموالهم في ذلك ثم تكون نفقتهم تلك عليهم ﴿حَسْرَةً﴾ يقول: تصير ندامة عليهم لأنّ أموالهم تذهب ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله لأنّ الله مُعْلي كلمته وجاعل كلمة الكفر السفلى، ثم يغلبهم المؤمنون ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنّم فيعذّبون فيها. فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك! أمّا الحيّ، فحُرِب ماله وذهبَ باطلا في غير دَرَك نفع، ورجع مغلوباً مقهوراً محروباً مسلوباً. وأمّا الهالك، فقتل وسُلب، وعُجِّل به إلى نار الله يخلُد فيها نعوذ بالله من غضبه".

 

وها هي أمريكا والاتّحاد الأوروبيّ ينفقون الأموال الكثيرة ويعطونها لكيان يهود ليتقوّى بها على أهالي غزّة وفلسطين وليحاربوا كلّ نفس إسلاميّ يدعو لعودة هذا الدّين ونصره. فهذا هو مآل هؤلاء الذين ينفقون الأموال للصّدّ عن سبيل الله ومحاربة الإسلام وأهله، فقد توعّدهم الله بالحسرة وبالخلود في جهنّم.

 

ولئن كسب أهل الباطل بعض الجولات في هذا الصّراع وأذاقوا أهل الحقّ الويلات فإنّ الجولة النّهائيّة ستكون بإذن الله للحقّ على الباطل، وللإيمان على الكفر، وللعدل على الطّغيان. يقول عزّ وجلّ في محكم آياته: ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾.

 

فيا أمّة الإسلام: هذا طريق ربّك مستقيما فاتّبعيه وتوحّدي على تحقيق غاية واحدة: رفع راية الإسلام وإعلاء كلمته، واعملي مع الصّادقين من أبنائك وانصريهم وكوني في صفّ المخلصين الذين لا همّ لهم سوى إقامة دولة الخلافة الرّاشدة الثّانية على منهاج النبوة التي بها وحدها يعود لك العزّ والتّمكين الذي وعد به الله عباده المؤمنين.

 

﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزيّ لحزب التّحرير

زينة الصّامت

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 122
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    123

بسم الله الرحمن الرحيم 

وحدوا جهودكم لإقامة الخلافة يا أهل السودان

 

 

 

حمل العام المنصرم، وبداية العام الحالي، مجموعة من الأحداث الساخنة على الساحة السياسية في السودان، بدءا بالمبادرة التركية للتوسط لحل النزاع بين السودان والإمارات، ثم جدل استبدال العملة السودانية، وما صاحبها من أحداث في جميع نواحيها؛ السياسيّة منها تطبيق قرار الاستبدال في ولايات محددة تقع تحت سيطرة الجيش بمعنى وجود عملتين ساريتين في بلد واحد وهو ما يعتبر دق مسمار في نعش وحدة البلد ومواجهة خطر الانفصال، أما من الناحية الشرعية فالدولة بهذا القرار ارتكبت أكثر من مخالفة شرعية؛ فطباعة الأموال من دون غطاء من الذهب والفضة تعتبر سرقة لجهود الناس، وكذلك احتكرت الدولة على أموال الناس فظهرت حالات تعامل بالربا بينهم ويرجع ذلك لعدم ضخ الدولة أموالا كافية في المصارف وبررت هذه الإجراءات بأنها مقصودة والغرض منها الانتقال إلى الأنظمة الإلكترونية في المعاملات المالية، وبالتالي حصلت حالة من شح السيولة النقدية المتداولة فاضطر بعض الناس إلى استبدال العملات مع أخذ فرق بينها، بمعنى 1000 قديم مقابل 700 جديد!

 

ثم توالت الأحداث وما يدور من أحاديث الهمس داخل أروقة الحكومة لتعديل الوثيقة الدستورية وتسريبات لتعيين رئيس وزراء، وفي الجانب الآخر رشحت الأخبار عن نية (تقدم) الجناح السياسي لقوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة منفى، وبهذا الصدد قالت الخبيرة والباحثة في الشأن الأفريقي والسوداني لنا مهدي: "إن تشكيل حكومة مدنية في المنفى يراها البعض خطوة استراتيجية للقوى المدنية والديمقراطية في السودان لإعادة تنظيم الصفوف السياسية، ومواجهة التعقيدات التي فرضها الصراع العسكري القائم على الأرض، ويرى مراقبون أن هذه التحركات تهدف إلى توحيد الجهود السياسية للمعارضة السودانية في الخارج، وخلق إطار تمثيلي يعبّر عن إرادة الشعب السوداني، ويكون قادرا على التفاوض مع المجتمع الدولي، لتأمين الدعم السياسي والاقتصادي والإنساني للمدنيين الذين يعانون بسبب الحرب الحالية". وقالت في تصريحات لسبوتنيك: "إن تشكيل حكومة داخلية في مناطق سيطرة الدعم السريع، تتيح له تعزيز شرعيته على المستوى المحلي، وتُظهر قدرته على تقديم خدمات وإدارة المناطق التي يسيطر عليها، ما يمنحه ورقة تفاوضية قوية مع القوى المدنية والسياسية وكذلك مع المجتمع الدولي. وأكدت مهدي على أن تشكيل الدعم السريع لحكومة داخل مناطق سيطرته لا يعني بالضرورة السعي نحو الانفصال، بل يمكن تفسيره كخطوة عملية لإدارة الأوضاع المحلية في ظل الفراغ السياسي والأمني الناتج عن الصراع، وهذه الحكومة يمكن أن تكون جزءا من رؤية وطنية أوسع، تهدف إلى خلق توازن قوى وإعادة بناء السودان كوحدة سياسية موحدة، خاصة إذا تم التنسيق مع القوى المدنية والسياسية الأخرى لتقديم هذه الخطوة كمرحلة انتقالية تهدف إلى تحقيق الاستقرار، والتفاوض على حل شامل يُنهي الأزمة، ويؤسس لنظام حكم مستدام يعكس تطلعات جميع السودانيين".

 

أما على صعيد العمليات العسكرية فتؤول السيطرة للجيش على مجريات المعارك وتحرير المناطق من قبضة التمرد ودحره وعقد وزارة التعليم امتحانات الشهادة السودانية لعام 2023 في ظل أوضاع قاسية للطلاب الممتحنين.

 

وفي خضم الكم الهائل من الأحداث برزت أمريكا لتعلن عبر وزير خارجيتها عن عقوبات لشخصيات وشركات وصفتها بأنها المتسببة في حرب السودان العبثية، وهي ذريعة أمريكا وخبثها عندما تتخلى عن عملائها وخدامها فترمي بهم في سلة المهملات. وقائمة ضحايا عملاء أمريكا بهذه الكيفية تطول وتطول في بلاد المسلمين.

 

نعود إلى بيان وزير الخارجية الأمريكي الذي جاء فيه "أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، رسميا تصنيف مليشيا الدعم السريع المتمردة والمليشيات المتحالفة معها "مرتكبين للإبادة الجماعية في السودان"، وتبعا لذلك قررت أمريكا فرض عقوبات شاملة وحظر على زعيمها وعلى سبع شركات تزودها بالسلاح والمال تعمل من داخل دولة الإمارات. وقال بلينكن، في بيان صحفي، إن قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها واصلت توجيه هجماتها ضد المدنيين. وقامت مليشيا الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها بقتل الرجال والفتيان بشكل منهجي وحتى الرضع على أساس عرقي، واستهدفت عمداً النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي الوحشي. "بناءً على هذه المعلومات، خلصت الآن إلى أن قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية في السودان".

 

وقال بلينكن، إن بلاده تعلن عن "تصنيف حميدتي بموجب المادة 7031 (ج) لتورطه في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في دارفور، وبالتحديد الاغتصاب الجماعي للمدنيين من جنود قوات الدعم السريع تحت سيطرته. ونتيجة لهذا التصنيف، أصبح حميدتي وأفراد أسرته المباشرين غير مؤهلين لدخول الولايات المتحدة".

 

وأضاف بلينكن، أن حميدتي تجاهل عمداً الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي، و"إعلان جدة لعام 2023 للالتزام بحماية المدنيين في السودان"، ومدونة قواعد السلوك لعام 2024 التي صاغتها مبادرة تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان. (وطن الاعلامية 8/1/2025م).

 

أما بيان الخزانة الأمريكية فقد جاء فيه: "وأشار البيان التفصيلي لوزارة الخزانة الأمريكية إلى أنه ومنذ ما يقرب من العامين انخرطت قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي في صراع مسلح وحشي مع القوات المسلحة السودانية للسيطرة على السودان، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف، وتشريد 12 مليون سوداني، وإحداث مجاعة واسعة النطاق". وأعلن البيان أنه بالإضافة إلى ذلك، فقد فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على سبع شركات وشخص واحد مرتبطين بقوات الدعم السريع. وقال البيان "إن قدرة قوات الدعم السريع على الحصول على المعدات العسكرية وتوليد التمويل لا تزال تغذي الصراع في السودان وأن شركة كابيتال تاب القابضة التي مقرها في الإمارات العربية المتحدة، قدمت أموالاً وأسلحة لقوات الدعم السريع".

 

وقال نائب وزير الخزانة والي أديمو: "تواصل الولايات المتحدة دعوتها لإنهاء هذا الصراع الذي يعرض حياة المدنيين الأبرياء للخطر". وأضاف "تظل وزارة الخزانة ملتزمة باستخدام كل أداة متاحة لمحاسبة المسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان للشعب السوداني"، وقال البيان، "قرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في منطقة دارفور بالسودان أثناء الحرب".

كما استخدمت قوات الدعم السريع حرمان ومنع الشعب السوداني من الإغاثة الإنسانية كسلاح حرب، منتهكة بشكل منهجي التزاماتها، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، وإعلان جدة لعام 2023 للالتزام بحماية المدنيين في السودان، ومدونة قواعد السلوك لعام 2024 التي قبلتها قوات الدعم السريع كجزء من التحالف من أجل حماية وتعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان.

 

وفرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على رجل الأعمال السوداني أبو ذر عبد النبي حبيب الله أحمد، أحد واجهات المليشيا المتمردة الاستثمارية باعتباره مالك كابيتال تاب القابضة والشركات الأخرى المشمولة بالعقوبات وهو رجل أعمال سوداني، يشغل منصب مالك ومدير شركة كابيتال تاب القابضة، وهي شركة قابضة مقرها الإمارات العربية المتحدة تدير حوالي 50 شركة في عشر دول. (وطن الإعلامية)

 

لا تخفى على أهل السودان حقيقة الصراع الدائر في السودان والجهات التي تغذيها وتشعل نارها وهي كلها من إفرازات النظام الديمقراطي ودولتها الأولى أمريكا؛ أمريكا الدولة التي تدعي أنها صاحبة المؤسسات لا يعنيها من يجلس في الكونجرس بل من يحقق مصالحها، فها هي السيناتور الأمريكية البارزة جين شاهين توصي الإدارة الجديدة ورئيسها الفائز مؤخرا ترامب بالاستمرار على نهج بايدن المنتهية ولايته، وجاء في تصريحها مطالبتها شركاء واشنطن الدوليين وحلفاءها الانضمام إلى إدارة بايدن في معاقبة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية في السودان، في إشارة لقائد الجنجويد (حميدتي).

 

وأصدرت العضو الأمريكية البارزة جين شاهين بياناً عقب إعلان إدارة بايدن أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في دارفور بالسودان، وفرض العقوبات على زعيمها حميدتي قالت فيه: "اليوم، نواجه الحقيقة القاتمة المتمثلة في أن الإبادة الجماعية قد حدثت مرة أخرى في دارفور، فظائع هذا الصراع المستمر، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس والتجويع القسري، مشددة على أن ذلك يتطلب إجراءات عالمية عاجلة، واستدركت بالقول: في حين إن هذا التصميم لا يمكن أن يلغي الخسائر الفادحة والمأساوية في الأرواح، إلا أنه خطوة حاسمة في الاعتراف بالإبادة الجماعية التي حدثت بالفعل، ومحاسبة الجناة مثل زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) وفي حشد الجهود الجماعية لإنهاء العنف".

 

وخاطبت السيناتور شاهين شركاءهم الدوليين والحلفاء وطالبتهم بالانضمام إلى إدارة الرئيس جو بايدن في معاقبة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في السودان، وأضافت: "يجب أن يكون الترشيح الفوري لمبعوث خاص للسودان كما هو مطلوب في قانون تفويض الدفاع الوطني، أولوية قصوى لإدارة ترامب القادمة لقيادة الجهود الأمريكية لدعم حل سلمي للنزاع، والضغط من أجل الحصول على مساعدات إنسانية غير مقيدة ودعم الانتقال الديمقراطي في السودان". وقالت شاهين: "يجب على المجتمع الدولي أيضا أن يضمن أن تكون النساء والفتيات السودانيات اللواتي تأثرن بشكل غير متناسب بالعنف والوحشية من قبل المليشيا، محورية في أي مسعى لوقف إطلاق النار واتفاق سلام طويل الأجل".

 

من جانبها بادرت الخارجية السودانية بإصدار بيان ترحيبي بالعقوبات الأمريكية على قائد المليشيا وشركاته، وقالت الخارجية في بيان لها "إنها تثمن ما خلصت إليه الحكومة الأمريكية أن مليشيا الجنجويد وحلفاءها قد ارتكبوا جرائم إبادة جماعية في السودان. وترحب بالعقوبات التي فرضتها علي قائد المليشيا، محمد حمدان دقلو، وسبع شركات تجارية تملكها المليشيا في الإمارات". وأضاف البيان أن الخارجية السودانية تتفق مع ما جاء في بيان وزير الخارجية الأمريكي أن محمد حمدان دقلو مسؤول عن الفظائع الممنهجة ضد الشعب السوداني التي ترتكبها المليشيا بما فيها الاغتصابات الجماعية، وأن الواجهات التجارية للمليشيا التي توظفها لتمويل حربها موجودة في الإمارات، وإعلان جدة الموقع في أيار/مايو ٢٠٢٣. (وطن الإعلامية)

 

وتوالت ردود الأفعال من جانب السودان حيث قال مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية ياسر العطا في تصريح له لقناة الجزيرة "فرض العقوبات على قائد المليشيا حميدتي والشركات التي تمده بالسلاح من مقرها دويلة "الشر" خطوة في الاتجاه الصحيح للتعامل مع الحقائق على أرض الواقع".

 

كل هذه الفواجع والآلام التي أوجدها الصراع بين أمريكا ودول الغرب الكافر على السودان وكل المعمورة لن تنهيه إلا دولة مبدئية راشدة تستند إلى تشريعات الوحي، وحري بأهل السودان العمل على إقامة هذه الدولة، وتمر بنا ذكرى الفاجعة الأليمة هدم الخلافة قبل 104 فكان واجبا بذل وتسخير كل الطاقات لإقامتها على منهاج النبوة.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد السلام إسحاق

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

يا بني آدم:

لقد فضلكم الله على سائر المخلوقات فلا تنزلوا لمرتبة أدنى منها!

 

 

منذ أن أسقطت الدولة التي تحفظ أعراضنا وتذود عن مظلومينا، ترى المغضوب عليهم من كفرة ومنافقين يتسابقون من ينكل بنا أكثر من غيره، فيتفننون في أساليب قمعنا عن قول كلمة الحق وإذلالنا، ويعملون ليل نهار من أجل منعنا من إعادة عزنا، بإقامة دولتنا وإزاحة عرشهم الملعون الذي بتربعهم عليه أذاقونا ويلات وويلات من العذاب والخزي...

 

فها هم المعتقلون اليوم في سجون الظلمة بالآلاف قد كشف لنا بعد سقوط إحدى هذه الأنظمة الجائرة ما عانوه من عذاب وتجويع، مشاهد تعجز العيون عن مشاهدتها، ويقطر القلب دما منها، ويأبى عقلك أن يستوعبها أو يدركها، فلا يخطر في بالك إلا سؤال واحد "كيف لهؤلاء أن يكونوا أناسا؟!" فاللهم ثبت أجر أسرانا وعجل بإطلاق سراحهم.

 

وهذا الوضع ليس فقط في سجون المجرم بشار، بل هو في جميع سجون الظلمة حول العالم، إذ كان آخرها ما ذكرته الطبيبة شروق الرنتيسي في شهادتها حول ما حصل في مستشفى كمال عدوان على نفس المؤمن الحرّ بقولها: "فصلوا الرجال عن النساء، ثم أخذونا على شكل مجموعات، وأجبرونا على خلع ملابسنا، ومن كانت ترفض خلع ملابسها تضرب، كما صادروا الهواتف المحمولة".

 

ألا والله أيها المسلمون إن ذكور الماعز والديكة والإبل والقردة تغار على أزواجها، فما بالكم بعد كل ما شاهدتموه وما تشاهدونه نراكم قابعين لا تحركون ساكنا؟! صم بكم كأصنام على رؤوسها الطير، لا تهتز لكم شعرة، فمن كان في قلبه ذرة غيرة أو حمية على أعراض إخوانه المسلمين، ومن كان منكم فعلا من بني آدم الذين فضلهم الله على سائر المخلوقات ويرفض أن تكون ذكور الحيوانات أشجع منه، فلينفض عنه رداء الشيطان المطرز بالذل والجبن، ولينفر مقبلا غير مدبر ليندمج في صفوف العاملين لإزاحة هذا النظام الجبري، وإقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، فهي وحدها من ستزيح عن قلوبنا هذه الغمة، وليعلم كل منكم أن هذا فرض فرضه الله سبحانه علينا، وأجره ليس ببسيط، وما إثمه بهيّن، فتداركوا أنفسكم، ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خديجة صالح

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

وجه أمريكا الحقيقي

 

تعالت أصوات كثيرة حول هيمنة قرار كيان يهود، وهل هو من يتخذ القرارات أم أمريكا؟

 

لقد بات من الواضح جداً بعد إعلان الاتفاق عن وقف القتال في غزة، تحديداً مع وصول ترامب للحكم، بل من المؤكد أن يهود يتمتعون بنفوذ قوي في أمريكا، ولا يمكن التقليل من هذا الشأن، ولا يمكن التغاضي عن الدعم الراسخ والدائم الذي تقدمه أمريكا من سلاح ومال ودعم لوجستي لهذا الكيان المسخ.

 

ومن المعروف أن العلاقة ما بين يهود وأمريكا أكبر من ذلك بكثير، وأن الفاصل بين ما هو مسموح ليهود وما هو غير مسموح لهم مرتبط بالدرجة الأولى بمصالح الدولة العميقة التي تدير واشنطن، ومدى خضوع مصالحها لهذه المصلحة.

 

وبخصوص ما يتعلق بغزة، فإن أمريكا معنية فعلا بإنهاء الحرب عليها، والذي يبدو أنها توصلت الآن لقرار حاسم بإنهائها، وبكل تأكيد لم يكن اتخاذ هذا القرار من أجل الفلسطينيين ولا من أجل الشهداء ولا من أجل الإنسانية، فهذه ادعاءات عارية عن الصحة، وتاريخها الماثل أمام العالم يظهر حقيقة هذا التصور.

 

نعم إن أمريكا تشارك يهود في هدف القضاء على المقاومة، وخلق واقع أمني جديد، لكنها في الوقت نفسه تضع حدوداً لكيان يهود كي لا يضر بالتوجهات الأمريكية في المنطقة ومصالحها الاستراتيجية، بتشكيل نظام إقليمي جديد، وربما يعرف كيان يهود تماماً متى يصل إلى الخطوط الحمراء ومتى يمكن له تجاوزها.

 

ربما شاكس أمريكا في تجاوزاته، وفي هذه المشاكسات إشارات واضحة تكشف حقيقة مطلقة أن هذه الحرب تقودها أمريكا، وأن كيان يهود أحد اللاعبين الرئيسيين فيها، وكذلك كيان يهود يعلم جيداً أنه محدود القوة والاستقلالية في القرار حين تقرر أمريكا أمراً ما، وأنها تتدخل في أدق التفاصيل وليس العكس كما يتصور البعض، وهذا لا يحتاج إلى كثير من الاستدلالات.

 

لذلك يرى المتتبع للأعمال العسكرية والأهداف التي يقوم بها كيان يهود، والمفروض عليه أولا أن يقدم قائمة الأهداف، وأن يرسلها مسبقاً لقيادة الأسطول الأمريكي المرابط في البحر كي يتلقى الموافقة والدعم.

 

أما ما يدور في أروقة مجلس وزراء كيان يهود من محاولة رفض أو قبول للقرارات الصادرة من واشنطن، فما هي إلا محاولة الظهور أمام الجمهور اليهودي كم يتحدى الإدارة الأمريكية، وهذه لا تعدو أكثر من تصرفات بهلوانية مزيفة، يقوم بها بن غفير وبعض أقطاب اليمين المتطرف، لكنهم كما غيرهم يعرفون حجمهم جيداً أمام الإدارة الأمريكية، وإذا ما وقعت الواقعة فتراهم يهرولون لها ويطلبون رضاها لتمدهم بالحماية والمساعدة، ويعرفون جيداً أنه في حالة رفع أمريكا الغطاء عنهم فسيكونون أثراً بعد عين على أيدي المسلمين، وكذلك يعرف المتبصرون بشأن كيان يهود مستويات الرقابة الأمريكية وتدخلها بشكل واضح في قرار يهود.

 

وحتى لا يكون هناك خلط، فربما لا يختلف التصور الأمريكي عن تصور يهود في التعامل مع القضية الفلسطينية، فكلا الطرفين متفقان على عدم قيام دولة فلسطينية تتمتع بكامل الحقوق، وأن كل ما تخطط له واشنطن هو من أجل مصلحة يهود، كي يبقى الصراع بين طرفين: أحدهما مهزوم والآخر منتصر، وهذه هي اللغة التي تتحدث بها جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، كي تبقى فلسطين جيوباً مبعثرة هزيلة، تحت أنظار عملائها من الحكام العرب.

 

لذلك نقول إن وضع أمريكا تحت المجهر لا يعني أنها تقوم بشيء ما لصالح الفلسطينيين أبداً، وإن تاريخها المليء بالخسة والإجرام لهو شاهد على ما فعلته بشعوب العالم والمسلمين بشكل خاص، وإن مصالحها مقدمة على جميع الأرواح التي تزهق، وإن ما يجري اليوم في بلادنا من صراعات واقتتال بين أبناء البلد ما هو إلا ضريبة يقدمها هؤلاء العملاء الخونة من أجل مصالح أمريكا عدوة الشعوب، مقابل بقائهم في كراسي الحكم.

 

أيها المسلمون: لقد بات واضحاً أن الجهود التي تبذلها أمريكا من أجل أن نبقى ضعفاء متنابذين لا قيمة لنا ولا وزن، هو من أولويات حضارتها الزائفة، لأنها تريد أن تعيش على دماء الشعوب، لذلك هي تخلق بؤر التوتر، وتخلق الأزمات من أجل أن تعيش هي على حساب الشعوب المنكوبة.

 

أيها المسلمون: إن الأمة التي لا يكون لها من يدافع عنها ويحميها من خطر العابثين بها لهي أمة خاسرة خاسئة، وهل جرى بنا كل الذي جرى إلا يوم أن ضاعت دولتنا؛ عزنا وذخرنا، حتى تمزقنا إلى أمم شتى؟!

 

أيها المسلمون: لا حياة ولا عزة إلا بدولة تصون الحقوق وتحمي الأرواح، اللهم عجل بفرجك لهذه الأمة المنكوبة بعودة عزنا وكرامتنا. نسأله تعالى أن يكون ذلك قريبا وما ذلك على الله بعزيز.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد - ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

وفَعَلَها مجاهدو غزة الصناديد

عز الإسلام وذل وصغار المغضوب عليهم وحسرة المنافقين!

 

 

لله عباد ولله درهم، ما أعظمهم وأعظم عظيم إيمانهم وجهادهم وثباتهم وصمودهم وصبرهم واصطبارهم واحتسابهم! هنا غزة العزة، قلب القلب من شام الإيمان، هنا منبت صناديد الرجال، هنا معدن الوحي وإبريز الثبات، هنا آية الابتلاء وآية الآية صمود وعظيم صبر الرجال وأهلهم، هنا العزم صيره المؤمنون آية، هنا قلة القلة، هنا العصابة المؤمنة جعلت من إيمانها طودا تحطمت عليه كل قوى الكفر والنفاق صليبيوها وصهاينتها وخونة الدار، والله ما كانت فينا غزة العزة إلا بدر زماننا ثم يليها يقيناً يرموك دحر وإفناء دول الغرب وهمجية حضارته وحقير قاعدته كيان يهود!

 

سيذكر التاريخ ويخلد ذكرهم أنهم فتية آمنوا بربهم واستمسكوا بحبله، فما وهنوا من ضعف الوسيلة وعدم المدد وقلة العدة والعدد، وما ضعفوا عن عدوهم رغم كيد الغرب وتآمر خونة الدار عملاء الاستعمار، وما استكانوا لإبادة عدوهم وخيانات حكامهم وما لانوا ولا انكسروا، هي العصابة المؤمنة تخوض معركة الأمة ضد الكفر كله صليبيّه وصهيونيّه والنفاق كله حكام الخيانة والعار ومن لف لفهم، هي العصابة المؤمنة تخوض حرب الأمة الحضارية الشرسة، فيصعق ويسحق إيمان أهلها وجهادهم وثباتهم وصمودهم وصبرهم لأزيد من 470 يوما باطلَ وهمجية حضارة الغرب، هي غزة العزة وعلياء الإسلام وعظمة ينعه وثمره، هو صمود الصناديد واستبسالهم وصبر واحتساب أهل غزة الأبرار ومعه سقوط الغرب المدوي لهاوية الانحطاط، هم صناديد غزة الأتقياء وقد لفوا حبل المشنقة حول رقبة الكيان الحقير وما أبقوا للجيوش إن تابت ورشدت إلا سحب الطاولة من تحت الكيان العفن.

 

هنا غزة العزة وشموخها الحضاري بجليل إسلامها وعظيم إيمانها، فالحروب الحضارية لا تقاس بعدد الموتى وحجم الدمار والخراب ولكن بموت الحضارات، ولا يعير النصر بحجم القتل والدمار ولكن بحجم السقوط الحضاري المروع الذي انحدر إليه الغرب، وما الكيان الحقير إلا صورة عنه وترجمة لانحطاطه، شكلت حرب غزة واستبسال مجاهديها وصمود وصبر أهلها أقسى الاختبارات والامتحانات لحضارة الغرب، فعرّتها وفضحتها من كل ذلك الزيف الإنساني والادعاء الكاذب للحقوق وأبانت حقيقة وحشيتها وهمجيتها.

 

ثم خارق فعل العصابة المؤمنة بقاعدة الغرب، فاستبسال الأبطال بغزة العزة الذي أشرف على 500 يوم أدخل كيان المغضوب عليهم نفق الانتحار فاستفحل مأزقه السياسي والاقتصادي والعسكري، فالداخل السياسي متصدع وانشقاقات ساسته ومجتمعه في زمن حربه صار معول هدمه، واقتصاده انهار فعمال الكيان من جبنهم مختبئون تحت الأرض ما يعني شلل حركة اقتصاده، وكلفة حربه على غزة العزة تجاوزت الستين مليار دولار (قالت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية للكيان، إن تكلفة الحرب على قطاع غزة بلغت نحو 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024).

 

فسلام للأخيار الأغيار بغزة معدن الصناديد وأهلها الأبرار وجنين عرين الأسود، بوركتم في الأرض والسماء أحياء وشهداء ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾. كفاكم عزا ومجدا أن رويتم شجرة الإسلام بدمائكم فأينعت بإيمانكم وجهادكم وصمودكم وصبركم واصطباركم واحتسباكم كل ذلك لربكم، طبتم ودمتم رَوِي وسقيا شجرة الإسلام، بادرتم وجاهدتم وأبليتم واستبسلتم وصمدتم وصبرتم واحتسبتم وكنتم بحق ينع الإسلام الباسق ونوره الساطع وبنيانه الشامخ، سمت بكم فكرة الإسلام في عليائها وبات إيمانكم آية تهدي لحق الإسلام وهديه وهداه، طوبى لكم وحسن مآب.

 

ولا نامت أعين الخونة والمنافقين والمرجفين والمثبطين والخوارين، تعسا لهم وبئس المهاد، لهؤلاء لمن أخلدوا إلى الأرض واستكانوا لذل الاستعمار وأنفوا عيشة الأحرار ورضوا بعار خيانة الرويبضات وعيشة الذل والهوان، لنسل بلعام بن باعوراء، لبلاعمة زماننا، للمرجفين والمخذلين والمثبطين، لمن أنكروا على العصابة المؤمنة بغزة العزة عظيم جهادها وخارق استبسالها وثباتها وصمودها، وكأنك بالمنافقين يحسبون الجهاد نزهة صيف، وليس بيعا للأنفس والأموال لشاريها مولى المتقين ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

 

وليعلم كل مؤمن عزيز بإسلامه أن العصابة المؤمنة بغزة العزة كتبت للإسلام وأمته صفحات من ذهب في سجل تاريخ الإسلام المجيد، سيذكر التاريخ طوفان الأقصى وحرب غزة وبلاء واستبسال العصابة المؤمنة المنقطع النظير وثباتها وصمودها الخارق، فالملاحم لا تمحى ولا تنسى، سيذكر التاريخ أنهم فتية آمنوا بربهم واستمسكوا واعتصموا بحبله، فما وهنوا من ضعف الوسيلة وشح المدد وقلة العدد والعدة، وما ضعفوا عن عدوهم رغم كيد ومكر الغرب وتآمر خونة الدار عملاء الاستعمار، وما استكانوا لتهديدات عدوهم وخيانات حكامهم، بل بادروا وجعلوا من ضعف الوسيلة آية في الإبداع ومن قلة العدد آية في العزم ومن قلة العدة آية في التصميم والتخطيط، فصنعوا من طوفان الأقصى وحرب غزة ملحمة من ملاحم المسلمين ويوما مشهودا من أيام الله، وجعلوا من حرب غزة آية في الثبات والصمود والصبر والاحتساب، رغم تكالب الكفرة اللئام وخيانة حكام العار وخذلان جيوش لا تغار، حتى انكسر على طود استبسال مجاهديهم وصبر واحتساب ذويهم كل سلاح الغرب، فما وهَنوا لما أَصابهم في سبيلِ الله وما ضعفُوا وما استكانوا بل كانوا آية في الثبات والصبر والاحتساب، فكانوا بحق:

 

بهم والذي ضم الثرى من طيبهم *** تتعطَّرُ الأرضون والأيام

بهم يُبعَثُ الجيل المُحَثَّمُ بعثه *** وبهم القيامة للطغاة تقام

وبهم العتاة سيحشرون وجوهُهُم *** سودٌ وحشوُ أنوفهم إرغام

 

يا أهل غزة الأبرار: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحضارة الغربية الزائفة

 

 

إن القارئ للتاريخ بتجرّد يرى بوضوح أن الحضارة الغربية عبر تاريخها الإقصائي مليئة بالشواهد التي تبرهن على ظلمها للشعوب الأخرى. فعندما وصل الأوروبيون إلى أستراليا، لم يبقَ فيها سوى بقايا من الشعوب الأصلية، وقد حوّلوا ثقافتهم وتراثهم إلى مجرد فولكلور قديم، وكذلك ما جرى للهنود الحمر في الأمريكيتين، حيث كان تاريخ الإبادة والاستئصال حاضراً بقوة، ولا ننسى مشاهد الإبادة التي تعرّض لها المسلمون في الأندلس، وجرائم محاكم التفتيش التي أبادت وشوّهت كل من خالفهم.

 

هذه هي الحضارة التي يتفاخر ويتبجح بها بعض الذين انبهروا بالفكر الغربي، المضبوعين بثقافته، حضارة قامت على حساب الشعوب التي وقعت ضحية لغزوها واستغلالها.

 

ولو قرأنا التاريخ بإنصاف ونظرنا إلى ما قدّمته الحضارة الإسلامية للبلدان التي فتحتها، لتجلّت أمامنا قيمها الراقية ومبادئها النبيلة.

 

فقد أسّست أول مجتمع إسلامي في الجزيرة العربية، مجتمعاً متماسكاً حيّر القلوب وسلب الألباب، مجتمع جمع بين أفراده بلالاً الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيباً الرومي، وأبا بكر العربي، دون أدنى تمييز بينهم، مجتمع تجد فيه مختلف القوميات، هذا المجتمع أرسى قواعد العدل على أساس ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾، هذا هو مقياس التمايز في حضارة الإسلام، هذا هو التشريع الحافل الذي تمتعت به البشرية وعاشت في ظله أعلى مراحل العز والكرامة التي حرمت منها البشرية اليوم أو منذ أن غربت شمس الإسلام وحضارته المجيدة.

 

الحضارة الإسلامية لم تُقم نظامها على الاستعلاء أو الإقصاء والطبقية المقيتة، وتتبجح بالمبادئ والقيم التي سرعان ما تكون تحت الأقدام حينما تدق أجراس المصلحة، كما فعلت الحضارة الغربية، بل كانت الفتوحات الإسلامية مثالاً للتعايش والتكامل.

 

ففي الدول التي دخلها الإسلام، حافظ المسلمون على السكان الأصليين، وكانت أعداد المسلمين قليلة في البداية مقارنة بهم، ورغم ذلك، ازدهرت المجتمعات تحت راية الإسلام، مستفيدة من عدالة التشريع وروح الأخوة التي تسود فيها.

 

على النقيض، نجد أن الحضارة الغربية تتباهى بمبادئها الإنسانية والديمقراطية، لكنها تسحقها عندما تتعارض مع مصالحها، فهذه الحضارة لا تتوانى عن دعم الانقلابات وتزوير الانتخابات وتمويل الطغاة لإبقاء الشعوب تحت هيمنتها، وتدعم بالمال ليأتي حكام من بني جلدتنا يظلموننا، ويسعون في الأرض فسادا، لذا فهم اليوم يبذلون جهوداً جبارة من أجل إيقاع بلادنا في براثن الاحتواء الغربي، من خلال حملات التشويه والدس، ومحاولة عرض الحقائق مشوهة من أجل إبعاد الناس عن الإسلام، فهم يحاولون برمجة العقول للتعامل مع حضارتهم المسمومة، كمنقذ للبشرية وحامية للحريات، والقيم الديمقراطية الزائفة، في حين ترى في الواقع عندما تثور الشعوب وتطلب الانعتاق من الظلم، تتسابق القوى الغربية لتقديم الحماية للطغاة ودعم الأنظمة الفاسدة.

 

ما يُبقي البلاد الإسلامية اليوم عقبة أمام مشاريع هذه الحضارة الاستعلائية هو عودة المفاهيم الإسلامية إلى مجتمعاتنا، وترسيخ قيم المقاومة الفكرية، وتعزيز الاعتزاز بالهوية والثقافة الإسلامية، والعمل الجاد لعودة الحياة الإسلامية واستئناف العمل بنصوصها، للانعتاق من عفونة الحضارة الغربية.

 

إن ما تقوم به أمريكا، زعيمة هذه الحضارة، من جرائم منذ نشأتها وحتى اليوم، لهو أكبر شاهد على كذبة هذه الحضارة القذرة التي تعشق الهيمنة والاستعلاء وإذلال وقهر الشعوب، والهيمنة على مقدراتهم، وإفقارهم، وكذلك الرغبة في تدمير كل من تشعر أنه يعارض مشاريعها، أو يحاول إفشال مخططاتها الخبيثة، والتي تبدأ أولاً بالسيطرة على العقول وإضعافها، وفقدانها الثقة في مقدراتها، وتحويلها لمجرد بقرة حلوب من أجل بقاء حضارتهم القذرة.

 

إن الحضارة الغربية المتمثلة بأمريكا زعيمتها، سلبت الفطرة السوية للبشرية التي فطر الله الناس عليها من عقول الكثيرين وجعلهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن قوة أمريكا لا تقهر، وهكذا يستمر هذا السيناريو الوهمي وكأنه حقيقة، ولكن الحقيقة أن هذا الوهم مرسوم في عقول من استطاعت السيطرة عليهم وسلب إرادتهم.

 

والحقيقة التي باتت واضحة اليوم أن أمريكا ترتكب بحق الشعوب منذ نشأتها جرائم بشعة لا حصر لها، ولكنها تسعى على الدوام للسيطرة على وسائل الإعلام، لطمس جرائمها وإشغال الناس في قضايا ثانوية من أجل صرف أنظارهم، كي لا يروا وجه أمريكا القبيح، ولو نظرنا نظرة بسيطة على المجازر التي ترتكبها أمريكا، لرأينا ما يذهل العقول، وما يؤكد زيف ادعاءاتها بأنها راعية الحريات، وحامية حقوق الإنسان.

 

إن البشرية اليوم تعاني من الظلم، والتفاوت الطبقي، والفقر، والجوع، والحرمان، وتحتاج إلى منقذ يخلصها من هذه العذابات، لقد جرّبت البشرية كل الحضارات، لكنها لم تجد العدل والمساواة والكرامة إلا في الإسلام، الإسلام هو العملاق الذي إذا نهض من جديد سيحطم قيود العبودية وسيقود البشرية نحو الحرية والكرامة.

 

نسأل الله أن يوقظ هذا العملاق (الإسلام) وأن يعجّل بفرجه، وأن يأخذ بيد العاملين لتحقيق وعد الله المنشود، السائرين مع سفينة النجاة (الرائد الذي لا يكذب أهله)، وما ذلك على الله بعزيز.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

من جديد، حكام آل سعود يضعون أموال الأمة في جيب عدو الله ترامب

 

 

 

بكل سفاهة واستهتار بأموال الأمة وثرواتها، أجرى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مساء الأربعاء، اتصالا هاتفيا بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهنئا بتنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، ومؤكداً "رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة في الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار مرشحة للارتفاع حال أتيحت فرص إضافية". ثم بعد ساعات صرح ترامب قائلاً إنه سيطلب من ابن سلمان الذي وصفه بالرجل الرائع، أن يرفع المبلغ إلى حوالي تريليون دولار.

 

جاء ذلك بعد يومين من تصريحات ترامب ردا على سؤال حول وجهته الخارجية الأولى في فترته الثانية كرئيس للولايات المتحدة، قائلاً: "لا أعرف. إذا أرادت المملكة العربية السعودية شراء ما قيمته 450 أو 500 أخرى، وسنرفعها بسبب التضخم، فأعتقد أنني سأذهب هناك على الأرجح".

 

مشهد يقطر ذلا وعارا وسفاهة، إذ ينهب حكام آل سعود أموال الأمة وثرواتها، ليضعوها في جيب عدو الله وألد أعداء الأمة، رئيس أمريكا، دونالد ترامب، لينفقها بدوره على اقتصاد بلاده المتهالك لتبقى متربعة على عرش العالم، مستعمرة لبلاد المسلمين، داعمة لكيان يهود الغاصب لفلسطين. فهو إعطاء من لا يملك إلى من لا يستحق.

 

فهذه الأموال هي أموال المسلمين جميعا، وليست أموال آل سعود، فهي أموال في أغلبها عائدات النفط الذي هو ملكية عامة لكونه من المعادن العد التي لا تنقطع، فعن أبيض بن حمال المازني «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ». فاسترجع رسول الله ﷺ من أبيض بن حمال ما أقطعه إياه من ملح، بعد أن عرف أنه كثير لا ينقطع لا يجوز أن يملك لأفراد لأنه ملك لعامة المسلمين. وليس الأمر خاصاً بالملح، بل هو عام في كل معدن مهما كان نوعه، إن كان بمنزلة الماء العد، أي لا ينقطع. وعلى الدولة أن تقوم بنفسها باستخراج هذه المعادن نيابة عن المسلمين، ورعاية لشؤونهم، ويكون جميع ما تستخرجه منها مملوكاً ملكية عامة لجميع أفراد الرعية.

 

إن تراكم الأموال بيد حكام آل سعود سببه استيلاؤهم على العائدات الضخمة لنفط المسلمين، وجلدهم لأظهر الناس وسرقة أموالهم تحت مسميات عديدة، مثل الضرائب والتراخيص والرسوم والإتاوات، وفي مقابل ذلك تقصير في رعاية شؤون الناس وترك البلاد متربعة ضمن ما يسمى دول العالم الثالث دون صناعات حقيقية ولا بنية تحتية مناسبة ولا قدرات عسكرية ذاتية، فضلا عن ملايين الفقراء في البلاد.

ولكنهم عندما أومأ ترامب إيماء دون طلب، انهالوا عليه بمئات المليارات، ليشهدوا على أنفسهم بأنهم عملاء للاستعمار وأولياء لأعداء الله، وأنهم رهن إشارة أمريكا في كل ما يخدم مصالحها ويطيل هيمنتها وإفسادها. بينما تستغيث الأمة فقرا وجوعا، شرقا وغربا، ولا نرى هذه النخوة ولا المليارات!!

 

إن الأمة في أمس الحاجة إلى التخلص من حكامها، فهم سبب شقائها وعار عليها، وإن طريق عزة الأمة وتحررها لا يمر إلا عبر إسقاط الحكام عن عروشهم وإزاحتهم عن صدرها، وتنصيب خليفة راشد يسهر على رعاية مصالحها ويسخر أموالها لما فيه خدمتها ورفعة شأنها. وإلى ذلك ندعوكم أيها المسلمون.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

وضع التاريخ في مكانه الصحيح

 

 

 

ناقش ابن خلدون رحمه الله في مقدمته الأهمية التي تُعطى للتاريخ، فقال: "فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال... وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع للدول فيها النطاق والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال".

 

دراسة الماضي تمنح بصيرة أكبر في الناس، وكيف ينظمون أنفسهم، وكيف يقومون برعاية شؤونهم. يكتب ابن خلدون رحمه الله لاحقاً: "وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق، وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر".

 

أعطى ابن خلدون رؤية للمؤرخ المبدئي: "أن التاريخ إنما هو ذكر الأخبار الخاصة بعصر أو جيل، فأما ذكر الأحوال الملمة للآفاق والأجيال والأعصار فهو أس للمؤرخ تنبني عليه أكثر مقاصده وتتبين به أخباره".

 

وأضاف: "كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من الأحوال".

 

من الماضي، يمكن استخلاص الدروس. وقد تأكد ذلك في القرآن الكريم عندما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ﴾.

 

ومع ذلك، في بعض الأحيان، يسيء الناس استخدام التاريخ لتبرير أفعالهم غير اللائقة أو المستنكرة. يذكر ابن خلدون ذلك بقوله: "وفي كتب المؤرخين معروفة وإنما يبعث على وضعها الحديث بها الانهماك في اللذات المحرمة وهتك قناع المخدرات ويتعللون بالتأسي بالقوم فيما يأتونه من طاعة لذاتهم، فلذلك تراهم كثيرا ما يلهجون بأشباه هذه الأخبار وينقرون عنها عند تصفحهم الأوراق الدواوين ولو ائتسوا بهم في غير هذا من أحوالهم وصفات الكمال اللائقة بهم المشهورة عنهم لكان خيرا لهم لو كانوا يعلمون".

 

لذلك، من المهم وضع التاريخ في مكانه الصحيح. كمسلم، من المفهوم أن التشريع من عند الله سبحانه وتعالى وحده، وأفعالنا مقيدة بالأحكام الشرعية. وبعد تحديد جواز الفعل، يمكن أن تكون استراتيجيات وأساليب تنفيذه العديدة. للعثور على الاستراتيجية الأجدر، يمكن الرجوع إلى التاريخ.

 

على سبيل المثال، عندما فتح العثمانيون منطقة البلقان، دخلت العديد من المجتمعات غير المسلمة تحت حكمهم. ولإدارة هذه المجتمعات بشكل فعال، اتخذوا عهد عمر رضي الله عنه مرجعا.

 

من ورقة كارين باركي، "نظام الملل العثماني: الحكم الذاتي غير الإقليمي وإرثه المعاصر": "أدرك الحكام العثمانيون تنوع المجتمعات الدينية والإثنية التي شكلت الإمبراطورية. لقد فهموا أن هذا التنوع الهائل لا يمكن استيعابه وأنه لا توجد طريقة قابلة للتطبيق لمنح المجموعات حقوقاً قائمة على الأراضي. بدلاً من ذلك، ووفقاً للقوة التنظيمية لكل مجتمع والسوابق التي أنشأها عهد عمر في القرن السابع، الذي أوضح امتيازات وأعباء المجتمعات غير المسلمة التي تعيش تحت الحكم الإسلامي، تفاوضوا على اتفاقيات مخصصة مع رؤساء الطوائف الدينية. نظام الملل هو الاسم العام الذي يطلق على هذه الترتيبات بين المجتمعات والدولة الإمبراطورية".

 

استمر نظام الملل لقرون في الخلافة العثمانية، حيث نظم العلاقة بين سلطات المسلمين ورعاياهم من أهل الذمة. ومع ذلك، شهد القرن التاسع عشر إدخال إصلاحات التنظيمات، حيث بدأ رجال الدولة العثمانيون، الذين تأثروا بالنظام القانوني الفرنسي، في إجراء عدة تغييرات على أحكام الشريعة. استبدل بقانون الجنسية العثماني لعام 1869 رسمياً التمييز بين المسلمين وأهل الذمة مصطلح "العثمانيون".

قوبلت محاولة رجال الدولة لتحقيق المساواة بين رعاياهم بمعارضة من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.

 

في كتابه "تاريخ موجز للإمبراطورية العثمانية المتأخرة"، يقدم م. شكري هاني أوغلو تفاصيل حول هذا الأمر بقوله: "أضعف المرسوم أيضاً الوضع المتميز للبطريركية اليونانية مقارنة بالمؤسسات الدينية غير المسلمة الأخرى. كان رد الفعل اليوناني النموذجي على مرسوم الإصلاح هو: "لقد جعلتنا الدولة متساوين مع اليهود. كنا راضين بتفوق المسلمين". كان اللافت بشكل خاص هو إصرار جميع الطوائف الدينية على أن تظل العلاقة بين كل طائفة والمركز ثنائية؛ وأصر قادة الملل على أن أي امتيازات جديدة يجب أن تُمنح لهم كمجتمع متميز، وليس كعثمانيين. وهكذا، بدلاً من تشجيع تفكك الحواجز بين الطوائف المختلفة، ناضل ممثلو الملل من أجل الحفاظ عليها".

 

استبدل بالنظام القديم، الذي كان قائماً على الشريعة ومنح الحقوق للمجتمعات المختلفة بناءً على دينهم، نظام متجذر في القومية العرقية. يكتب م. شكري هاني أوغلو لاحقاً: "في وقت متأخر من عام 1870، ناشد البلغار الدولة للاعتراف بهم ليس كبلغار عرقيين، ولكن كمجتمع ديني متميز بالطريقة التقليدية، على أن يرأسه الإثنارك (الزعيم السياسي لمجموعة عرقية) في إسطنبول".

 

ومع ذلك، فشلت محاولات الحفاظ على التنظيم التقليدي. إن الإصرار على المساواة في التبعية لجميع المجتمعات، إلى جانب عدد من الإصلاحات الاقتصادية غير الشعبية، ساهم في انتشار السخط بين المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. في مناطق مثل بلغاريا ومقدونيا، بدأ الفلاحون بالثورة، وتحولت هذه التمردات، بدعم من القوى الأوروبية، في النهاية إلى حركات الاستقلال القومية التي أدت إلى تآكل الخلافة العثمانية.

 

والنتيجة النهائية هي الأنظمة التي نراها اليوم: البلاد الإسلامية مقسمة إلى عدد كبير من الدول القومية. كل إقليم في حالة أضعف بكثير مما كان عليه قبل هدم الخلافة وكلها مقيدة بمخططات الاستعمار الغربي الجديد. من الصعب أن نرى ما هو الخير الذي جلبته القومية لبلادنا. فالأكراد، الذين كانوا ذات يوم رعايا مخلصين للخلافة العثمانية، يتعرضون الآن للعنف والعداء من النظام التركي. عاش اليهود والمسلمون في فلسطين معاً في وئام لقرون في ظل الخلافة، لكن الآن البرنامج القومي لليهود مسؤول عن مقتل ما يقرب من 50,000 فلسطيني في عام 2024 وحده.

 

تشير كارين باركي إلى أنه في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية، كتب صحفي: "إن عدداً كبيراً من المثقفين والسياسيين اللبنانيين، الذين واجهوا الحرب في بلادهم وفشل الأنظمة الاستبدادية في البلدان المجاورة، يشعرون بالحنين إلى الفترة الأخيرة من النظام العثماني. لقد وضعوه كنموذج للسلام المدني والتحديث. إنهم يأسفون لتدمير هذا النظام على يد الإمبريالية الأوروبية".

 

هنا، إذن، نرى أهمية التاريخ. من الشائع أن يفترض الناس أن الواقع الذي يعيشونه لا يمكن تغييره، وبالتالي يقبلون بحياتهم حتى لو كانت ضنكا. يقدم لنا التاريخ عدداً من الحقائق البديلة ويساعدنا على فهم إمكانية تغيير ظروفنا الحالية. كمسلمين مخلصين، هدفنا هو تطبيق الشريعة، وفي صفحات التاريخ قد نجد دروساً تساعدنا في تحقيقه، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خليل مصعب – ولاية باكستان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل يتدخل الله سبحانه وتعالى في سير أحداث العالم

وأعمال الناس والعلاقات بينهم؟

 

مع انتشار أخبار الحرائق في لوس أنجلوس بكاليفورنيا في الولايات المتحدة في 7 كانون الثاني 2025، وتمددها بشكل واسع وقوي، والتهامها مساحات شاسعة من الأراضي والمنشآت بشكل لفت أنظار العالم، انتشرت آراء بأن هذه الحرائق عقوبة إلهية لأمريكا بسبب مجازرها ووحشيتها وظلمها في العالم، وبخاصةٍ في غزة حيث قارن كثيرون بين ما خلفته هذه الحرائق وأوضاع غزة وأهلها. وتجددت أسئلة ونقاشات حول هذا الأمر: هل هذه الحرائق فعلاً عقوبة وانتقام من الله؟ أم أنها أحداث تجري وفقَ خصائص الأشياء والعلاقات ووفق السنن الكونية في الأسباب والمسببات؟

 

هذا موضوع قديم ويتجدد باستمرار، وموجود في مختلف الثقافات، وليس خاصاً بدين معين أو فئات من الناس. وله ارتباط بموضوع الكرامات، أي بتدخل الله سبحانه وتعالى في سير الأحداث وأفعال الناس إنقاذاً وإعانة، أو تأييداً ونصراً وتوفيقاً لبعضهم في الدنيا بسبب إيمانهم وتقواهم، أو انتقاماً وتعذيباً لأعدائهم وانتقاماً منهم بسبب فجورهم وظلمهم. وينطبق بحث هذا الأمر على الكرامات سواء أكانت بمعنى جريان الأحداث وَفق الأسباب والمسببات من غير خرق للسنن، أو بإجراء أحداث خارقة للسنن.

 

وبعد تتبع تفاصيل هذه النقاشات تبيّن أنَّ من الباحثين من يجعل فكرة تدخل الله سبحانه وتعالى في سير الأحداث في الدنيا هي من قبيل خرق السنن، ويضيف إلى ذلك أنه لا وجود للخوارق بعد بعثة النبي ﷺ. وعليه، فإن هذا الرأي ينفي فكرة تدخل الله، ويرى أن الأحداث تسير فقط وفق السنن والقوانين أو الخصائص التي جعلها الله في مخلوقاته. وهو بالتالي ينفي وجود الكرامات نهائياً، فينفي تبعاً لذلك أي ربط لحرائق لوس أنجلوس بما جرى في غزة أو غيرها. وتبيّن أيضاً وجودُ تقبُّلٍ واسع عند الناس لفكرة ربط حرائق لوس أنجلوس بالمجازر في غزة، حيث عدّوها شعورياً وبغير أيّ دليل انتقاماً إلهياً.

 

وقبل بحث الربط بين حرائق لوس أنجلوس والمجازر في غزة ينبغي بحث مسائل: هل يمكن حصول خوارق لغير الأنبياء، أو كرامات بمعنى خرق سنن الكون؟ وهل يتدخل الله سبحانه وتعالى في سير الأحداث والعلاقات بين الناس كالحروب مثلاً، وكالمكر والمكائد لإيجاد وقائع أو نتائج معينة، سواء بإحداث خرقٍ للسنن أو بغير خرق؟ أم أنه سبحانه خلق السماوات والأرض وما فيهن، وقدَّر في كل شيءٍ خصائصه، والكونُ بما فيه جارٍ بعد ذلك وَفق تلك الخصائص بغير تدخل منه سبحانه وتعالى؟

 

لا جدال بأنّ الخوارق ليست بمقدور أحد سوى الله سبحانه وتعالى. وقد حصلت قطعاً مع الأنبياء ومع غير أنبياء قبل بعثة النبي محمد ﷺ. والله سبحانه وتعالى يفعلها بإرادته إذا شاء. والقول بأنه لا يفعلها بعد ذلك، أي بعد النبي محمد، يحتاج لدليل من الوحي، ولا دليل. ولذلك لا يمكن نفي حصول خوارق، وأمرها لله في كل حين، يفعلها إذا شاء أن يفعلها، ولا يفعلها إذا شاء أن لا يفعلها. والأمر ينطبق على الكرامات بأيِّ معنى كانت، يعطيها سبحانه أو يُكرم بها أيَّ أحد أو جماعة كما يشاء. وعلى ذلك لا يمكن نفي حصول الكرامات أو الخوارق في أي زمن، لا عقلاً ولا شرعاً، لأن الأمر لله سبحانه وفي قدرته وبحسب مشيئته.

 

ولكن، هل نأخذ أو نصدق أي قول بخارقة أو كرامة لأي أحد أو جهة، بناءً على أن الأمر مقدورٌ لله سبحانه، وعلى أنّ ظاهر تلك الجهة الصلاح والتقوى؟ والجواب أن هذا لا يصح، بل هو طريق انحطاط وضلال. ولا يصح أن يُصدَّق أي ادعاء يتعارض مع خصائص الأشياء وسنن الأسباب والمسببات إلا بأن يثبت ثبوتاً قطعياً، لأنه يتعارض مع السنن المستقرأة والثابتة قطعاً. فإذا ثبتت دعوى أي خارقة ثبوتاً قطعياً فحينئذٍ يجب تصديقها. ولهذا لم يرسل سبحانه رسولاً إلى أي قوم ليؤمنوا به إلا ومعه دليلٌ قطعيٌ على ذلك، وكان دليله خرقاً للسنن، أي فعلاً ليس بمقدور أحد إلا الله سبحانه. وعلى ذلك، لا يمكن نفي وجود خوارق أو كرامات بإذن الله سبحانه، ولا نفي أنه يفعلها سبحانه إذا شاء في أي زمن. ولكن لا يصح تصديق أي زعم بحصولها إلا بدليل قطعي.

 

وعلى ذلك أيضاً، لا يصح القول بأن الكون بما فيه من مخلوقات يجري فقط وفق ما جعل الله فيه من خصائص عندما خلقه، وأنه سبحانه لا يتدخل في ذلك أبداً. كما أنه لا يثبت أيُّ زعم عن أي حدث بعينه في العالم، بأنه حصل بتدخل من الله سبحانه لأن هذا يحتاج لدليلٍ من الوحي، والوحي انقطع، فلا يثبت هكذا زعم. وعليه، لا يمكن القول بأن حرائق كاليفورنيا عقوبة من الله، أو انتقامٌ لأجل غزةَ أو غيرها، كما أنه لا يمكن نفي ذلك، والأمر في علم الله وحده. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المصائب والابتلاءات أو أيَّ عذاب في الدنيا، لا يحصل فقط عقوبةً من الله أو انتقاماً، بل يحصل ابتلاءً أيضاً واختباراً، وحطاً للذنوب وغيرَ ذلك، وهو يحصل للمؤمنين والكافرين. قال ﷺ: «عَجَباً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ» رواه مسلم.

 

وبذلك تثبت إمكانية حصول كرامات مما هي خرق للسنن في أي زمن. ويتبيّن أيضاً خطأ نفي أن الله سبحانه وتعالى يتدخل في سير الأحداث بين الناس في الدنيا، لأنه لا دليل على هذا النفي.

 

بل إن القرآن الكريم يبين في نصوص وقصص كثيرة وقاطعة، أن الله سبحانه وتعالى يتدخل في أفعال الناس وسير الأحداث في الدنيا، فينصر ويخذل ويستجيب الدعاء ويهدي السُبُل في الدنيا، ويفرج الكرب ويهيئ المخرج لمن يتقيه... والعجب كل العجب من مسلمين يتساءلون بشأن هذا الأمر أو يترددون فيه، بناءً على قواعد لديهم بأن كل حركة أو تغيير في الكون وعلاقات الناس لا تحصل إلا وفق قوانين الأسباب والمسببات المادية التي قدرها الله في كل شيءٍ خلقه. وفيما يلي بعض هذه الأدلة:

 

قال سبحانه وتعالى في آيات كثيرة إنه يكشف الضر بعد دعاء الناس إياه، وأنه يأخذهم بالشدائد ليُقبِلوا عليه، ومن ذلك: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [سورة الأنعام: 41، 42]. وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾، [سورة الأعراف: 96- 99]. وقال سبحانه: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، [سورة الأنفال: 9- 13]. وقال أيضاً: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ [سورة الأنفال: 17، 18]. وقال: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾، [سورة الطلاق: 2، 3]. وقال: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾، [سورة التوبة: 26]. وقال: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾، [التوبة: 52]. وقال: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾، [سورة التوبة: 101]. وقال: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾، [سورة النحل: 41]. وقال: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، [سورة النحل: 45- 47]. وقال: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون﴾، [سورة الأنبياء: 41]. وقال: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾، [سورة الحج: 38]. وقال: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ﴾، [سورة القصص: 81]. وقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، [العنكبوت: 69]. وقال: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، [سورة غافر: 51]. وغيرها كثير مما يطول ذكره.

 

وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الله سبحانه وتعالى يتدخل في الأحداث ومجريات العلاقات والصراعات وإن بدا أنها جارية وفق السنن والأسباب المادية. إلا أنه ينبغي التنبيه إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يعرف عن أي فعل أو حدث إن كان بتدخل خاص من الله وتسيير للأحداث وفقَ ما دلت عليه الآيات التي تقدم ذكرها، أو أنه بمحض الخصائص والقوانين التي أودعها الله في الأشياء. وعليه، فإن أحداثاً مثل حرائق كاليفورنيا أو غيرها من الكوارث، لا يمكن للإنسان أن يحكم عليها بأنها غضبٌ من الله وانتقام أو غير ذلك.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور محمود عبد الهادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل يتدخل الله سبحانه وتعالى

في سير أحداث العالم وأعمال الناس والعلاقات بينهم؟

 

مع انتشار أخبار الحرائق في لوس أنجلوس بكاليفورنيا في الولايات المتحدة في 7 كانون الثاني 2025، وتمددها بشكل واسع وقوي، والتهامها مساحات شاسعة من الأراضي والمنشآت بشكل لفت أنظار العالم، انتشرت آراء بأن هذه الحرائق عقوبة إلهية لأمريكا بسبب مجازرها ووحشيتها وظلمها في العالم، وبخاصةٍ في غزة حيث قارن كثيرون بين ما خلفته هذه الحرائق وأوضاع غزة وأهلها. وتجددت أسئلة ونقاشات حول هذا الأمر: هل هذه الحرائق فعلاً عقوبة وانتقام من الله؟ أم أنها أحداث تجري وفقَ خصائص الأشياء والعلاقات ووفق السنن الكونية في الأسباب والمسببات؟

 

هذا موضوع قديم ويتجدد باستمرار، وموجود في مختلف الثقافات، وليس خاصاً بدين معين أو فئات من الناس. وله ارتباط بموضوع الكرامات، أي بتدخل الله سبحانه وتعالى في سير الأحداث وأفعال الناس إنقاذاً وإعانة، أو تأييداً ونصراً وتوفيقاً لبعضهم في الدنيا بسبب إيمانهم وتقواهم، أو انتقاماً وتعذيباً لأعدائهم وانتقاماً منهم بسبب فجورهم وظلمهم. وينطبق بحث هذا الأمر على الكرامات سواء أكانت بمعنى جريان الأحداث وَفق الأسباب والمسببات من غير خرق للسنن، أو بإجراء أحداث خارقة للسنن.

 

وبعد تتبع تفاصيل هذه النقاشات تبيّن أنَّ من الباحثين من يجعل فكرة تدخل الله سبحانه وتعالى في سير الأحداث في الدنيا هي من قبيل خرق السنن، ويضيف إلى ذلك أنه لا وجود للخوارق بعد بعثة النبي ﷺ. وعليه، فإن هذا الرأي ينفي فكرة تدخل الله، ويرى أن الأحداث تسير فقط وفق السنن والقوانين أو الخصائص التي جعلها الله في مخلوقاته. وهو بالتالي ينفي وجود الكرامات نهائياً، فينفي تبعاً لذلك أي ربط لحرائق لوس أنجلوس بما جرى في غزة أو غيرها. وتبيّن أيضاً وجودُ تقبُّلٍ واسع عند الناس لفكرة ربط حرائق لوس أنجلوس بالمجازر في غزة، حيث عدّوها شعورياً وبغير أيّ دليل انتقاماً إلهياً.

 

وقبل بحث الربط بين حرائق لوس أنجلوس والمجازر في غزة ينبغي بحث مسائل: هل يمكن حصول خوارق لغير الأنبياء، أو كرامات بمعنى خرق سنن الكون؟ وهل يتدخل الله سبحانه وتعالى في سير الأحداث والعلاقات بين الناس كالحروب مثلاً، وكالمكر والمكائد لإيجاد وقائع أو نتائج معينة، سواء بإحداث خرقٍ للسنن أو بغير خرق؟ أم أنه سبحانه خلق السماوات والأرض وما فيهن، وقدَّر في كل شيءٍ خصائصه، والكونُ بما فيه جارٍ بعد ذلك وَفق تلك الخصائص بغير تدخل منه سبحانه وتعالى؟

 

لا جدال بأنّ الخوارق ليست بمقدور أحد سوى الله سبحانه وتعالى. وقد حصلت قطعاً مع الأنبياء ومع غير أنبياء قبل بعثة النبي محمد ﷺ. والله سبحانه وتعالى يفعلها بإرادته إذا شاء. والقول بأنه لا يفعلها بعد ذلك، أي بعد النبي محمد، يحتاج لدليل من الوحي، ولا دليل. ولذلك لا يمكن نفي حصول خوارق، وأمرها لله في كل حين، يفعلها إذا شاء أن يفعلها، ولا يفعلها إذا شاء أن لا يفعلها. والأمر ينطبق على الكرامات بأيِّ معنى كانت، يعطيها سبحانه أو يُكرم بها أيَّ أحد أو جماعة كما يشاء. وعلى ذلك لا يمكن نفي حصول الكرامات أو الخوارق في أي زمن، لا عقلاً ولا شرعاً، لأن الأمر لله سبحانه وفي قدرته وبحسب مشيئته.

 

ولكن، هل نأخذ أو نصدق أي قول بخارقة أو كرامة لأي أحد أو جهة، بناءً على أن الأمر مقدورٌ لله سبحانه، وعلى أنّ ظاهر تلك الجهة الصلاح والتقوى؟ والجواب أن هذا لا يصح، بل هو طريق انحطاط وضلال. ولا يصح أن يُصدَّق أي ادعاء يتعارض مع خصائص الأشياء وسنن الأسباب والمسببات إلا بأن يثبت ثبوتاً قطعياً، لأنه يتعارض مع السنن المستقرأة والثابتة قطعاً. فإذا ثبتت دعوى أي خارقة ثبوتاً قطعياً فحينئذٍ يجب تصديقها. ولهذا لم يرسل سبحانه رسولاً إلى أي قوم ليؤمنوا به إلا ومعه دليلٌ قطعيٌ على ذلك، وكان دليله خرقاً للسنن، أي فعلاً ليس بمقدور أحد إلا الله سبحانه. وعلى ذلك، لا يمكن نفي وجود خوارق أو كرامات بإذن الله سبحانه، ولا نفي أنه يفعلها سبحانه إذا شاء في أي زمن. ولكن لا يصح تصديق أي زعم بحصولها إلا بدليل قطعي.

 

وعلى ذلك أيضاً، لا يصح القول بأن الكون بما فيه من مخلوقات يجري فقط وفق ما جعل الله فيه من خصائص عندما خلقه، وأنه سبحانه لا يتدخل في ذلك أبداً. كما أنه لا يثبت أيُّ زعم عن أي حدث بعينه في العالم، بأنه حصل بتدخل من الله سبحانه لأن هذا يحتاج لدليلٍ من الوحي، والوحي انقطع، فلا يثبت هكذا زعم. وعليه، لا يمكن القول بأن حرائق كاليفورنيا عقوبة من الله، أو انتقامٌ لأجل غزةَ أو غيرها، كما أنه لا يمكن نفي ذلك، والأمر في علم الله وحده. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المصائب والابتلاءات أو أيَّ عذاب في الدنيا، لا يحصل فقط عقوبةً من الله أو انتقاماً، بل يحصل ابتلاءً أيضاً واختباراً، وحطاً للذنوب وغيرَ ذلك، وهو يحصل للمؤمنين والكافرين. قال ﷺ: «عَجَباً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ» رواه مسلم.

 

وبذلك تثبت إمكانية حصول كرامات مما هي خرق للسنن في أي زمن. ويتبيّن أيضاً خطأ نفي أن الله سبحانه وتعالى يتدخل في سير الأحداث بين الناس في الدنيا، لأنه لا دليل على هذا النفي.

 

بل إن القرآن الكريم يبين في نصوص وقصص كثيرة وقاطعة، أن الله سبحانه وتعالى يتدخل في أفعال الناس وسير الأحداث في الدنيا، فينصر ويخذل ويستجيب الدعاء ويهدي السُبُل في الدنيا، ويفرج الكرب ويهيئ المخرج لمن يتقيه... والعجب كل العجب من مسلمين يتساءلون بشأن هذا الأمر أو يترددون فيه، بناءً على قواعد لديهم بأن كل حركة أو تغيير في الكون وعلاقات الناس لا تحصل إلا وفق قوانين الأسباب والمسببات المادية التي قدرها الله في كل شيءٍ خلقه. وفيما يلي بعض هذه الأدلة:

 

قال سبحانه وتعالى في آيات كثيرة إنه يكشف الضر بعد دعاء الناس إياه، وأنه يأخذهم بالشدائد ليُقبِلوا عليه، ومن ذلك: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [سورة الأنعام: 41، 42]. وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾، [سورة الأعراف: 96- 99]. وقال سبحانه: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، [سورة الأنفال: 9- 13]. وقال أيضاً: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ [سورة الأنفال: 17، 18]. وقال: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾، [سورة الطلاق: 2، 3]. وقال: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾، [سورة التوبة: 26]. وقال: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾، [التوبة: 52]. وقال: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾، [سورة التوبة: 101]. وقال: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾، [سورة النحل: 41]. وقال: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، [سورة النحل: 45- 47]. وقال: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون﴾، [سورة الأنبياء: 41]. وقال: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾، [سورة الحج: 38]. وقال: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ﴾، [سورة القصص: 81]. وقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، [العنكبوت: 69]. وقال: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، [سورة غافر: 51]. وغيرها كثير مما يطول ذكره.

 

وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الله سبحانه وتعالى يتدخل في الأحداث ومجريات العلاقات والصراعات وإن بدا أنها جارية وفق السنن والأسباب المادية. إلا أنه ينبغي التنبيه إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يعرف عن أي فعل أو حدث إن كان بتدخل خاص من الله وتسيير للأحداث وفقَ ما دلت عليه الآيات التي تقدم ذكرها، أو أنه بمحض الخصائص والقوانين التي أودعها الله في الأشياء. وعليه، فإن أحداثاً مثل حرائق كاليفورنيا أو غيرها من الكوارث، لا يمكن للإنسان أن يحكم عليها بأنها غضبٌ من الله وانتقام أو غير ذلك.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور محمود عبد الهادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

العلمانيون الجدد

 

يبدو أن المشهد الحاصل في أغلب بلادنا الإسلامية اليوم يتجسد في الفرق بين الحقبة المنصرمة (النظم الاستبدادية) والحاضر، حيث يحكم اليوم من يرفعون شعارات إسلامية، لكن الفارق بين الأمس واليوم قد لا يكون سوى اللحى، بناءً على تقييمات سطحية تعتمد على وجودها من عدمه.

 

وبعد أن تبيّنت ملامح النظام الحاكم اليوم في سوريا، خصوصاً مع تصريح رئيسها الجديد أحمد الشرع العلني عن رغبته في بناء دولة مدنية بأيديولوجية علمانية وتطبيق دستور وضعي، يبدو أن الحاكم الجديد لسوريا قد أضاع الفرصة التي كان أبناء هذا البلد يطمحون إليها لاستعادة دولتهم وعزتهم، فسياسة خلط الأوراق التي انتهجها هذا النظام، متراكمةً على ما خلفه نظام الأسد البائد، جعلت أحمد الشرع يُصاغ بصياغة غربية تهدف إلى تعطيل مشروع الطامحين لبناء سوريا دولةً إسلامية.

 

لذلك، نجده في بداية لقاءاته يحاول إنكار ماضيه، محاولاً تبرير الحاضر قدر الإمكان وتسليط الضوء على تحوّلاته، فهو يعيش حالة من التناقض بين ماضيه وطموحاته السابقة وبين الواقع الذي يحياه اليوم، هذا التناقض نادر الحدوث عند مقاتل لم يخرج بعدُ من غبار المعركة، فإذا به اليوم يرتدي لباساً علمانياً واضحاً.

 

لقد أصبحت سوريا، بكل تاريخها وحاضرها ومستقبلها، وبكل ما فيها من زخم ورمزية، وموقع وثقل، محشورة بين ماضٍ منصرم وحاضرٍ مخيف.

 

إن علمانية النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع هي علمانية غريبة، يمكن أن يُقال عنها كل شيء، لأنها تمثل مزيجاً من التوجهات الانتهازية، والإنسانية المعطوبة، والغرائز المقنّعة، والعمى الفكري، فسوريا التي كانت قلعةً للعلمانيين في ظل الأسد، لا تزال لم تخرج من بوتقة العلمانية حتى مع تغيّر الوجوه.

 

إن هذه التطورات التي أخرجت الشعب السوري من دهاليز الأسد المجرم أفرحتنا كثيراً، ولكن النتائج التي تمخضت عنها لا توازي التضحيات والدماء التي قدّمها أبناء البلد، فحال سوريا اليوم لا يختلف عن حال معظم بلادنا الإسلامية، إذ لا تزال تعيش في علمانية متستّرة تستقي من قواميسها، متجاهلةً أن مياهً كثيرة قد جرت من تحت الجسر، وأن ما تقوم به لا يعدو كونه علمانية مؤطرة.

 

ويبدو أن الطغاة في بلادنا يُستنسخون ليُجدَّدوا، فكلما هلك طاغية جاء آخر بلباس مختلف، فهل هذا هو قدر هذه الشعوب، أن تدفن ثوراتها، وتطمر تضحياتها، ليعود الاستبداد بوجه جديد؟!

 

ربما يسيطر الإحباط على غالبية المسلمين في سعيهم لاستعادة مجدهم المفقود، ولا يمكن تجاهل الدور الدولي والإقليمي في تصفية الثورات والإتيان بطغاة جدد لتنصيبهم على رقاب الشعوب، ولكن بين هذا وذاك، يبقى الدور المطلوب من جميع المسلمين الطامحين إلى العز والكرامة هو الطموح المشروع والعمل الجاد لتحقيق هذا الهدف، لأن الشعوب نفسها هي التي تساعد في صناعة الطغاة، بجهلها وعدم وعيها، وعندما تلجأ إلى الحلول الترقيعية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

 

أيها المسلمون: إن الواجب علينا جميعاً أن نسمو بمطامحنا، وألا نتخبط في أوحال الأهواء العابثة، والأهداف الهابطة، والمقاصد الرخيصة، فنحن أمةٌ أعزّها الله بالإسلام ولا عزّ لنا إلا به.

 

إن تاريخ أمتنا وأمجادها يدعونا إلى أن نشمّر عن سواعد الجد، لنحذو حذو أجدادنا العظام الذين حكموا العالم بأعظم وأنبل شريعة ودستور عرفته البشرية، عاش في ظلّها الجميع، لكلٍّ حقوقه وواجباته.

 

إن الاستعمار وأعوانه يتربصون بنا الدوائر، وإن الديمقراطية وأتباعها قد تواطؤوا على خنق حريات الشعوب وإفساد حياتهم الكريمة، وإن الإسلام هو وحده نصير الحق ورسول كل تجديد نافع، وهو الذي لا يزال يورث أشياعه قوة الروح، والاعتداد بالنفس، والثبات على المبدأ، والجهر بالحق.

 

أيها المسلمون: لا حياة لأمة لم تعرف عدوها من نافعها، ولم تميز بين الأمين والخائن، وإن هؤلاء المتزمتين بالحياة المدنية هم علة الشقاء الذي يسود بلادنا الإسلامية، وهم المصيبة العظمى والسبب المباشر لكل ما أصاب هذه الأمة.

 

أيها المسلمون: ليست الحرية هبةً يمنحها لنا أعداؤنا، وإنما هي كفاحٌ وجهاد، لا تُقدَّم إلا لمن يسعى إلى العزة والكرامة.

 

نعم، سينتصر الإسلام وسيسود نظامه على كل نظام، بإذن الله، وإن الرائد الذي لا يكذب أهله يدعوكم إلى العمل لاستئناف الحياة الإسلامية العزيزة، والتي فيها خلاصكم من عفونة الرأسمالية القذرة.

 

نسأل الله أن يعزّنا بعودة دولتنا، عزّنا وكرامتنا، وما ذلك على الله بعزيز.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط.. والسودان بخاصة

 

لعل السؤال البديهي الذي ينشأ هو لماذا الحديث عن سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط؟

 

إن ترامب هو الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، أي هو رئيس الدولة الأولى في العالم، ومن أسس الفهم السياسي للموقف الدولي، أي هيكل العلاقات الدولية المؤثرة، إدراك أنه في حالة السلم تعتبر الدولة الأولى هي صاحبة الكلمة دوليا وتستوي في الموقف الدولي بعد ذلك، أي دولة أخرى، لذلك كانت سياسة ترامب هي مادة السياسة الدولية حاليا.

 

ولما كانت سياسة ترامب تدور حول شعاره الانتخابي؛ إعادة أمريكا عظيمة مجددا، وعظمة أمريكا لا تقتضي حل أي من مشكلات العالم، وإنما تحقيق مصلحة أمريكا، من خلال إدارة هذه المشكلات، كما عبر عن ذلك هنري كيسنجر في كتابه الدبلوماسية، حيث قال "ليس من مصلحة أمريكا حل أي مشكلة في العالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط أي مشكلة وتديرها".

 

أما الشرق الأوسط فيقصد به المنطقة العربية، وتركيا، وإيران، وجميعها بلاد مسلمين.

 

وتتحكم أربعة محددات أساسية، في سياسة الدول الغربية الاستعمارية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهذه المحددات، أي العوامل هي: الإسلام، والموقع الاستراتيجي، وكيان يهود، والنفط.

 

ولما كانت دويلة يهود المزروعة في فلسطين، هي محور قضية الشرق الأوسط، بوصفها خط الدفاع المتقدم عن الغرب الكافر المستعمر، ولكنها أصبحت سببا لعدم الاستقرار، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم كله، باعتراف الغربيين أنفسهم، الذين أقروا بأن 90% من مشاكل البلاد الإسلامية، التي تؤرق الغرب، إنما ترجع إلى وجود الكيان اللقيط، بناءً على توصيات مؤتمر كامبل بانرمان، وهو تسمية للمؤتمر الاستعماري الذي انعقد في لندن في الفترة (1905- 1907م)، بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية. وقد ضم الدول الاستعمارية في ذلك الوقت: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وتنصُّ على أن المؤتمرين خرجوا في النهاية بوثيقة سرية سموها (وثيقة كامبل)، نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، هنري كامبل بانرمان، وقال بعض الكتاب والمفكرين إنه "أخطر مؤتمر يتعلق بمستقبل الأمة الإسلامية، وكان هدفه الحيلولة بين الأمة والوحدة مرة أخرى، من خلال إيجاد حالة من عدم الاستقرار، وذلك بزرع كيان يهود بمثابة السرطان للمسلمين، والواجب اجتثاثه قبل أن ينتشر في جسد الأمة الإسلامية".

 

ويختلف المؤرخون في انعقاد المؤتمر من عدمه، لكن ما خرجت به الوثيقة يمثل فعلاً سياسة المستعمرين تجاه الشرق الأوسط.

 

إن أبرز معالم سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط ومنه السودان هي:

 

أولا: إظهار قوة قيادته، وتفرده عن غيره، من الذين سبقوه بالجلوس في كرسي البيت الأبيض، لذلك بدأ ترامب سياسته بسحر حكام العالم، وحكام المنطقة، ليوهمهم أنه صاحب قدرات خرافية، على تحقيق ما عجز عنه سلفه بايدن، فيقول متهكما بحسب ما نشرته الجزيرة في اليوم الرابع لأدائه القسم: "إن إدارته أنجزت في أربعة أيام، أكثر مما أنجزته إدارة الرئيس السابق جو بايدن خلال 4 سنوات، مؤكداً، لولا إدارته لما أبرم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة هذا الأسبوع". ومن إظهاره للقوة أنه وفي يومه الأول، قام بتوقيع 100 أمر تنفيذي، تراوحت بين العفو عن المشاركين في اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/يناير 2021م، ورفع عقوبات أقرّها سلفه جو بايدن، على مستوطنين يهود، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة الصحة العالمية.

 

ثانياً: الصراحة، والجرأة في توضيح الأهداف السياسية، وهذه حالة ليست معتادة في العمل السياسي، وقد يكون مصدرها هو إساءة تقدير القوة الحقيقية لخصومه، لأن الأصل في السياسة هو إخفاء الأهداف، وإبراز الأساليب والوسائل، وبالنسبة لأمريكا، فإن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يسعى كلاهما لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية، فمثلا ترامب لا يخفي أهدافه، بل يقولها صريحة، بخلاف سلفه السابق بايدن، ومن ذلك أن بايدن يوهم الناس بأن أمريكا تعمل على تنفيذ مشروع حل الدولتين، ولكنه كان لفظاً دون معنى! فقد نشرت الجزيرة على موقعها في 4/1/2024: (قال الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس الجمعة، إن هناك عدداً من الأنماط لحل الدولتين مشيراً إلى أن دولاً عدة في الأمم المتحدة ليس لديها قوات مسلحة خاصة بها... الجزيرة 4/1/2024) أي أن بايدن يشير إلى دولة من تلك الأنماط، دون قوات مسـلحة! إلا أن ترامب ذكر حقيقة مسعاه دون إيهام الناس.. فصرح أثناء حملته الانتخابية قائلا: (عندما أنظر إلى خريطة الشرق الأوسط أجد إسـرائيل بقعة صغيرة جدا. في الحقيقة قلت هل من طريقة للحصول على المساحات؟ إنها صغيرة جدا... سكاي نيوز 19/8/2024)، ومعنى ذلك أنه يريد توسيع كـيان يـهود بمشروعية المسـتوطنات في الضفة الغربية، وإطلاق يدهم في الاستيلاء على أراض، وإقامة مسـتوطنات جديدة عليها.

 

ثالثاً: إرهاب الحكام العملاء، وابتزازهم ماليا، أو بمصالحهم، ولا سيما وجودهم على كرسي الحكم، فهو لا يقر بأن وجود هؤلاء الحكام هو نعمة لأمريكا، نقمة على الشعوب! وكان ترامب قد طلب بخبث، مازحا، إنّ تعهدات مالية كبيرة قد تقنعه بأن تكون السعودية مجددا أول بلد يزوره. وقال ترامب "فعلت ذلك مع السعودية في المرة الماضية لأنها وافقت على شراء ما قيمته 450 مليار دولار من منتجاتنا". وتابع مازحا إنه سيكرر الزيارة "إذا أرادت السعودية شراء 450 أو 500 مليار دولار أخرى (...) فسوف نزيدها بمواجهة التضخم".

 

وفور ذلك أعلن محمد بن سلمان عن رغبة بلاده في استثمار 600 مليار دولار في أمريكا، حيث ذكرت وكالة الأنباء السعودية في وقت سابق، أن المملكة تريد ضخ 600 مليار دولار في استثمارات، وأنشطة تجارية موسعة، مع الولايات المتحدة على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.

 

ليعود ترامب ويرفع من سقف ابتزازه! ففي كلمته للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، عبر تقنية الفيديو قال: "لكنني سأطلب من ولي العهد، وهو رجل رائع، زيادتها إلى نحو تريليون دولار". وأضاف "أعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا كنا جيدين للغاية معهم".

 

ولم يكتفِ بذلك، بل، وفي إطار سياسة الإرهاب والابتزاز، يحمّل السعودية المسؤولية عن استمرار حرب أوكرانيا! حيث طلب ترامب من السعودية خفض أسعار النفط، قائلا إن ذلك قد يسهم في إنهاء حرب روسيا على أوكرانيا. وتابع الرئيس الأمريكي "إذا انخفضت الأسعار، فستنتهي حرب روسيا وأوكرانيا على الفور. الأسعار مرتفعة بما يكفي الآن لتستمر الحرب، عليكم خفض سعر النفط". وأضاف "كان يجب أن يفعلوا ذلك منذ فترة طويلة. إنهم مسؤولون للغاية، في الواقع، إلى حد ما عما يحدث". ليسارع حكام السعودية لتنفيذ أوامر ترامب بالسعي لاتخاذ إجراءات لخفض أسعار النفط، بزيادة الإنتاج، ومن ذلك ما ذكره موقع عربي 21، ما كشفته كازاخستان، الأربعاء 29/01/2025، عزم مجموعة أوبك+، التي تضم كبار منتجي النفط، مناقشة جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لزيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه سيتم اتخاذ موقف مشترك بشأن هذا الموضوع. وتعتزم المجموعة بدء زيادة إنتاج النفط في نيسان/أبريل المقبل، كجزء من خطة لإلغاء تدريجي للتخفيضات التي كانت قد فرضتها سابقاً، رغم أن هذه الخطة قد تأجلت عدة مرات بسبب ضعف الطلب. وأشارت وكالة رويترز، إلى أنه من المتوقع أن تعقد أوبك+ اجتماعاً للجنة المراقبة الوزارية المشتركة في الثالث من شباط/فبراير.

 

رابعا: تبني مصلحة كيان يهود، ومن ذلك أن ترامب في فترتي رئاسته، يتبنى مصالح يـهود، حتى إن القرارات الدولية، التي وضعتها أمريكا، والدول الكبرى الأخرى، وكانت أمريكا تلاحق الدول التي تخالف هذه القرارات، قام ترامب بنـسف هذه القرارات المعارضة لمصالح يـهود، فقد نسف قرارات الأمم المتحدة، التي تعتبر الضفة الغربية أرضا محتلة، لا يحق لكـيان يـهود الاسـتيطان فيها، بل عليه الانسحاب منها إلى حدود 4 حزيران يونيو1967م. كما نسف قرارات الأمم المتحدة بشأن القدس الشرقية، بأنها فلسطينية محتلة، وكذلك نسف قراراتها المتعلقة بهضبة الجولان، بأنها أرض سورية محتلة، واعترف بمشروعية قرار كـيان يـهود بضم القدس، والهضبة. وذلك يؤكد أنه سيقر بمشروعية المسـتوطنات، وما استولى عليه يـهود حتى الآن في الضفة الغربية، والسماح لإقامة مزيد من المسـتوطنات أو توسيعها. وقد بدأ ذلك عندما أصدر عفوا عن المستوطنين الذين فرضت عليهم عقوبات على عهد بايدن.

 

وسيواصل ترامب خطته في تركيز كـيان يـهود، بجعل باقي دول المنطقة تقوم وتطبع مع هذا الكـيان، لتقر بمشروعيته، واغتصابه لفلسطين، ومن الدول المرشحة لذلك الســعودية، خاصة وأن ارتباط ولي العهد السعودي، هو ارتباط قوي بترامب، الذي يتابع بقوة، تطبيع الكـيان مع الســعودية، وقد لا يتأخر ذلك، فانصياع النظام السـعودي تماما لما تريده إدارة الجمهوريين برئاسة ترامب، يدركه كل صاحب بصر وبصيرة، فقد أعلن ترامب يوم 23/1/2025 أن ("السـعودية ستستثمر 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، وسأطلب إيصالها إلى تريليون دولار"... الحرة الأمريكية 23/1/2025)، وذكر أن ذلك تم في الاتصال التلفوني مع ولي العهد السـعودي، ابن سلمان، مساء الأربعاء 22/1/2025. أي أنه بمجرد تلفون واحد انصاع حاكم السـعودية الفعلي فورا لطلب الرئيس الأمريكي، بأن يقوم ويدعم الاقتصاد الأمريكي بمئات المليارات من الدولارات. وهذا يشير إلى مدى استعداد النظام الســعودي للخضوع للطلبات الأمريكية في عهد ترامب. ولذلك فإنه بمجرد تلفون آخر سيقوم ابن سلمان ويعلن استعداده للتطبيع مع كـيان يهود عندما يطلب منه ذلك.

 

وقد رفع ترامب سقفه أمام حكام المسلمين العملاء، ومن ذلك ما نشرته الجزيرة على موقعها، في 26/1/2025: (قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يضغط على الأردن، ومصر، ودول عربية أخرى، لاستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين من غزة، بعد أن تسببت الحرب الإسرائيلية على القطاع في أزمة إنسانية..) وعندما سئل عما إذا كان هذا اقتراحاً مؤقتاً أو طويل الأجل، قال ترامب "يمكن أن يكون هذا أو ذاك". من هذا التصريح يبدو أن ترامب يريد تهيئة الأجواء للحكام العملاء، للسير في هذا التهجير القسري، الذي سبق أن رفضه الحكام، وخاصة في مصر، والأردن، وبعبارة أخرى، هي عملية (جس للنبض) إن كان يستطيع هؤلاء الحكام الضغط على الناس، لتنفيذ تصريح ترامب، وتهجيرهم من بلادهم، وتفريغها، وضمها ليهود، أو تأجيل ذلك إلى وقت آخر يراه ترامب مناسباً إن وقف الناس بوجه النظامين فمنعوهما من هذه الخطوة، التي هي خيانة لله ورسوله والمؤمنين. وقد نقلت قناة الحرة الجمعة 31/01/2025، رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، عبد الله الثاني، أي "تهجير قسري" لسكان غزة عقب الحرب بين حماس وكيان يهود، بعد مقترح الرئيس الأمريكي. وعندما سئل ترامب عن رده على الرفضين المصري والأردني، وما إذا كان يفكر بفرض رسوم جمركية على البلدين لدفعهما إلى ذلك، أجاب "سيفعلون ذلك" وقال "سيفعلون ذلك، نحن نفعل الكثير من أجلهم، وسيفعلون ذلك".

 

إن الواجب على كل مسلم غيور على دينه أن يقف في وجه مخطط إفراغ قطاع غزة من سكانه وتسليمه للكيان اللقيط

 

خامسا: تجفيف الدور الإيراني في المنطقة، ذلك الدور القذر، الذي كانت تخدم به أمريكا ومشاريعها الإجرامية، في الشرق الأوسط، مثل احتلال أمريكا للعراق، وتثبيت نظام الأسد في سوريا، ووضع لبنان تحت سلطانها، عن طريق حزب إيران في لبنان، ودعمها للحوثيين، لإيصالهم إلى سدة الحكم لتركيز نفوذ أمريكا في اليمن، وفي كل ذلك أطلقت إيران أيدي أدواتها تنكل بالناس في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.

 

والآن تسعى أمريكا لتحجيم إيران، وتجفيف دورها القذر في المنطقة، حيث قامت أمريكا بتلزيم سوريا بتركيا، لتوجد في سوريا نظاما علمانيا ملتحيا، وتلزيم لبنان بالسعودية، بعد إضعاف حزب إيران، وانتشار جيش كيان يهود في جنوب لبنان.

 

ويسعى ترامب لعقد اتفاق نووي جديد، يحقق مصالح أمريكا وربيبه كيان يهود يستهدف بهذا الاتفاق الصناعة النووية، وبرنامج الصواريخ الإيراني.

 

سادسا: بالنسبة للسودان، تسعى إدارة ترامب لقطف ثمار الحرب التي أطلقتها إدارة بايدن، هذه الثمار التي تريدها أمريكا أن تسقط في سلة منبر جدة، بعد اكتمال آخر العمليات العسكرية المفتعلة، بإعادة سيطرة الجيش على الخرطوم، وولاية الجزيرة، وسوق بقايا الحركات الدارفورية المسلحة إلى دارفور، لحماية الفاشر، لكسر ظهرها، وضرب آخر نفوذ للإنجليز في السودان، بعد أن تم تلزيم قوى الحرية والتغيير قوات الدعم السريع وجرائمها المروعة، وتجريمهم، ووضعهم على قوائم المطلوبين جنائيا، بمواد عقوبتها الإعدام.

 

لذلك يأتي تعيين المبعوث الأمريكي الجديد، بيتر لورد، الذي كان مساعداً لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية السابقة مولي في، التي أطلقت منبر جدة في 6 أيار/مايو 2023م، وما زالت أمريكا تعتبره المحطة الأخيرة لحرب السودان، من أجل تركيز نفوذها في السودان، ليحكمه العسكر، ومرتزقة السياسة، من تكنوقراط، أو أحزاب، ليسير في اتجاه التطبيع مع الكيان اللقيط، وتنهب ثرواته، ويحال بين الناس وبين تأسيس حياتهم على أساس الإسلام العظيم.

 

إن الشرق الأوسط ما زال يرزح تحت نير الاستعمار الغربي، تتصارع على النفوذ فيه الدولة الأولى أمريكا من جهة، وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى، أما أمريكا فلا تقبل إلا بالمائدة كلها، وللآخرين ما يسقط من فتات هذه المائدة، ومع وصول ترامب إلى سدة الحكم، تحول الشرق الأوسط، بل وكل العالم إلى مسرح عبثي، يظهر ما كان مخفيا تحت الطاولة، ولا شك أن تلك بشارات التحرر للمسلمين، وللبشرية في أرجاء المعمورة. وإن ذلك لكائن في القريب العاجل بإذن الله، عندما تقوم الخلافة على منهاج النبوة، التي أظل زمانها.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حاتم جعفر المحامي

عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

أمصحف وكتب إرهاب أيها المفلسون؟!

 

 

 

نشر موقع روسيا اليوم بتاريخ 5/2/2025 خبرا قال فيه إنّ "جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يفكك خلية إرهابية تابعة لحزب التحرير في شبه جزيرة القرم، ويعتقل خمسة أشخاص كانوا يجندون مؤيدين للحزب المحظور في روسيا"، وعرض فيديو يظهر عملية الاعتقال واقتحام البيوت، وظهر فيه أن ما ضبطه جهاز الأمن الروسي في بيوت الشباب نسخ من المصحف الشريف وكتب وكتيبات إسلامية فكرية سياسية، وهي من منشورات حزب التحرير المعروفة الاسم والمحتوى.

 

واللافت حتى في فيديو عملية الاعتقال نفسه الذي صوره جهاز الأمن أن بيوت الشباب ظهرت بيوتا بسيطة غير محصنة ولا مريبة، وفتح أهلها الأبواب بلباسهم المدني البسيط ومنهم بلباس النوم، ولم يظهروا أية مقاومة أو عنف أو مظاهر إرهاب وبلطجة، ثم بعد عملية التفتيش لم يجدوا سوى المصحف والكتب، فلم يجدوا أسلحة أو أية أدوات للعنف والإرهاب.

 

وهذا يظهر بكل وضوح بأن ما يعلنه الحزب عن نفسه منذ أن تأسس عام 1953م في القدس، بأنه حزب سياسي لا يتبنى العنف ولا الأعمال المادية، صحيح ويؤكده فيديو الاعتقال نفسه.

 

فحزب التحرير، لا خوفا ولا تكتيكا، وإنما تأسيا برسول الله ﷺ، هو حزب سياسي إسلامي، لا يتبنى الأعمال المادية طريقا لاستئناف الحياة الإسلامية ولا يمارس العنف أو الإرهاب لتحقيق ذلك، بل أعماله كلها فكرية سياسية راقية، وتاريخه الممتد عبر 72 عاما والعابر للقارات الخمس يشهد على ذلك ويعززه.

 

ولكنه الإفلاس عند الأنظمة البوليسية والدكتاتورية هو ما يدفعها إلى تلفيق التهم والافتراء على الحزب وشبابه لمواجهته والحد من انتشاره، لأنهم يعجزون عن مواجهته بالفكر والحجة واللسان، فحزب التحرير يملك مشروعا حضاريا عظيما، مشروع الإسلام الصافي النقي، الذي لا يقوى فكر آخر على الوقوف في وجهه، فالإسلام ومشروعه هو ذلك الحق من عند الله الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من أمامه، فأنى للمبادئ والأفكار التي وضعها الإنسان أن تصمد أمام حجة الإسلام وعظمته! قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾.

 

ونهج روسيا وكل الطغاة اليوم ليس نهجا جديدا ولا مبتكرا، بل هو قديم قدم الحق والباطل، وقدم الصراع بين النور والظلام؛ فهذا سيدنا لوط عليه السلام، لم يجد قومه ما يعيبون به عليه سوى الفضيلة التي امتاز بها عليهم، بدلا من أن يكرموه ويتبعوه، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾، فكانت تهمته ومن معه أنهم يتطهرون!!

 

وهذا فرعون توعد الناس بالعذاب الشديد وتقطيع الأيدي والأرجل لأنهم آمنوا بالحق الذي جاء به سيدنا موسى، فلم يكن لهم ذنب سوى قناعاتهم وإيمانهم بما ثبت لديهم صحته، ولم يجد فرعون سبيلا لردهم عن دينهم بعد أن أفلس سحرته سوى العذاب والاضطهاد، قال تعالى: ﴿قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾. حتى قال لهم رجل من آل فرعون بالمنطق السليم: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ.

 

وهذا سيدنا محمد ﷺ، كان الصادق المصدوق، والأمين الذي يشهد له كل أهل قومه، وصاحب الخلق العظيم، إلا أن طغاة قريش لم يجدوا بداً من التصدي له بالقوة والوقوف في وجه دعوته بالبلطجة والطغيان، فحاصروه وآذوه وعذبوا أصحابه وأخرجوهم من ديارهم، رغم أنه لم يكن لهم ذنب سوى أنهم آمنوا بربهم وبدينه الحق، فصدق عليهم قول الله سبحانه: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.

 

وهذه روسيا اليوم ومثلها باقي الدول الدكتاتورية والبوليسية، لا تجد شيئا تحاجج به الحزب وشبابه، فتلجأ للقوة والافتراء، فاتهام روسيا للحزب بالإرهاب هو إفلاس فكري وقيمي، وهو كذب صراح، الأصل أن تخجل منه، ولو كان حكام روسيا يعقلون لخلَّوا بين الحزب وعقول الناس، ولاتّبعوا الإسلام، دين الحق والرحمة والعدل، ولتركوا الرأسمالية العفنة التي أفسدت الحياة وأهلكت الحرث والنسل، واكتوى بنارها العالم كله.

 

أما الحزب وشبابه، فإنهم قد عاهدوا الله منذ اليوم الأول على أن يكونوا حراسا أمينين للإسلام، حملة رسالة نور ودعوة ربانية، ثابتين على الحق حتى يظهرهم الله، وهو كائن قريبا إن شاء الله. قال تعالى:

 

﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا قدَّمنا ولاءنا لحُكَّام اليوم؟

(مترجم)

 

لقد مرَّ أكثر من عام على أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والعالم منذ ذلك الحين يُراقب في صدمة وصمت المجازر الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال، ومؤخراً، عندما أعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار، استبشر أهل غزة والعالم كله بهذا الخبر. لقد حصل أهل غزة أخيراً على فترة راحة مؤقتة من الفظائع التي يرتكبها يهود ضدهم، غير أن هذا الاتفاق لا يعني أن العنف والفظائع قد توقفت تماماً، فلا تزال التقارير تتوالى عن الجرائم المستمرة في الضفة الغربية، في ظل تصريحات دونالد ترامب وأفعال بنيامين نتنياهو، والتي تؤكد أن هذه الفظائع لن تتوقف.

 

طوال فترة هذه الإبادة الجماعية، أظهَر حكام المسلمين لامبالاة صادمة، فقد نادتهم الأمة وطالبتهم بإرسال الجيوش لتحرير فلسطين، أرضاً وشعباً، لكنهم لم يحركوا ساكناً، وبدلاً من ذلك، اكتفوا بإطلاق تصريحات هزيلة ومبهمة، ينددون فيها بجرائم الاحتلال، بينما استمروا في علاقاتهم التجارية والدبلوماسية معه، وبعد كل هذا، قبلوا بحلٍّ "قانوني" مع كيان لا يُلقي بالاً لأية قوانين أو أعراف دولية.

 

لقد تساءلنا مراراً: كيف يمكن لهؤلاء الحكام الصمت على تلك المجازر، في حين يعتصر الألم قلوبنا على ما يتعرض له أهلنا في فلسطين؟ لكن التطورات السياسية كشفت الحقيقة الصادمة المروعة، وهي أن هؤلاء الحكام لا يحرِّكهم سوى المصلحة، فجميعهم يستفيدون، بطريقة أو بأخرى، من استمرار هذه الفظائع، سواء بدعمهم المباشر لكيان يهود أو بتحالفهم مع أمريكا، أما السبب الآخر لهذا التخاذل، فهو أن هؤلاء الحكام مستعدون لارتكاب مثل هذه الجرائم إن كان ذلك يخدم مصالحهم.

 

في سوريا، على سبيل المثال، كشفت التقارير عن الفظائع التي ارتكبها النظام المجرم بحق شعبه، فقد كان الناس هناك يقولون: "الجدران لها آذان"، في إشارة إلى شبكة المراقبة الاستخباراتية الواسعة التابعة للنظام المعروفة باسم المخابرات، والتي جعلت أي انتقاد للنظام خطراً يهدد صاحبه بالاختفاء في أحد مراكز الاحتجاز العديدة أو أحد السجون السرية، إحدى هذه السجون هو سجن صيدنايا "الأحمر" الذي أُطلق عليه لقب "المسلخ البشري"، حيث كان موقعاً لممارسة التعذيب المنهجي والقتل، وقد كان يُستخدم لسحق المعارضة السياسية، خاصة بعد اندلاع الثورة في سوريا سنة 2011.

 

"من بين أساليب التعذيب المستخدمة ما يسمى بـ"الدولاب"، حيث يُجبر السجناء على الانحناء داخل إطار سيارة ضخمة ثم يتم جلدهم، فيما يعرف باسم "الفلَقة"، حيث يتم ضرب باطن أقدامهم بالكوابل، كما يتم تعليق السجناء من معصميهم أو أذرعهم لفترات طويلة، ما يؤدي إلى خلع مفاصلهم وإصابات دائمة، وأفاد المحتجزون بأنه تم استخدام التجويع المتعمد، أو إعطاؤهم كميات ضئيلة من الطعام غير الصالح للاستهلاك، وحرمانهم من ضوء الشمس الطبيعي، ما تسبب في سوء التغذية الحاد، والأمراض الجلدية، ومشكلات صحية خطيرة أخرى، لقد كانت الرعاية الطبية متوقفة بالكامل تقريباً، حتى في الحالات الشديدة، ما أدى إلى وفاة العديد نتيجة الإهمال الطبي، كما تم استخدام العنف الجنسي كوسيلة لإذلال المعتقلين والسيطرة عليهم". (الجزيرة)

 

"وتوجد أيضاً تقارير تفصّل كيفية مساعدة مصر لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، حيث كانت مصر بمثابة وجهة لـ"التعذيب بالوكالة" الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية". (تايم)

 

أما في الأردن، فقد فرضت السلطات تدابير صارمة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، بحجة مكافحة الإرهاب، فقد وسّعت تعريف الإرهاب في القانون الأردني، وزادت عدد الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد، وقد قدّمت الحكومة مؤخراً مشروع قانون لمكافحة الإرهاب، معروض حالياً للنقاش أمام البرلمان الأردني، حيث سيؤدي إقراره إلى مزيد من التضييق على الحريات العامة وحقوق الإنسان.

 

كما تلقت منظمة العفو الدولية تقارير عديدة عن أفراد اعتُقلوا بسبب معتقداتهم الإسلامية، وتعرضوا للتعذيب والاحتجاز لفترات طويلة دون محاكمة، في الواقع، لا يقتصر استخدام التعذيب في الأردن على القضايا السياسية، بل يمتد ليشمل المشتبه بهم في الجرائم الجنائية العادية.

 

وقد صرّح مسؤول سابق رفيع المستوى في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بأن "الأردن يتصدر قائمة شركائنا الأجانب... فهم على استعداد لتقديم المساعدة بأية طريقة ممكنة". كما قال مسؤول آخر: "إذا أرسلت سجيناً إلى الأردن، فستحصل على استجواب أفضل". (منظمة العفو الدولية)

 

وفي تركيا، وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش انتهاكات وجرائم حرب من اختطاف واعتقالات تعسفية واحتجاز غير قانوني وعنف جنسي وتعذيب على يد الفصائل المدعومة من تركيا في شمال سوريا بل ومن عناصر الأمن التركية أنفسهم، كما كشفت المنظمة عن تورط القوات المسلحة التركية وأجهزة الاستخبارات في تنفيذ هذه الانتهاكات والإشراف عليها، وقد تضمنت هذه الانتهاكات مصادرة الممتلكات، والابتزاز، والسرقة، إضافة إلى الفشل في الحد من هذه الانتهاكات أو تقديم أي تعويض للضحايا.

 

قال آدم كوجل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش: "ستستمر الانتهاكات لمن يعيشون تحت السلطة التركية في شمال سوريا، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري، ما لم تتحمل تركيا المسؤولية وتتخذ إجراءات لوقفها". وأضاف: "المسؤولون الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على هذه الانتهاكات، بل إنهم يتحملون المسؤولية بصفتهم القوة المحتلة، وقد تورطوا بشكل مباشر في ما يبدو أنها جرائم حرب". (هيومن رايتس ووتش)

 

أما في فلسطين، فلطالما مارست السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال، مستخدمة أساليب قمع مشابهة لتلك التي يمارسها الاحتلال، وقد ظهر ذلك جلياً في حملتها القمعية في جنين، حيث فرضت حصاراً خانقاً، وقطعت المياه والكهرباء، ومنعت دخول المواد الأساسية، كما نشرت قوات الأمن التابعة لها قناصة على أسطح المباني، وأقامت الحواجز لتقييد حركة المقاومين، إضافة إلى الاعتقالات والتعذيب الموثق بحق العديد من المعتقلين.

 

وفي السعودية، يعلم العالم كله بما ارتكبته في اليمن، فضلاً عن الجريمة البشعة التي استهدفت الصحفي جمال خاشقجي، والتي لا تزال حاضرة في الأذهان.

 

أما في باكستان، فقضت الدكتورة عافية صديقي أكثر من 20 عاماً في السجن بسبب جريمة لم ترتكبها، بعدما تخلت عنها باكستان بل وتواطأت في تسليمها إلى أمريكا، حيث تعرضت للتعذيب والسجن الظالم حتى يومنا هذا.

 

كل هذه الأمثلة تمثل نقطة في بحر الفظائع التي يرتكبها حكام اليوم. وهنا نقولها بوضوح وصراحة، ألا يدفعنا هذا الواقع للتساؤل عن سبب قبولنا بحكم هؤلاء الظلمة؟ لماذا نسمح لهم بفرض سلطتهم علينا وهم يرتكبون الفظائع ضد أبناء أمتنا رجالا ونساء وأطفالا؟ هل هو الخوف؟

 

إذا كان الأمر كذلك، فيجب أن نتذكر أن كل ما يصيبنا هو بأمر الله وهو ابتلاء منه سبحانه وتعالى، ويجب أن نوقن تماما بأن البلاء هو اختبار منه سبحانه ليجزي الصابرين بصبرهم درجات في أعلى عليين، قال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، وقال أيضاً: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾.

 

كيف لنا إذاً أن نخافهم؟ أليس من المفترض أن نشعر بالغضب وبالاشمئزاز من هؤلاء عند رؤية هذه الجرائم تماما كما نشعر بالغضب عند رؤية جرائم الاحتلال في فلسطين؟

 

إذا كنا نشعر بالغضب، فلماذا لا يدفعنا ذلك إلى إزالة هؤلاء الحكام الذين يمنعوننا من حماية إخواننا وأخواتنا المسلمين؟ لماذا نسمح لهم بالمطالبة بولائنا؟ لماذا نقبل بهم حكاماً علينا؟

 

هذه كلها أسئلة يجب أن نتأملها، ومع تفكيرنا بها، علينا أن نسأل أنفسنا: متى سينفد الصبر ويفيض الكيل؟

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فاطمة مصعب

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الملك الأردني المستبد يشارك بفرح في بيع الأرض المباركة

 

غادر طاغية الأردن قصره مؤخرا بناء على تعليمات ترامب، وتوجه بلهفة إلى البيت الأبيض للعب دوره في بيع فلسطين. وكان الملك قد قال في الخامس من شباط/فبراير 2025، إن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن "خط أحمر"، وترددت شائعات مفادها أن تجاوز الخط الأحمر قد يؤدي إلى إعلان الأردن الحرب على كيان يهود، تماما مثل ادعاء السيسي العام الماضي بأن "رفح" هي الخط الأحمر لمصر.

 

في زيارته للبيت الأبيض، جلس ملك الأردن صامتاً ومطيعاً إلى جانب ترامب الذي كان يكرر خطته لتهجير أهل غزة: "لن نضطر إلى الشراء. سنحصل على غزة. ليس علينا الشراء. لا يوجد شيء نشتريه.

 

سنحصل على غزة". وقال للصحفيين أيضا "إنها منطقة مزقتها الحرب. سنأخذها، وسنحتفظ بها، وسنعتز بها... ستكون من أجل الناس في الشرق الأوسط. لكنني أعتقد أنها يمكن أن تكون جوهرة".

 

إننا "نشيد" بـملك الأردن لنجاحه المعتدل في تحقيق مظهر "مهيب". فقد اقترح أن تجتمع مصر والحكام العرب في مؤتمر آخر، ووعد باقتراح يضع في الاعتبار "المصالح الفضلى للولايات المتحدة" و"الشعوب في المنطقة، وخاصة شعبي في الأردن". "المصالح الفضلى للولايات المتحدة"، هكذا قال، دون أي تلميح إلى السخرية، وكأن مصالح أي شعب يمكن أن تتعايش مع الإمبريالية الأمريكية.

 

وقد تم تصوير الملك قبل لحظة واحدة فقط، وهو يضحك من الأذن إلى الأذن وهو يقف بجانب ترامب. كانت النظرة المبتهجة لرجل حريص على الوفاء بدوره في تعزيز بيع الأرض المباركة.

 

بينما أصدر ترامب تهديدات بسحب المساعدات من الأردن، لا شك أن علاقته بأمريكا منحازة إلى جانب واحد؛ إلا أن هذه العلاقة تعود بالنفع على أمريكا وكيان يهود بشكل غير متناسب على حساب الأمة الإسلامية. فالأردن يستضيف القواعد الأمريكية، ويضمن أمن يهود، ويساعد في نشر أسطورة دولة يهود التي لا تقهر من خلال إسقاط أي ألعاب ترسلها إيران في طريقها.

 

إن قوات يهود، الأكثر إذلالاً بين كل الجيوش، لم تتمكن من هزيمة المقاومين الشجعان في فلسطين، الذين يقاتلون بأسلحة بسيطة وأعداد قليلة. وسيختفي كيان يهود من الوجود إذا تقدم أي جيش مسلم، مثل جيش سوريا أو تركيا أو الأردن أو باكستان أو مصر. قال الله ﷻ: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾.

 

تؤكد الاعترافات الأخيرة لرئيس أركان جيش يهود الجديد إيال زامير ضعف موقف جيشه "تشير الأرقام الرسمية للجيش إلى مقتل 844 ضابطاً وجندياً في غزة منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وإصابة حوالي 5696. وقُتل حوالي 1200 يهودي في هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بما في ذلك حوالي 400 عسكري، وفقاً لبيانات رسمية. وقال زامير إن هناك ما لا يقل عن 5942 "عائلة ثكلى" مسجلة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومن المرجح أن يكون لدى بعضها أكثر من فرد واحد من العائلة قُتل في الحرب على غزة. وأضاف أن هناك أكثر من 15000 جندي عانوا من إصابات جسدية وعقلية وتم استيعابهم في نظام إعادة التأهيل". (المصدر)

 

في حين أشاد ترامب وطغاته العرب المطيعون باتفاق وقف إطلاق النار في غزة باعتباره لحظة ارتياح لشعب غزة، فمن الواضح بشكل متزايد أن وقف إطلاق النار أعطى كيان يهود ببساطة الفرصة لإعادة تجميع جهوده وتركيزها على غزو الضفة الغربية، بمساعدة السلطة الفلسطينية.

 

إن الطغاة العرب، بناء على أوامر سيدهم الأمريكي، لا يتوسطون إلا في عقد الصفقات التي تساعد الاحتلال. وبدلاً من إرسال جيوشهم لتحرير الأرض المباركة، فإنهم يزودون كيان يهود بالخضروات والوقود والغطاء الدبلوماسي والعطلات في دبي والتعاون العسكري والوعد بمزيد من التطبيع.

 

وهكذا، وبينما يواصل ترامب تنفيذ خطته لإفراغ فلسطين من أهلها، فإن الطغاة العرب لا يفعلون شيئا سوى خداع شعوبهم، خوفا من الانتفاضات مثل تلك التي دفعت بشار الأسد والشيخة حسينة إلى الفرار في هزيمة وإذلال.

 

يبدو أن طاغية الأردن حريص جدا على إرضاء ترامب لدرجة أنه تخلى عن أي مسرحية أسرع بكثير من السيسي في مصر. فقد أجل السيسي، الذي أشار إليه ترامب باستخفاف بـ"الجنرال"، زيارته إلى واشنطن. وتعهد بمواصلة مسرحيته لأنه يخشى فقدان عرشه. ولكن كما رأينا في رفح، فإن الخطوط الحمراء للسيسي لا وجود لها إلا في خطاباته.

 

يواصل ملك الأردن فضح نفسه كعميل للغرب ورجل لا يستحق الحكم في الشام، بلاد الشام أرض باركها الله، أرض المسلمين، أرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعقر دار المسلمين.

 

إن شجاعة وصمود وإيمان المسلمين في سوريا وفلسطين هي مصدر فخر وإلهام للأمة الإسلامية.

 

إن الرجل الجبان الذي يجلس في قصر الأردن ويسمي نفسه ملكاً لا يستحق أن يحكم المسلمين الشرفاء في الأردن، فوجوده لا يضمن إلا استمرار بيع الأرض المباركة.

 

إننا نشجع المسلمين في الأردن على السعي لإزالة هذا الطاغية ورفع راية الإسلام إلى الأمام.

 

إن "عملية طوفان الأردن" التي قادها الشهيد عامر قواس والشهيد حسام أبو غزالة هي مصدر فخر واعتزاز لرجال الأردن، وخاصة الجنود المخلصين في الجيش. كما أوضحت العملية أن الطريق إلى اقتلاع كيان يهود لا يتضمن طاعة الملك الذي يحمي الاحتلال بكل إخلاص.

 

إن "ملككم" ليس إلا عقبة واهية؛ فأثبتوا صحة مخاوفه وأزيلوه. فالأقصى ليس ملكه ليقوم ببيعه.

 

يا جنود الأردن متى ستجيبون نداء عامر وحسام؟ إن الأرض المباركة فلسطين تناديكم وتطالبكم بالقيام بواجبكم في تحريرها وطرد أمريكا ويهود من المنطقة وتوحيد بلاد المسلمين تحت راية الخلافة على منهاج النبوة.

 

﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

يونس مصعب – ولاية باكستان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

آلله بالبيت الحرام وإله من دونه بالشام؟!

أطواف بالبيت الحرام وجمهورية بأرض الشام؟!

 

 

في مقابلة حصرية مع تلفزيون سوريا، تحدث رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع عن ملامح المرحلة السياسية المقبلة في بلاد الشام، وأجاب عند سؤاله عن تصوره لشكل نظام الحكم السياسي، قائلا: "سوريا هي جمهورية، نظامها جمهوري فيها برلمان، وأيضا فيها حكومة تنفيذية، وهناك قانون وسلطات تتعاون مع بعضها، وسلطات تشترك مع بعضها، ستكون سوريا طبيعية كما يعرفها الناس". وعلى مستوى النظام الاقتصادي بين الشرع أن "السوق الحر وتسهيل الاستثمار في سوريا يوفر فرص عمل كثيرة ولهذا يجب توفير المقومات اللازمة لذلك من بيئة استثمارية صالحة وقوانين".

 

هي العلمانية وجمهوريتها وسوقها الحرة يا من فرضت نفسك رئيسا على أهل الشام وحولت الإدارة إلى حكومة ووزارة، فكفى خداعا، فما اللهَ تخدع ولا عباده المؤمنين ولكن يقينا هي نفسك التي خدعتك وخدعتها بالاستهانة بأمر مالك ناصيتك أن اتخذت شرعه وشريعته وراءك ظهريا، إن ربك عليم محيط بصنيعك وما تخفيه سريرتك، فإن تعجل فربك سريع العقاب وإن تتب وترشد فهو أنجى وأسلم، فلا تكن جبارا عنيدا.

 

هي العلمانية وجمهوريتها وسوقها الحرة يا من فرضت نفسك رئيسا، هي كفر وشرك زماننا بها يُكفر الله ويُشرك به، بها يطاف بالبيت ويحكم بغير شرع رب البيت! بها يتلى كتابه ويجادل وينازع الحكم بكتابه! إن لم يكن هذا هو الشرك فما الشرك يا من فرضت نفسك رئيسا على أهل الشام المؤمنين؟!

 

عجبا تحار فيه العقول، للبيت الحرام إله وله إحرامه وطوافه ومناسكه، وللشام جمهورية وطاغوت العلمانية يعبد ويطاع من دون الله! عجبا لهذه العقول كيف سحقها هواها وطيش حلومها، ولهذه القلوب كيف ران عليها لعاعة السلطان وزيف الملك، ولهذه الأنفس كيف حمقت وسيطرت عليها نزواتها وشرورها فحاددت الله في حكمه وهو سبحانه أحكم الحاكمين! أم حسبت أن تترك سدى أو لا يصيبها قارعة ما صنعت وكسبت، إن هي إلا وعد ووعيد الجليل الجبار ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾.

 

لمن سولت له نفسه حكم عباد الله المؤمنين بأرض الشام أرض الإسلام بغير شرع الله، لمن تنكب خلافة الإسلام واتخذ من جمهورية العلمانية سبيلا، لعمرك لو حفرت ألف سنة في ثقافة الإسلام لما وجدت لجمهوريتك التي زعمتها لأهل الشام دولة ونظاما، أصلا ولا فرعا ولا جذرا ولا اشتقاقا، ولكن يقينا لو أقعرت في شرك أثينا وروما لوجدت الأصل والفصل، فهي نبت بذرة العلمانية الخبيثة.

 

فقد وُجِدت الجمهورية في المدن اليونانية قديماً تعبيراً عن الإرادة الشعبية العامة في وقت كانت تسود فيه الملكية، ثم انتقلت إلى روما حيث راجت فيها أفكار مؤيدة للجمهورية في مواجهة طغيان ملوك وأباطرة روما، كأفكار تيتوس وليفوس وبلوتارك التي أكدت أهمية الجمهورية وحق الناس في إدارة شؤونهم من خلال الاشتراك في الحكم وسيادة الشعب.

 

وفي عصر التحول العلماني الأوروبي تبنى العلمانيون الأوروبيون مفهوم الجمهورية في مقابل الدولة الدينية الكنسية، فهروبا من الدين حفر العقل العلماني الأوروبي في أعماق تاريخ الشرك حتى أقْعَرَ وقَرَّ في قعر أثينا الإغريق وما ابتدعته من أنظمة لقيادة وحكم عبيدها، ومن ادعائها في أن أفراد شعب أثينا هم من يتخذون القرارات خلال اجتماعاتهم الشعبية، فانتحلها الغرب لقيادة وحكم عبيده، بعدما عين الإنسان حاكما والعقل مصدرا لأحكامه واستحدث جمهوريته. وتم التأسيس للجمهورية الحديثة بناء على أفكار مكيافيلي وغيشاردان اللذين أسسا لمفهوم المواطنة وأهمية الجمهورية لترسيخ العلمانية.

 

وفي منتصف القرن السابع عشر ظهرت الجمهورية للوجود في بريطانيا مع كرومويل عام 1649، وبرزت معها الأفكار السياسية المنادية بالجمهورية آنذاك على يد هارينغتون إبان الحرب الأهلية عام 1656، إذ طالب بإقامة مؤسسات سياسية تضمن للشعب حريته وتُكيف قوانين العصور القديمة مع المرحلة المعاصرة، بمعنى تأسيس الجمهورية لتجاوز الكنيسة وأتوقراطيتها ودولتها الدينية.

 

وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر انتشرت الأفكار السياسية المنادية بالسيادة الشعبية و(العقد الاجتماعي) لدى الكثير من فلاسفة ومفكري الغرب، أمثال جون لوك وجون ستيوارت ميل ومونتسيكيو وروسو، وتم إعطاء تفسيرات جديدة للعلاقة بين الدولة والشعب، وإعطاء مضمون جديد للسلطة من منطلق علماني صرف، وأن الدولة والسلطة يجب أن تقوما على أساس التعاقد الذي يتم بين الأفراد والحكام، وأن السلطة تستمد شرعيتها من الشعب وبالتالي فهي تحكم باسمه ولمصالحه، وأن الجمهورية هي الإطار الأمثل لترجمة الرؤى العلمانية، وكانت هذه الأفكار قواعد راسخة للنظام الجمهوري، ووسيلة مهمة في مواجهة الكنيسة ودولتها الدينية التي زعمت أنها استمدت شرعيتها من الإله مباشرة وتحكم باسمه وبتفويض منه.

 

هذه هي الجذور العلمانية للجمهورية ونظامها الجمهوري يا صاحب الإدارة بدمشق، فما عساها تكون إن لم تكن كفرا وشركا علمانيا خالصا، فالجمهورية وسوقها الحرة هي كفر العلمانية على مستوى الحكم والاقتصاد، فاعلم أن العلمانية هزلها كفر وجدّها نفاق وجمهوريتها ونظامها الجمهوري وسوقها الحرة فرع عن كفرها وشق منه، ليست العلمانية وجمهوريتها كما أوهموك تلك النظرة المحايدة للدين أو أنها على مسافة واحدة من كل الأديان كما يعتقد السطحيون ويسوقه الساسة الأفاكون ويشاغب به أشباه المثقفين، بل هي فلسفة حياة وهي الدين الوضعي الذي يقصي ويستأصل دين رب العالمين إسلامك من الحياة، فعقيدة فصل الدين عن الحياة العلمانية هي فصل لدينك عن حياتك، لا تتعب نفسك فالمساحة المتروكة للدين هي الموت وبأسلوب فلسفي هي الاستئصال، فالنظام الجمهوري والحكم بالإسلام نقيضان استحال أن يجتمعا في صعيد واحد، ففي حياة الواحد موت وفناء الآخر.

 

ليس في المسلم علماني وليس في العلماني مسلم فكفى طيشا وزيغا، في أي ملة أو دين آلله بالبيت الحرام له الإحرام والطواف والمناسك، وإله من دون الله بأرض الشام له الجمهورية ونظامها الجمهوري وسوقها الحرة وأنظمتها وأحكامها وطاغوتها العلماني وأنت الحاكم بها، كيف يكون بهكذا حال إسلام وإيمان؟!

 

لعمرك ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فكيف ثم كيف يكون إيمان وعبادة بالحرم وكفر ومعصية بالشام؟! ﴿أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحزبية من منظور شرعي

 

 

سألني سائل: أريد توضيحا مختصرا عن الحزبية، ما هي آراء الجماعات، وما موقف الشرع منها؟

 

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا وقائدنا محمد وعلى آل محمد، وبعد،

 

1- تعريف الحزبية في الإسلام:

 

الحزب في اللغة: يشير إلى الجماعة أو الفريق الذي يجمع أفراداً على رؤية أو هدف مشترك.

 

وفي الشرع: الحزبية قد تكون مدحاً أو ذماً بناءً على الغاية والمنهج. فـ"حزب الله" هو مدح لأولئك الذين يتبعون الله ورسوله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، بينما "حزب الشيطان" هو ذم لأولئك الذين يتبعون الباطل ويحاربون دين الله.

 

الدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾.

الفرق بين الحزبية الإيجابية والسلبية:

 

- الإيجابية: هي العمل الجماعي لتحقيق أهداف شرعية مثل الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الدولة الإسلامية.

 

- السلبية: هي الانقسامات التي تؤدي إلى التفرقة بين المسلمين، أو العمل على تحقيق أهداف غير شرعية مثل الطائفية أو القومية.

 

2- الأدلة الشرعية على وجوب العمل الجماعي (الحزبي)

 

- الآيات القرآنية:

 

قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، هذه الآية تدل على وجوب وجود جماعة من المسلمين تدعو إلى الخير (الإسلام) وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

 

قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، تدعو إلى الوحدة وعدم التفرق.

 

- الأحاديث النبوية:

 

قول النبي ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رواه البخاري ومسلم)، يدل على أهمية التعاون والتكاتف بين المسلمين.

 

قوله ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» رواه الترمذي، يؤكد على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كواجب جماعي.

 

3- دور الأحزاب في الإسلام:

 

- إقامة الدولة الإسلامية: لا يمكن تطبيق الإسلام بشكل كامل دون وجود دولة إسلامية تقوم على تطبيق الشريعة. وبالتالي، فإن العمل الجماعي (الحزبي) لإعادة الخلافة هو واجب شرعي.

 

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الأحزاب الإسلامية تعمل على محاسبة الحكام وإصلاح المجتمعات، وهو دور أساسي في الإسلام.

- التغيير الفكري والسياسي: الأحزاب الإسلامية تسعى إلى تغيير الأفكار والمفاهيم الخاطئة التي تسيطر على المجتمعات المسلمة، مثل العلمانية والديمقراطية.

 

4- المواقف المختلفة تجاه الحزبية

 

أ- موقف حزب التحرير:

 

- يعتبر حزب التحرير أن العمل الحزبي ضرورة شرعية لتحقيق أهداف الإسلام، مثل إعادة الخلافة.

- يتميز بالالتزام بطريقة الرسول ﷺ في الدعوة، ويتبنى مشروعاً سياسياً شاملاً مستمداً من الشريعة.

- ينبذ الطائفية والقومية، ويدعو إلى وحدة الأمة تحت راية الإسلام.

 

ب- موقف الأحزاب الأخرى:

 

1- الأحزاب العلمانية:

 

- تحارب فكرة الخلافة وتعمل على ترسيخ العلمانية.

- تعتبر العمل الحزبي الإسلامي خطراً على مصالحها.

 

2- الأحزاب الإسلامية المعتدلة:

 

- تحاول تقديم الإسلام بشكل يتوافق مع الثقافة الغربية.

- تشوه مفهوم الخلافة وتقدم حلولاً تدريجية مثل الديمقراطية.

 

3- الأحزاب الطائفية:

 

- تعمل على تمزيق الأمة وزعزعة استقرارها.

- تستخدم الدين كغطاء لتحقيق أهداف سياسية ضيقة.

 

5- الخلاصة:

 

- العمل الحزبي في الإسلام هو واجب شرعي إذا كان يهدف إلى تحقيق أهداف شرعية مثل الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الدولة الإسلامية.

 

- الحزبية السلبية التي تؤدي إلى التفرقة أو الانحياز إلى مصالح غير شرعية هي مرفوضة شرعاً.

 

- حزب التحرير يمثل نموذجاً للحزب الإسلامي الذي يعمل وفقاً للشرع، بينما الأحزاب الأخرى إما أنها تعمل ضد الإسلام أو تحرف مفاهيمه.

 

ختاما فإن الحزبية في الإسلام ليست مرفوضة بحد ذاتها، بل يعتمد الحكم عليها على الغاية والمنهج. فإذا كانت الحزبية تهدف إلى تحقيق أهداف شرعية مثل إقامة الخلافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي واجبة شرعاً. أما إذا كانت تؤدي إلى التفرقة أو الانحياز إلى أفكار غير شرعية، فهي مرفوضة.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أبو بكر الجبلي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

دول الغرب تثير مسألة العرقيات الصغيرة في بلاد المسلمين

للهيمنة عليها

 

 

 

تقاطرت وفود الدول الغربية على الإدارة السورية الجديدة، بعد سقوط الأسد، تقوم بالإملاءات، وفرض وجهة نظر الغرب السياسية، المتمثلة في علمانية الدولة، وحقوق المرأة، وحقوق العرقيات الصغيرة، وعدم الاعتداء على كيان يهود وحفظ أمنه.

 

ففي 10/12/2024 اشترط وزير خارجية أمريكا السابق أنتوني بلينكن، الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة التزامها بأربعة مبادئ رئيسية، وقال في بيان: "يجب أن تؤدي عملية الانتقال هذه إلى حكم موثوق، وشامل، وغير طائفي، يفي بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة، بما يتفق مع مبادئ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 إضافة إلى احترام حقوق الأقليات بشكل كامل، ومنع استخدام سوريا قاعدة للإرهاب، وتهديد جيرانها، وضمان تأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية، أو البيولوجية وتدمير ها بأمان".

 

وفي 3/1/2025 كانت زيارة مشتركة لوزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، ونظيرها الفرنسي جان نويل بارو لدمشق، وبعد اللقاء قالت بيربوك، إنها "أبلغت قائد الإدارة الجديدة في سوريا أن أوروبا لن تقدم أموالا للهياكل الإسلامية الجديدة"، وأضافت أنه "يجب إشراك كل الطوائف في عملية إعادة الإعمار"، مؤكدة الحاجة إلى ضمانات أمنية موثوقة للأكراد، وأن رفع العقوبات يعتمد على المضي قدما في العملية السياسية، وطالبت "بتجنب أي محاولة لأسلمة نظام القضاء أو التعليم".

 

فهل إثارة تلك الوفود هذه المواضيع وغيرها لأنها حريصة عليهم وعلى مصالحهم، وعلى استقرارهم، أم هي حجة فارغة يراد بها التدخل السافر في بلاد المسلمين، واستخدامه لزعزعة استقرار الأكثرية والأقلية معا؟

 

قال كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا الأسبق، في مذكراته: "كان أصدقاؤنا الإنجليز أسبق منا في التنبه إلى موضوع الأقليات المذهبية، والعرقية، في بلاد المشرق العربي، وقد اتفقت وجهتا نظرنا كليا حول هذا الموضوع".

 

وقال ناحوم جولدمان، رئيس الرابطة اليهودية العالمية، في خطابه بباريس في مؤتمر يهود المثقفين عام 1968م: "إذا أردنا لـ(إسرائيل) البقاء والاستقرار في الشرق الأوسط، فعلينا أن نفسخ الشعوب المحيطة بها إلى أقليات متنافرة، تلعب (إسرائيل) من خلالها دورا طليعيا، وذلك بتشجيع قيام دويلة علوية في سوريا، ودويلة مارونية في لبنان، ودولة كردية في شمال العراق".

 

فإذا عدنا إلى التاريخ قليلا، أي قبل هدم الخلافة العثمانية، سنجد أن الدول الغربية استخدمت ورقة صنع العرقيات الصغيرة، وادعاء الدفاع عن حقوقها، ونصرتها، لتحقيق مصالحهم الاستعمارية.

 

جاء في كتاب "صحوة الرجل المريض"، ملخص اللعب بورقة العرقيات الصغيرة حيث ورد فيه: "وعمدت السياسة الأوروبية إلى ترسيخ قدمها في المنطقة عن طريق غرس بذور الخلاف بين الطوائف، مستعينة بالإرساليات الدينية والتعليمية".

 

وبعد هدم الخلافة، وتقسيمها إلى دويلات هزيلة، على أسس قومية أو طائفية، استمرت الدول الاستعمارية الغربية في اللعب على هذه المسألة، فأثارت موضوع أهل الجنوب في السودان، للعمل على فصل جنوب السودان، فأقامت دويلة ذات صبغة نصرانية فيه، وأثارت النعرات العرقية، والهوية، ودعمت الانفصاليين في دارفور، وجنوب كردفان وغيرهما، وهي التي أوجدت مشكلة الأكراد في شمال العراق وتركيا وإيران وسوريا!

 

إذاً يستخدم الغرب هذه الورقة للتدخل والهيمنة والتقسيم والتفتيت ولا تهمه إلا مصالحه الاستعمارية التي يحققها عبر شلالات من الدماء، وأشلاء الشعوب، وسحق عظامهم، وعلى جثثهم.

 

ففي تقرير للجنة (بيكة) التي شكلها الكونجرس عام 1975م، قرر أنه: "لقد كانت سياستنا غير أخلاقية تجاه الأكراد، فلا نحن ساعدناهم ولا نحن تركناهم يحلون مشاكلهم، بالمفاوضات مع الحكومة العراقية، ولقد حرضناهم ثم تخلينا عنهم"!

 

ويصف وليم سافير، هذه الحالة في مقال عام 2004م بقوله: "تخلينا عن الأكراد للشاه في عقد السبعينات، بعد أن وضع الملا مصطفى البرزاني ثقته في الولايات المتحدة خذلنا الأكراد مرة أخرى، عقب حرب الخليج الثانية عام 1991م، عندما انتفضت قواتهم إثر تحريضنا لها، لكنها تعرضت لضربات كبيرة بواسطة المروحيات القاذفة للقنابل، التي استخدمها جيش النظام العراقي السابق، لإخماد التمرد الكردي ضده، رغم كل ذلك قاتل الأكراد نظام صدام حسين إلى جانبنا على مدى ما يزيد على عشر سنوات".

 

نعم هذا هو واقع السياسة الغربية في بلاد المسلمين، يستخدم حجة العرقيات الصغيرة، التي هي نتيجة فرض الغرب أنظمته في بلاد المسلمين، وكذلك فرضه الحكام، وتسليطهم على شعوبهم، يسومونهم الذل الهوان، ويأتي عندما تقتضي مصلحته في صورة المخلّص للمضطهدين والمظلومين!

 

قامت لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان قبل ثلاث سنوات، بالاتصال بأحد قيادات منظمة (الوحدة بين الشمال والجنوب)، السيد أتيم أقوى، وهو رئيس المنظمة، فاندهش عندما أطلعته اللجنة على حجم العمل الذي قام به حزب التحرير في منع انفصال الجنوب، وكشف مؤامرات الدول الغربية في ذلك، فقال "نحن نسعى لإعادة توحيد الجنوب مع الشمال"، وقال: "إن الدول الغربية خدعتنا عندما دفعتنا للانفصال بحجة ظلم الشمال، فكانت النتيجة اندلاع حرب بين مكونات دولة الجنوب نفسها، وأصبحنا دولة فاشلة، فنزح معظم سكان دولة الجنوب إلى شمال السودان... الخواجات خدعونا وكذبوا علينا ولم ينجدونا وينتشلونا من حالة عدم الاستقرار".

 

إذاً، فإن حل مسألة العرقيات الصغيرة في بلاد المسلمين، هو في تطبيق نظام الإسلام في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ويتجلى ذلك في جانبين:

 

الأول: الحكم ورعاية الشؤون.

 

الثاني: تطبيق أحكام الإسلام والقوانين الشرعية.

 

أما جانب الحكم ورعاية الشؤون، فإنه لا يجوز للدولة أن تفرق بين رعاياها، بل يجب عليها أن تعاملهم جميعهم معاملة واحدة، دون أي تمييز بسبب عرق، أو لون، أو جنس، أو دين. جاء في المادتين الخامسة والسادسة من مشروع الدستور، المستنبط من كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ، وإجماع الصحابة، والقياس الشرعي، الذي يقدمه حزب التحرير للأمة، ليكون دستورا لدولة الخلافة ما يلي:

 

"المادة الخامسة: جميع الذين يحملون التابعية الإسلامية يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات الشرعية".

 

"المادة السادسة: لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم، أو القضاء، أو رعاية الشؤون، أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر، أو الدين، أو اللون، أو غير ذلك".

 

فالنصوص الشرعية تدل على رعاية حق الأقليات بالعدل الإنصاف. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾. وقال رسول الله ﷺ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

 

إن الخلافة القادمة قريباً بإذن الله ستقيم العدل والإنصاف بين جميع أفراد الرعية، بمختلف تنوعها، وهي القادرة على حل جميع المشاكل بأحكام الإسلام، بل ستختفي مصطلحات (أقلية وأكثرية)، وغيرها من المصطلحات التي أوجدتها الدول الغربية لتوجد الأزمات والمشاكل وعدم الاستقرار في البلاد الإسلامية، وغيرها من بلدان العالم.

 

فهيا يا أمة الإسلام، إلى عز الدنيا والآخرة، بإقامة صرح الإسلام العظيم، والالتفاف حول مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وإعطاء النصرة لحزب التحرير من أهل القوة والمنعة، ليصل الإسلام إلى سدة الحكم.

 

عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ».

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله حسين (أبو محمد الفاتح)

منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إذا جاء الحق فإن الباطل محكوم بالزهوق

 

إن الصراع بين الإيمان والكفر، والحق والباطل، بدأ منذ خلق الله آدم عليه السلام، وسيستمر إلى يوم القيامة. وإن الحرب التي يخوضها الكفار وعملاؤهم ضد دين القَيِّمة اليوم ليست بالأمر الجديد. لقد كان الكافرون يحاربون الله ودينه دائماً؛ فكذبوا الأنبياء حتى وصل بهم الأمر إلى قتلهم. وفي النهاية صار الكافرون أذلاء في الدنيا وفي الآخرة ينتظرهم عذاب أليم. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.

 

لقد حارب الكفار رسالة رسول الله ﷺ بشدة وبطرق مختلفة في الماضي، وكذبوه وتآمروا عليه، ولم يكف تكذيبهم له، بل ألّبوا عليه قومهم فجعلوا يرمونه بالحجارة وحاولوا قتله عدة مرات.

 

واليوم يستمر الصراع أيضا بين الحق والباطل في قرغيزستان، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم. فقد أعلنت لجنة الدولة للأمن الوطني عن اعتقال شباب حزب التحرير في قرغيزستان ووضع أحد مندوبي الحزب على قائمة المطلوبين دوليا بتهمة ارتكاب عمليات الاحتيال على نطاق واسع. إن الحكومة تحاول من خلال مثل هذه الادعاءات الكاذبة تصوير شباب حزب التحرير على أنهم مجرمون فظيعون للغاية في المجتمع.

 

لقد بدأت الاتهامات الكاذبة بحق الحزب، على وجه الخصوص، عقب الحملة ضد قانون "حرية الدين والمنظمات الدينية" في نهاية العام الماضي؛ حيث قام الحزب بحملة لكشف حقيقة هذا القانون وتوضيحه للأئمة والقضاة ولعامة المسلمين. فقامت قوات الأمن بإلقاء القبض على عشرات الشباب الذين شاركوا في هذه الحملة في مختلف المحافظات. ومارست بحق الشباب المعتقلين أسوأ أنواع التعذيب والصدمات الكهربائية الشديدة. وعندما فشلت الاعتقالات والقمع في إعطاء أي نتائج، بدأ هؤلاء الظالمون، الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين، بحملة من الافتراءات والاتهامات الكاذبة ضد الحزب. وعلى وجه الخصوص، فإنهم يحاولون من خلال اعتقال أفراد ليس لهم أي صلة بالحزب، تصويرَ منشوراتهم الاستفزازية على وسائل التواصل الإلكتروني على أنها تنتمي إلى الحزب.

 

وبطبيعة الحال فإنهم لن يصلوا إلى أية نتائج بجهودهم هذه! لأن أهل قرغيزستان أصبحوا يوما بعد يوم أكثر حرصا على العودة إلى إسلامهم وتعلمه بعمق على أسس فكرية، ويتمكنون من التمييز بين الحق والباطل وتوقفوا عن تصديق مثل هذه الحيل القذرة التي تلجأ إليها الحكومة. خصوصا أن الحزب لم يتوقف لحظة واحدة عن نشاطه لإعادة الإسلام إلى الحياة، ولم يخش ظلم ظالم، ولا لومة لائم. فإن قصص الآلاف من إخواننا الذين استشهدوا ومن أصبحوا معاقين بسبب القمع الدموي في سجون كريموف خير دليل على ذلك.

 

يجب على الحكومة أن تفهم هذا الأمر جيداً. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». (رواه مسلم). لذلك، يا أيها المسؤولون التنفيذيون! لا تتبعوا أوامر الرأسماليين، بل اتبعوا دين الله سبحانه، لأن الباطل لا يستطيع أن يصرع الحق أبدا. وهذا هو قدر الله. ولذلك فإن الاعتقالات والاتهامات الكاذبة لن تردع شباب حزب التحرير عن النشاط أبدا، بل على العكس من ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات تشجعهم لتحقيق أهدافهم! لأننا نصدق بكل إخلاص حديث رسول الله ﷺ حيث قال: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». (رواه أبو داود وأحمد).

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ممتاز ما وراء النهري

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

عودة ترامب؛ إفراز لأزمة الرأسمالية المزمنة وفوضى الانهيار!

 

 

وُصِفت الليبرالية الجديدة بأنها "رأسمالية منزوعة القفاز"، وها قد سقط حتى القناع وانتهت الرأسمالية إلى حقيقتها النهائية التي أضحت معها طبقة الرأسماليين حيتان المال أعتى طغيانا وأشد عدوانية، وتمكنت طبقة اللصوص بالمطلق ليس من الاقتصاد وأنظمته وحسب بل ومن السياسة ودولتها والمجتمع وثقافته وحياته، وهكذا انتهت الحياة الغربية إلى الغاية الرأسمالية وحقيقة فلسفة المنظومة الرأسمالية من كونها تصميما رأسماليا لخدمة طبقة الرأسماليين ومصالحهم وتدار أخيرا من طرف الرأسماليين مباشرة من دون قفازات ولا أقنعة.

 

ولقد كان حفل تنصيب الرأسمالي ترامب رئيسا للدولة الرأسمالية الأولى أمريكا والحضور المكثف المُرَكَّز للرأسماليين الترجمة الصارخة لدخول الرأسمالية طورها النهائي في استلام رأسمالييها دفة الحكم لإدارة التوحش الرأسمالي وسياسة الغابة الرأسمالية بشكل مباشر. فالرأسماليون رغم الخراب الرأسمالي الذي أحدثته منظومتهم الرأسمالية وفلسفة توحشها وسياساتها المدمرة مصممون على ليبرالية افتراسهم وفلسفة تغولهم من أن الثروة كل الثروة حظهم ونصيبهم ولا شيء لغيرهم!

 

ثم هذا الخراب الرأسمالي الناجم عن فشل وإفلاس المنظومة الرأسمالية والتي هي الورم الخبيث الذي يجب استئصاله من حياة البشر، يتم تغليفه بأزمات المنظومة الدورية المزمنة (ركود اقتصادي، كساد، انهيار سوق الأسهم، أزمة الرهن العقاري، الأزمات المالية...)، وهذا التغليف لإفلاس وخراب المنظومة بأزماتها وأعراضها الجانبية هو للتعمية على حقيقة أنها هي الأزمة وأنها مستوطنة بالأزمات ومولدة لها، وأن المحاولات الفاشلة لإنشاء آليات لإدارة أزمتها هي نفسها دليل فاضح على فشل وإفلاس اقتصاد السوق في تنظيم نفسه بنفسه، وهو نسف تام لمبدأ الليبرالية الأول في تحرير السوق وقدرة السوق الغيبية على تنظيم نفسها ذاتيا وتنظيم اقتصاد المجتمع ميكانيكا بحسب مشيئة وإرادة السوق صنم الرأسمالية من دون أدنى تدخل أو شرط أو قيد، بل تم نسف خرافة السوق الليبرالية بتسلم الرأسماليين أنفسهم إدارة وتدوير المنظومة الأزمة!

 

أما اليوم وقد دخلت المنظومة الرأسمالية طور التعفن الأخير الذي يسبق التحلل والتفسخ، والحالة الأمريكية هي نموذجها الصارخ الفاضح متمثلة في طبقة رأسمالية موغلة في التوحش، وزاد من تغولها العولمة التي ابتكرتها الرأسمالية أواخر القرن الماضي لإشباع جشع رأسمالييها ما تطلب عمالة رخيصة في الخارج وتقليصا لعمالة الداخل ومعها نقل للمصانع الأمريكية إلى الخارج، وزاد من حدة الكارثة الرأسمالية توظيف التطور التكنولوجي في الاستغناء عن العنصر البشري فتفاقمت معضلة البطالة الرأسمالية ومعها فقر الأفراد، وتعاظم الشرخ العميق بين الرأسماليين وغناهم الفاحش وباقي الشعب المثقل بركام ديون أفراده، ثم المفارقة الرأسمالية السامة؛ فنمو ثروات الرأسماليين الفلكي يقابله الإفلاس المالي الفلكي للدولة فدين الحكومة الفيدرالية الأمريكية الفلكي بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تجاوز ناتجها المحلي الإجمالي لسنة 2024 وبلغ 28 تريليون دولار، ما يكلف الحكومة الفيدرالية الأمريكية نفقات لخدمة ربا الدين بمقدار 892 مليار دولار للسنة المالية الحالية، عطفا على عجز الميزانية الذي قدر بمبلغ 1.9 تريليون دولار، مع تضخم وغلاء فاحش للسلع والخدمات ومعدلات غير مسبوقة للجباية والضريبة وكل هذا مصحوب بفقاعة المال الوهمي وأوراقه السامة المطبوعة بلا غطاء ولا سند، ثم مأساة المنظومة الأزمة في خرابها القيمي وعدمية الغاية وانحلالها الأخلاقي (الجندر وشذوذه، العنصرية، الجريمة...) وسحق لكرامة الإنسان والحلقة الأضعف والأكثر تضررا النساء، فالمرأة من منظور الرأسمالية هي مجرد حاجة للسوق الرأسمالية وقيمتها تعبر بثمن جاذبيتها الجنسية ومردود ذلك على الاقتصاد الرأسمالي؛ ...؛ انتهاء بتطاحن طبقات وحوش الرأسمالية وانقسام وتصدع المجتمع الحاد مصحوبا بأنانية مدمرة.

 

فهذا التعفن الحاد للمنظومة الأزمة وإفلاسها التام ثقافيا، لم بيق لها سوى إفراز قيئها الأخير طبقة رأسمالييها كحكام وحفرة قبرها، وترامب من ذلك القيء الرأسمالي للمنظومة الأزمة حتى وإن غُلِّف بذلك الغرور الرأسمالي الزائف ودُبِّج بذلك الخطاب الشعبوي الخادع المضلل في تصدير أزمة المنظومة لخارج المنظومة الأزمة.

 

فبعد استفحال معضلة الرأسمالية عملت المنظومة الأزمة على استنبات تيار شعبوي في الداخل الرأسمالي الغربي غايته تدوير الأزمة عبر تجيير غضب الجماهير الغربية وتذمر مجتمعاتها وإرهاصات التمرد لصالح استمرار المنظومة والإبقاء عليها، فعمد هذا التيار إلى ترحيل معضلة الرأسمالية الجذرية البنيوية إلى مشكلة عدو خارجي مناوئ ومشاكس يتهدد الأمن القومي الداخلي وطريقة ومستوى عيش الداخل، عطفا على تحويل إحباط وسخط الجماهير وصرف أنظارهم عن إفلاس وفشل المنظومة الرأسمالية إلى فساد وإفلاس الأدوات من الطبقة السياسية والنخبة الحاكمة وبيروقراطية المؤسسات، وكل هذا لحجب الرؤية عن فساد الرأسمالية ورأسمالييها أصل الأزمة. واعتمد رأسماليو المنظومة خطابا غرائزيا يثير مشاعر القومية والتعصب العرقي لدى جماهير الغربيين، وكان تسطيح القضايا واستسهال الحلول ووضع حلول مبسترة غير ناضجة لمشاكل معقدة سمة الخطاب السياسي الشعبوي، والهدف اختصار المسافات لِسَوْق الجماهير وإخماد نيران تذمرها وتمردها.

 

فما يجري في الداخل الرأسمالي ليس نمطا جديدا من الرأسمالية، ولكنه الطور النهائي من التعفن الرأسمالي وترامب أحد إفرازاته وتوليد خالص لأزمة الرأسمالية، فترامب حتى وإن فاز بترشيح من الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة فهو لا يعتبر من المنتمين سياسيا للحزب، فهو حقيقة مرشح الرأسمالية وتقدم كبديل عن النخبة السياسية الفاسدة وبيروقراطية المؤسسة العميقة المسيطرة.

 

فهذا التيار الرأسمالي المستنبت سواء سمي شعبويا أو محافظا أو يمينيا متطرفا، فهو إفراز رأسمالي خالص من داخل الرأسمالية المأزومة لخدمتها وإعادة تدوير وتدبير أزمتها، وجوهر سياسة هذا التيار هو تصدير الأزمة لخارج المنظومة الأزمة، عبر ذلك العدو الخارجي المفترض الذي يهدد الأمن القومي وطريقة ومستوى العيش، وللإسلام النصيب الأوفر من هذا العداء بحكم الحقد الصليبي الدفين ويأخذ صور الإرهاب والتطرف العنيف والإسلام الراديكالي والإسلام السياسي والأصولية الإسلامية، والعدو الصيني ثم بعده الهجرة والمهاجرون... فحضور الخارج كعدو وتصويره للجماهير الساخطة كتهديد للأمن القومي والنقاء العرقي وطريقة ومستوى العيش هو الركيزة السياسية لهذا التيار، الذي يعتمد خطابا تبسيطيا عاميا في التعامل مع المزاج السياسي للجماهير الساخطة التي فقدت الثقة في النظام ودولته وحكامه وساسته. وهي استراتيجية سياسية بعد تآكل واستنزاف الآليات التقليدية للرأسمالية، للتنفيس عن الإحباط المتصاعد والاحتقان المتنامي ضد المنظومة الأزمة، فترامب الرأسمالي يخاطب الجماهير على أنه من عامتهم ويحمل همومهم ويعيش مآسيهم من برجه العالي في قصره بولاية فلوريدا!

 

فترامب ليس ابتكارا لحل الأزمة ولكنه إفراز رأسمالي لتدوير المنظومة الأزمة، التي انتهت إلى الدولة الشركة والرأسمالي المقاول هو رئيسها التنفيذي، وهذا التعفن الرأسمالي الأخير أصبحت معه قضايا المجتمع وأفراده في حكم الساقطة تشريعيا وخارج اهتمامات الدولة الشركة. فترامب الرأسمالي المقاول بعد أن تولى الرئاسة استغل منصبه وصلاحياته والقرارات التنظيمية المنوطة به، وأصدر عملته الرقمية "ترامب دولار" وَخوَّلَه منصبه من جني أرباح خيالية في بضعة أيام تجاوزت قيمتها السوقية أكثر من 10 مليار دولار، ولم يقف عند هذا الحد بل تبعته زوجته وأطلقت عملتها الميمية الخاصة بها ووصلت قيمتها السوقية لنحو مليار دولار خلال يومين، ففي الدولة الشركة يعتبر الرئيس المقاول هو مساهمها الأول وله الحصة الكبرى من الأرباح!

 

هذا هو الوضع الرأسمالي المتعفن الراهن، فالرأسمالية غير معنية بسياسة المجتمع بل تدير تغول شركتها وتوحش رأسمالييها في عمى تام عن المجتمع وقضاياه، ومنطق السوق ومعيار الربح والخسارة هو منطق الدولة الشركة وترامب هو رئيسها المقاول في الوقت الراهن.

 

والجديد مع الرأسمالي ترامب كرئيس هو سعيه لإعادة هيكلة الدولة الأمريكية لتنسجم وتتناغم مع أهداف وغاية الشركة عبر تقليص بيروقراطية الإدارة وتقليص نطاق الدولة الفيدرالية من خلال خفض أعداد موظفيها واختبار حدود السلطة التنفيذية، فلقد أعلن بعد توليه مباشرة عن إنشاء مجموعة استشارية تهدف إلى تنفيذ تخفيض شامل لقوة العمل في الحكومة وإلغاء بالجملة للوكالات الحكومية، وفي يومه الأول أقال أكثر من 1000 موظف حكومي ويقدر عدد المهددين بالفصل وفقا للأوامر التنفيذية المحتملة ما لا يقل عن 50 ألف موظف، وهؤلاء هم من يطلق عليهم ترامب بيروقراطية الدولة العميقة، واختار لتنفيذ مهمته الرأسمالي إيلون ماسك وعينه على رأس وزارة الكفاءة الحكومية وأسنده برأسمالي آخر وهو فيفيك راماسوامي، وصرح ترامب في بيان تعيينهما "هذان الأمريكيان الرائعان سيمهدان الطريق معا أمام إدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية وتقليص الإجراءات التنظيمية... وهو أمر ضروري لحركة إنقاذ أمريكا".

 

فمنطلقات ترامب السياسية محكومة بغاية الشركة الرأسمالية وقواعد السوق الرأسمالية ومعايير الربح والخسارة، أما الاعتبارات السياسية والأمنية والجيوستراتيجية فتكاد تكون هامشية، فمنطق الشركة قصير المدى والرأسمالي المقاول همه العائد المادي المنظور في عمى عن العواقب الأمنية والسياسية والجيوستراتيجية، فهو ينظر للساحة الدولية كسوق ويُعَيِّر العلاقات الدولية بمعيار الربح والخسارة، والهدف هو جني العائد في زمن قياسي، فالسياسة بالنسبة لترامب هي مجرد صفقات تجارية واقتصادية.

 

فترامب يسعى لفرض تغول الدولة الشركة على العلاقات الدولية، فيبتز دول الهامش دويلات سايكس بيكو في منطقتنا، وعلى حكامها العملاء الدفع مقابل استمرارهم على كرسي العمالة (غر آل سعود، ابن سلمان تعهد بدفع 600 مليار دولار)، كما ألزم اليابان وكوريا الجنوبية بتحمل تكاليف خضوعهما لأمريكا (تمويل سوفت بنك الياباني لمشروع ترامب "ستارغيت" لإنشاء بنيات تحتية متطورة للذكاء الاصطناعي في أمريكا)، وابتزاز أوروبا فقد أعلن ترامب عزمه فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، وعلل ذلك بعجز ميزانه التجاري مع أوروبا والذي يقدر بـ300 مليار دولار، كما أفصح عن هدفه من ذلك وهو دفع الأوروبيين لشراء الغاز والبترول الأمريكي بل وحتى آبارهما، وفرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين، والتي دخلت حيز التنفيذ، وعللها باختلال الميزان التجاري مع كل من كندا والمكسيك وعجزه التجاري الذي بلغ مع كندا 40 مليار دولار ومع المكسيك 162 مليار دولار، أما عن الصين فقال مرشح ترامب لمنصب وزير التجارة "إن الصين يجب أن تواجه أعلى المعدلات" وأضاف "وأن أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية تعامل الصناعات الأمريكية بشكل غير عادل أيضا".

 

هي الرأسمالية انتهت إلى منطق توحشها الليبرالي الأول "حرب الكل ضد الكل"، منطق الغابة الرأسمالية في البقاء للأقوى، وترامب اليوم هو الترجمة العارية لهذه الحقيقة الرأسمالية، فالسوق الرأسمالية لا تكترث بالفرد وحاجاته ولا المجتمع وقضاياه ولا تعنيها المبادئ والقيم والأخلاق بل السوق مهتمة بالمستهلك وعائد أرباحه. فالتغول الرأسمالي وصل إلى منتهى تعفنه، وانتهى إلى صناعة الأزمة لإدارة وتدوير الأزمة وصناعة التوتر للتطبيع مع الأزمة، ومعها منطق القوة العارية في إدارة العلاقات الدولية السياسية، وهذه السياسات الرعناء في إدارة الدولة بمنطق الشركة والتصريحات الصاخبة هي للابتزاز من أجل تخفيض التكاليف ورفع العائدات.

 

فهذا التوتير للعلاقات الدولية وهذه القوة العارية في إدارة العلاقات الدولية بإهانة الآخرين، وهذا الغرور الأرعن وجنون العظمة الزائف في التعامل بمنطق الإمبراطورية الرأسمالية وحاكمها الرأسمالي الإمبراطور مع انتفاء وانعدام مقومات الإمبراطورية في الدولة الأمريكية المفلسة. فهذا الاصطدام الأهوج الأرعن لترامب كرأسمالي شرس مع قضايا العالم، وتركيزه على تحقيق المنافع المادية الاقتصادية لطبقته الرأسمالية الأمريكية على حساب الآخرين، وتغليف كل ذلك بشعارات "أمريكا أولا" و"لنعد إلى أمريكا قوتها" و"هذه فرصتنا الأخيرة لإنقاذ أمريكا"، فهذا الاصطدام الأهوج الذي يفتقر للرؤية السياسية الجيوستراتيجية المتبصرة هو إفراز الرأسمالية المأزومة، ويؤدي إلى عكس أهدافه في السيطرة والهيمنة، وقد كان اختبار هذه السياسة في إدارة ترامب السابقة ونتائجها الكارثية في تعاطيه مع الملف الصيني، فقد أدت سياسة العقوبات التي انتهجها ضد الصين فيما يتعلق بالتكنولوجيا الرقمية إلى نتائج عكسية، فقد دفعت العقوبات الصين لصناعة وتطوير تكنولوجيتها الخاصة واستغنائها عن التكنولوجيا الأمريكية، الأمر الذي أدى لاستقلالية الصين تكنولوجياً وقوض التأثير والنفوذ التكنولوجي الأمريكي على الصين. كما أن هذا الصدام وكسر التحالفات دون رؤية جيوستراتيجية سوى العائد المادي الاقتصادي من شأنه الدفع نحو تشكيل أحلاف بديلة مناوئة، فسياسات ترامب الرعناء ومنطق القوة العارية في إدارة العلاقات الدولية، سيدفع باتجاه توطيد التحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي، كما أن تصدع التحالف الأمريكي الأوروبي وتصاعد التوتر سيلجئ الرأسمالية الأوروبية إلى السوق الصينية لتصريف أزمتها الخاصة، ما سيدفع بتعزيز العلاقات بين دول الاتحاد والصين، وكذلك البحث عن بدائل أمنية أوروبية خارج إطار الحلف الأطلسي الأمريكي، كما أن ابتزاز اليابان المهين يجعل الارتباط بالمصالح الأمريكية مقامرة بالغة الخطورة، وهذه السياسة الهوجاء تقوض قيادة أمريكا للموقف الدولي وتحفر قبرها وقبر الرأسمالية الغربية معها.

 

أما بالنسبة للجغرافية الإسلامية فلا ينظر لها الأرعن ترامب إلا كأرض للنهب وحكامها العملاء موضع إذلال فهو الآمر الناهي وعليهم الانصياع وهو الجابي وعليهم الدفع، وكل ذلك العمى الجيوستراتيجي يغذيه حقده الصليبي الأسود ضد الإسلام وأمته، وفي هذا العمى مقتله فهذه الإهانة الرعناء لأمة ما انفكت براكين تمردها الموضعية على المنظومة الاستعمارية تنفجر (انتفاضة البلاد العربية، ثورة الشام، عملية طوفان الأقصى...) وكل هذه الانفجارات الموضعية هي إرهاصات ومقدمات للانفجار الكبير، والأرعن ترامب هو عنصر مساعد على ذلك الانفجار. فهذا الأرعن في عماه الجيوستراتيجي لا يرى في غزة إلا منتجعا سياحيا يجب احتلاله وطرد أهله منه والاستيلاء على شواطئه الغنية بالغاز ويغريه بذلك ذلة وخنوع حكام الخيانة والعار، وهذا العمى يجعله لا يرى أن أرض فلسطين تحطمت عليها مشاريع أمريكية عدة حتى عدها الاستراتيجيون الغربيون أخطر وأعقد قضايا السياسة الدولية، فأن يحسبها الأرعن صفقة تجارية وأن يوافق عليها خونة الحكام فليست بقضية ولكن القضية هي في أمة ترى في المغضوب عليهم محل انتقام واستئصال على اغتصاب أطهر وأقدس أراضيها وقتل أبنائها، أما وإبادة غزة باتت جزءا من عقلها وقلبها فلن يكون لكيان المغضوب عليهم قرار في بلاد المسلمين حتى ولو وقع كل خونة الأرض. فسياسات ترامب الرعناء بالنسبة لمنطقتنا تعني مزيدا من تأزيم الأوضاع ورفع لمنسوب الاحتقان لدى الأمة وتغذية لنيران ثورتها ضد الاستعمار وفتح المدارك والآفاق أمام مشروع الإسلام العظيم البديل المخلص للأمة وللبشرية معها.

 

أما على مستوى الداخل فهذه الولايات التي نخرها سوس الانقسام، ستتفاقم معضلتها ويتعمق انقسامها وترامب كان وسيظل عنصرا يثير انقسامها الحاد، أما ما حدث في حفل التنصيب وحضور الفرقاء المتشاكسين فكان مجرد واجهة لتأثيث المشهد وتظاهر الكل بالمصالحة، والكل يده على الزناد للانتقام من خصمه العدو. ولقد بلغ عمق الانقسام حدا دفع الرئيس المنصرف جو بايدن لاستخدام سلطاته بشكل سافر فاضح بإصدار عفو عن أفراد أسرته وعدد من موظفي الإدارة خشية من انتقام ترامب. وذلك الذي كان فعقب تنصيبه قال ترامب "سألغي نحو 80 قرارا تنفيذيا مدمرا ومتطرفا اتخذتها الإدارة السابقة".

 

أما ذلك التصدع والانقسام والتصادم على مستوى مركز ونواة الرأسمالية فهو يتوسع ويتمدد ولا ينحصر بل تزداد حدته وشراسته مع ترامب، ومع عودة ترامب وحصوله على ولاية رئاسية ثانية، عطفا على تأمينه لأغلبية جمهورية موالية بمجلسي النواب والشيوخ، بات كبار رأسماليي التكنولوجيا على يقين بأن مناطحة ترامب خلال فترة رئاسته مقامرة خطيرة وجِدُّ مكلفة فقد اختبروا بعضا من ذلك في رئاسته السابقة، فقد استخدم ترامب كل سلطاته في لجم وتحجيم طبقة رأسماليي التكنولوجيا خلال ولايته السابقة، فقد سعى لتقسيم وتفتيت شركة جوجل ولاحق قضائيا مؤسس فيسبوك وأطلق عدة تحقيقات في إطار مكافحة الاحتكار ضد شركات أمازون وآبل وجوجل، وامتدت حربه حتى وقت قريب من انتخابات 2024 عبر رفع دعاوى قضائية ضدهم. وهكذا وخشية من الانتقام سارعت شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تقديم التهنئة لترامب بفوزه وحضور حفل تنصيبه منحنية أمام العاصفة لعلها تأمن انتقامه (الرأسمال جبان بحسب العرف الرأسمالي).

 

لكن الرأسمالي ترامب الذي استعاد السلطة اتخذ خطا آخر في إدارة الصراع مع طبقة رأسماليي التكنولوجيا، وهذا الخط يعتمد الاختراق والاستقطاب وإعادة التمركز وإنشاء بنيات تكنولوجية جديدة لإضعاف نفوذ طبقة رأسماليي التكنولوجيا وشركاتهم الكبرى عبر تفكيك مركز ثقلهم. ومن ذلك ما جرى من تحالف مثير بين ترامب وماسك هذا الأخير الذي يعتبر رأسماليا هجينا نتاج زواج التكنولوجيا والصناعة (شركة تسلا للمركبات الكهربائية وسبيس إكس لتصنيع المركبات الفضائية وهاتان الشركتين لماسك لهما ارتباط بالمجمع العسكري لصناعة الأسلحة ولهما عقود مع ناسا ووزارة الدفاع الأمريكية وتمتلكان ما لا يقل عن 15.4 مليار دولار من العقود الحكومية ما يعني تقاطع مصالح مع الرأسمالية التقليدية)، وقد ساعد هذا الزواج الهجين على تقاطع المصالح بين ترامب وماسك وساعد على الاختراق والاستقطاب.

 

الأمر الآخر الذي يسعى ترامب لإنجازه هو تفكيك مركز الثقل لطبقة التكنولوجيا بوادي السليكون عاصمة التكنولوجيا بولاية كاليفورنيا، عبر إنشاء مركز بديل بولاية تكساس عاصمة الرأسمالية التقليدية (النفط والغاز، الزراعة، الصناعات الحربية، الفضاء، صناعة الطيران، صناعة الحواسيب، صناعة الأدوية...) للتحكم في المركز والقرار. ومشروع ترامب "ستارغيت" الذي أعلن عنه بعد توليه يهدف إلى إنشاء بنيات تحتية متطورة للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة مقره تكساس، والمشروع من تمويل مجموعة "سوفت بنك" اليابانية بقيمة 500 مليار دولار، أما التشغيل التكنولوجي فموكول للشركة الأمريكية "أوبن آي" هذه الأخيرة التي يعتبر ماسك أبرز مؤسس لها سنة 2015 مع سام ألتمان، وأوضحت شركة "أوبن آي" أن "سوفت بنك" سيتولى الجانب المالي، بينما تشرف "أوبن آي" على العمليات التشغيلية. فمشروع ترامب "ستارغيت" يهدف في نقل مركز الثقل التكنولوجي إلى عاصمة الطبقة الرأسمالية التقليدية بولاية تكساس للتحكم في التمويل والقرار ومن ثم تحجيم نفوذ وتأثير شركات التكنولوجيا الكبرى بوادي السليكون.

 

فنهج ترامب عبر سياسة الرسوم الجمركية وتقييده التجارة الخارجية، وتعزيز مشاريع إنتاج النفط والغاز وصناعة الطاقة الأمريكية، ومشروع "ستارغيت" كلها لخدمة طبقته الرأسمالية، واليوم هذه الطبقة رأسماليُّها الكبير ترامب هو من يدير الدولة الأمريكية لخدمة مصالح هذه الطبقة وإدارة ذلك التطاحن الرأسمالي العفن، ونتن انقسامه لا يزال حاضرا بقوة وشراسة.

 

ما يعني أن تلك القرية الرأسمالية الظالم أهلها ستزداد تعفنا ونتنا وتفككا وانقساما فهي مرشحة للفناء وليس للبقاء وهي محل هدم وليست محل بناء، وترامب معول هدمها. إنها المسألة الغربية وقد استفحل وفاض تعفن ونتن منظومتها ودولها وحضارتها وحياتها، وما ترامب إلا إحدى إفرازاتها النتنة وأورامها الخبيثة، وإن قضية الغرب طالت وتمادت، والمستقبل حتما ليس ما سيصنعه ترامب فقد صممه الغرب الكافر الرأسمالي هاوية وقبرا سحيقا وما ترامب إلا أحد حفاريه، ولكن المستقبل هو ما ستصنعه أمة الإسلام أمة الوحي والهداية والرشد بقيادة أبنائها الأخيار الأطهار حملة دعوة الإسلام العظيم، لإقامة دولة الوحي تصميم الحكيم العليم؛ خلافة النبوة، لتطهير الأرض من رجس الرأسمالية الكافرة الغاشمة وتعلي على أنقاضها خلافة الإسلام الراشدة على منهاج النبوة، حاكمها ومحكومها لا يبغون فسادا في الأرض ولا علوا ولا ظلما ولا عدوانا ولا طغيانا، كلهم عباد لرب الأرباب خاضعون مستسلمون لحكمه وسلطانه يرجون رحمته ويخافون عذابه فكلهم عيال الله وعبيده، فحيهلا إلى الإسلام العظيم وخلافة رحمته.

 

﴿قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

عودة ترامب؛ إفراز لأزمة الرأسمالية المزمنة وفوضى الانهيار!

 

 

وُصِفت الليبرالية الجديدة بأنها "رأسمالية منزوعة القفاز"، وها قد سقط حتى القناع وانتهت الرأسمالية إلى حقيقتها النهائية التي أضحت معها طبقة الرأسماليين حيتان المال أعتى طغيانا وأشد عدوانية، وتمكنت طبقة اللصوص بالمطلق ليس من الاقتصاد وأنظمته وحسب بل ومن السياسة ودولتها والمجتمع وثقافته وحياته، وهكذا انتهت الحياة الغربية إلى الغاية الرأسمالية وحقيقة فلسفة المنظومة الرأسمالية من كونها تصميما رأسماليا لخدمة طبقة الرأسماليين ومصالحهم وتدار أخيرا من طرف الرأسماليين مباشرة من دون قفازات ولا أقنعة.

 

ولقد كان حفل تنصيب الرأسمالي ترامب رئيسا للدولة الرأسمالية الأولى أمريكا والحضور المكثف المُرَكَّز للرأسماليين الترجمة الصارخة لدخول الرأسمالية طورها النهائي في استلام رأسمالييها دفة الحكم لإدارة التوحش الرأسمالي وسياسة الغابة الرأسمالية بشكل مباشر. فالرأسماليون رغم الخراب الرأسمالي الذي أحدثته منظومتهم الرأسمالية وفلسفة توحشها وسياساتها المدمرة مصممون على ليبرالية افتراسهم وفلسفة تغولهم من أن الثروة كل الثروة حظهم ونصيبهم ولا شيء لغيرهم!

 

ثم هذا الخراب الرأسمالي الناجم عن فشل وإفلاس المنظومة الرأسمالية والتي هي الورم الخبيث الذي يجب استئصاله من حياة البشر، يتم تغليفه بأزمات المنظومة الدورية المزمنة (ركود اقتصادي، كساد، انهيار سوق الأسهم، أزمة الرهن العقاري، الأزمات المالية...)، وهذا التغليف لإفلاس وخراب المنظومة بأزماتها وأعراضها الجانبية هو للتعمية على حقيقة أنها هي الأزمة وأنها مستوطنة بالأزمات ومولدة لها، وأن المحاولات الفاشلة لإنشاء آليات لإدارة أزمتها هي نفسها دليل فاضح على فشل وإفلاس اقتصاد السوق في تنظيم نفسه بنفسه، وهو نسف تام لمبدأ الليبرالية الأول في تحرير السوق وقدرة السوق الغيبية على تنظيم نفسها ذاتيا وتنظيم اقتصاد المجتمع ميكانيكا بحسب مشيئة وإرادة السوق صنم الرأسمالية من دون أدنى تدخل أو شرط أو قيد، بل تم نسف خرافة السوق الليبرالية بتسلم الرأسماليين أنفسهم إدارة وتدوير المنظومة الأزمة!

 

أما اليوم وقد دخلت المنظومة الرأسمالية طور التعفن الأخير الذي يسبق التحلل والتفسخ، والحالة الأمريكية هي نموذجها الصارخ الفاضح متمثلة في طبقة رأسمالية موغلة في التوحش، وزاد من تغولها العولمة التي ابتكرتها الرأسمالية أواخر القرن الماضي لإشباع جشع رأسمالييها ما تطلب عمالة رخيصة في الخارج وتقليصا لعمالة الداخل ومعها نقل للمصانع الأمريكية إلى الخارج، وزاد من حدة الكارثة الرأسمالية توظيف التطور التكنولوجي في الاستغناء عن العنصر البشري فتفاقمت معضلة البطالة الرأسمالية ومعها فقر الأفراد، وتعاظم الشرخ العميق بين الرأسماليين وغناهم الفاحش وباقي الشعب المثقل بركام ديون أفراده، ثم المفارقة الرأسمالية السامة؛ فنمو ثروات الرأسماليين الفلكي يقابله الإفلاس المالي الفلكي للدولة فدين الحكومة الفيدرالية الأمريكية الفلكي بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تجاوز ناتجها المحلي الإجمالي لسنة 2024 وبلغ 28 تريليون دولار، ما يكلف الحكومة الفيدرالية الأمريكية نفقات لخدمة ربا الدين بمقدار 892 مليار دولار للسنة المالية الحالية، عطفا على عجز الميزانية الذي قدر بمبلغ 1.9 تريليون دولار، مع تضخم وغلاء فاحش للسلع والخدمات ومعدلات غير مسبوقة للجباية والضريبة وكل هذا مصحوب بفقاعة المال الوهمي وأوراقه السامة المطبوعة بلا غطاء ولا سند، ثم مأساة المنظومة الأزمة في خرابها القيمي وعدمية الغاية وانحلالها الأخلاقي (الجندر وشذوذه، العنصرية، الجريمة...) وسحق لكرامة الإنسان والحلقة الأضعف والأكثر تضررا النساء، فالمرأة من منظور الرأسمالية هي مجرد حاجة للسوق الرأسمالية وقيمتها تعبر بثمن جاذبيتها الجنسية ومردود ذلك على الاقتصاد الرأسمالي؛ ...؛ انتهاء بتطاحن طبقات وحوش الرأسمالية وانقسام وتصدع المجتمع الحاد مصحوبا بأنانية مدمرة.

 

فهذا التعفن الحاد للمنظومة الأزمة وإفلاسها التام ثقافيا، لم بيق لها سوى إفراز قيئها الأخير طبقة رأسمالييها كحكام وحفرة قبرها، وترامب من ذلك القيء الرأسمالي للمنظومة الأزمة حتى وإن غُلِّف بذلك الغرور الرأسمالي الزائف ودُبِّج بذلك الخطاب الشعبوي الخادع المضلل في تصدير أزمة المنظومة لخارج المنظومة الأزمة.

 

فبعد استفحال معضلة الرأسمالية عملت المنظومة الأزمة على استنبات تيار شعبوي في الداخل الرأسمالي الغربي غايته تدوير الأزمة عبر تجيير غضب الجماهير الغربية وتذمر مجتمعاتها وإرهاصات التمرد لصالح استمرار المنظومة والإبقاء عليها، فعمد هذا التيار إلى ترحيل معضلة الرأسمالية الجذرية البنيوية إلى مشكلة عدو خارجي مناوئ ومشاكس يتهدد الأمن القومي الداخلي وطريقة ومستوى عيش الداخل، عطفا على تحويل إحباط وسخط الجماهير وصرف أنظارهم عن إفلاس وفشل المنظومة الرأسمالية إلى فساد وإفلاس الأدوات من الطبقة السياسية والنخبة الحاكمة وبيروقراطية المؤسسات، وكل هذا لحجب الرؤية عن فساد الرأسمالية ورأسمالييها أصل الأزمة. واعتمد رأسماليو المنظومة خطابا غرائزيا يثير مشاعر القومية والتعصب العرقي لدى جماهير الغربيين، وكان تسطيح القضايا واستسهال الحلول ووضع حلول مبسترة غير ناضجة لمشاكل معقدة سمة الخطاب السياسي الشعبوي، والهدف اختصار المسافات لِسَوْق الجماهير وإخماد نيران تذمرها وتمردها.

 

فما يجري في الداخل الرأسمالي ليس نمطا جديدا من الرأسمالية، ولكنه الطور النهائي من التعفن الرأسمالي وترامب أحد إفرازاته وتوليد خالص لأزمة الرأسمالية، فترامب حتى وإن فاز بترشيح من الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة فهو لا يعتبر من المنتمين سياسيا للحزب، فهو حقيقة مرشح الرأسمالية وتقدم كبديل عن النخبة السياسية الفاسدة وبيروقراطية المؤسسة العميقة المسيطرة.

 

فهذا التيار الرأسمالي المستنبت سواء سمي شعبويا أو محافظا أو يمينيا متطرفا، فهو إفراز رأسمالي خالص من داخل الرأسمالية المأزومة لخدمتها وإعادة تدوير وتدبير أزمتها، وجوهر سياسة هذا التيار هو تصدير الأزمة لخارج المنظومة الأزمة، عبر ذلك العدو الخارجي المفترض الذي يهدد الأمن القومي وطريقة ومستوى العيش، وللإسلام النصيب الأوفر من هذا العداء بحكم الحقد الصليبي الدفين ويأخذ صور الإرهاب والتطرف العنيف والإسلام الراديكالي والإسلام السياسي والأصولية الإسلامية، والعدو الصيني ثم بعده الهجرة والمهاجرون... فحضور الخارج كعدو وتصويره للجماهير الساخطة كتهديد للأمن القومي والنقاء العرقي وطريقة ومستوى العيش هو الركيزة السياسية لهذا التيار، الذي يعتمد خطابا تبسيطيا عاميا في التعامل مع المزاج السياسي للجماهير الساخطة التي فقدت الثقة في النظام ودولته وحكامه وساسته. وهي استراتيجية سياسية بعد تآكل واستنزاف الآليات التقليدية للرأسمالية، للتنفيس عن الإحباط المتصاعد والاحتقان المتنامي ضد المنظومة الأزمة، فترامب الرأسمالي يخاطب الجماهير على أنه من عامتهم ويحمل همومهم ويعيش مآسيهم من برجه العالي في قصره بولاية فلوريدا!

 

فترامب ليس ابتكارا لحل الأزمة ولكنه إفراز رأسمالي لتدوير المنظومة الأزمة، التي انتهت إلى الدولة الشركة والرأسمالي المقاول هو رئيسها التنفيذي، وهذا التعفن الرأسمالي الأخير أصبحت معه قضايا المجتمع وأفراده في حكم الساقطة تشريعيا وخارج اهتمامات الدولة الشركة. فترامب الرأسمالي المقاول بعد أن تولى الرئاسة استغل منصبه وصلاحياته والقرارات التنظيمية المنوطة به، وأصدر عملته الرقمية "ترامب دولار" وَخوَّلَه منصبه من جني أرباح خيالية في بضعة أيام تجاوزت قيمتها السوقية أكثر من 10 مليار دولار، ولم يقف عند هذا الحد بل تبعته زوجته وأطلقت عملتها الميمية الخاصة بها ووصلت قيمتها السوقية لنحو مليار دولار خلال يومين، ففي الدولة الشركة يعتبر الرئيس المقاول هو مساهمها الأول وله الحصة الكبرى من الأرباح!

 

هذا هو الوضع الرأسمالي المتعفن الراهن، فالرأسمالية غير معنية بسياسة المجتمع بل تدير تغول شركتها وتوحش رأسمالييها في عمى تام عن المجتمع وقضاياه، ومنطق السوق ومعيار الربح والخسارة هو منطق الدولة الشركة وترامب هو رئيسها المقاول في الوقت الراهن.

 

والجديد مع الرأسمالي ترامب كرئيس هو سعيه لإعادة هيكلة الدولة الأمريكية لتنسجم وتتناغم مع أهداف وغاية الشركة عبر تقليص بيروقراطية الإدارة وتقليص نطاق الدولة الفيدرالية من خلال خفض أعداد موظفيها واختبار حدود السلطة التنفيذية، فلقد أعلن بعد توليه مباشرة عن إنشاء مجموعة استشارية تهدف إلى تنفيذ تخفيض شامل لقوة العمل في الحكومة وإلغاء بالجملة للوكالات الحكومية، وفي يومه الأول أقال أكثر من 1000 موظف حكومي ويقدر عدد المهددين بالفصل وفقا للأوامر التنفيذية المحتملة ما لا يقل عن 50 ألف موظف، وهؤلاء هم من يطلق عليهم ترامب بيروقراطية الدولة العميقة، واختار لتنفيذ مهمته الرأسمالي إيلون ماسك وعينه على رأس وزارة الكفاءة الحكومية وأسنده برأسمالي آخر وهو فيفيك راماسوامي، وصرح ترامب في بيان تعيينهما "هذان الأمريكيان الرائعان سيمهدان الطريق معا أمام إدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية وتقليص الإجراءات التنظيمية... وهو أمر ضروري لحركة إنقاذ أمريكا".

 

فمنطلقات ترامب السياسية محكومة بغاية الشركة الرأسمالية وقواعد السوق الرأسمالية ومعايير الربح والخسارة، أما الاعتبارات السياسية والأمنية والجيوستراتيجية فتكاد تكون هامشية، فمنطق الشركة قصير المدى والرأسمالي المقاول همه العائد المادي المنظور في عمى عن العواقب الأمنية والسياسية والجيوستراتيجية، فهو ينظر للساحة الدولية كسوق ويُعَيِّر العلاقات الدولية بمعيار الربح والخسارة، والهدف هو جني العائد في زمن قياسي، فالسياسة بالنسبة لترامب هي مجرد صفقات تجارية واقتصادية.

 

فترامب يسعى لفرض تغول الدولة الشركة على العلاقات الدولية، فيبتز دول الهامش دويلات سايكس بيكو في منطقتنا، وعلى حكامها العملاء الدفع مقابل استمرارهم على كرسي العمالة (غر آل سعود، ابن سلمان تعهد بدفع 600 مليار دولار)، كما ألزم اليابان وكوريا الجنوبية بتحمل تكاليف خضوعهما لأمريكا (تمويل سوفت بنك الياباني لمشروع ترامب "ستارغيت" لإنشاء بنيات تحتية متطورة للذكاء الاصطناعي في أمريكا)، وابتزاز أوروبا فقد أعلن ترامب عزمه فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، وعلل ذلك بعجز ميزانه التجاري مع أوروبا والذي يقدر بـ300 مليار دولار، كما أفصح عن هدفه من ذلك وهو دفع الأوروبيين لشراء الغاز والبترول الأمريكي بل وحتى آبارهما، وفرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين، والتي دخلت حيز التنفيذ، وعللها باختلال الميزان التجاري مع كل من كندا والمكسيك وعجزه التجاري الذي بلغ مع كندا 40 مليار دولار ومع المكسيك 162 مليار دولار، أما عن الصين فقال مرشح ترامب لمنصب وزير التجارة "إن الصين يجب أن تواجه أعلى المعدلات" وأضاف "وأن أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية تعامل الصناعات الأمريكية بشكل غير عادل أيضا".

 

هي الرأسمالية انتهت إلى منطق توحشها الليبرالي الأول "حرب الكل ضد الكل"، منطق الغابة الرأسمالية في البقاء للأقوى، وترامب اليوم هو الترجمة العارية لهذه الحقيقة الرأسمالية، فالسوق الرأسمالية لا تكترث بالفرد وحاجاته ولا المجتمع وقضاياه ولا تعنيها المبادئ والقيم والأخلاق بل السوق مهتمة بالمستهلك وعائد أرباحه. فالتغول الرأسمالي وصل إلى منتهى تعفنه، وانتهى إلى صناعة الأزمة لإدارة وتدوير الأزمة وصناعة التوتر للتطبيع مع الأزمة، ومعها منطق القوة العارية في إدارة العلاقات الدولية السياسية، وهذه السياسات الرعناء في إدارة الدولة بمنطق الشركة والتصريحات الصاخبة هي للابتزاز من أجل تخفيض التكاليف ورفع العائدات.

 

فهذا التوتير للعلاقات الدولية وهذه القوة العارية في إدارة العلاقات الدولية بإهانة الآخرين، وهذا الغرور الأرعن وجنون العظمة الزائف في التعامل بمنطق الإمبراطورية الرأسمالية وحاكمها الرأسمالي الإمبراطور مع انتفاء وانعدام مقومات الإمبراطورية في الدولة الأمريكية المفلسة. فهذا الاصطدام الأهوج الأرعن لترامب كرأسمالي شرس مع قضايا العالم، وتركيزه على تحقيق المنافع المادية الاقتصادية لطبقته الرأسمالية الأمريكية على حساب الآخرين، وتغليف كل ذلك بشعارات "أمريكا أولا" و"لنعد إلى أمريكا قوتها" و"هذه فرصتنا الأخيرة لإنقاذ أمريكا"، فهذا الاصطدام الأهوج الذي يفتقر للرؤية السياسية الجيوستراتيجية المتبصرة هو إفراز الرأسمالية المأزومة، ويؤدي إلى عكس أهدافه في السيطرة والهيمنة، وقد كان اختبار هذه السياسة في إدارة ترامب السابقة ونتائجها الكارثية في تعاطيه مع الملف الصيني، فقد أدت سياسة العقوبات التي انتهجها ضد الصين فيما يتعلق بالتكنولوجيا الرقمية إلى نتائج عكسية، فقد دفعت العقوبات الصين لصناعة وتطوير تكنولوجيتها الخاصة واستغنائها عن التكنولوجيا الأمريكية، الأمر الذي أدى لاستقلالية الصين تكنولوجياً وقوض التأثير والنفوذ التكنولوجي الأمريكي على الصين. كما أن هذا الصدام وكسر التحالفات دون رؤية جيوستراتيجية سوى العائد المادي الاقتصادي من شأنه الدفع نحو تشكيل أحلاف بديلة مناوئة، فسياسات ترامب الرعناء ومنطق القوة العارية في إدارة العلاقات الدولية، سيدفع باتجاه توطيد التحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي، كما أن تصدع التحالف الأمريكي الأوروبي وتصاعد التوتر سيلجئ الرأسمالية الأوروبية إلى السوق الصينية لتصريف أزمتها الخاصة، ما سيدفع بتعزيز العلاقات بين دول الاتحاد والصين، وكذلك البحث عن بدائل أمنية أوروبية خارج إطار الحلف الأطلسي الأمريكي، كما أن ابتزاز اليابان المهين يجعل الارتباط بالمصالح الأمريكية مقامرة بالغة الخطورة، وهذه السياسة الهوجاء تقوض قيادة أمريكا للموقف الدولي وتحفر قبرها وقبر الرأسمالية الغربية معها.

 

أما بالنسبة للجغرافية الإسلامية فلا ينظر لها الأرعن ترامب إلا كأرض للنهب وحكامها العملاء موضع إذلال فهو الآمر الناهي وعليهم الانصياع وهو الجابي وعليهم الدفع، وكل ذلك العمى الجيوستراتيجي يغذيه حقده الصليبي الأسود ضد الإسلام وأمته، وفي هذا العمى مقتله فهذه الإهانة الرعناء لأمة ما انفكت براكين تمردها الموضعية على المنظومة الاستعمارية تنفجر (انتفاضة البلاد العربية، ثورة الشام، عملية طوفان الأقصى...) وكل هذه الانفجارات الموضعية هي إرهاصات ومقدمات للانفجار الكبير، والأرعن ترامب هو عنصر مساعد على ذلك الانفجار. فهذا الأرعن في عماه الجيوستراتيجي لا يرى في غزة إلا منتجعا سياحيا يجب احتلاله وطرد أهله منه والاستيلاء على شواطئه الغنية بالغاز ويغريه بذلك ذلة وخنوع حكام الخيانة والعار، وهذا العمى يجعله لا يرى أن أرض فلسطين تحطمت عليها مشاريع أمريكية عدة حتى عدها الاستراتيجيون الغربيون أخطر وأعقد قضايا السياسة الدولية، فأن يحسبها الأرعن صفقة تجارية وأن يوافق عليها خونة الحكام فليست بقضية ولكن القضية هي في أمة ترى في المغضوب عليهم محل انتقام واستئصال على اغتصاب أطهر وأقدس أراضيها وقتل أبنائها، أما وإبادة غزة باتت جزءا من عقلها وقلبها فلن يكون لكيان المغضوب عليهم قرار في بلاد المسلمين حتى ولو وقع كل خونة الأرض. فسياسات ترامب الرعناء بالنسبة لمنطقتنا تعني مزيدا من تأزيم الأوضاع ورفع لمنسوب الاحتقان لدى الأمة وتغذية لنيران ثورتها ضد الاستعمار وفتح المدارك والآفاق أمام مشروع الإسلام العظيم البديل المخلص للأمة وللبشرية معها.

 

أما على مستوى الداخل فهذه الولايات التي نخرها سوس الانقسام، ستتفاقم معضلتها ويتعمق انقسامها وترامب كان وسيظل عنصرا يثير انقسامها الحاد، أما ما حدث في حفل التنصيب وحضور الفرقاء المتشاكسين فكان مجرد واجهة لتأثيث المشهد وتظاهر الكل بالمصالحة، والكل يده على الزناد للانتقام من خصمه العدو. ولقد بلغ عمق الانقسام حدا دفع الرئيس المنصرف جو بايدن لاستخدام سلطاته بشكل سافر فاضح بإصدار عفو عن أفراد أسرته وعدد من موظفي الإدارة خشية من انتقام ترامب. وذلك الذي كان فعقب تنصيبه قال ترامب "سألغي نحو 80 قرارا تنفيذيا مدمرا ومتطرفا اتخذتها الإدارة السابقة".

 

أما ذلك التصدع والانقسام والتصادم على مستوى مركز ونواة الرأسمالية فهو يتوسع ويتمدد ولا ينحصر بل تزداد حدته وشراسته مع ترامب، ومع عودة ترامب وحصوله على ولاية رئاسية ثانية، عطفا على تأمينه لأغلبية جمهورية موالية بمجلسي النواب والشيوخ، بات كبار رأسماليي التكنولوجيا على يقين بأن مناطحة ترامب خلال فترة رئاسته مقامرة خطيرة وجِدُّ مكلفة فقد اختبروا بعضا من ذلك في رئاسته السابقة، فقد استخدم ترامب كل سلطاته في لجم وتحجيم طبقة رأسماليي التكنولوجيا خلال ولايته السابقة، فقد سعى لتقسيم وتفتيت شركة جوجل ولاحق قضائيا مؤسس فيسبوك وأطلق عدة تحقيقات في إطار مكافحة الاحتكار ضد شركات أمازون وآبل وجوجل، وامتدت حربه حتى وقت قريب من انتخابات 2024 عبر رفع دعاوى قضائية ضدهم. وهكذا وخشية من الانتقام سارعت شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تقديم التهنئة لترامب بفوزه وحضور حفل تنصيبه منحنية أمام العاصفة لعلها تأمن انتقامه (الرأسمال جبان بحسب العرف الرأسمالي).

 

لكن الرأسمالي ترامب الذي استعاد السلطة اتخذ خطا آخر في إدارة الصراع مع طبقة رأسماليي التكنولوجيا، وهذا الخط يعتمد الاختراق والاستقطاب وإعادة التمركز وإنشاء بنيات تكنولوجية جديدة لإضعاف نفوذ طبقة رأسماليي التكنولوجيا وشركاتهم الكبرى عبر تفكيك مركز ثقلهم. ومن ذلك ما جرى من تحالف مثير بين ترامب وماسك هذا الأخير الذي يعتبر رأسماليا هجينا نتاج زواج التكنولوجيا والصناعة (شركة تسلا للمركبات الكهربائية وسبيس إكس لتصنيع المركبات الفضائية وهاتان الشركتين لماسك لهما ارتباط بالمجمع العسكري لصناعة الأسلحة ولهما عقود مع ناسا ووزارة الدفاع الأمريكية وتمتلكان ما لا يقل عن 15.4 مليار دولار من العقود الحكومية ما يعني تقاطع مصالح مع الرأسمالية التقليدية)، وقد ساعد هذا الزواج الهجين على تقاطع المصالح بين ترامب وماسك وساعد على الاختراق والاستقطاب.

 

الأمر الآخر الذي يسعى ترامب لإنجازه هو تفكيك مركز الثقل لطبقة التكنولوجيا بوادي السليكون عاصمة التكنولوجيا بولاية كاليفورنيا، عبر إنشاء مركز بديل بولاية تكساس عاصمة الرأسمالية التقليدية (النفط والغاز، الزراعة، الصناعات الحربية، الفضاء، صناعة الطيران، صناعة الحواسيب، صناعة الأدوية...) للتحكم في المركز والقرار. ومشروع ترامب "ستارغيت" الذي أعلن عنه بعد توليه يهدف إلى إنشاء بنيات تحتية متطورة للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة مقره تكساس، والمشروع من تمويل مجموعة "سوفت بنك" اليابانية بقيمة 500 مليار دولار، أما التشغيل التكنولوجي فموكول للشركة الأمريكية "أوبن آي" هذه الأخيرة التي يعتبر ماسك أبرز مؤسس لها سنة 2015 مع سام ألتمان، وأوضحت شركة "أوبن آي" أن "سوفت بنك" سيتولى الجانب المالي، بينما تشرف "أوبن آي" على العمليات التشغيلية. فمشروع ترامب "ستارغيت" يهدف في نقل مركز الثقل التكنولوجي إلى عاصمة الطبقة الرأسمالية التقليدية بولاية تكساس للتحكم في التمويل والقرار ومن ثم تحجيم نفوذ وتأثير شركات التكنولوجيا الكبرى بوادي السليكون.

 

فنهج ترامب عبر سياسة الرسوم الجمركية وتقييده التجارة الخارجية، وتعزيز مشاريع إنتاج النفط والغاز وصناعة الطاقة الأمريكية، ومشروع "ستارغيت" كلها لخدمة طبقته الرأسمالية، واليوم هذه الطبقة رأسماليُّها الكبير ترامب هو من يدير الدولة الأمريكية لخدمة مصالح هذه الطبقة وإدارة ذلك التطاحن الرأسمالي العفن، ونتن انقسامه لا يزال حاضرا بقوة وشراسة.

 

ما يعني أن تلك القرية الرأسمالية الظالم أهلها ستزداد تعفنا ونتنا وتفككا وانقساما فهي مرشحة للفناء وليس للبقاء وهي محل هدم وليست محل بناء، وترامب معول هدمها. إنها المسألة الغربية وقد استفحل وفاض تعفن ونتن منظومتها ودولها وحضارتها وحياتها، وما ترامب إلا إحدى إفرازاتها النتنة وأورامها الخبيثة، وإن قضية الغرب طالت وتمادت، والمستقبل حتما ليس ما سيصنعه ترامب فقد صممه الغرب الكافر الرأسمالي هاوية وقبرا سحيقا وما ترامب إلا أحد حفاريه، ولكن المستقبل هو ما ستصنعه أمة الإسلام أمة الوحي والهداية والرشد بقيادة أبنائها الأخيار الأطهار حملة دعوة الإسلام العظيم، لإقامة دولة الوحي تصميم الحكيم العليم؛ خلافة النبوة، لتطهير الأرض من رجس الرأسمالية الكافرة الغاشمة وتعلي على أنقاضها خلافة الإسلام الراشدة على منهاج النبوة، حاكمها ومحكومها لا يبغون فسادا في الأرض ولا علوا ولا ظلما ولا عدوانا ولا طغيانا، كلهم عباد لرب الأرباب خاضعون مستسلمون لحكمه وسلطانه يرجون رحمته ويخافون عذابه فكلهم عيال الله وعبيده، فحيهلا إلى الإسلام العظيم وخلافة رحمته.

 

﴿قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الاتهامات الموجهة إلى حزب التحرير

توضيح الحقائق وتفنيد المزاعم

 

تواجه بعض الأحزاب الإسلامية، ومن بينها حزب التحرير، العديد من الاتهامات التي تسعى إلى تشويه صورتها والنيل من مشروعها الإسلامي، وبالذات حزب التحرير الذي يهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة. وكوني أحد شباب هذا الحزب العظيم أحببت أن أوضح لأبناء هذه الأمة العظيمة بجهد شخصي إن أصبت من الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، أوضح ما يلتبس عليهم وما تحوكه الأيادي الآثمة ضد الحزب وضد أفكار الإسلام الصافية النقية، ومن أبرز هذه الاتهامات أن الحزب يعتمد على "أفكار فلسفية خالية من الأدلة"، وأنه يزرع التعصب في صفوف أتباعه، أو أنه يتبع منهجاً مشوهاً للإسلام ينحرف عن عقيدة أهل السنة والجماعة. كما يُتهم الحزب بالانغماس في "التقية" ورفض الوضوح في معتقداته، بل وصل الأمر إلى اتهامه بنفي بعض المسائل مثل عذاب القبر أو التشكيك في صفات الله تعالى.

 

لكن هل هذه الاتهامات تستند إلى حقائق شرعية أم أنها مجرد افتراءات تستهدف إضعاف مشروع الحزب؟ وهل حزب التحرير يخرج عن إطار الإسلام كما يدعي البعض؟ هذا ما سنناقشه بالتفصيل، مستندين إلى الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، مع استعراض طريقة عمل الحزب ومنهجه لتحقيق أهدافه الإسلامية.

 

وللرد على الاتهامات الموجهة ضد حزب التحرير علينا أن نتبع منهجية واضحة ومبنية على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، مع التركيز على تفنيد كل نقطة تم ذكرها بشكل دقيق، وفقاً لمنهجية الحزب وأفكاره كما وردت في كتبه ومنشوراته.

 

1- اتهام حزب التحرير بأنه "قائم على الأفكار الفلسفية الخالية من الأدلة"

 

إن حزب التحرير يعتمد في جميع أفكاره وأحكامه على الأدلة الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الصحابة والقياس الشرعي. وهو يرفض أي فكرة أو حكم لا يستند إلى دليل شرعي قطعي.

- يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا

- وقال النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» رواه مسلم

- حزب التحرير يطبق هذه القاعدة بصرامة، ولا يقبل أي فكرة أو نظام إلا إذا كان مستمداً من الشريعة الإسلامية. وبالتالي فإن اتهامه بأنه يعتمد على "أفكار فلسفية خالية من الأدلة" هو اتهام باطل.

 

2- اتهام الحزب بالتعصب المقيت والقول بأن "منهجهم لا يخطئ مهما كانت الظروف"

 

إن حزب التحرير لا يدعي العصمة لأحد من البشر، بل يؤكد أن العصمة لرسول الله ﷺ فيما يتعلق بالأحكام الشرعية. ومع ذلك، الحزب يلتزم بالدليل الشرعي ويأخذ به دون تردد أو تأويل باطل.

- قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا

- وقال النبي ﷺ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَداً: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي» رواه الحاكم

- الحزب يدعو المسلمين إلى الالتزام بالدليل الشرعي وليس التعصب الأعمى. فالتعصب المقيت هو الانحياز إلى رأي أو فكرة دون دليل، وهذا ما يرفضه الحزب تماماً.

 

3- اتهام الحزب بممارسة "التقية" (الكذب والتلبيس)

 

التقية هي مفهوم عند بعض الجماعات يُستخدم لتبرير الكذب والتدليس لتحقيق غايات سياسية أو دينية. أما حزب التحرير، فإنه يرفض تماماً أي شكل من أشكال الكذب أو التدليس.

- قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ

- وقال النبي ﷺ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ» رواه البخاري ومسلم

- الحزب يدعو إلى الوضوح والشفافية في جميع خطواته، ولا يمارس أي نوع من التدليس أو الكذب. وإذا كان هناك سوء فهم حول بعض القضايا، فهو نتيجة لعدم دراية البعض بأفكاره، أو الاطلاع على أفكاره من غيره، ككتب الذين يقدحون به من دون دليل، من مثل الكتب التي تنشرها عنه أجهزة المخابرات في بلاد المسلمين.

 

4- اتهام الحزب بعدم الوضوح في المعتقدات

 

إن حزب التحرير واضح تماماً في معتقده، وقد بين بالدليل القاطع كيف تبنى العقيدة وهو الجزم والقطع واليقين، ولا تبنى على الظن.

- قال الله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾. وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾.

- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» رواه البخاري

- الحزب ذكر في كتبه أموراً تفصيلية حول العقيدة، مثل كتاب "الشخصية الإسلامية" للمؤسس العالم الجليل تقي الدين النبهاني رحمه الله.

 

5- اتهام الحزب بنفي عذاب القبر

 

إن حزب التحرير يصدق بعذاب القبر لأن دليله ظني، ويعتقد بالجنة والنار، والبعث والحساب لأن أدلتها قطعية.

- قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾.

- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ؛ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري

 

- الحزب لا ينكر عذاب القبر، بل يصدق به لأن مسائل العقيدة شرطها أن يكون دليلها قطعي الثبوت قطعي الدلالة، فلا تبنى العقائد على الظن، وهذا ما سار عليه جمهور العلماء.

 

6- اتهام الحزب بأنه يتبع مذهب المعتزلة في نفي صفات الله

 

إن حزب التحرير يؤمن بصفات الله تعالى كما وردت في الكتاب والسنة، ولا ينكر أي صفة من صفاته، وهذه الاتهامات مردودة لمجيئها مرسلة دون دليل.

- قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.

 

- الحزب يرفض التأويل الباطل الذي يؤدي إلى نفي صفات الله، أو التمثيل أو التشبيه أو الحلول أو الاتحاد، أي أنه يفهم الدين كما فهمه الصحابة في الإيمان بصفات الله دون تشبيه أو تعطيل.

 

7- اتهام الحزب بأنه يعتبر الشيعي والبعثي والإخواني سواء

 

إن حزب التحرير يفرق بين المسلم وغير المسلم، وبين المسلم الذي يلتزم بالشريعة والمسلم الذي يخالفها، فلا يكفر إلا من كفره الله بنص صريح، وهو ليس حزبا تكفيريا.

- قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وقال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ وقال عز وجل: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.

- وقال النبي ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» رواه البخاري

 

- الحزب يدعو جميع المسلمين إلى العمل معاً لإعادة الخلافة الراشدة، لكنه يحذر من الانحرافات العقدية والفكرية ويقوم بالصراع الفكري والكفاح السياسي وهو عينه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

8- اتهام الحزب بأنه ينكر أحاديث الآحاد في العقيدة

 

إن حزب التحرير لا ينكر أحاديث الآحاد، فجل الأحكام الشرعية مبنية على أحاديث آحاد، ومن أبسط أمثلتها رؤية هلال الصوم وتحريم الخمر وتغيير القبلة وغيرها من أخبار الآحاد، ولكن هذه الأحاديث تعد مرتبتها أنها ظنية الثبوت، والعقائد لا تبنى إلا على دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، مما جاء في القرآن الكريم والسنة المتواترة.

 

الخلاصة: إن حزب التحرير يعتمد على الأدلة الشرعية في جميع أفكاره وأحكامه، ولا يقبل أي فكرة أو نظام إلا إذا كان مستمداً من الشريعة الإسلامية. والاتهامات الموجهة إليه غير صحيحة ومبنيّة على سوء فهم أو تضليل. لذا، يجب على من يرغب بمعرفة الحزب أن يطلع على أفكاره من كتبه أو يناقش أحد شبابه ويستقي المعلومات من مصدرها الصحيح المضمون، بل والرسمي على أدنى اعتبار، وإن وجد فيه شيئا من غير الشريعة فليحاجج بالدليل الشرعي لا بكيل الاتهام والكذب، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أبو بكر الجَبلي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

صُبحُ الخلافةِ يَلوحُ في الأُفق

 

 

أصبحت الأمة الإسلامية أقرب من أي وقت مضى إلى أن يشرق عليها صبح الخلافة، وأضحى غروب شمس الحضارة الغربية الرأسمالية وشيكاً، بعد أن انكشفت حقيقتها الفاسدة وظهر فشلها في قيادة البشرية، فالرأسمالية التي حكمت العالم لقرون لم تجلب له سوى الحروب والدمار والاستعمار والظلم.

 

لقد صمد أهل غزة صموداً أسطورياً أمام آلة عسكرية غاشمة اجتمعت فيها كل قوى الشر، بزعامة أمريكا أكبر قوة في العالم، ومع ذلك لم يستطيعوا كسر إرادة أهل غزة أو اقتلاعهم من ديارهم، رغم حجم القتل والدمار الذي أحدثوه. وهذا يدل على أن الأمة، متى ما تخلّصت من قيود حكامها المتخاذلين، قادرة على مواجهة أعدائها والعودة إلى موقع القيادة والسيادة.

 

الرأسمالية تلفظ أنفاسها الأخيرة

 

إن العالم اليوم يشهد مرحلة حاسمة من التحولات والصراعات الدولية، فأمريكا التي تتزعم العالم منذ الحرب العالمية الثانية، تواجه أزمات داخلية وخارجية متزايدة، بينما تعلو أصوات الشعوب بالاحتجاج على الظلم والاستبداد. إن الرأسمالية قد فشلت في تحقيق الاستقرار، وأثبتت أنها قائمة على الجشع واستعباد الشعوب، وأنها لا تأتي إلا بالفقر والاستغلال والأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تعصف بدولها قبل غيرها.

 

واليوم، يتصدر المشهد رئيس جديد لأمريكا، معروف بعنجهيته وصلفه، لا يحترم أحداً من حكام العالم، ليكتب بإذن الله الفصل الأخير في تاريخ أمريكا المستعمرة، كما كان هلاك القياصرة والروم والفُرس من قبل. إن القرارات التي يتخذها هذا الطاغية، من فرض جمارك مجحفة إلى محاولات ضم أراضٍ وجزر إلى أمريكا بحجة الأمن القومي، هي دليل على اضطراب هذا النظام، وسعيه للبقاء بأي وسيلة، ولو على حساب الشعوب والأمم.

 

إن هذه هي سياسة الطغاة، وهذه هي الحضارة الغربية القائمة على فصل الدين عن الدولة، بنظامها الرأسمالي الذي لا يعرف إلا لغة القوة والمصلحة، ويحتكم إلى قوانين وضعها البشر لخدمة الأقوياء على حساب الضعفاء. لكن، في خضم هذا العالم المضطرب، ومع تسارع الأحداث يوماً بعد يوم، تلوح في الأفق صراعات جديدة بين أمريكا والقوى الكبرى، بل وبين الدول نفسها، ما ينذر بقرب انهيار النظام العالمي الحالي.

 

الغرب في مواجهة الإسلام... صراع حضاري محتوم

 

ومما لا شك فيه أن الشعوب ستتأثر بهذه التحولات، وعلى رأسها الأمة الإسلامية، التي باتت تدرك مدى انحطاط الغرب واستبداده. لقد انكشف زيف ادعاءاته بأنه يدعم الحريات الفكرية والسياسية، أو أنه يسعى لحماية حقوق الإنسان والمرأة والطفل، بينما هو في الحقيقة لا يدعم إلا الشذوذ والانحراف وكل ما يناقض الفطرة السليمة، ويعزز السيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها.

 

إن الصراع بين الغرب والإسلام ليس صراعاً سياسياً فقط، بل هو صراع حضاري؛ بين عقيدة الإسلام التي تدعو إلى العدل، وبين عقيدة الكفر التي تقوم على الظلم والاستغلال. وقد أدرك الغرب أن الإسلام هو البديل الحقيقي للرأسمالية، لذلك يسعى بكل قوته لمنع عودته إلى الحكم، ويستخدم في ذلك حكام المسلمين العملاء، الذين هم أدواته في قمع الأمة، وإبقاء بلاد المسلمين تحت هيمنته.

 

لكن الأمة الإسلامية ليست كغيرها من الأمم، فهي أمة عظيمة، تحمل عقيدتها رسالة للإنسانية، وقد بشّر النبي ﷺ بعودتها إلى قيادة العالم حين قال: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ». وهذا وعد الله لعباده المؤمنين، وهو وعد غير مكذوب، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.

 

حزب التحرير... رائد لا يكذب أهله

 

إن حزب التحرير يعمل بين الأمة ومعها، وهو جزء منها، يكتوي بنار الرأسمالية الجشعة، ويعاني من تبعات هيمنة حضارة فصل الدين عن الحياة، التي يتبناها حكام عملاء لا يخشون الله، ولا يبالون بمصير أمتهم، بل يسخّرون أدواتهم من العلمانيين والمنافقين لترسيخ الهيمنة الغربية ونهب خيرات الأمة.

 

إن حزب التحرير يحمل مشروعاً إسلامياً رائداً، ويسعى لاستنهاض أهل القوة والمنعة من جيوش المسلمين المخلصين، ليحملوا منهج الإسلام، ويقيموا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وهو مشروع متكامل، قائم على دستور مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، دستور يُرضي الله ورسوله، ويحكم بين الناس جميعاً بالإسلام، لينعموا بشريعة رب العالمين، التي تحترم الإنسان بوصفه إنساناً كرّمه الله.

إن الأمة اليوم تقف على أعتاب مرحلة جديدة، والخلافة ليست حلماً بعيد المنال، بل هي واقع قريب يتحقق إذا أخذت الأمة بأسباب النصر، واتّبعت منهج النبي ﷺ في إقامة الدولة، فكما أقامها في المدينة بعد أن نصره أهل القوة والمنعة، فإن الأمة اليوم مطالبة بالعمل الجاد لاستعادة سلطان الإسلام، وإقامة دولة الخلافة التي تحكم بكتاب الله وسنة رسوله.

 

يا أمة الإسلام... أفيقي من سباتك

 

إن الغرب، رغم قوته العسكرية والاقتصادية، قد وصل إلى مرحلة الضعف والانهيار، وما تشهده أمريكا وأوروبا من أزمات سياسية واقتصادية هو أكبر دليل على ذلك. ولن يستطيع الغرب، مهما تآمر، أن يمنع نهضة الأمة وعودتها إلى دينها، وإقامة حكم الإسلام.

 

فيا أبناء أمة الإسلام آن لكم أن تعيدوا عزتكم، وأن تعودوا إلى حكم الله، فبالخلافة وحدها يُقام الدين، وتتحرر البلاد، وتُستعاد الكرامة، وتعودوا لقيادة العالم من جديد، فتشرق الأرض بنور ربها. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

 

فإلى العمل أيها المسلمون، وإلى النصرة أيها الضباط المخلصون، فإن نصر الله قريب، وإن الخلافة قائمة بإذن الله، ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سلمان فارس – ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...