اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الشام والمكيدة الكبرى

إدارة دمشق ورئيسها أحمد الشرع مجرد أدوات في ثورة مضادة ناعمة!

 

هي الشام وثقلها الحضاري والجيوستراتيجي، عمقها الحضاري الإسلامي المشع وخطورة مكانتها الجيوستراتيجية في قلب البلاد الإسلامية، يجعل المعادلة الشامية بالغة الحساسية والخطورة، فقد كانت الشام ساحة الصراع الحضاري مع الغرب على مر تاريخ الإسلام، هي الشام وملحمة مؤتة وعظيم تبوك وفتح اليرموك ثم حروبها الصليبية وأمجاد حطين، فحملاتها الاستعمارية وزراعة كيان المغضوب عليهم على أرضها المباركة.

 

فالحديث عن الشام هو حديث عن مركز الصراع الحضاري مع الغرب عبر التاريخ، وقد مثلت ثورة الشام معركة عصرنا في ذلك الصراع، فلما بلغت نضجها الحضاري بوعيها الإسلامي قوبلت بحرب صليبية شرسة وبوحشية منقطعة النظير، استحضر فيها الغرب كل حقده الصليبي الدفين ضد الإسلام وأمته، فاستخدم كل همجيته ووحشيته لإبادة أهلها، وكل كيده ومكره السياسي لاختراق حصون الثورة وإغواء ثوارها ونخاسة ذممهم لحرف بوصلتهم وحرق ثورتهم.

 

فكما حرك الغرب وأمريكا تحديدا صاحبة النفوذ في قضية الشام آلة القتل وسفك دماء أهل الشام، فقد حركوا ماكينة الكيد والمكر السياسي بثوار الشام، وأوكلت أمريكا لأردوغان مهمة التنفيذ الميداني، وذلك الذي كان؛ فقد اخترق حصون الثوار ووظف المال القذر المسموم مغلفا بدعم الثورة لشراء الذمم وصناعة رخيصي خَدَم الاستعمار وأدوات الثورة المضادة، وكان أردوغان واستخباراته معملا وغرفة لإدارة الثورة المضادة بأسلوب ناعم وصناعة أدواتها من ثوارها، وكان مكرا وكيدا شديدا بثورة الشام.

 

فكان من أعمال الثورة المضادة التي قادها أردوغان بادي الأمر عملياته العسكرية ذات الأهداف السياسية القذرة، وكانت ضمن سياسته الفعلية في تنفيذ مخططات أمريكا القاضية بالإبقاء على الشام ضمن دائرة نفوذها وتحت سيطرتها. فكانت عملية درع الفرات سنة 2016 وكان هدفها سحب الثوار من المناطق الحيوية للنظام وتحديدا حلب، ثم عملية غصن الزيتون 2018 للتحكم في إدلب التي تم اختيارها عن تدبير ماكر لتصبح حاضنة للثوار، فتغلغل نظام أردوغان في مفاصل الثورة وجسم الفصائل وخاصة بعد إنشاء ما سمي بالمناطق الآمنة بموجب اتفاقيات أستانة وسوتشي، وكان نظام أردوغان هو الضامن والمشرف بموجبها، ومعه تعاظم دوره من داخل الثورة والفصائل وغلف بالدعم والمساعدة على الإدارة والخدمات وحفظ الأمن، فقام بإنشاء إدارات وشرطة محلية وهياكل أمنية وبنيات اقتصادية ومبان تعليمية ومستشفيات ومرافق صحية، كما حرك جمعيات (المجتمع المدني) في تركيا لإنجاح عملية الاختراق والتغلغل في جسم الثورة عبر مشاريع غلفت بالإغاثة والصحة والخدمات والأمن، كما ساهم في تأسيس الجيش الوطني السوري وأشرف على التدريب والتجهيز، وقام بإنشاء شرطة المدن وكان له الإشراف والتنسيق، ومد خطوط كهرباء عبر تركيا إلى إدلب ما سمح للعديد من الأنظمة في إدلب بالعمل، كما أسس أنظمة اشتراك عبر البنوك، ما أتاح إحياء قطاع المصارف والتحكم في الحركة الاقتصادية، فأصبحت قضايا السياسة والاقتصاد والأمن والعسكرية تحت سيطرته، وحل محل نظام سفاح دمشق في إدارة المناطق المحررة، ومعها أمسك أردوغان بكل خيوط الثورة المضادة.

 

وهكذا لما تحولت إدلب إلى حاضنة للثوار وتضاعفت ساكنتها لتصل إلى 4.1 مليون نسمة، كانت حقيقة واقعها أنها تحت قبضة نظام أردوغان، ثم وجد أردوغان ضالته في هيئة تحرير الشام وقيادتها لكي تنوب عنه في الإدارة المحلية، ونسجت تلك العلاقة السامة الخائنة بين قيادة هيئة الشام وأجهزة نظام أردوغان وخاصة استخباراته، وذلك الذي صرح به وكشف عنه وزير خارجية تركيا حقان فيدان. فأخذت ثورة الشام منعطفا خطيرا فقد صير نظام أردوغان من فصائل الثوار وقادتهم أدوات في الثورة المضادة الناعمة ومن داخل الثورة لتنفيذ مخططات أمريكا في حرق الثورة والإبقاء على الشام في دائرة نفوذ أمريكا وتحت سيطرتها. ونظراً لأن تركيا كانت الدولة الضامنة في إدلب وفقاً لاتفاقيات أستانة وسوتشي فقد كانت الإدارة الفعلية في إدلب لنظام أردوغان، الأمر الذي استجابت له هيئة الشام ووافقت عليه، وكان من مخرجاته مطالبة تركيا الهيئة بتطهير صفوفها من العناصر الأجنبية وضمان مركزية التنظيم، وهو ما استجاب له قائدها، وانخرطت الهيئة بعدها في الثورة المضادة والمشروع الأمريكي للشام تحت إدارة نظام أردوغان.

ثم بدأت هيئة الشام بقيادة الجولاني في خرق سفينة الثورة والمكر بأهلها والتنكيل بثوارها، وكان على رأس أهدافها في إدارة ثورتها المضادة أصحاب المشروع الحضاري الإسلامي حزب التحرير، فهو الخطر السياسي والاستراتيجي الحقيقي المعادي والناسف للمشروع الأمريكي، فهو العدو الأول للثورة المضادة والقائد الحقيقي للثورة، فكانت تلك القسوة والشراسة في التعامل مع الحزب وشبابه القابعين حتى اليوم في سجون الجولاني بإدلب، وكانت هذه السياسة ترجمة فعلية للصراع بين مشروع الإسلام بالشام؛ مشروع ثورتها والذي يحمله حزب التحرير، وبين مشروع الاستعمار الأمريكي؛ مشروع الثورة المضادة الذي تديره تركيا عبر وكيلها المحلي هيئة الشام نيابة عن أمريكا، فتصريحات الرئيس الأمريكي ترامب بشأن أردوغان كاشفة وفاضحة "أردوغان رجل ذكي وقوي جداً... مفتاح سوريا في يد تركيا". وعبر عن ذلك كذلك المستشار الإعلامي السابق لأردوغان الإعلامي كمال أوزتورك الذي تولى بعدها مهام المدير العام لوكالة الأناضول للأنباء، بعد زيارته الميدانية لسوريا نهاية 2024 صرح "رأيت في سوريا عقل دولة، هذا العقل ليس أمريكياً، ولا إسرائيلياً، ولا بريطانياً، هذا العقل الذي يحكم الساحة هناك هو تركيا".

 

وفي سنة 2023 بلغ الصراع السياسي ذروته بين مشروع الإسلام الذي يحمله حزب التحرير ومشروع الاستعمار الذي يحمل وِزْرَهُ أردوغان وتابعه الجولاني، انكشف وافتضح معه دورهما، واستعادت الثورة أوجها وتوهجها وصدح الناس بخيانة الجولاني وخيانة النظام التركي للثورة، وتعاظمت الاعتقالات في صفوف شباب حزب التحرير وتعاظمت الاحتجاجات وشملت المدن المحررة، وبات الوضع بالنسبة للجولاني ومن ورائه النظام التركي ومن ورائهم جميعا أمريكا وضعا حرجا مقلقا.

 

فجاءت عملية رد العدوان في 28/11/2024 من تصميم تركيا لإعادة تأهيل الجولاني بعد أن تعالت الأصوات بخيانته للثورة وتعمية على دور النظام التركي المتآمر، وكان سقف العملية حدود حلب، لكن حركة المجاهدين في المناطق غير الخاضعة للجولاني قلبت المعادلة فتعدت حلب إلى حماة وحمص، وبدأ تساقط المدن تباعا، وهنا تسارعت الأحداث ومعها تسارعت المؤامرة في قطع الطريق أمام خلص الثوار، وتم حقيقة فتح طريق دمشق أمام الجولاني وأعلنت بعدها الإدارة والحكومة والرئاسة بعد سقوط بشار الأسد، وفُرض الجولاني على عموم الثائرين، وكان الأمر قد دبر بمكر وكيد شديدين، ثم تقاطرت سيول الوفود الغربية على دمشق واللقاء بالجولاني، ثم زياراته المكثفة لدول الجوار كيانات الاستعمار، وكان هذا من فصول المؤامرة لفرض الجولاني أمرا واقعا وحاكما على أهل الشام ثم بعدها رئيسا، بعد أن تخفف من عمامة الجولاني ولبس بدلة أحمد الشرع للحكم بالنظام الجمهوري تحقيقا لأهداف الثورة المضادة.

 

ثم توالت وتسارعت فصول الثورة المضادة عبر إدارة أحمد الشرع، من الإعلان الدستوري ولجنة فقهائه العلمانيين إلى الدستور العلماني ونظامه الجمهوري وإعلان التزامه بالدولة الوطنية وحدود سايكس بيكو التي استباحها كيان المغضوب عليهم كل يوم وهو في خزي وظيفته الاستعمارية يستنكر ويناشد الغرب المستعمر (المجتمع الدولي) سيرا على سنن حكام الخيانة والعار، وتوالت زياراته لدول الجوار لتأكيد أنه جزء من المنظومة الاستعمارية القائمة بالمنطقة. ثم كانت الاتفاقية الكاشفة الفاضحة لإمساك أمريكا بخيوط الحكم في دمشق، الاتفاقية التي تمت بين أحمد الشرع ومليشيات قسد بإدارة أمريكية مباشرة، فقد كشفت مصادر خاصة للتلفزيون السوري أن الاتفاق جاء بدفع مباشر من أمريكا، وذلك ما صرح به مسؤول أمريكي عن إشراف أمريكا عن الاتفاقية. ثم ذلك الالتصاق الأمني بالنظام التركي ما جعل من أحمد الشرع تابعا لأردوغان في تنفيذ مشاريع الاستعمار الأمريكي في سوريا.

 

إن ما يقع في الشام هي ثورة مضادة ناعمة مكتملة الأركان، كان غزل خيوطها في إدلب وأنشئت حينها للثورة المضادة إدارة، واليوم يتم نسج تلك الخيوط في دمشق بعد أن أصبحت للثورة المضادة دولة، تحت إدارة سمسار أمريكا أردوغان وتابعه الجولاني، فما يتم اليوم هو إعادة الشام لحظيرة الاستعمار؛ كان نظاما جمهوريا وبقي نظاما جمهوريا، كانت دولة وطنية بحدود سايكس بيكو وبقيت كذلك، كانت لها خرقة الاستعمار علماً وبقيت كذلك، كانت دولة وظيفية للاستعمار وبقيت على ذلك، كان الأسد الأب والابن رئيسا عميلا خادما للاستعمار خائنا للإسلام وأمته، وأحمد الشرع اليوم في طور الإعداد والتأهيل لهكذا دور، وتراه يجهد في إرضاء الاستعمار لاستلام المنصب خلفا لسفاح الشام!

 

فأمريكا اليوم تستميت في أن تبقي الشام تحت نفوذها وأردوغان وتابعه أحمد الشرع بدمشق أدواتها لتحقيق ذلك.

 

ولكن بالشام ثلة مؤمنة تحمل ترياق الخلاص مشروع الإسلام العظيم وعظيم دستوره وأنظمته وأحكامه، وأهل الشام المؤمنون الصابرون تواقون لاستئناف حياتهم الإسلامية ومعهم أمتهم، وصناديد المجاهدين الثائرين العقائديين، وما على الله بعزيز أن ينقاد مؤمنو الشام لمشروع إسلامهم وحملته وينصره صناديد المجاهدين الثائرين، فتلتحم الحاضنة والأنصار بحملة مشروع الإسلام العظيم وقادته، فيتنزل أمر الجليل نصرا وتمكينا لعباده المؤمنين المستضعفين ومكرا بالكافرين المجرمين ومعهم خونة المنافقين، فترفع راية الإسلام وتعلو كلمته فتكون بإذن الله خلافة على منهاج النبوة إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل وتطهيرا للشام وأرضها المباركة من رجس الصليبيين وكلابهم من المغضوب عليهم وأذنابهم من الحكام الخائنين.

 

﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 183
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    184

بسم الله الرحمن الرحيم

إيران وتراجعها عن برنامجها النووي

 

 

تراجعت إيران عن موقفها المتشدد بشأن برنامجها النووي، بالتزامن مع التهديدات الأمريكية بعملية عسكرية ضدها. حيث قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده لن تسعى إلى البحث أو إنتاج أو امتلاك السلاح النووي تحت أي ظرف من الظروف. فبعد مرور عشر سنوات على توقيع الاتفاق النووي الذي تم الاتفاق عليه عام 2015م - سبع سنوات على انسحاب أمريكا منه بشكل أحادي - فإن الملاحظ أنه لا يوجد حتى الآن أدنى دليل على أن إيران انتهكت هذا الالتزام. وهذا ما أكدته تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، التي اعترفت مؤخرا بهذا الأمر بشكل كامل، كما لوحظ أن التفاعل الدبلوماسي كان هو خيار إيران الوحيد في الماضي، وظل فعالاً حتى الآن، وسيظل مستقبلاً، ما بدا واضحا للجميع أنه لا يوجد شيء اسمه خيار عسكري، ناهيك عن حل عسكري. وقد سبق أن صدرت تصريحات إيرانية مماثلة قبل نحو شهر، تؤكد عدم رغبتها في الحصول على سلاح نووي تحت أي ظرف من الظروف، مع أن كافة التصريحات السابقة كانت أكثر حدة وتطرفاً بهذا الشأن، وذلك أن الملف النووي الإيراني بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية هو جزء مهم من سياسة أمريكا مع إيران، بل ويتداخل مع مسائل أخرى ليصبح ذا أبعاد إقليمية ودولية في الاستراتيجية الأمريكية، لذلك نرى أمريكا منذ توقيع الاتفاق سنة 2015 والتنصل منه سنة 2018 وسياسة مفاوضات العودة إليه كما يحصل اليوم، نراها تتمايل يميناً وشمالاً بخصوصه وفق ما يستجد من معطيات في سياستها. وبالتدقيق في رؤيتها الاستراتيجية للبرنامج النووي الإيراني نجد أن سياستها أقرب إلى إدارة هذا الملف منها إلى حله، كما أن هذه الرؤية لا تنفصل بحال عن استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة الإسلامية والدولية.

 

لكن الانقسام الداخلي في أمريكا قد أثر بقوة على البرنامج النووي الإيراني، فقد كانت فترة إدارة ترامب الأولى هي الفترة التي وصل فيها الانقسام الأمريكي حداً خطيراً، فهاجم الرئيس ترامب وقتها سياسة سلفه أوباما بخصوص برنامج إيران النووي، فبالإضافة إلى خروجه من الاتفاق النووي سنة 2018 أعلن عن عقوبات قصوى ضد إيران وفتح المجال لكيان يهود للمزيد من النيل من إيران، ولأنه يتصرف بعنجهية، فقد قام بإذلال إيران حين قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في حرسها الثوري بداية كانون الثاني/يناير 2020، ولأن إدارة ترامب الجمهوري كانت ولا تزال في حالة وئام تام مع كيان يهود بقيادة نتنياهو بعكس إدارة أوباما الديمقراطي، فإن كيان يهود قد أخذ يتمادى في ضرب الأهداف الإيرانية، سواء أكانت أهدافاً نووية مباشرة كتخريب محطة نطنز، أم غير مباشرة كقيامه بسرقة وثائق نووية حساسة من إيران بالإضافة إلى عمليات اغتيال متعددة لعلماء وخبراء نوويين إيرانيين.

 

ورغم قدرة إيران على إنتاج قنابل نووية إلا أنها لم تفعل، فقد ذكر تقرير جديد للاستخبارات الأمريكية نشر في 6 كانون الأول/ديسمبر 2024، أن إيران قادرة على إنتاج أكثر من 12 قنبلة نووية إذا قامت بتخصيب مخزوناتها من اليورانيوم، لكنها لم تتخذ بعد قرارا بصنع مثل هذا السلاح. ووفقا للتقرير نفسه، والذي يقر فيه بقدرتها على إنتاج البلوتونيوم الصالح للاستخدام في الأسلحة بسرعة إذا اختارت ذلك بمخزوناتها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 و60%، بالإضافة إلى امتلاكها أكبر مخزون من الصواريخ الباليستية في المنطقة والتي استخدمت بعضها في الهجوم على كيان يهود الغاصب، ولكن مع الأسف فقد أتى رد يهود كما وصفه قائد القوات المسلحة البريطانية توني راداكين، أنه دمر قدرة إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية لمدة عام.

 

لقد كانت أمام إيران فرص عدة لامتلاك السلاح النووي ومنها ما صرح به خبراء عسكريون أنه لا يزال هناك احتمال واضح بأن تعلن إيران نفسها قوة نووية بحلول نهاية عام 2024، فيما مستقبل أمريكا السياسي غير مؤكد وسط انتخابات رئاسية متنازع عليها بشدة. فقد ذكرت تصريحات لفوكس نيوز ديجيتال، حيث قال جيمس كارافانو، نائب رئيس دراسات السياسة الخارجية والدفاعية لمؤسسة هيريتيج "أعتقد أن هذا خيار حقيقي... أعني، إذا كنت مكان الإيرانيين وكان عليّ أن أفعل ذلك، فإني سأفعله الآن لأن الرئيس بايدن لن يفعل شيئا". فجاء رد إدارة بايدن، حيث صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لفوكس نيوز ديجيتال بالقول: "نحن ملتزمون بعدم السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي، ونحن مستعدون لاستخدام جميع عناصر القوة الوطنية لضمان هذه النتيجة".

 

مع كل ذلك الأخذ والرد في قضية امتلاك إيران للسلاح النووي، فهل يمكن لإيران أن تصبح قوة نووية؟ نعم يمكن أن تكون لو لم تربط سياستها الخارجية بأمريكا، ومن ثم تصبح قوة ذات شأن. لكن ربطها نفسها بسياسة أمريكا لتدور في فلكها يجعلها لا تكون، وهي مستمرة كذلك لأن نخبتها الحاكمة قد استمرأت الارتباط بالسياسة الأمريكية لا تنفك عنها بحال، فبدل أن تتحكم هي بالاتفاق النووي ربطت ذلك بمحادثات فينّا أي بموافقة أمريكا، فقد قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، في مؤتمر صحفي، حسب جريدة إندبندنت عربي في 13/6/2022 "إذا تم إنجاز اتفاق في فينّا، فكل الإجراءات التي اتخذتها إيران قابلة للعودة عنها تقنياً". لذلك فإن تغييراً جوهرياً في إيران أمر مستبعد إلا أن تُحكِّم الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، وتقطع علاقتها بأمريكا قطعاً لا رجعة بعده. نقول هذا ونحن نستبعد حدوثه من الساسة الإيرانيين الحاليين، ولكن ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله القاضي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

مع اقتراب إعلان قيام دولة الخلافة

حيوية الأمة الإسلامية بمبدئها وتاريخها الحافل بالوفرة السكانية يؤهلها لصدارة الأمم

 

 

تلعب مراكز الدراسات الغربية عن الشرق، أي المسلمين، المعروفة بالاستشراق - منذ نشأتها - دوراً رئيسياً في صنع سياسة الدول الغربية، بغية استشراف المستقبل، ورسم الخطط لمواجهة مجرياته. تتضمن أبحاث مراكز الدراسات تلك، الوقوف على أحوال المسلمين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حول العالم، ووضعها تحت المجهر من أجل التأثير فيها لصالح سياسات الدول الغربية. فقد شهد بزوغ الألفية الميلادية الثالثة إجراء مراكز الدراسات والأبحاث استطلاعات عن رغبة المسلمين من عدمها في تطبيق الشريعة الإسلامية مكان الأنظمة الغربية المطبّقة عليهم في بلدانهم، وذهول الغربيين بنتائج تلك الدراسات، برغبة المسلمين الجامحة في إعادة تطبيق نظام الإسلام في حياتهم، في جميع الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية... الخ ما دفع تلك المراكز، إلى إجراء مزيد من الدراسات، لاستيضاح أمر عودة المسلمين على ما كانوا عليه قبل عام 1342هـ-1924م!

 

في مقالنا هذا، سوف نتطرق إلى الحديث عن الجوانب الاجتماعية الإحصائية السكانية المتعلقة بالمسلمين، التي تجريها مراكز الدراسات الغربية، وترتبط هذه الإحصائيات السكانية ارتباطاً وثيقاً بالجوانب السياسية والاقتصادية، ولا يمكن فصلها عنها.

 

مع مطلع الألفية الثالثة للميلاد، ووضع الحزب الجمهوري الأمريكي، مشروع القرن الأمريكي الجديد، الذي يهدف للسيطرة الأمريكية على خيرات العالم، وإبعاد المنافسين الحاليين "أوروبا والصين"، والمنافس المستقبلي "دولة الخلافة" مع احتفاظ أمريكا بفجوة كافية مع المنافسين، تضمن لها استمرار سيطرتها، قامت مؤسسة الدراسات الأمريكية "راند" بدراسة قامت خلالها بتقسيم المسلمين وتهيئتهم لمواجهة بعضهم بعضاً. ولكن لم تستطع الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال ربع قرن، من إحراز تقدم فيه، ما جعلها تصدر إحصائيات سكانية جديدة، أبرزت خلالها العلمانيين "فاصلي الدين عن الحياة" من أبناء المسلمين، بغية إحداث شروخ وندوب جديدة في الأمة الإسلامية، وكمبادرة لمنعها من اقتعاد دور الريادة، من خلال إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

 

إن الأمة الإسلامية حيوية بطبيعتها، من حيث تبدأ من وجهة نظر المبدأ الصحيحة عن الكون والإنسان والحياة، بأنها جميعها مخلوقة لخالق خلقها وهو الله تعالى، وجعل لها نظاماً ينبغي أن تسير عليه. والإنسان هو المكلف بالحفاظ عليه، دون سائر المخلوقات، من خلال الحفاظ على الإشباع الصحيح لغريزة حفظ النوع الإنساني لدى رعايا الدولة الإسلامية، وفق النظام الاجتماعي في الإسلام، عن طريق الزواج، وإشاعته وتيسيره. فهو من جهة يشيع الطمأنينة في المجتمع، كما أن تعدد الزوجات يزيد من تعداد السكان ويقلل من مظاهر العنوسة والعزوف عن الزواج، ويمنع الزنا ويحاربه، ويقلل من انتشار الأمراض الجنسية بين أفراد المجتمع. إلى جانب وجود الرعاية الصحية المجانية للجميع. فالنمو والزيادة السكانية المستمرة هي علامة صحة للأمة، والعكس بالعكس تماماً، فانخفاض عدد السكان وتفشي الأمراض بين أفراد المجتمع وتدهور صحتهم علامة من علامات انحطاط الأمم. كما يلعب دخول شعوب جديدة في الإسلام، دوراً إضافياً في ازدياد النمو السكاني بشكل طبيعي، ويرفد الأمة الإسلامية بدماء جديدة، تشارك في ازدهارها.

 

تشهد أعداد المسلمين حول العالم تزايداً، يتزامن مع تزايد أعداد الداخلين في الإسلام، في الوقت الذي يشهد الغرب تراجعاً سكانياً في عمومه، ما يجعل المسلمين يتصدرون التعداد السكاني على الكرة الأرضية. مع وجود برامج الإحصاء وخوارزميات برامج الحواسيب وانتشار برامج مساعدات المنظمات في طول وعرض بلاد المسلمين، إلى جانب مؤتمرات السكان حول العالم، استطاع الغرب أن يحصل على إحصائيات وتقديرات مقاربة لتعداد المسلمين حول العالم. الآن سكان العالم الثالث خمسة أضعاف العالم الأول، أي سكان الغرب، وفي 2050 سيكون عشرة أضعاف. لهذا لجأوا إلى مشروع الاستنساخ، وحضانات حمل الأجنة خارج الأرحام، لكنها لم تُجْدِ نفعاً.

 

إن سكان آسيا الوسطى "أفغانستان، أوزبيكستان، طاجيكستان، قرغيزستان، تركمانستان، كازاخستان" يلامس الآن 180 مليون نسمة. وفي غضون 25 عاماً سيساوون سكان روسيا. وسيساوي سكان تركيا وحدها سكان روسيا، وسيقترب سكان إيران من سكان روسيا.

 

يشير موضوع النمو السكاني في الأمة الإسلامية إلى تزايد عدد المسلمين حول العالم بنسبة 7 أضعاف خلال المائة عام المنصرمة، من 221 مليوناً في عام 1910م، إلى 1.553 مليار عام 2010م، ومن المتوقع أن يزيد عدد المسلمين بين عامي 2015 و2060 إلى 2.8 مليار نسمة.

 

إلى جانب النظرة الصحيحة عن الكون والإنسان والحياة، التي تنبثق عنها معالجات مشاكل الإنسان، والثروات الطبيعية التي حباها الله للأمة على الأرض، والموقع الجغرافي من حيث مكانته على الكرة الأرضية كتوسطه بين القارات، وامتلاكه السيطرة على خطوط المواصلات البرية للنقل والتجارة، وإطلالة موقعه على البحار والمحيطات، يعد العامل السكاني "الديموغرافي" عاملاً من عوامل قوة الدول، فكل أمة من الأمم لديها عدد سكاني، يبين مع مقارنتها بغيرها من الأمم، لمن الكفة الراجحة في الكثرة، فالتعداد السكاني يبرز قوتها من ضعفها، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الشباب فيها، الذين تلقى على عاتقهم القيام بكافة الجهود والأعمال داخل الدولة. ويؤشر التعداد السكاني على أن الدولة لديها ما يكفي من السكان تستطيع توزيعهم على مناحي الحياة الزراعية والبحرية والصناعية والعسكرية... الخ. كما أن معرفة وجود معدلات أعمار السكان، من ذكور، وإناث، شباب، وأطفال، وكهول، يكون قوة أخرى تضاف إلى العامل السكاني.

 

عند نهاية النصف الأول من القرن الثامن عشر كان رعايا الخلافة العثمانية 76.150.000 نسمة، يسكن العاصمة إسطنبول 1.400.000 نسمة، فيما كان تعداد سكان فرنسا 22.653.000 نسمة، يسكن العاصمة باريس 600.000 نسمة، وتعداد سكان بريطانيا 12.985.000 نسمة، يسكن العاصمة لندن 800.000 نسمة، روسيا 15.000.000 نسمة، يسكن موسكو 120.000 نسمة. هولندا 7.950.000 نسمة يسكن أمستردام 200.000 نسمة. البرتغال 6.600.000 نسمة، يسكن لشبونة 250.000 نسمة، الدنمارك 1.760.000 نسمة، السويد 1.800.000 نسمة.

 

إن مجيء منظمة الصحة العالمية المنبثقة عن الأمم المتحدة في 1945م، جعلتها الدول الغربية تركز أعمالها على الوصول إلى كافة الأمم في بقاع العالم المختلفة، ومباشرة برامجها فيها، التي تهدف إلى خفض أعداد سكان تلك الأمم، لعدم كفاية مواردها "بحسب نظرية مالتوس" وفي مقدمة تلك الأمم الأمة الإسلامية التي ترتفع فيها نسبة الشباب لكبار السن، ونسبة المواليد عن نسبة المتوفين، نتيجة خصوبة النساء المرتفعة؛ لإتمام إحكام قبضتها على العالم دون منافس، واستنزاف خيراته وموارده، وتحويل موقعه الاستراتيجي عن أهله لصالحها، وجره وراءها بالحضارة الغربية الفاسدة. وبحسب الإحصائيات السكانية، في عام 2000م فإن جميع الدول الأوربية الـ47 تموت بنسبة مواليد منخفضة، باستثناء ألبانيا المسلمة، بنسبة مواليد مرتفعة. منذ عشرين سنة من الآن حذر عالم السكان من جامعة روما الإيطالي غوليني من أزمة سكانية وشيكة في إيطاليا، نتيجة المجتمع الشائخ قليل الشباب، لأن النساء لم يعدن يخططن للإنجاب، بحسب إحصائية لمجلة نوا دون الشعبية.

 

ويذكر بوكنان في كتابه "موت الغرب" ص28: "وإذا كان الغرب في قبضة "ثقافة الموت" كما يجادل البابا وكما تبين الإحصاءات على ما يبدو، فهل توشك الحضارة الغربية أن تلحق بإمبراطورية لينين إلى النهاية المشينة نفسها؟"، ناهيك عن العافية والتعافي، وانتشار الأمراض، فقد ذكرت صحيفة الثورة الصادرة في صنعاء يوم 16/01/2025م عن دراسة جديدة إلى نتائج صادمة عن تضاعف عدد حالات الخرف في الولايات المتحدة لدى كبار السن، وهو الأمر الذي يرجع بشكل مباشر إلى شيخوخة السكان في أمريكا، وأن اليابان تعاني من نقص السكان، وزيادة الشيخوخة، وفق استطلاع أجرته شركة نيكي للأبحاث، لصالح وكالة رويترز مطلع عام 2025م. وعدد سكان الصين ينخفض للسنة الثالثة على التوالي.

 

لقد جعل الله نظاماً للكون والإنسان والحياة ينظمها جميعاً، ومن نظامه أن أمر الرجال والنساء بلبس الساتر للعورات، وحفظ فروجهم فقال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾، كي يعود على المجتمع بالعفاف، وصيانة له من انتشار الفواحش، وجعل عقوبة مرتكبيها رادعة، حفظا للأنساب، وأمرنا بالزواج، فقال: ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾، ونهانا عن العزوف عن الزواج، فقال رسول الله ﷺ «... لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». ويتبع ذلك كثرة الأبناء، بنين وبنات. وكما أمرنا بالعفاف أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتكاثر، ونهانا عن حمل هم الرزق، حيث قال سبحانه: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، وحصل للمولودين رزقاً من بيت مال المسلمين، منذ عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: «تَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ، وَلَا تَكُونُوا كَرَهْبَانِيَّةِ النَّصَارَى»، وحث المسلمين على تيسير مهور بناتهم، حيث قال رسول الله ﷺ: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً». فالنظام في الإسلام من خالق الكون، بما يحويه من أرزاق، والإنسان الموهوب للحياة من الله، هو القائم على تطبيق النظام، وحياة بقية الكائنات الحية، التي جعلها الله بيده وحده.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس شفيق خميس – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

أحداث غزة الأخيرة من زاوية الإسلام

 

 

 

الحمد لله الذي جعل الإسلام عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام وجعل التفكير على أساس هذه العقيدة هو النجاة والحياة على أساس ما تفرع عنها وانبثق منها وهو السعادة في الدنيا والآخرة، وجعل الجهاد في سبيله طريقة لحمل هذه العقيدة وحفظها وذروة سنام هذا الدين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

نعيش اليوم لحظة من أشد اللحظات ألماً وأعمقها جراحاً في تاريخ أمة الإسلام، مع ما يجري في غزة من مجازر بشعة وجرائم فظيعة تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم بأسره. ولعلنا نسلط الضوء على الأحداث من زاوية الإسلام، وعلى أساس العقيدة الإسلامية، وبفهمٍ دقيقٍ للواقع، واستنباطٍ شرعيٍّ مستنير.

 

سنناقش ما يحدث في غزة من مختلف الزوايا: السياسية، الشرعية، العسكرية، والإنسانية، وسنُبرز دور الأمة الإسلامية، شعوباً وجيوشاً، في التعامل مع هذه القضية، وموقف الأنظمة العربية، ومآل هذه الأمة إن قامت بواجبها الشرعي. فمرحباً بكم، ولنشعل من كلماتنا جذوة الغضب لله، والغيرة على حرماته.

 

غزة، هذه البقعة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 365 كلم مربعاً، تحولت إلى قلعة صمود وإرادة فولاذية، وميدان يُعيد للأمة الإسلامية بوصلتها نحو قضاياها المصيرية. لا تكمن أهمية غزة في موقعها الجغرافي فحسب، بل في رمزيتها كحامية للكرامة والعقيدة، وكشعلة مقاومة ضد أحد أشد أشكال الاستعمار بطشاً. فمنذ عام 2007م، وهي ترزح تحت حصار خانق من البر والبحر والجو، فرضه الاحتلال بمساعدة نظام دولي لا يُبقي لحقوق الإنسان وزناً، وبمشاركة مباشرة أو تواطؤ مخزٍ من بعض الدول العربية، وفي مقدمتها النظام المصري، الذي يتحكم في معبر رفح شريان الحياة الوحيد لغزة، والسلطة الفلسطينية التي مارست دوراً تنسيقياً أمنياً مع الاحتلال رغم كل ما ارتكبه من فظائع. وعلى الرغم من هذا الواقع القاسي، تظل غزة واقفة شامخة، تقاتل باللحم الحي، وتُلهم الأمة كلها بالثبات والتضحية.

 

في العدوان الأخير الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ارتكب الاحتلال أبشع المجازر وأشنع الجرائم، والتي فاقت في وحشيتها كل تصور، حتى باتت تُقارن بأبشع الإبادات في التاريخ الحديث. فقد استخدم الاحتلال قنابل فراغية ومتفجرات ذات قدرة تدميرية عالية في مناطق مكتظة بالسكان، ما أدى إلى استشهاد عشرات الآلاف من أهل غزة. كما لجأ إلى تجويع السكان وقطع الماء والكهرباء والدواء عنهم، ما تسبب بكارثة إنسانية حقيقية. حتى وصفت منظمات حقوق الإنسان الدولية هذا العدوان بأنه "جريمة حرب ممنهجة". وأشارت تقارير الأمم المتحدة الصادرة عن وكالة الأوتشا إلى أن أكثر من 1.9 مليون فلسطيني، أي ما يعادل 85% من أهل غزة، أُجبروا على النزوح من منازلهم، وأصبحوا بلا مأوى. كما ذكرت منظمة الصحة العالمية أن النظام الصحي في غزة "انهار تماماً" بسبب القصف المتكرر على المشافي ونقص الإمدادات. وتحدثت اليونيسف عن مئات آلاف الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية حادة جراء ما شهدوه من مجازر ودمار. كل هذه الجرائم لم توقف صمود غزة، بل زادتها ثباتاً وإصراراً، لتبقى منارة تحدٍّ وشموخ في وجه الطغيان العالمي.

 

  • أكثر من 52.000 شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية (آذار/مارس 2025).
  • أكثر من 70.000 جريح، يعاني كثير منهم من إعاقات دائمة.
  •  
  • دُمِّرت أكثر من 60% من البنية التحتية في غزة: مشافٍ، جامعات، مدارس، مساجد، شبكات مياه وكهرباء.
  •  
  • قُصف أكثر من 250 مسجداً، و8 كنائس، في استهدافٍ مباشر للهوية الدينية والحضارية.
  •  

ومع هذا، لم تنكسر غزة، بل أثبتت أنها واحة صمود في بحر من التخاذل. خرجت منها كتائب القسام وسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين وغيرها، لتعلن أن الاحتلال لن يعرف الأمن بعد اليوم، وأن جذوة المقاومة تتقد في القلوب قبل البنادق. لقد حوّلت غزة، رغم الجراح والحصار، إلى قاعدة ردع حقيقية تهز كيان العدو، ونجحت في إفشال كل مساعيه لتحقيق "نصر حاسم". لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت ملحمة صمود رسخت أن الإرادة الإيمانية والتوكل على الله يتفوقان على ترسانة الحديد والنار. وهكذا فإن أهل غزة، بعزتهم بالإسلام، قد حطموا أوهام العدو، وزلزلوا كيانه، رغم أن ميزان القوى المادي لا يميل لصالحهم، ولكنها سنن الله في نصرة من ينصره.

 

أول ما ينبغي إدراكه أن ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان سياسي، بل هو عدوان شامل على الإسلام ذاته، وهجوم سافر على عقيدة الأمة وكرامتها ووجودها، واستهداف مباشر لأبناء أمة محمد ﷺ الذين ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله. لقد تجاوز العدو كل الحدود، فلم يراعِ حرمة لمسجد، ولا لجسد طفل، ولا لأعراض النساء، وهو في كل ذلك يجد من الأنظمة العربية من يؤازره بالصمت، أو الدعم، أو الحصار. والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ...﴾. وقد بيّن أهل العلم أن ترك نصرة المستضعفين مع القدرة هو من أعظم الكبائر. قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "هذه الآية دليل على وجوب استنقاذ المستضعفين في بقاع الأرض، وأن ذلك واجب على الأمة كلها، إما على الكفاية وإما على التعيين بحسب الحال". وقال ابن تيمية رحمه الله: "إذا نزل العدو ببلد من بلاد المسلمين، وجب على أهله الدفع، فإن لم يكفوا وجب على من يليهم، حتى يشمل ذلك الجميع".

 

وها هي غزة اليوم تصرخ، فتخاطب نخوة الجند، وتستنفر ضمائر القادة، وتستحث قلوب المسلمين كافة، أن هبّوا لنصرتنا، فإن الذبح بلغ الحناجر، والعدو لا يفرق بين كبير وصغير، ولا بين مقاوم أو أعزل. فهل ننتظر حتى يستأصلوا شأفة أهل غزة كما استأصلوا غيرهم؟ ألا فلينتفض جند الإسلام، فوالله إن قلوب الأمة ترنو إليهم، وتنتظر منهم ساعة صدق يتقربون بها إلى الله، فيرفعوا راية الإسلام، ويكسروا الطوق، ويفتحوا طريق النصر نحو الأقصى المبارك. ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ...﴾. كما قال النبي ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ» رواه البخاري.

 

إن نصرة غزة واجب شرعي على كل مسلم قادر، بل هو من أعظم الواجبات التي لا يسع الأمة التقاعس عنها، خاصة وأن العدوان قد بلغ في وحشيته مبلغاً لا يُسكت عنه شرعاً ولا يُغتفر تجاهله إيماناً. قال ابن حزم: "اتفقوا أن الجهاد إذا نزل العدو ببلد وجب على كل قادر من أهل ذلك البلد أن يخرج إليه، بغير إذن أب ولا أم ولا غريم".

 

ولذا فإن جيوش المسلمين، وعلى رأسها جيوش مصر وتركيا وباكستان والسعودية، هي التي تقع على عاتقها مسؤولية إزالة الاحتلال وتحرير الأرض المباركة، لا بالكلام والخطب، بل بالحشود والدبابات والصواريخ، كما أمر الله عز وجل: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾. وإن هذه الجيوش تضم في صفوفها رجالاً صادقين، من أبناء الأمة الذين تربّوا على نخوة الإسلام، وقد سطر التاريخ مواقف عظيمة لجنود تحركوا لنصرة المظلومين، كما فعل قطز في عين جالوت، وصلاح الدين في حطين، فهل يُعجزهم اليوم أن يتحركوا لتحرير غزة والأقصى؟!

 

يا جند الإسلام، أنتم أمل الأمة، ودرعها الواقي، وأنتم من يملك مفاتيح التغيير الحقيقي، فلتنصروا الله، ولتُروا الأمة أن فيكم خيراً، فما للظالمين من بقية إن تحركتم، وما لكيان يهود من بقاء إن زحفتم ﴿وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾.

 

والرؤية الشرعية تؤكد أن:

 

إرسال الجيوش لتحرير فلسطين هو فرض عين مؤكد، وأعظم الواجبات الشرعية في هذا الزمن، لا يسقط بالصمت، ولا يُبرر بالتقاعس، ولا يُؤجل بحجج الدبلوماسية أو المواثيق الدولية، بل هو واجب شرعي محكم بثوابت القرآن والسنة، واجب على كل قادر من جيوش المسلمين أن ينهض به، نصرةً للمستضعفين، ودفعاً للعدوان، وإحقاقاً لحق أمة الإسلام في أرضها ومقدساتها. فكل لحظة تمر دون تحرك الجيوش تُسجل في صحيفة الإثم، وكل قطرة دم تسيل، يشهد الله بها على من تقاعس أو سكت أو حال دون النصرة. ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.

 

يجب على الأمة الإسلامية بكل مكوناتها، من علماء ودعاة ومفكرين وشباب وجماعات، أن تطالب جيوش الأمة بالتحرك الفوري لنجدة إخوانهم في فلسطين. ويجب عليها كذلك أن تعمل بكل طاقتها على خلع الأنظمة القائمة التي ثبت بالدليل القاطع أنها تشكل سداً منيعاً أمام أي تحرك صادق، إذ إنها تُقيد الجيوش وتربطها بالاتفاقيات الدولية الظالمة، وتحول دون تحركها باسم "السلام" و"الشرعية الدولية"، في الوقت الذي تُذبح فيه الأمة وتُنتهك فيه الحرمات.

 

التخاذل العربي والدولي خيانة موصوفة

 

من المؤلم والمؤسف أن نرى الأنظمة التي تحكم بلادنا وقد تجاوزت مرحلة الصمت إلى مرحلة التجميل والتبرير والدعم الضمني لوجه الاحتلال القبيح، وهي تسعى إلى إعادة صياغة وعي الشعوب لتقبل بالعدو كـ"شريك في السلام" بدلاً من كونه كياناً غاصباً مجرماً. إن هذه الأنظمة لم تكتفِ بالوقوف موقف المتفرج أمام المجازر اليومية التي يتعرض لها أهل غزة، بل انخرطت في ممارسات سياسية وإعلامية ودبلوماسية تُضفي الشرعية على جرائم الاحتلال، بل وتساعده أحياناً في تحقيق أهدافه. فالنظام المصري، على سبيل المثال، يغلق معبر رفح في أشد الأوقات حرجاً، ويمنع دخول المساعدات، وكأن بوابة النجاة الوحيدة لأهل غزة أصبحت أداة ضغط سياسية في يده. أما بعض الدول الأخرى، فقد انغمست في مشاريع تطبيعية شاملة، اقتصادية وعسكرية وأمنية، مع كيان يهود، ما شكّل طعنة في خاصرة القضية الفلسطينية، وأرسل رسالة خاطئة مفادها أن العدو يمكن أن يكون صديقاً وشريكاً في التنمية! وهذه المواقف لا تعبّر عن إرادة الشعوب، بل عن ارتهان الأنظمة لمصالح الغرب ومراكز القرار الدولية. وهكذا، فإن التجميل لوجه الاحتلال لم يعد مجرد تزييف للحقائق، بل صار خيانة موصوفة، وتواطؤاً فعلياً مع الجريمة، وتفريطاً بمقدسات الأمة ودماء أبنائها.

 

النظام المصري، الذي يُحاصر غزة من معبر رفح، ويرفض مرور الإمدادات، وهو الذي يجب عليه أن يحرك جيشه فورا لتحرير الأرض المباركة ونصرة أهلها المستضعفين.

 

السلطة الفلسطينية التي وصف رئيسها محمود عباس ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بـ"الخروج عن الإجماع الوطني"، وهي سلطة وكيلة عن الاحتلال منفصلة عن فلسطين والأمة شأنها شأن كل أنظمة الخيانة والعمالة التي تحكم بلادنا، فلا هم لهم إلا حراسة كيان يهود وتثبيت وجوده.

 

دول طبّعت مع الاحتلال؛ الإمارات، البحرين، المغرب، السودان ووقعت اتفاقيات أمنية واقتصادية معه.

 

أما على الصعيد الدولي: فالنظام الدولي لا يرتجى منه خير فهو شريك داعم لكيان يهود في حربه على الإسلام والمسلمين، بل إن الكيان نفسه يعد قاعدة غربية متقدمة في بلاد الإسلام أي خنجراً مغروساً في خاصرة الأمة لمنع وحدتها والحيلولة دون قيام دولة للإسلام تعيد الأمة سيدة الدنيا كما كانت. فأمريكا قدمت دعماً غير مسبوق لكيان يهود، تجاوز 14 مليار دولار في الأسابيع الأولى للعدوان، إضافة إلى الأسلحة والذخائر. والموقف الأمريكي يدعم الكيان الغاصب دينياً وسياسياً وعسكرياً، مع إضفاء طابع "الحرب المقدسة" على الصراع. يؤكد هذا تصريحات قادة الغرب أن الحرب على غزة ليست مجرد صراع عسكري، بل هي جزء من حرب حضارية ودينية، كما يروج لها الغرب.

 

لقد صرّحت العديد من الشخصيات الأمريكية البارزة بتصريحات تُظهر دعماً واضحاً وغير مشروط للكيان خلال حربه على غزة، مع إشارات واضحة إلى الطابع الديني للحرب. وفيما يلي بعض أبرز هذه التصريحات:

 

- الرئيس الأمريكي جو بايدن: "إذا لم يكن هناك إسرائيل، لكان على أمريكا أن تخترعها لحماية مصالحنا في الشرق الأوسط" (خطاب في تشرين الأول/أكتوبر 2023). "التزام أمريكا بأمن إسرائيل غير قابل للتغيير" (تغريدة رسمية، تشرين الثاني/نوفمبر 2023). "نحن نقف مع إسرائيل في حربها ضد الإرهاب" (مؤتمر صحفي، تشرين الأول/أكتوبر 2023).

 

- وزير الخارجية أنتوني بلينكن: "إسرائيل لها الحق الكامل في الدفاع عن نفسها بأي وسيلة ضرورية" (تصريح خلال زيارة لتل أبيب، تشرين الثاني/نوفمبر 2023). "حماس تمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل، ويجب القضاء عليها" (مقابلة مع CNN، تشرين الأول/أكتوبر 2023).

 

- السيناتور ليندسي جراهام: "هذه معركة بين قوى الخير (إسرائيل) وقوى الشر (حماس)". (تشرين الأول/أكتوبر 2023)

 

- عضو الكونجرس مايكل ماكول: "نحن نقدم لإسرائيل كل ما تحتاجه من أسلحة لأن هذه حرب مقدسة". (تشرين الثاني/نوفمبر 2023)

 

- القس جون هاجي (زعيم مسيحي صهيوني) "هذه حرب صليبية جديدة ضد الإسلام المتطرف". (تشرين الأول/أكتوبر 2023)

 

- المحافظون الأمريكيون في مؤتمر CPAC 2023: "إسرائيل هي خط الدفاع الأول للحضارة الغربية ضد الهمجية الإسلامية".

 

وتلك بعض من تصريحات عسكريين أمريكيين: قال جنرال أمريكي في البنتاغون "نحن نرسل الأسلحة المتطورة إلى إسرائيل لأن انتصارها هو انتصار للغرب" (تشرين الثاني/نوفمبر 2023).

 

كثير من هذه التصريحات تُظهر أن الصراع في غزة ليس سياسياً أو إنسانياً فحسب، بل له أبعاد دينية واضحة، حيث يتم تصوير كيان يهود كـ"دولة مقدسة" تواجه "إرهاباً إسلامياً". وهذا يعكس استمرار الخطاب الصليبي في السياسة الغربية، خاصة مع تصاعد دور اليمين المسيحي المتصهين في أمريكا.

 

وقد عجز مجلس الأمن عن إصدار قرار لوقف إطلاق النار حتى منتصف آذار/مارس 2024، وبالأحرى تقاعس في الأمر، وحتى لو أصدر قرارا بوقف إطلاق النار لم يكن ليلتزم به كيان يهود ولا أمريكا التي تقف خلفه وبقوة.

 

أما الإعلام الغربي فقد تبنّى الرواية الصهيونية في معظم تغطيته، رغم هول المجازر.

 

وهذا كله يكشف أن الكيان الغاصب ليس كياناً معزولاً، بل هو قاعدة متقدمة للاستعمار، محميٌّ بنظام دولي ظالم.

والسؤال الأهم في وقتنا الراهن: أين الأمة؟ سؤال يجب أن يُطرح بشجاعة.

 

الشعوب الإسلامية عبّرت عن غضبها: فقد خرج الملايين في مسيرات في تركيا، الأردن، المغرب، ماليزيا، إندونيسيا، باكستان... هبّ آلاف الأطباء والمتطوعين لإغاثة غزة. لكن التأثير الحقيقي لن يكون إلا عبر الجيوش؛ جيش مصر: أكثر من مليون جندي. جيش تركيا: أقوى جيش في الناتو بعد أمريكا. جيش باكستان: يمتلك سلاحاً نووياً.

 

فلو تحركت هذه الجيوش، لما بقيت دولة يهود أياماً، بل سويعات من نهار. فجزء يسير من تلك الجيوش قادر على تغيير المعادلة وتحقيق النصر، جزء من جيش الكنانة قادر على تحرير كامل فلسطين، والكيان الغاصب يعلم هذا ويخشى من سقوط النظام وأن يصبح الجيش المصري بعدده وعتاده وآلته العسكرية في يد من لا يثق به الغرب ولا يأمن جانبه.

 

يا أجناد الكنانة: ماذا ننتظر من مجازر أكثر مما قام به يهود وإجرام أكثر مما أجرموا في حق الأمة حتى تتحرك الجيوش غضبا لله وحرماته ومقدساته؟! إن تحرك الجيوش هو واجب من أول يوم وطئت فيه أقدام يهود أرضنا المباركة والآن هو أوجب ما يكون نصرة لهؤلاء المستضعفين، وهو أوجب ما يكون على مصر وجيشها فهم الأقرب والأقوى والأجدر، وهم من يتشدقون بالخيرية التي وصفهم بها نبينا ﷺ، وهذه الخيرية إنما ترتبط بقيام من يوصف بها بما أوجبه الله عليه من حفظ للأمة ودينها ومقدساتها، فهل يقوم أجناد مصر بذلك أم قد خذلوا أهلنا في الأرض المباركة وأطاعوا فيهم حكاما خانوا الله ورسوله؟!

 

يا أجناد الكنانة: إنكم أحفاد الناصر صلاح الدين الذي حرر القدس من الصليبيين وأحفاد المظفر قطز والظاهر بيبرس من أوقفوا زحف المغول وردوهم خائبين، وقد كنتم دوما درعا لهذه الأمة ونصراً لها فأتموا عملكم وقوموا بما أوجب الله عليكم، فأنتم قادرون حقا على نصرة أهلنا في فلسطين وتحرير أرضهم في سويعات من نهار فافعلوا والفظوا عنكم حكام الضرار الذين يمنعونكم من هذا الواجب والشرف العظيم حتى تتحقق فيكم الخيرية التي يستحقها من حمل راية رسول الله ﷺ بحقها وكان نصرا للأمة ودرعا لها يحفظ أهلها ومقدساتها ولا يفرط في حقوقها، فالفظوا هؤلاء الحكام وكل ما أبرموه من عهود باطلة وكونوا نصرا للأمة بإقامة دولتها الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الدولة التي تحرككم وتدفعكم

 

 

لنصرة الإسلام وأهله وحفظه وحفظ مقدساته، نسأل الله أن تكون بكم وفيكم يا جند الكنانة.

 

وإن الواقع يُثبت أن لا حل لقضية فلسطين إلا بالخلافة، فالنظام الدولي الحالي يدعم الاحتلال، والأنظمة العربية عاجزة ومتواطئة.

 

والطريق لتحرير فلسطين يكون من خلال:

 

خلع الأنظمة العميلة.

 

إقامة الخلافة على منهاج النبوة.

 

توحيد الأمة تحت راية واحدة وجيش واحد.

 

تحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر.

 

والخلافة ليست حلماً، بل هي واجب شرعي ومشروع سياسي متكامل، تُعيد للإسلام هيبته، وللمسلمين عزتهم. وإن ما يجري في غزة اليوم يفضح الواقع ويوقظ المشاعر. فإما أن نتحرك، أو نُحاسَب أمام الله. وغزة لا تريد منكم دموعاً، بل تريد جيوشاً تتحرك، تريد شعوباً تثور، تريد رجالاً يقولون للظلم: لا.

 

وإننا إذ نضع هذه الرؤية، لا نقدم شعارات، بل ندعو إلى مشروع أمة، إلى خلافة تجمع شتات المسلمين، وتحرر مسرى رسول الله ﷺ. فيا أبناء الأمة، تحركوا، واصدعوا بالحق، وانصروا غزة... فإن الله ناصرٌ من ينصره.

 

﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قمة الاتحاد الأوروبي - آسيا الوسطى

والوضع الدولي والأهداف الجيوسياسية

 

في 3-4 نيسان/أبريل 2025 عقد زعماء الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى أول قمة في مدينة سمرقند في أوزبيكستان وأعلنوا عن شراكة استراتيجية جديدة لتطوير العلاقات المتبادلة. وقد حضر القمة رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوشتا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورؤساء أوزبيكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان. لأول وهلة يمكن القول إن هذه القمة استمرار لقمتي "آسيا الوسطى - الاتحاد الأوروبي" اللتين عُقدتا في أستانة عام 2022، وفي شولبون آتا عام 2023، بمشاركة رؤساء دول آسيا الوسطى ورئيس المجلس الأوروبي، لأن الرئيس شوكت ميرزياييف أعلن في أيلول/سبتمبر الماضي أن التدبير سيقام في سمرقند. وفي كانون الأول/ديسمبر أكد هذه المعلومات الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في آسيا الوسطى تيرهي هاكالا. كما تم في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى الذي عقد في لوكسمبورغ في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تبني "خارطة طريق مشتركة لتعميق العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى".

 

نعم إن الحوارات المذكورة آنفا تعتبر إلى حد ما أساساً لقمة سمرقند ولكن التطورات الأخيرة على الساحة الدولية لا تسمح بأن نسميها استمرارها عضوياً؛ لأنه لما وصلت إدارة ترامب إلى السلطة أدى تقارب أمريكا مع روسيا وعدم اعتبارها الاتحاد الأوروبي في ضوء حل القضية الأوكرانية إلى التغير في ميزان القوى. هدف ترامب هو توجيه ضربة اقتصادية للصين لإضعافها من خلال إعادة العلاقات مع روسيا؛ لأنه يعتبر الإسلام والمسلمين العدو الأول والوحيد ويعتبر الصين منافسه الاقتصادي والجيوسياسي رقم واحد. ويمكن رؤية هذا في تصريحاته سواء خلال فترة رئاسته السابقة أو قبل توليه منصبه حاليا. فقد قال عام 2018م: "امتصت الصين الولايات المتحدة اقتصاديا على مدى عشرات السنين. والآن سنضع حداً لذلك". وقال عام 2024م "عندما أعود ستكون أمريكا في المركز الأول وليس الصين". وقال في حملته الانتخابية عام 2024م "الصين هي تهديد للعالم. إنهم يريدون السيطرة على العالم".

 

كتبت صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان "كيسنجر المعكوس": "في سبعينات القرن الماضي طوّر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر علاقات مع الصين لتقويض تعاون الصين مع الاتحاد السوفيتي. والآن يحاول ترامب الحيلة نفسها ولكن هذه المرة ليس مع الصين بل مع روسيا".

 

أما الاتحاد الأوروبي فإن سياسات ترامب تتركه "بين نارين" وتريد - على حد تعبير بوتين - "أن يهز قريباً ذيله تحت أقدام سيده".

 

فمن ناحية ظهر هناك "ارتباك جماعي" في الاتحاد الأوروبي حول مستقبل الأمن بعد أن أعلنت الولايات المتحدة في مؤتمر ميونيخ للأمن أنها لا تعتبر الدفاع عن أوروبا من مسؤوليتها. فقد قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: في الوقت الذي توقف فيه الولايات المتحدة المساعدات العسكرية لأوكرانيا فإن أمن أوروبا وأوكرانيا في "نقطة تحول". وقالت فون دير لاين يوم الخميس 6 آذار/مارس: "الوضع خطير للغاية".

 

ومن ناحية أخرى إذا انتهت القضية الأوكرانية بـ"انتصار" روسيا فإن ذلك سيزيد من "شهية" بوتين للأراضي الأوروبية ما سيؤدي في النهاية إلى حرب كارثية بين أوروبا وروسيا. فقد قالت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن: "نحن بحاجة إلى إعادة التسلح في الدنمارك ونحن بحاجة إلى إعادة التسلح في أوروبا، نحن بحاجة إلى القيام بذلك لمنع روسيا من نقل الحرب من أوكرانيا إلى بلاد أوروبية أخرى". وقال الرائد أليكس همبريز وهو الضابط في حرس الدراغون الملكي في إستونيا: "في رأيي أن الناتو ككل يشعر نفسه بغير حماية. نحن لا نريد أن يؤدي ذلك إلى الحرب ولكن إذا حدث ذلك فنحن في تضامن كامل وعلى أتم الاستعداد للرد برد مميت".

 

وباختصار هدف ترامب هو عدم ترك أي قوة في العالم يمكنها منافسة أمريكا عسكرياً واقتصادياً.

 

على ضوء هذا الوضع على الساحة الدولية عُقدت أول قمة "الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى" في مدينة سمرقند. طبعا يحدد الاتحاد الأوروبي مصالحه الحيوية المهمة الاستعمارية والأمنية الحيوية استعماريا وأمنيا من خلال مثل هذه اللقاءات. ويمكن تعليق ذلك على النحو التالي:

  1. بناء ممرات النقل التجارية التي تتجاوز روسيا. وكما هو معروف فإن هذه المنطقة وخاصة أوزبيكستان غنية بالموارد الطبيعية ذات الأهمية الاستراتيجية؛ النفط والغاز واليورانيوم والذهب بما في ذلك 38.6% من احتياطي العالم من خام المنغنيز، و30.07% من الكروم، و20% من الرصاص، و12.6% من الزنك، و8.7% من التيتانيوم. ويمكن القول بمثابة المعلومات بأن أوروبا وخاصة فرنسا حريصة على تحرير نفسها من الارتباط بروسيا وحتى من أمريكا في مجال الطاقة وتعزيز قدراتها النووية بعد طردها من النيجر التي كانت تزودها باليورانيوم وخاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتُعد آسيا الوسطى؛ كازاخستان وأوزبيكستان وقرغيزستان واحدة من المناطق الرائدة في العالم في احتياطيات اليورانيوم وإنتاجها، وهي مصدر بديل لأوروبا مستقل عن النيجر وروسيا. وبالإضافة إلى ذلك فإن دور الطاقة النووية بالنسبة لأوروبا ولا سيما فرنسا أعلى بكثير من أمريكا. لأن الطاقة النووية في أمريكا تشكل أكثر من 20% من موازنة الطاقة فيها، بينما تمثل في فرنسا أكثر من 50%. وبالإضافة إلى ذلك فإنها تتحمل العبء الرئيسي لنظام الطاقة الألمانية.

قالت فون دير لاين لرؤساء آسيا الوسطى: "هذه المادة الخام هي شريان الحياة للاقتصاد العالمي في المستقبل. ولكنها في الوقت نفسه فريسة للاعبين العالميين. فالبعض مهتم فقط باستغلالها واستخراجها. إن عرض أوروبا مختلف، نحن نريد أن نكون شركاءكم في تطوير الصناعة المحلية". وأضافت رئيسة المفوضية الأوروبية: "يمكن لموقعكم الاستراتيجي أن يفتح طرق التجارة العالمية والتدفقات الاستثمارية. وهذه الاستثمارات الجديدة ستعزز سيادتكم وتقوي اقتصادكم والأهم من ذلك أنها ستقيم علاقات الصداقات الجديدة".

 

وجاء في الإعلان المشترك الذي تم تبنّيه في نهاية القمة ما يلي: "أكد الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى مشايعتهما لتعزيز روابط النقل الثابتة كمحرك للنمو الاقتصادي والتكامل الإقليمي. ويُعتَبر دعم 10 مليارات يورو وتعبئة الاستثمارات في آسيا الوسطى في منتدى "البوابة العالمية" (Global Gateway) في كانون الثاني/يناير 2024 خطوة مهمة في طريق تشكيل آليات فعالة لضمان ممرات النقل الإقليمية وأنظمة الخدمات اللوجستية وسلاسل القيمة والدخول إلى أسواقنا المشتركة. كما اتفقنا على دعم خطة تنسيق ممر النقل العابر لبحر قزوين ومشاريع البنية التحتية المهمّة على طول الممر الأوسط (Мiddlе Corridor). وقد تم التأكيد على أهمية السلام والاستقرار في جنوب القوقاز من أجل التحقيق الناجح لهذه المشاريع".

 

للمعلومات: فإن ممر النقل الدولي العابر لبحر قزوين أو الممر الأوسط هو ممر مهم لنقل البضائع بين أوروبا والصين ويمر عبر بحر قزوين. وهو يربط بين الصين وكازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا ثم تركيا والدول الأوروبية.

 

وأيضا أصبح فتح أسواق جديدة مسألة مهمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي بينما تشهد أسواقه في روسيا وأمريكا ركوداً. وآسيا الوسطى هي منطقة يزيد عدد سكانها عن 80 مليون نسمة وما يزال حجم الواردات أعلى من الصادرات في ميزانها التجاري. وفوق ذلك فإنها تصدر المواد الخام بشكل رئيسي وتستورد المنتجات الجاهزة في الغالب.

  1. هدف الاتحاد الأوروبي تقليل نفوذ روسيا والصين في المنطقة وتقليص منطقة مصالحهما الحيوية ومنع روسيا من التهرب من العقوبات.

فقد قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية: "لقد أظهرت روسيا منذ فترة طويلة أنها لا يمكن أن تكون شريكاً موثوقاً به. ويمكن القول إن الاتحاد الأوروبي أثبت أن علاقاته من أجل تعاون موثوق ومستقر. وإذا نظرنا في مشاريع الاتحاد الأوروبي فمن المهم بالنسبة لنا أن يكسب شركاؤنا أيضاً ربحا منها. وخلافا للبلدان المذكورة أعلاه فإن الاتحاد الأوروبي شريك مختلف تماماً عندما يتعلق الأمر مثلا بالمواد الخام المهمة. ففي الماضي كانت الصين وروسيا تستخرجان المواد الخام وتنقلانها إلى بلادهما ويتم تحويلها هناك، أي القيمة الإضافية في بلد آخر. وبالتالي لا تبقى أي قيمة إضافية في البلد الذي استُخرجت فيه المواد الخام. لدينا طريقة مختلفة. فنحن نعتقد أن خلق القيمة الإضافية على المستوى المحلي أمر مهم للغاية. ومن ثم يتم خلق فرص عمل وتكوين سلسلة القيمة الإضافية داخل البلد الذي يتم فيه إنتاج المواد الخام. من وجهة نظرنا هذا أفضل لشركائنا على المدى الطويل وللاتحاد الأوروبي أيضا". وقالت: "هناك تظهر حواجز عالمية جديدة ويجري إعادة توزيع الاستثمارات أو تخفيضها وتحاول دول العالم توسيع مناطق نفوذها"، في إشارة إلى روسيا والصين، وأضافت: "لكننا نشير إلى أن هناك طريقاً آخر في آسيا الوسطى". و"أصبح الشركاء الموثوق بهم الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. شراكتنا الاستراتيجية هي التزام بدعم بعضنا بعضا".

 

ويقول إعلان الشراكة الاستراتيجية: "يظل تعاوننا في منع تهرب روسيا من العقوبات جانباً مهماً من جوانب علاقاتنا. وقد اتفقنا في هذا السياق على مواصلة العمل مع الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي المعني بالعقوبات ولا سيما لمنع إعادة تصدير المنتجات ذات الأولوية".

 

وتطرق أنطونيو كوشتا إلى مسألة التهرب من العقوبات وقال: إن أوروبا ستواصل زيادة الضغط على روسيا عند الضرورة وأن التعاون مع دول آسيا الوسطى "لا يقدر بثمن". وقال: "نحن ننتظر المزيد من مساعيكم في هذا الاتجاه".

 

كما دعت أول قمة للاتحاد الأوروبي مع رؤساء آسيا الوسطى إلى التركيز بشكل خاص على حقوق الإنسان. فقد قالت إيسكرا كيروفا من منظمة هيومن رايتس ووتش: "هذه الشراكة الجديدة مهمة للغاية ولكن إذا لم يحمِ الاتحاد الأوروبي سيادة القانون والحقوق في المنطقة فلن تكون مستقرة ولن تكون قادرة على حماية مصالح الاتحاد الأوروبي حقاً".

 

وعندما سُئل النائب الإستوني الليبرالي عما إذا كان الاتحاد الأوروبي يجد التوازن الصحيح بين المصالح الاقتصادية وحقوق الإنسان قال: "أعتقد أنه إذا كانت لدينا شراكة مثمرة بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى فإن الأمور ستتغير إلى الأفضل. بالطبع هذا يستغرق وقتاً. وعلينا أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار موقعهم: فهم بين روسيا والصين. وهم يحاولون الحفاظ على التوازن". ومعنى هذا الجواب أن إيجاد الاتحاد الأوروبي التوازن الصحيح بين المصالح الاقتصادية وحقوق الإنسان يتوقف على أن تحافظ آسيا الوسطى على التوازن بين روسيا والصين لصالح الاتحاد الأوروبي.

 

وبالإضافة إلى ذلك يمكن للاتحاد الأوروبي استخدام مشكلة مهاجري العمالة للتقليل من نفوذ روسيا في المنطقة وخاصة في أوزبيكستان. لأن روسيا تستخدم قضية مهاجري العمالة كـرافعة لإبقاء دول المنطقة ضمن دائرة نفوذها. ووفقاً للنائب الأول لوزير الداخلية ألكسندر غوروفوي فإنه بحلول نهاية عام 2024 كان في روسيا 1.4 مليون شخص من أوزبيكستان ومليون شخص من طاجيكستان و663,000 شخص من قرغيزستان، أي أكثر من ثلاثة ملايين شخص. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة عضواً فإن جذب ثلاثة ملايين عامل مهاجر إلى أوروبا للعمل لا يمثل مشكلة بالتأكيد.

 

3. ينظر الاتحاد الأوروبي إلى مشكلة الأمن في منطقة آسيا الوسطى من منظور الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وصعود طالبان إلى السلطة في أفغانستان، والتوسع الاقتصادي المتزايد للصين، وتزايد تأثير "الإسلام السياسي" بين مسلمي المنطقة، وتزايد عدم الرضا بين السكان من الأنظمة القائمة.

 

فقد قال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوشتا في القضايا الأمنية: "نظراً لأن التحديات الأمنية المشتركة التي تهددنا أصبحت عالمية بشكل متزايد يجب أن نعترف أن هذه التهديدات اتخذ الآن طابعا عابرا للحدود الوطنية. لا توجد منطقة محصنة ضد هذه التهديدات. لذلك نحن بحاجة إلى زيادة تعزيز تعاوننا على المستويات الثنائية: الإقليمية والدولية. الاتحاد الأوروبي شريك أمني طويل الأمد لآسيا الوسطى. لقد أظهرت برامجنا التي تعالج قضايا مراقبة الحدود ومكافحة المخدرات موالاة الاتحاد الأوروبي تجاه المنطقة لسنوات عديدة. كما قمنا بدعم مبادرات مختلفة مثل مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون ومكافحة تمويل الإرهاب ومنع التطرف العنيف والراديكالية. وتوفر حواراتنا المستمرة بين منطقتينا في مجال مكافحة المخدرات فرصاً لتعزيز تعاوننا في هذه القضية. وخاصة اتفاقنا على مكافحة الإرهاب بشكل مشترك وإطلاق حوار خاص ضد التطرف العنيف. هذه خطوة مهمة في مكافحة التهديدات الأمنية العامة. أما فيما يتعلق بأفغانستان فإن عدداً من التهديدات لا سيما الإرهاب والتطرف والاتجار بالمخدرات تهدد بالامتداد إلى آسيا الوسطى وأوروبا. ولدى آسيا الوسطى خبرة ومعرفة قيّمة حول أفضل السبل للتخفيف من هذه المخاطر. وعلينا أن نعمل معاً لضمان الاستقرار الإقليمي. كما أننا نشهد زيادة في المعلومات المضللة المستخدمة للتلاعب السياسي. ويأخذ الاتحاد الأوروبي هذا التهديد على محمل الجد وهو مصمم على تعزيز قدرته على مواجهة التلاعب بالمعلومات والتهديدات الأخرى ليس فقط على أراضيه ولكن أيضاً في الدول الشريكة من أجل القضاء عليه. إن أصعب مشكلة أمنية اليوم هي العدوان الروسي المستمر على أوكرانيا. لقد تجاوزت هذه الحرب حدود أوكرانيا وأوروبا. إن حرب روسيا ليست نزاعاً محلياً بل هي هجوم على المبادئ الأساسية للنظام الدولي القائم على القواعد. ومنذ ثلاث سنوات وروسيا بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بشكل صارخ وتقوض استقرار النظام الدولي. يظهر الآن إدخال زخم جديد في عملية السلام الأوكرانية والذي من شأنه أن يؤدي إلى سلام شامل وعادل ومستدام. يجب علينا ضمان ذلك معاً. والاتحاد الأوروبي يدعم هذا المسعى ويساهم فيه من جميع النواحي".

 

بينما قال الرئيس شوكت ميرزياييف في كلمته: "يأتي اجتماعنا في سياق عمليات عالمية متسارعة وغير متوقعة. نحن نشهد تصاعد النزاعات الجيوسياسية، ومشاكل الأمن، والصراعات الإقليمية الكبيرة، بالإضافة إلى التهديدات الاجتماعية والاقتصادية للتنمية المستدامة". وأضاف قائلا: "إن التعاون في مكافحة التهديدات المشتركة للأمن، وخاصة الإرهاب والتطرف والراديكالية والجرائم الإلكترونية وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية، يكتسب أهمية متزايدة. ونحن ندعم اقتراح شركائنا الأوروبيين لإقامة حوار بشأن قضايا مكافحة الإرهاب".

 

وفي وقت سابق، في 24 آذار/مارس، التقى الممثل الخاص لرئيس أوزبيكستان، عبد العزيز كاميلوف، مع منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، بارتيان ويجتر، في بروكسل لمناقشة التعاون في مواجهة تهديدات الإرهاب والتطرف، فضلاً عن الوضع في أفغانستان.

 

وفي 28 آذار/مارس، وخلال المشاورات التي جرت في طشقند بين أمانة مجلس الأمن برئاسة رئيس أوزبيكستان ومجلس الأمن في كازاخستان، تمت مناقشة قضايا التعاون في مجالات منع ومكافحة الإرهاب الدولي والتطرف الديني، وضمان القانون والنظام، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.

 

ومما سبق، يتبين لنا أن الاتحاد الأوروبي يستغل ضعف الكرملين "للتوجه شرقاً" من أجل تأمين مصالحه الحيوية أي المواد الخام الاستراتيجية والأمن. ويؤكد على الالتزام بالقواعد الصارمة في مجال القانون الدولي والتجارة ويقدم التعاون. فقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي سيخصص 12 مليار يورو لدول آسيا الوسطى في إطار مبادرة البنية التحتية الأوروبية "البوابة العالمية" (Global Gateway). وقد سلطت الضوء على أربعة مجالات: النقل، والمواد الخام، والطاقة المتجددة، والرقمنة. ومن بين أمور أخرى، أعلنت أن الأقمار الصناعية الأوروبية ستوفر للمنطقة إمكانية الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة "دون تدخل من الجيران". ومن الواضح أن فون دير لاين كانت تعني روسيا والصين. وأكدت أن "المقترح الأوروبي" يختلف عن نوايا الدول الأخرى. وينتقد الاتحاد الأوروبي الصين بسبب اعتمادها على الديون، وروسيا بسبب اعتمادها على منطقة آسيا الوسطى من خلال إمدادات الطاقة والأسلحة.

 

وأشار الرئيس الأوزبيكي إلى أن المفاوضات بين الدول الخمس الإقليمية والاتحاد الأوروبي كانت لتكون أمرا لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات، وقال إن آسيا الوسطى تسعى الآن إلى العمل ككتلة واحدة بعد عقود من الخلافات، وأن الدول تأمل في استخدام التقنيات المتقدمة التي لا تستطيع روسيا والصين توفيرها لها. ويشير هذا إلى تزايد رغبة طشقند الرسمية في التقرب من الغرب.

 

ويجب التأكيد على أن الاتحاد الأوروبي الذي يكنّ عداوة شديدةً للإسلام والمسلمين، مثله مثل أمريكا وروسيا والصين، ويعتبر إعادة الخلافة كارثة على نفسه، ولذلك يعمل باستمرار على منع نهضة الأمة الإسلامية، ويحاول الدخول إلى بلادنا كضبع في ثياب الحمل، وتوسيع دائرة نفوذه. إنه يحاول أن يقول إذا أعطى الآخرون حلوى واحدة فسوف أعطي اثنتين، وفي الحقيقة، وباعتباره منظمة استعمارية جشعة، فإنه يحترق برغبته في أخذ ثروات بلادنا كأمر مسلّم به. ومن بين القوى التي غرزت كيان اليهود المحتل كرمح في قلب الأمة، وشجعته ودعمته على ارتكاب المجازر بحق المسلمين بمن فيهم النساء والأطفال في أرض فلسطين المباركة اليوم، هي الدول الأوروبية الاستعمارية الكافرة. ولكن الأنظمة الجبانة الضعيفة التي تحكمنا، والتي تمنح لكل من يعطيها الضمانة للبقاء على عروشها العفنة، ترمي بأرض الأمة وثرواتها وشرفها وحتى دينها تحت أقدام أسيادها المستعمرين، وتغض الطرف بصمت عن استهزائهم بالإسلام ودوسهم على مقدساتنا.

 

إن ما حدث في السنوات الأخيرة من حرق للمصحف الشريف عدة مرات على يد بعض الأفراد اليهود في الدول الأوروبية أمام الناس وتحت حماية قوات الأمن فيها لهو دليل واضح على صحة كلامنا. لذلك لا ينبغي أن ننخدع بوعود الكفار المستعمرين الذين أهدافهم الحقيقية واحدة على اختلاف مسمياتهم، ولنعمل على إعادة الخلافة الراشدة الثانية التي يرضى بها أهل السماوات والأرض، والتي تعيد عزة الإسلام والمسلمين؛ لأن هذا هو الطريق الصحيح الوحيد لإخراج الناس جميعا من مستنقع الأزمة الحالية وليس المسلمين فحسب. يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾‏.

 

وعلاوة على ذلك، وعندما نقيم دولتنا؛ دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ونحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالم أجمع بالدعوة والجهاد، فإننا عندئذ نكون قد أدينا الواجب الذي أناطه الله بنا، ونستحق وصفه لنا بخير أمة حقا: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾‏

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد العزيز الأوزبيكي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا نخاطر في تعبئة جيوش المسلمين لنصرة لغزة؟!

(مترجم)

 

سؤال صعب في أجواء الخوف والتهديدات، ولكن بسم الله... لنبدأ

 

لقد ألهمتني أختنا ابتهال، التي وقفت مؤخراً في وجه شركة مايكروسوفت بسبب دعمها للإبادة الجماعية في غزة. كان موقفاً شجاعاً جريئاً، وتحدياً صريحاً. أنا أبٌ لثلاث بنات، وعمٌ لخمس من بنات إخوتي، لذا شعرتُ بذلك الموقف الشجاع في أعماقي، شعور لا يعرفه إلا من رُزق بمثل هذه النعمة. إنها ابنة تخاطر بالكلام، في حين إن والدها لا يحتمل حتى خدشاً في يدها، ومستعدٌ لأن يفديها بحياته دون تردد.

 

لقد ذكّرتنا ابتِهال جميعاً، سواء أكنا آباءً أم لا، بصورة اللبؤة التي تحمي أشبالها من أشرس الوحوش، في غياب الأسد. من أين يأتي هذا؟ من محبة الله ﷻ، ومحبة الجنة، وجرعة لا بأس بها من الخوف من النار. هذا هو ما يُبقينا ضمن حدود الله ﷻ، في صيام رمضان، ودفع الزكاة، وأداء الصلاة.. وفي الابتعاد عن شرب الخمر، وكره الزنا، وتجنب الربا...

 

فإن كانت بناتنا، اللواتي نحن مأمورون بحمايتهن، هكذا، فكيف يجب أن يكون آباؤهن، الحماة الحقيقيون؟ وإن كانت اللبؤات هكذا، فكيف يجب أن يكون الأسود؟ وإن كان حال الناس هكذا، فكيف يجب أن يكون حكامهم؟ وإن كان حال المدنيين هكذا، فكيف يجب أن يكون الضباط العسكريون؟ أليس هؤلاء الضباط والحكام يعرّضون أنفسهم لخطر دخول النار، ولو للحظات؟ فإن عقوبة ترك واجب شرعي، أو الإقدام على حرام شرعي، هي النار، ولو كانت للحظات. حتى إن بعض أهل الجنة سيحملون آثاراً من النار التي دخلوها. هذا هو أساس ما نقوم به بوصفنا مسلمين؛ نتجنب سخط الله ﷻ، نجتهد ونكدّ لننال رضاه ﷻ، إن شاء أن يمنّ علينا بذلك. اللهم ارحمنا وتفضل علينا، اللهم آمين.

 

نحن لا نفترض أن المغفرة مضمونة. نعم، نعتمد على رحمة الله ﷻ لندخل الجنة ونتجنب حتى لحظة في النار. ولكن هذا لا يعني أننا يمكننا شرب الخمر، وارتكاب المعاصي، والسكوت عن المنكر، وممارسة الزنا، على أمل أن تُجبر سيئاتنا ويغفر الله ﷻ ذنوبنا. فعمرة، أو صدقة، أو إطعام يتيم، قد تعوّض، ولكن لا تجبر تقصيرنا في عدم القيام بواجب شرعي، أو إقدامنا على معصية. فحتى مثقال ذرة من الشر قد يُدخل صاحبه النار.

 

أنا الآن في منتصف الخمسينات من عمري. ولدي ذكريات جميلة عن محمد علي، بطل العالم في الملاكمة. أحب شيئاً معيناً فعله، إلى جانب كونه سفيراً ملهماً للإسلام، وهو أنه كان يحمل عود ثقاب، ويشعله، ويقرب يده منه إذا ما فكر في الاستسلام لأي من الإغراءات من حوله. والأمل في رحمة الله ﷻ والخوف من سخطه ﷻ هما أمران متناقضان في الظاهر، ولكنهما يتعايشان في قلب المؤمن. قال الله ﷻ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. وروى أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ زار شاباً وهو في سكرات الموت، فقال له: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟« قال: "أَرْجُو اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَخَافُ ذُنُوبِي" فقال النبي ﷺ: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ« رواه الترمذي وابن ماجه.

 

أتذكر أن والدتي حفظها الله كانت تصب عليّ ماءً بارداً جداً من إبريق كبير، عندما كنت في العاشرة من عمري في شتاء إنجلترا، إذا طلبتُ "خمس دقائق إضافية" لأقوم لصلاة الفجر. وكانت تقول لي بابتسامة عريضة: "هذا يُطفئ نار جهنم. الآن قم يا بني"، لتأديبي بشأن عذاب جهنم بسبب تفويت صلاة واحدة، كنت أتلقى تذكيراً على شكل بلل بارد جدا. لهذا السبب أنا من النوع الذي ينام مبكراً ويستيقظ مبكراً، ونشيط جداً في وقت الفجر، كما تؤكد زوجتي الصبورة منذ ثلاثين عاماً، وبكل حماس.

 

أمي هي تذكير لي، كونها ابنة لأم بشتونية، وهم من خير الأخوال. أسأل الله ﷻ أن يمد في عمر والدتي في طاعته. اللهم آمين. أما والدي، رحمه الله رحمة واسعة، فكان يشعل الموقد الغازي، ويسألني: "إلى أي مدى يمكنك أن تقرب يدك منه؟" يسمونه الآن "الحب القاسي"، يسمونه "المدرسة القديمة". لكنه تأديب شرعي، وإن لم نعرف ذلك آنذاك. فالأب يؤدب ابنه ليحميه من النار، حتى لو كرهه الابن لأجل ذلك. فحب الأب لابنه يكون بهذا الشكل.

 

عائلتي من جهة الأب تنتمي إلى مدينة لكناو، في الهند قبل التقسيم، قبل هجرتهم إلى كراتشي في باكستان. كانوا من المجاهدين ضمن حركة "المنديل الحريري"، يقاتلون الاحتلال البريطاني. وكانت نساؤهم يقطفن أوراق الأشجار ويطبخنها تحدياً، عندما كان البريطانيون يحاصرونهم عقاباً جماعياً على ما فعله رجالهم. وما زلت أرى ذلك التحدي، تلك النظرة، في أختي ونساء عائلتي. فاللبؤات لا يقللن شأناً عن الأسود، كما ذكرتني أختنا ابتهال.

 

أمي ضعيفة الآن، ولكن حتى في ضعفها، وبيدين مرتجفتين، ستسكب إبريق ماء بارد على أي ضابط جيش، أياً كانت رتبته، لتذكره بأنه لا يجرؤ على أن يطلب "خمس دقائق إضافية". لقد مرت ثمانية عشر شهراً دون أن تتحرك الجيوش لنصرة غزة. أبي رحل الآن إلى رحمة ربه الواسعة، أسأل الله ﷻ أن يمنّ عليه بمرافقة النبي ﷺ في الجنة. الموقد الذي كان يشعله لم يعد يُشعل، لكنه ما زال يشتعل في صدري... ولو كان معنا اليوم، لأمسك بأحد أبنائه من الجيش الباكستاني ووضع يده على الموقد، حتى لو كره الضابط ذلك. هذا هو الحب الصارم المطلوب الآن.

 

النار المتقدة التي يُمثلها ذلك الموقد، تذكر ابنه بأن يتكلم ويتصرف، ربما بلا خوف، أو على الأقل بعد التغلب على بعض من خوفه. بعض ما يفعله الابن الآن من أجل غزة قد يسبب له بعض المتاعب، بل قد يجلب له الكثير من المتاعب، في الواقع، هناك ربح وخسارة. ولكن المكافأة تستحق المخاطرة. وفوق كل هذا، لديه أم تدعو له بالسلامة، وربما بعض أمهات مرضاه يدعون له أيضاً. وهو يتوق بشدة أن يترك إرثاً طيباً لبناته وبنات إخوته، ووضعاً أفضل للأمة، أفضل مما رآه طوال حياته، حتى الألم الشديد الذي رأيناه في غزة. وفوق كل شيء، قال الله ﷻ: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، ومع كلام الله ﷻ، أتذكر حديث رسول الله ﷺ الذي قال فيه: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلاَ تَعْجِزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» رواه ابن ماجه. فالجبان يموت ألف مرة قبل أن ينتهي رزقه وأجله، وكلاهما مقدر من الله ﷻ، مهما فعل. وقد أرانا الله ﷻ شيئاً من ذلك في جميع أنحاء العالم، من خلال صمود أختنا ابتِهال. كل هذا كان مما تحرّك في داخلي حين رأيت لبؤتنا، الأخت ابتهال، تقف شامخة.

 

إنّ صمود أهل غزة، ودعم لبؤتهم الجسور، أمة الإسلام، ينبع من محبة عميقة لله ﷻ، ولرسوله ﷺ، وللمؤمنين، ومن أمل في نيل رضوان الله والفوز بالجنة، ونعم، من خاف من النار اتعظ. لقد أدّى مسلمو غزة واجبهم الشرعي، وحان الوقت لأمة الإسلام وجيوشها أن تؤدي واجبها، وتُزيل كل من يعترض طريقها، بشجاعة اللبؤة التي تحمي أشبالها وسط الوحوش، في غياب الأسد.

 

يا ضباط القوات المسلحة من المسلمين: لقد نهضت الأمة وهي تناديكم لنصرتها، كونوا أسود عزّتكم، وأسود أمة محمد ﷺ، وافترسوا الوحوش الكاسرة لوجه الله ﷻ! ولا يجرؤ أحد منكم أن يطلب "خمس دقائق إضافية" قبل أن يفعل، لأن الأمهات في هذه الأمة ما زلن يحملن جراراً كبيرة من الماء البارد لتذكيركم، إن نسيتم، أو تعمدتم النسيان. ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مصعب عمير – ولاية باكستان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الرأسمالية تأكل نفسها بالحرب التجارية

 

 

لم تطبق العولمة بشكل كامل إلا في سبعينات القرن الماضي عندما بدأت الحكومات بالتشديد على فوائد التجارة الدولية، مستفيدة بشكل أساس من التطورات المتتابعة على صعيد التكنولوجيا والاتصالات، وبذلك حوّلت الحكومات اقتصاداتها من الاقتصاد المبني على التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق؛ إذ أسهمت الإصلاحات الداخلية للشركات على التكيّف بسرعة أكبر واستغلال الفرص التي أوجدتها التطورات التكنولوجية الكبيرة. بعد اعتماد العولمة نشأت الشركات متعددة الجنسيات على تنظيم العملية الإنتاجية للاستفادة من الفرص ما أدى إلى هجرة متزايدة للأيدي العاملة ورؤوس الأموال إلى مناطق تتميز بانخفاض تكاليف العمالة.

 

ونمت العولمة المحمولة بقاطرة النظام العالمي الجديد وصعدت بمعدلات مرتفعة وذلك من اندماج اقتصادات الدول المتقدمة مع الناشئة من خلال استثمار أجنبي وخفض الحواجز التجارية، وهذا نشأ ضمن اتفاقية التعرفة الجمركية والتجارة (الجات) التي وقعت عام 1947 وتطورت بعد ذلك تحت اسم منظمه التجارة العالمية، وتم بذلك خفض الحواجز الجمركية وكبح الدعم الحكومي للسلع المصنعة محليا.

 

ورغبة رأس المال العابر للحدود والباحث عن وفرة اليد العاملة الرخيصة تحت مظلة المؤسسات المالية الدولية والاتفاقات التجارية الدولية التي ضغطت على الدول الفقيرة للاندماج في السوق العالمي وخفض الجمارك وأجبرتها على فتح باب الخصخصة أي السماح لرأس المال شراء الشركات المملوكة للدولة وخاصة الاستراتيجية منها.

 

وبذلك نشأ السوق العالمي الذي تلاشت فيه الموانع والحواجز وتوسع عمل الشركات المتعددة الجنسيات وشبكات الإنتاج والتمويل العالمي حيث كان يرى الصندوق الدولي العولمة الاقتصادية بأنها التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتم ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود بالإضافة لرؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتقنية في أرجاء العالم كله.

 

إن الداعم الأكبر لهذه العولمة هي الأدوات الدولية المتمثلة بالبنك والصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، وقد عملت هذه الأدوات الدولية على بقاء المال والتحكم بأي مجموعة رأسمالية على حساب الدول الفقيرة وجلبت لتلك الدول المصائب والأزمات ومنها الأزمة المالية في جنوب آسيا (النمور الآسيوية) عام 1997 أكبر شاهد على ذلك.

 

إن الخطورة في فكرة العولمة هي أنها تتمركز حول الغرب وحضارته، وهي فكرة ناشئة من العقلية الغربية ضد تاريخ الشرق وحضارته بشكل عام، ويصر مفهوم العولمة على أنه منهج غربي مدمر للثقافات الأخرى مهما كانت، لذلك نشأت ردة فعل من مناطق الشرق ظهرت منها مؤشرات لمحاولة سعي الصين إلى تغيير البنية الاقتصادية للنظام الدولي دون صدام مباشر مع أمريكا والغرب.

 

نذكر منها على سبيل المثال:

 

● قيام الصين باعتماد اليوان في بعض التعاملات التجارية بدل الدولار، حيث تسعى لتحويله لعملة احتياطية في سلة النقدي العالمي.

● مشروع الحزام والطريق بمساره البري والبحري، مع محاولة أمريكا إيجاد طريق أقصر منه بكثير وهو عبر (نيودلهي الفجيرة حيفا أوروبا).

● تأسيس شبكة إنترنت عالمية منافسة ومستقلة عن الولايات المتحدة الغربية.

● سعي الصين للتعاون مع منظمة شنغهاي لإيجاد حلف عسكري مستقل يحد من تمدد الناتو عالميا وقد يصل لمرحلة الوقوف أمامه.

 

إن الحرب التجارية الدائرة اليوم ليست هي مجرد نزاع مالي فقط بل هي صراع على السيطرة على أسواق التجارة العالمية وإعادة توزيع القوى الاقتصادية، وسوف تؤثر على العولمة التجارية بشكل قد يفضي في المستقبل إلى تقارب بين الدول المتضررة وينشئ بدائل مثل السوق الأوروبي والأسواق الآسيوية الناشئة وغيرها، ما يعني أن العولمة سوف تستمر مبدئيا ولكن ضمن إطار شركات وأطر جديدة تختلف عن النمط السابق المبني على الرابطة العالمية المفتوحة.

 

فتعريف الحرب التجارية أنها نزاع اقتصادي بين دولتين أو أكثر من خلال فرض كل طرف لتعريفات جمركية وإجراءات غير جمركية مثل الحصص والقيود الأخرى على وارداتها بهدف حماية صناعاتها المحلية أو الضغط على الطرف الآخر لتحقيق بعض الأهداف السياسية والاقتصادية، وفي هذه الحال يصعب تحديد الطرف الخاسر ولا يوجد طرفان فائزان لأنهما يدفعان إلى رفع أسعار الواردات ما يؤدي إلى تراجع التجارة الدولية واضطرابات في أسواق المال والنمو العالمي.

 

فاليوم نجد أن الولايات المتحدة تعلن حرباً تجارية على الصين بالدرجة الأولى ولكن لم تسلم جميع دول العالم من هذه الحرب، حيث ذكرت رويترز تراجع أسعار النفط مع تصعيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحرب التجارية مع الصين ما أدى إلى انخفاض العقود الآجلة لخام برنت 39 سنتا بنسبة 6% ما جعل عقود الخام القياسية تنهي التداولات بنسبة 4% انخفاض.

 

وقد رفع ترامب التعرفة الجمركية على الصين لتصل إلى 125% بشكل فوري بدلاً من التعرفة السابقة، وردت الصين بالإعلان عن فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الأمريكية حيث فرضت تعرفة بنسبة 125% وقال بيب جون رونغ "إن استراتيجية الأسواق في منصة التداول عبر الإنترنت IG قد نرى أسعار النفط تستأنف اتجاهها بالنزول الأوسع بمجرد أن يتلاشى عن وقف الرسوم الأخيرة"، وقد جاء هذا التصعيد الصيني مرافقا لفرض ضوابط عامة على صادراتها العالمية من المعادن النادرة المكررة التي تمكنت من فرض قبضتها على إنتاجها.

 

وذكرت رويترز في عمود للكاتب بير تيل بايار "إن بكين وعدت ترامب بأن الصين ستقاتل حتى النهاية" وبالفعل بدأ التصعيد الصيني الأمريكي الآن، لأن ترامب مثل أسلافه وخلفائه لا يستطيع أن يمنع الرئيس الصيني شي جين بينغ الفرصة لجعل إمبراطوريته القوة الرائدة في العالم.

 

مع أن ما يفعله ترامب اليوم هو حرب تجارية لإخضاع الصين ولكن لم يجمع أصدقاءه بل جعلهم أيضا ضحايا لأنه من خلال إغلاق السوق الأمريكية بشكل أحادي يفتح السوق الأوروبية أمام الواردات الصينية، علما أن التهديد الذي تشكله الطاقة الإنتاجية الفائضة الصينية أكثر خطورة من التهديد الذي تشكله التعرفة الجمركية الأمريكية، أي أن المنتجات التي لم تصدر لأمريكا تبحث عن أسواق بديلة منها الأسواق الأوروبية فهي البديل، وهذا يعني أن أوروبا على موعد لاستقبال السلع الصين التي سوف تغرق الأسواق العالمية بمنتجاتها بأسعار منخفضة جدا، وهنا سوف تكون المنافسة مدمرة للمنتج المحلي لأي منطقة تدخلها البضائع الصينية حيث إن الصين تنتج فائضاً يفوق حاجة العالم كله.

 

ومن ذلك نستنتج أن من سيدفع ثمن هذه الحرب التجارية ليست هي فقط أمريكا أو الصين بل أيضا أوروبا وباقي دول العالم إذا ما تحولت إلى سوق بديل للمنتجات الصينية، وبذلك يصبح المنتج الصيني تهديداً خطيراً للصناعات المحلية في الدول المستوردة لعجزها عن مجاراة أسعارهم المنخفضة.

 

ومن ناحية أخرى إذا ما اندلعت حرب بين أمريكا وإيران فلن يقتصر أثرها على الطرفين فحسب بل سوف تحدث اضطرابات واسعة النطاق في تجارة الطاقة وسلاسل التوريد العالمية، حيث سيتم إغلاق المعابر الحيوية مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب، ما سوف يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط وزيادة تكاليف النقل ما ينعكس سلبا على كل من الصين وأوروبا حيث تعد الصين واحدة من أكبر مستوردي النفط والسلع (المواد الخام) وتعتمد بشكل كبير على تدفق سلعها عبر هذه المضائق البحرية ما يعطل سلاسل التوريد فيؤثر سلبا مع الحرب التجارية على قطاعات الصناعة والتجارة.

 

أما أوروبا ورغم قربها إلا أنها ستنعكس عليها أيضا أولا عبر سلاسل الإمداد والتوريد والكلفة الباهظة وأيضا ارتفاع أسعار النفط والغاز الناتج عن كثرة الطلب وقلة العرض.

 

وبالتالي فإن هذه الإجراءات برمتها سوف تسرع نحو الركود التضخمي الذي سوف يفرض ظلاله على العالم ساحبا إياه إلى خطاً أسرع نحو الانهيار المالي العالمي الذي سوف يغير الموقف الدولي إذا ما حدث. حيث ستتفلت الدول من قبضة أمريكا الاقتصادية التي فرضتها على العالم وندخل في مرحلة تعدد الأقطاب بدل القطب الواحد، وهذا سوف يجعل أمريكا تفقد السيطرة وتتجه نحو الدولة الكبرى بدلا الدولة المهيمنة على العالم، واليوم نشهد سقوط أدواتها الدولية التي بان عورها ولم يبق من مصداقيتها أي شيء.

 

وهناك بعض الدلائل على تراجع هيمنة أمريكا في القريب العاجل وتراجع قدرتها على الاستمرار في قيادة العالم ومنها:

 

■ فقدان الثقة العالمية في القيادة الأمريكية للعالم وخاصة منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية وأيضا إدارتها لجميع الملفات السياسية العالمية بشكل أناني.

■ تورط أمريكا في حروب ونزاعات عديدة عبر العالم بغية تثبيت وضع الهيمنة ما سوف يؤدي إلى ظهور اليمين المتطرف الذي سوف يرفض القرارات الأمريكية.

■ المشاكل الداخلية التي تعاني منها أمريكا وذلك بتدهور نظامها السياسي الحالي مع قدوم ترامب.

■ تنامي الانقسام الحزبي الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين واعتمادهما على قوه الضغط التجارية لإنهاء بعضهما.

■ يعتبر ظهور الصين اقتصاديا مؤثراً ضاغطاً على الاقتصاد الأمريكي في المستقبل القريب.

■ التوتر العرقي والاجتماعي في النسيج المجتمعي الأمريكي والذي يظهر مع تعاظم المشاكل الاقتصادية مثل ارتفاع تكاليف المعيشة والديون الطلابية والعامة المتزايدة.

■ تراجع ثقة الدول بالدولار الأمريكي ما ينعكس سلبا على نفوذ أمريكا الاقتصادي في حال بدأت محاولات التداول بغير الدولار.

■ وجود أصوات تنادي بالتحول في الخطاب العالمي حتى يوجه نحو تعدد الأقطاب والعدالة الدولية بدلا من قبول أمريكا أو الأقطاب أحادية الجانب.

 

وهذا كله سوف يسقط الهيمنة الأمريكية كمبدأ، يعني أنها لم تعد مقبولة كدولة زعيمه للعالم.

 

إن هذا التغير الذي يطرأ على العالم اليوم هو نتاج طبيعي لخنوع الشعوب طوال هذه الفترة للهيمنة الرأسمالية ولقذارة الرأسمالية من حيث المبدأ فهي تغذي البغضاء وتورث الشقاء للبشرية.

 

فاليوم مع هذه التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم، جدير بعقلاء هذا العالم أن يتحركوا للتخلص من الهيمنة الأمريكية والبحث عن بديل يصلح لأن يقود العالم، ولا يوجد أي مبدأ يستطيع إزاحة الرأسمالية سوى الإسلام المبدأ الرباني الذي ينقل العباد من عباده العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان والرأسمالية إلى عدل الإسلام ونوره.

 

فيا أهل الإسلام: إن جموع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية ينتظرون دعمكم وهم يعملون ليل نهار لتحقيق بشرى رسول الله ﷺ وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي آن أوانها واقترب فجرها إن شاء الله. فكونوا في عون العاملين لها واستنهضوا كل من يملك القوه لنصرة أهل الدين، ولنعدها سيرتها الأولى ونسعى للتخلص من معيشة الضنك التي فرضت على العالم، ونرضي رب العزة سبحانه.

 

قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً﴾.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نبيل عبد الكريم

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

انقسام اقتصادي حاد بشأن نهج الرئيس ترامب

مقامرة على حافة الهاوية

 

يشهد القطاع الاقتصادي انقساماً حاداً حول الاستراتيجية الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليس بسبب غياب خطة واضحة كما يُروّج، بل لأن النهج الذي يتبعه يتسم بعدم التقليدية، وعدم القدرة على التنبؤ، وينطوي على مخاطر كبيرة.

 

لقد بدت هذه الاستراتيجية كمقامرة عالية المخاطر، تشبه ما يعرف بـحافة الهاوية الاقتصادية، حيث يعتمد كل طرف على صبره بانتظار تراجع الطرف الآخر. وقد تجلّى هذا النهج بشكل واضح خلال الحرب التجارية بين أمريكا والصين، عندما فرض  ترامب رسوماً جمركية بلغت نسبتها 145% على بعض الواردات الصينية، الأمر الذي دفع الصين إلى الرد برسوم وصلت إلى 125% على السلع الأمريكية.

 

وعلى خلاف السياسات الاقتصادية التقليدية التي ترتكز على استقرار الأسواق والتعاون الدولي، يعتمد هذا النهج على إجراءات هجومية وارتجالية، شملت فرض رسوم مفاجئة، وتهديدات بفك سلاسل التوريد، ومحاولات لإعادة التصنيع إلى الداخل الأمريكي دون معالجة المشاكل الهيكلية طويلة الأمد. ورغم أن هذه الإجراءات قد تحقق مكاسب سياسية قصيرة الأجل، فإنها على حد وصف ترامب، تمثل "ألماً قصير الأجل" من أجل مكاسب محتملة، لكنها في الواقع تزرع حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية وتفتح المجال لردود اقتصادية انتقامية من الخصوم.

 

فلماذا اختار ترامب ومؤيدوه هذا المسار؟ الجواب يكمن في مزيج من الثقة المفرطة أو الغرور السياسي وسوء تقدير كبير لاستراتيجية الصين الاقتصادية. فقد واجهت بكين هذه التحديات ليس بالخضوع، بل بردود مدروسة شملت فرض رسوم مضادة، وتوسيع علاقاتها التجارية مع شركاء جدد، إلى جانب تعزيز الابتكار المحلي. وقد أثبتت قدرتها على الصمود، الأمر الذي قوّض الافتراضات الأمريكية بأنها ستنهار تحت الضغط الاقتصادي.

 

وفي نهاية المطاف، لا تبدو هذه الاستراتيجية خطة اقتصادية متماسكة، بقدر ما تمثل محاولة لاستخدام الاقتصاد كأداة في لعبة القوة الجيوسياسية وإعادة هيكلة الموقف الدولي العالمي؛ وهي لعبة قد تكون لها تبعات كارثية وطويلة الأمد على الاقتصاد الأمريكي والنظام الاقتصادي العالمي ككل.

 

وفي خضم هذا المشهد العالمي المضطرب، يبرز سؤال جوهري: أين موقع الإسلام والمسلمين اليوم؟ هل سنبقى مجرّد أحجار على رقعة الشطرنج الجيوسياسية، يُحدَّد مصيرنا ومصير شعوبنا والإنسانية جمعاء دون أن يكون لنا أدنى حراك؟ هل سنكتفي بدور المتفرج في صراع بين جشع الرأسمالية وتسلّط الاشتراكية، بينما نملك إرثاً حضارياً ونظاماً ربانياً قادراً على إنقاذ العالم من الفوضى والظلم الاقتصادي؟

 

أم آن الأوان أن ننهض بوصفنا أمة ذات سيادة، تملك مقوّمات حضارية واقتصادية هائلة، وتشارك في صناعة القرار العالمي كلاعب فاعل لا كأداة مستغلة؟ ألم يحن الوقت ليظهر الإسلام بعدله ورحمته من خلال نظامه الاقتصادي والمالي؛ حيث تُوزّع الثروات بعدل، ويُمنع الاحتكار، وتُزال الضرائب الجائرة، ويتحرّك المال في المجتمع بحرية وعدالة، ويُربط بميزان الذهب والفضة، فتستقر الأسواق وتستعيد الإنسانية توازنها المالي والمعيشي؟

 

فإن أعرضنا عن هذا النهج، فإننا لا نُقصي الحل فحسب، بل نُقصي أنفسنا عن سنن الإصلاح والنهضة، ونُعرّض شعوبنا لما توعّد الله به من الضنك في الدنيا والعذاب في الآخرة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سامر دهشة (أبو عمر)

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها المسلمون، أهل غزة بحاجة إلى مساعدتكم!

 

الحمد لله الذي بلغنا شهر رمضان ومكننا من صيامه وأداء صلاة التراويح والاعتكاف وإحياء ليلة القدر، وتوزيع الزكاة والإحسان وصدقات الفطر على المحتاجين المستحقين. تقبل الله منا جميع الأعمال التي أديناها إيمانا واحتسابا في هذا الشهر المبارك وبلغنا جميعاً رمضان القادم بالعافية. فجزى الله تعالى المخلصين الذين قدّموا إخواننا الفلسطينيين المظلومين ماء الشرب النظيف والطعام والمال في شهر رمضان، ولو كان ذلك بالطريقة الوحيدة الممكنة وهي منظمات الوقف والجمعيات الخيرية، أجراً عظيماً في الدنيا والآخرة. احتفلنا هذا العام أيضا بعيد الفطر امتثالاً لأمر الله ولكن منفصلين بعضنا عن بعض بسبب هذه الحدود الوطنية والقومية الزائفة. لقد عكرت رغبتَنا في خلق البهجة والاحتفال بالعيد بفرحة الأخبارُ الرهيبة الواردة من غزة. لقد قصف يهود الغاصبون الذين هم أعداء ليس فقط للمسلمين بل للبشرية جمعاء، قصفوا بالصواريخ والطائرات في يوم العيد الأطفال والأبرياء المزينين للعيد. ووفقاً لوزارة الصحة في غزة قُتل 53 فلسطينياً وأصيب 189 آخرون. وفي اليوم الثاني من العيد قُتل 41 مسلماً، وفي اليوم الثالث قُتل 46 مسلماً... ولا تزال أعمال الإبادة الجماعية هذه، التي ينظمها كيان يهود المجرم مستمرة حتى يومنا هذا.

 

منذ شهر رمضان وحتى الآن يتم إجلاء الآلاف من المسلمين من بيوتهم، وقد أضيفت مشكلة الجوع إلى هذه المصائب. إن الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية التي تسيطر على ثروات الأمة الضخمة وجيوشها الحديثة لا تتخذ أي خطوات عملية لتحرير فلسطين من يهود، ونصرة المسلمين المظلومين هناك. وتدعي هذه الأنظمة أنها موقعة على اتفاقيات دولية وهي التي تمنعها من فرض عقوبات على كيان يهود أو التدخل العسكري! وسواء أكانوا حفظة قرآن أو قادة حركة إسلامية فإنهم في نهاية المطاف ينقلبون المنفذين التافهين الذين لا يرون سوى السلطة والهيمنة، لأنهم يكبّلون أنفسهم والأمة بأخذهم على عاتقهم تطبيق النظام الديمقراطي والاعتراف بالقوانين الدولية الفاسدة.

 

إن الفؤاد يمزق برؤية الأبرياء من الرضع والأطفال والنساء، يُقتلون ويُشوهون في غزة. ونقول ليت هذه المجزرة تنتهي مهما كان الأمر. حتى لدى البعض فكرة تقول لماذا لا يمكن التصالح مع كيان يهود؟! ويجب أن لا ننسى أن هؤلاء المهجرين هم إخواننا وأخواتنا والمكان الذي يقاومون فيه ولا يتخلون عنه هو الأرض المباركة حيث المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال. وقد فُتحت هذه الأرض قبل المدن العظيمة كسمرقند والقرم وإسطنبول في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه وأصبحت دار إسلام؛ أرض المسلمين. ومن وجهة نظر الإسلام أيضا تعتبر هذه الأرض جوهرة بلاد المسلمين. ولذلك فكلما قمنا إلى الصلاة لا بد أن يتمثل المسجد الأقصى أمام أعيننا الذي له مكانة مهمة في فرض هذه العبادة. وما دام أهل غزة العزة يدركون قيمته إدراكاً عميقاً ويصبرون ويثبتون حفاظا على دينهم وشرفهم فلن يقبلوا الذل والهوان، ويجب على المسلمين جميعا أن ينصروهم. قال الله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.

 

كما أنه من الضروري لمن ضعف إحساسه بآلام المسلمين المظلومين أن يجدد إيمانه، لأن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ». لذلك على المسلمين أن يدركوا أن فلسطين لن تتحرر إلا إذا أقيمت الخلافة الراشدة التي ستفي بوعد الله دون أن تقبل الاتفاقات والالتزامات الدولية الحاضرة التي عقدتها الدول الاستعمارية. وتأكيداً لهذه الحقيقة قال رسول الله ﷺ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».

 

وقد تأكد واجب إقامة هذه الدولة التي تطبق أحكام ديننا الحنيف تطبيقاً كاملاً وتحمي أرواح وممتلكات وأعراض المسلمين جميعاً على وجه الأرض، على أنها تاج الفروض. واليوم بينما يسعى المسلمون لإقامة الخلافة الراشدة يجب عليهم أيضاً أن يستخدموا كل ما لديهم من الإمكانات لنصرة أهل غزة. واليوم أبناء شعبنا يعملون ليس في أوزبيكستان فحسب بل في أوراسيا وأفريقيا وأستراليا وجميع قارات العالم أيضا. في ظل الظروف الحالية من الممكن التواصل وإرسال الأموال إلى أي مكان في العالم كل يوم. لذلك يجب أن نتجاوز احتياجاتنا اليومية لمساعدة إخواننا في غزة. قال رسول الله ﷺ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ».

 

وخلاصة ما سبق هو أن كل إنسان صغيراً أو كبيراً، رجلاً أو امرأة، عالماً أو عامياً، أياً كان، عليه مسؤولية أن يعيش مع همّ الإسلام والمسلمين وأن يبذل قصارى جهده لحل مشاكل أهل غزة.

 

لا تنسوا أيها المسلمون أنكم ستُسألون عن غزة يوم القيامة حتماً. وحتى تبيضّ وجوهكم في ذلك اليوم استخدموا كل الإمكانيات والفرص التي منحكم الله إياها وأنفقوا أموالكم! قال الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الرحمن الأوزبيكي

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...