اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

نتنياهو يصنع نصرا من وهم

 

بعد أكثر من عام من القتل، والتجويع، والتهجير، لا يزال أهل فلسطين يقدمون قرابين الدم ثمن حريتهم المسلوبة، وما زالت قافلة الشهداء تمضي بالأرواح الطاهرة لتكمل المشوار رافضة حياة الذل والخنوع، فطوبى لمن رزق الشهادة في سبيل الله، وهنيئا لكل مجاهد مرابط في سبيل الله.

 

واليوم غزة تودع رأس حربتها المجاهد الشهيد بإذن الله يحيى السنوار البطل الذي لعب دورا بارزا في معركة طوفان الأقصى التي أذلت جيش يهود وكسرت جبروتهم، فهنيئا لك الشهادة، والعار كل العار على الحكام الخونة، الذين لا يصلحون إلا أن يكونوا خدماً في البيت الأبيض، والذين سيذكرهم التاريخ ولكن في صفحة سوداء، وستبقى اللعنة تلاحقهم إلى أن تقوم الساعة.

 

كذلك العار كل العار على علماء السلاطين الذين صدّعوا رؤوسنا بالمسح على الخفين، وتركوا فريضة الجهاد التي هي ذروة سنام الإسلام.

 

يا علماء المسلمين: إن إخواننا في غزة لا بواكي لهم، فلقد تركتموهم وتنكرتم لأخوتهم «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ». أقول لكم ولكل العالم إن التاريخ علّمنا أن النصر يكون بعد الشدة والصبر عليها، وإن طريق العزة والكرامة يكتب بالدماء الزكية، وليس بالاستسلام والخنوع، وإن الجنة محفوفة بالمكاره، هكذا علّمنا رسول الله ﷺ، أما أنتم فاركنوا لمساجدكم وارفعوا أصواتكم بالدعاء للحكام الظلمة، واملأوا كروشكم بالطعام، وبالقيل والقال!!

 

لا شك أن استشهاد السنوار منح نتنياهو نصرا معنويا في الحرب، ولكن في الحقيقة هذا لا يعد نصرا ليهود، وإن هذا الأمر لن يغير من حقيقة الوضع الذي أفرزه الصراع على مر العصور. لذلك يصعب على يهود أن يتجاهلوا هذه الحقيقة، لأن الصراع ليس صراع رموز أو شخصيات، بل هو صراع عقائدي لا يمكن للأمة الإسلامية أن تتهاون فيه أبدا.

 

لذلك لا يزال نتنياهو بعيدا كل البعد عن تحقيق النصر رغم تصفية رموز وقادة حركة المقاومة لأنه يدير الحرب من منظور اعتقاده بأنه قادر على تغيير الشرق الأوسط وتصفية قضية فلسطين الإسلامية.

 

إن غطرسته في إدارة الصراع لن تجلب له الاستقرار، فالصراع لا يمكن له أن يذوب، وإن مات السنوار أو غيره، فالأمة كلها مشاريع استشهاد وكلها إن شاء الله كالسنوار، وإن المحصلة النهائية بإذن الله هي زول يهود، وهذا ثابت في معتقد كل مسلم، وإن غطرسة يهود لن تؤدي إلا إلى تعميق صورتهم المجرمة في أذهان المسلمين، وإن هذا الصراع قائم مهما طال الزمن، وإن المسلمين اليوم وإنْ كانوا مجزّئين ليس لهم كيان أو دولة تجمعهم لكنهم جميعا على حقيقة واحدة وهي أن هذا الجسم الغريب في جسد الأمة لا يمكن هضمه أو التغافل عنه، وأن هذا التطاول على أبناء المسلمين لا يمكن أن يغير من المعادلة شيئا، وأن نتنياهو المسعور لم يكن ليتطاول على قتل المسلمين لو كان لهم سلطان يدافع عنهم ويحمي حماهم، ولولا هؤلاء الحكام الرويبضات الذين نصبهم المستعمر نواطير على رقاب المسلمين لما كان هذا المسعور يعربد، ويصول، ويجول، ولولا هؤلاء الجواسيس لم يكن لإخوان القردة و الخنازير أن يدوسوا على كرامة المسلمين، والتاريخ شاهد على ما فعله أجدادنا بيهود وأمثالهم من الكفار.

 

أقول إن نصر نتنياهو الزائف لا يزال يصطدم بصمود أبناء غزة رغم ويلات الحرب لأنهم أصحاب حق مشروع، وإن المقاومة لا تزال قادرة على الاحتفاظ بهيكلها حتى بعد اغتيال القادة، وكذلك الرهائن ما زالوا بقبضة الأسود. لذلك أرى أن نشاط، واستمرار المقاومة لن يتأثر بشكل كامل، وإن الاعتقاد الذي يقول بأن رحيل السنوار سيؤدي إلى انهيار المقاومة غير صحيح، كذلك أقول إن الأمة ولادة، فكل مقاتل هو سنوار بإذن الله وإن عدالة القضية تمنحهم قوة لا تستطيع كل قوى الأرض أن تدحرها مهما كلفتها من تضحيات.

 

إن هذه النفوس التي تربت على رفض الخنوع للمحتل البغيض لا يمكن لها أن تنكس رايتها برحيل قادتها رحمهم الله، فهذا هو طريق الأحرار، والشرفاء والعاقبة للمتقين.

 

إن الآثار الهائلة التي خلّفتها الحرب على يهود، وعلى قضية فلسطين لن تنتهي بنهاية السنوار. كذلك موت السنوار يمنحه بطولة يستحقها لأنه مات وسلاحه بيده مقبل غير مدبر ما يجعله قدوة لإخوانه لإكمال مشوار الجهاد والبطولة، وإن غزة التي يمتد عمرها الحضاري لأكثر من ألفي عام، وتشرفت باحتواء رفات هاشم بن عبد مناف الجد الثاني لرسول الله ﷺ ستكون بإذن الله حطين، وعين جالوت الثانية التي يتحطم على صخرتها كل طامع غازٍ بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 84
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

image.jpeg.bb3d348b6e9a5b57b9c254ab714eb

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة البروفيسور محمد ملكاوي في المؤتمر العالمي "عام مضى أيتها الجيوش"

الذي عقدته قناة الواقية يوم الخميس 07 ربيع الآخر 1446هـ الموافق 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024م

مصالح الغرب وتأثيرها في حرب غزة

 

براءة من الله من كل كافر مستعمر متجبر ومن كل عميل ذليل مستكبر.

 

لقد كان أحرى بهذه الأمة أن تكون في طريقها اليوم وبكامل قوتها لتزيل كيان يهود وترفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، كان أحرى بهذه الأمة أن تكون هذا اليوم قد وصلت إلى الكيفية التي تستطيع أن تقوم بها بما يلزم لإزالة كيان يهود وليس فقط لرفع الظلم والطغيان عن أهلنا في غزة، لتكون هذه الراية منارة تنير مآذن الأقصى، وتكون بيضاء تنير درب المؤمنين درب الأمة، وسوداء ترهب قلوب الحاقدين، والله غالب على أمره ناصرٌ عباده المخلصين.

 

إن هذا الكيان المسخ لم يكن ليقوم ابتداءً وليستمر حتى الآن إلا بسببين رئيسيين:

 

أولهما: زوال دولة الخلافة الإسلامية الراعية لشؤون الأمة والحامية لحياضها والحافظة لأبنائها شيوخا ونساء وشبابا وأطفالا.

 

وثانيها: دعم المستعمر الكافر للكيان المسخ لتحقيق مصالحهم الاستعمارية سياسيا واقتصاديا وفكريا.

 

أما زوال دولة الخلافة رسميا فقد حصل بعد سبع سنين من إفصاح بريطانيا عن خطتها لإقامة كيان مسخ ليهود في فلسطين وإبرام اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم وتقزيم بلاد المسلمين، فكان تقسيم بلاد المسلمين خاصة في الشرق الأوسط بعد وقوعها تحت سيطرة بريطانيا وفرنسا، كان مقدمة لإزالة دولة الخلافة والتي طالما وقف جنودها على أسوار فينَّا وحاصروا فرنسا وهددوا بريطانيا.

 

ومن أجل الحفاظ على هذا المكسب العظيم للمستعمرين عمدت بريطانيا رأس الكفر واستعملت نفوذها في عصبة الأمم لبناء كيان يهود في فلسطين ليبقى خنجرا في قلب البلاد الإسلامية يحول دون عودة المسلمين إلى سابق عزهم ومجد دولتهم وامتلاك كامل إرادتهم على حكمهم ومقدراتهم وثرواتهم.

 

ولتثبيت هذا الكيان أحاطته بريطانيا وفرنسا ابتداء وأمريكا لاحقا بسلسلة من الكيانات الهزيلة ونصّبوا عليها عملاء جبناء لا ينتمون إلى أمة الإسلام إلاّ لأسماء ورثوها عن آبائهم بغير إرادة منهم.

 

واصطنعت بريطانيا وبعدها أمريكا حروبا وهمية بين الكيان المسخ والدول المجاورة لتثبيت الكيان وليس لإزالته، ثم اصطنعت حركات مسلحة وغير مسلحة منذ ثلاثينات القرن الماضي للدخول في صراع مع الكيان لتثبيت هذا الكيان حين يتغلب في الحروب ضد هذه الكيانات الهزيلة من جهة، وليشغل أبناء الأمة المخلصين في أعمال وحروب وحركات سياسية وفكرية وعسكرية وغيرها ويبعدهم عن العمل الذي يزيل الكيان ومن يقف وراءه، وقد استعملت بريطانيا وفرنسا ومن بعدهم أمريكا استعملت الصراع مع الكيان المسخ لعقود كثيرة ليجعلوا شباب الأمة وقودا لحروب لا تنتهي ولصرف أنظارهم عن العمل الجاد لبناء دولة الخلافة التي تعمل على اقتلاع الاستعمار من جذوره مع كيانه المسخ.

 

وهكذا كان هذا الكيان من أهم الأدوات السياسية التي استعملها الغرب الكافر للحيلولة دون إعادة بناء الدولة الإسلامية والتي لن تمكن الغرب من السيطرة على شبر من الأرض أو برميل من النفط أو أوقية من الذهب أو مادة تعليمية في منهاج المدارس أو متجر يبيع منتجاته أو بنك يسوّق رباه أو شركة تتاجر بأسهمه، ومن هنا كان تصريح رئيس أمريكا بايدن قائلا سوف نحمي هذا الكيان بكل ما عندنا من قوة ولو لم يكن موجودا لكنا قد أوجدناه، وما الحرب الحالية الدائرة في فلسطين ولبنان إلا خطوة على الدرب نفسه الذي تنتهجه أمريكا وحلفاؤها المستعمرون من أجل تثبيت الكيان ليكون جزءا لا يتجزأ من منظومة الشرق الأوسط الجديدة، والتي سماها نظاماً جيوسياسياً وأهم عناصره ست دول كما ورد في تقرير لمعهد بروكينز، هذه الست هي حسب التقرير: إيران، تركيا، (إسرائيل)، السعودية، وروسيا، وأمريكا، وباقي دول المنطقة بما فيها مصر ستكون هامشية لا وزن لها، ولا يستبعد أن أحد أهداف إشغال روسيا في حرب أوكرانيا هو من أجل استبعاد أي دور لها في الشرق الأوسط، إضافة لجعل أوروبا مهتمة بما يجري بالقرب منها في أوكرانيا مما يشغلها عن الشرق الأوسط قيد التكوين.

لقد عبر الرئيس السابق ترامب عن هذا المشروع بتسميته التحالف الأمني للشرق الأوسط الجديد.

 

والظاهر أن التركيز المستمر الآن على نشاط إيران وإقحامها الحذر في الحرب القائمة الآن دون إشعال حرب كاملة ما هو إلا لتثبيت مكانة إيران وموقعها في التحالف الأمني لمنظومة الشرق الأوسط، فتظهر على أنها القوة الوحيدة المعادلة لقوة الكيان العسكرية، وتَدَخّل إيران هذا سواء مباشرة أو من خلال جماعة الحوثي أو حزب إيران ما هو إلا تثبيت عملي لمركز ودور إيران في إنشاء معادلة أمنية تضمن الاستقرار النوعي والذاتي في الشرق الأوسط نتيجة تعادل القوى الرئيسية. ولا شك أن هذا يقتضي الانتهاء أولا من القضية القديمة الحديثة المتعلقة بشرعية الكيان وحل قضية فلسطين.

 

والملاحظ أن المتداول اليوم رسميا حول هذه القضية هو تسميتها بقضية الشعب الفلسطيني، وهذه التسمية لها أهمية خاصة حيث إنها تعني في النهاية إقامة دولة لهذا الشعب وتنتهي القضية دون المساس بوجود الكيان المسخ.

 

وهذا ما تعنيه أمريكا دائما عند التركيز على حل الدولتين فمن جهة تؤكد على شرعية الكيان الأول ومن جهة أخرى تنهي القضية برمتها بإيجاد دولة لأهل فلسطين وتنتهي كل المؤسسات الخاصة بهذه القضية، وتبدأ بإدارة الشرق الأوسط الجديد بأقل التكاليف العسكرية والأمنية والقواعد وغيرها، وتستمر بالسيطرة على المقدرات المالية والاقتصادية والثروات بكافة أنواعها.

 

وسياسة أمريكا هذه لا تتأثر بالانتخابات أو نوعية وهوية الرئيس، فما نقله معهد بروكينز شمل حقب الرئاسة الديمقراطية والجمهورية على حد سواء.

 

والحاصل أن اللاعب الرئيسي في أحداث اليوم هي أمريكا بالدرجة الأولى وهي التي تضبط الإيقاع سواء مع إيران أو الكيان وتستعمل قطر ومصر فيما يتعلق بالمقاومة في غزة ومستقبل المفاوضات.

 

أما من ناحية الأمة الإسلامية فهي لا تزال غير قادرة على التأثير بمجريات الأحداث والأمور ليس ضعفا ولا هو عدم اكتراث بل لأن الأمة لا تزال مسلوبة الإرادة اللازمة لاستخدام مقدراتها المالية والعسكرية والبشرية، وهذه الإرادة المتمثلة بالخلافة الراشدة هي التي تم سلبها منذ زمن على يد بريطانيا لمثل هذه الأيام.

 

 والحقيقة التي يجب أن تبقى ماثلة وبأقصى قوة هي أنه لا خيار لهذه الأمة غير خيار الخلافة كي تنهض من كبوتها وتسترد إرادتها وتستخدم كل مواردها لتحقيق ما أمرها الله به في قوله: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾.

 

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا رفضتم أن تضحوا في سبيل الله فستكونون أضاحي للطواغيت

 

إن إيران وبقية الأنظمة مستعدة أن تقدم كل ما تملك من رجال وقادة عسكريين قرابين لآلهتها أمريكا لتضمن رضاها عنها، وهذه الحقيقة قد زادت وضوحا وبياناً للعلن خاصة بعد اغتيالات لبنان وتصفية زعيم حزب إيران اللبناني، فكيان يهود لا يعلم علم الغيب ليحصي مكان هؤلاء القادة أو تحركاتهم بكل هذه الدقة، فهو لو لم يكن على يقين بمكان حسن نصر الله ما كان ليُطلق عليه ذلك الكم الهائل من الصواريخ التي يبلغ وزن الواحدة منها 5000 رطل والتي كلفتهم 85 مليون دولار، وقد حذرنا الله تعالى من اللجوء إلى هؤلاء بقوله: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.

 

فمن رفض التّضحية في سبيل الحق وإعلاء كلمة الله سيغدو أضحية لألاعيب هؤلاء المكرة، فإيران هذه وغيرها من الأنظمة الخائنة باعت نفسها لأمريكا وقدّستها واعتبرتها هي التي ستكفيها الأذى وتجلب لها الأمان، واللجوء لهذه الأنظمة وسادتها هو انتحار وإحباط للأعمال فهي كلها قد اتفقت على هدف واحد، ألا وهو حماية عروشهم، وذلك بالانصياع لأسيادهم فأحاطوا بكيان يهود كما يُحيط السوار بالمعصم وتنافسوا في نيل رضاه بما أن رضاهُ من رضا أمريكا، وها هي إيران اليوم تُعطي هؤلاء الملاعين نصرا مجانيا، أفعجزت آلاتها الحربية لمدة عام أن تنال عشر صمود غزة، فضلا عن سماحها ليهود بتخطّي الخطوط الحمراء التي يسمونها قواعد الاشتباك ولا تزال متمسكة بها، مُسمّيةً سُكوتها وركودها المخزي المذل "الصبر الاستراتيجي"!

 

والله لقد أُزيلت عنكم كل الأقنعة البرّاقة التي سبق وأن خدعتمونا بها، فقد ظهر الحق وزهق الباطل، ولم يعد لهؤلاء الخونة من مخرج أو مهرب، وها قد اشتدت الأوضاع التي تُوحي بقُرب زوالهم وزوال كراسيهم، فنحن أمة تثأر لدماء إخوانها وتأبى أن تعيش الظلم والهوان، وها قد قارب اليوم الذي ستطيح فيه بكم وتقلعكم بإذن الله، وتنصب مكانكم خليفة شهماً يجيش الجيوش لنصرة المسلمين، لا لخدمة أعداء الله والدين، فينطلق ومن ورائه المجاهدون المخلصون لنسمع تكبيرات النصر صادعة من حناجرهم، لتشفي صدور قوم مؤمنين، وتحلق راية العقاب شامخة معلنة زوال الحكم الجبري وبداية الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خديجة صالح

رابط هذا التعليق
شارك

image.jpeg.75f9bc40793438d140fb70293b550

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة المهندس صلاح الدين عضاضة

في المؤتمر العالمي "عام مضى أيتها الجيوش"

الذي عقدته قناة الواقية يوم الخميس 07 ربيع الآخر 1446هـ الموافق 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024م

 

الشعوب الإسلامية بين التعاطف والتحرك المنتج

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين سيد الخلق سيدِنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

منذ عام والأمة تنظر إلى غزة والألم يعتصر قلبها وهي تشاهد الإجرام المتواصل ليل نهار بحق أهل الأرض المباركة فلسطين. واليوم ينضم لبنان إلى ضحايا إجرام كيان يهود من القصف والقتل والتدمير.

 

منذ عام وفي أعماق الأمة سؤال كبير يحتاج إلى الإجابة، سؤال من شأنه أن يأكل العقول من الحيرة، وهو: "كيف يمكن للأمة أن تتحرك تحركا منتجا فتنقذ نفسها من براثن الإجرام؟"

 

وسنجيب على السؤال من أربعة جوانب:

 

لقد كان تفاعل الأمة الإسلامية مع أحداث طوفان الأقصى وحرب غزة هو الأبرز منذ ثورات الربيع العربي. ورغم أن حجم المظاهرات هذه المرة لم يعادل حجم تلك التي شهدناها في فترة الربيع العربي، إلا أنها تُشابِهُها في شمولها لجميع الساحات التي تضم جماهير المسلمين.

 

وسبب ذلك هو أن الأمة في ثورات الربيع العربي، أدركت بأن التحركات الشعبية بالتظاهرات الكبرى كانت سببا مباشرا في إسقاط الحكام سياسيا وإخراجهم من السلطة، فلذلك لم تترك الأمة الشارع بل بقيت ترابط فيه حتى أرغمت الحاكم على الهروب وترك كرسي الحكم.

 

ثم كان ما كان بأن ظهر النفوذ الغربي الذي كان يختبئ عن أعين الثوار داخل عقول وقلوب كبار قادة الجيوش، فتلاعب هؤلاء بالثورات وانقلبوا عليها، واستعادوا الأنظمة القديمة وأعادوا البلاد إلى الأوضاع الاستعماريّة. وفي تلك الفترة، كان حزب التحرير يحذر الثوار بضرورة كسب ولاء الجيوش، لكن الأمة لم تع أهمية هذه المسألة، وبالفعل انقلب قادة الجيوش على الثورات.

 

لكن اليوم، ومع أحداث طوفان الأقصى، بدأت الأمة تدرك قيمة علاقتها بجيوشها وأهمية دورها في التغيير، حيث نادت الجيوش بشكل مباشر للتحرك لإنقاذ الأرض المباركة، وقد استجاب أفراد من الجيوش لهذه النداءات.

 

وهذا تطور جديد لا بد للأمة أن تتمسك به لأن فيه مفتاح وقف العدوان على الأرض المباركة، بل تحريرِ كامل فلسطين. وفيه جواب على السؤال: "كيف يمكن للأمة أن تتحرك تحركا منتجا فتنقذ نفسها من براثن الإجرام؟"

 

فالجواب هو أنه على الأمة أن تستعيد قرار جيوشها عبر القوى المخلصة في هذه الجيوش. فهي التي عندها الاستعدادات والقدرات والتدريب والتسليح الذي من شأنه أن يذيق يهود وبال أمرهم بل أن يحرر الأرض المباركة فلسطين. فبعد الدروس التي تعلمتها الأمة في الربيع العربي عن دور الجيوش في الإمساك بالسلطة الحقيقة في البلاد وإعطائها لمن تريد، لا بد للأمة أن تسعى لأن يكون ربيعها هذه المرة هو "ربيع جيوش المسلمين" حيث تتحرر قيادات هذه الجيوش من العملاء وتعيد السلطان إلى الأمة الإسلامية.

 

أما الجانب الثاني من مسألة الوصول إلى معرفة ما هو التحرك المنتج فعلا لنصرة غزة عمليا، فلقد تمثل في حدث أساسي في بداية حرب غزة، فحين بدأت الحرب تشتد على أهل غزة وظهرت معالم سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها كيان يهود معهم، حينها اشتعلت قلوب شباب المسلمين وقرروا التوجه إلى غزةَ سيرا على الأقدام فوجدوا أن الذي منعهم هم جيوش بلادهم بأمر من الحكام، فاكتشفوا بأن حدود سايكس بيكو ما هي إلا جدران السجن العالية. سجن صنع كي يستطيع الغرب أن يستفرد بشعوب الأمة الإسلامية، وهذا يوصلنا إلى جواب على سؤال آخر كان شباب الأمة الإسلامية قد طرحوه على أنفسهم، وهو "لماذا لم نستطع نصرة غزة وعدد المسلمين ملياران؟"، والجواب هو أن حدود سايكس بيكو سلبت الميزة العددية من الأمة الإسلامية، فهي صممت لسلب هذه الميزة تحديدا كي يستطيع الغرب أن يستفرد بشعوب الأمة الإسلامية شعبا شعبا. وحدود سايكس بيكو ليست هي السياج الحديدية ولا الجدران الإسمنتية التي تحيط بالبلاد، فهذه ما أسهل على الأمة أن تكسرها، وإنما حدود سايكس بيكو هي بالجيوش التي تحرس هذه الحدود بأمر من الحكام الخونة.

 

ولذلك يكون الجواب على السؤال: "كيف يمكن للأمة أن تتحرك تحركا منتجا فتنقذ نفسها من براثن الإجرام؟"، هو بأن تستعيد الأمة قيادة جيوشها من يد الحكام العملاء فيفتحوا لها الحدود لكي تصل إلى الأرض المباركة فلسطين بل أن يكونوا هم في الصفوف الأمامية يكبرون وتكبر الأمة من خلفهم فيحرروا فلسطين يدا بيد من رجس يهود المغتصبين.

 

أما الجانب الثالث من مسألة التحرك المنتج الذي يمكن للأمة أن تقوم به لكي تنصر غزة ولبنان اليوم، فهو يتمثل في أن يدرك الوسط الإعلامي من أصحاب المنابر والمنصات الإعلامية ممن يوجهون أنظار الرأي العام على القضايا، فعلى هؤلاء أن يتنبهوا بأن كيان يهود يضرب غزة بجيش ولا يرد الجيش إلا جيش آخر. لا يرده المجتمع الدولي، ولا محكمته، ولا رأيه العام، فهؤلاء أقصى ما سيقدمونه هو التعاطف، بل التعاطف الكاذب، بل أحيانا الشماتة الوقحة. لذلك على جميع الإعلاميين ممن يعتبر نفسه مخلصا للأمة الإسلامية وقلبه على الأرض المباركة فلسطين، ومعها اليوم لبنان، على هؤلاء أن يصبوا قولهم على دور الجيوش في تخليص فلسطين وأن لا يشغلوا الأمة بأيٍّ من شعوذات الحكام العملاء، ومن خلفهم تشويشات الغرب وأدواته الإعلامية الذي يحاول أن يشتري الوقت لكيان يهود حتى ينهي سياسة الأرض المحروقة في غزة ولبنان.

 

ولذلك يكون مجددا الجواب على السؤال: "كيف يمكن للأمةِ أن تتحرك تحركا منتجا فتنقذ نفسها من براثن الإجرام؟"، هو بأن كيان يهود يحارِب بجيش ولذلك على الأمة أن ترد عليه بجيش، فلا بد للأمة أن تستعيد قرار جيوشها فتحركها في وجه جيش كيان يهود فتشرد به من خلفه، وهنا دور رجال الأمة من صناع الرأي العام بأن يركزوا قولهم على أن يخاطبوا الجيوش لأن يعيدوا ولاءهم إلى أمتهم الأمة الإسلامية.

 

أما الجانب الرابع من مسألة التحرك المنتج الذي يجب على الأمة أن تقوم به، فلنراجع الحقائق التالية:

 

الحقيقة الأولى هي أن الحكام يستخدمون الجيوش لتنفيذ خطة سايكس بيكو لسلب الأمة من ميزتها العددية بأن تعدادها ملياران. فبحجة حراسة الخطوط التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو (وهي اتفاقية ليست بين أبناء الأمة بل بين جنرال بريطاني وجنرال فرنسي)، فبحجة حراسة خطوط هذه الاتفاقية يمنع شباب الأمة من الوصول إلى الأرض المباركة فلسطين، بل إن الحكام يمنعون شباب الأمة حتى من التظاهر نصرة لغزة هاشم.

 

والحقيقة الثانية هي أن الحكام يستخدمون الجيوش لحماية عروشهم المعوجة، وقراراتهم الخيانية التي تكشف البلاد وثرواتها لمصالح الغرب الكافر المستعمر.

 

والحقيقة الثالثة هي أن الحكام يستخدمون الجيوش لقصف مدن شعوبهم وتدميرها على رؤوس أهلها تنفيذا لقرارات الغرب الكافر المستعمر كلما أراد أن يشغل الأمة عن الانتفاض على مصالحه الاستعمارية.

 

فإذاً وعلى ضوء هذه الحقائق، لا بد أن يترسخ لدى الأمة الإسلامية أن العقدة هي في العلاقة مع جيوشها ومن يسيطر على قرار هذه الجيوش.

 

وبهذا يكون الجواب مجددا على سؤال: "كيف يمكن للأمة أن تتحرك تحركا منتجا فتنقذ نفسها من براثن الإجرام؟"، هو أنه على الأمة أن تستعيد قرار الجيوش، فالجيوش هم أبناؤها وتسليحهم هو من ثرواتها، ومهمتها الأساسية هي حماية مصالح الأمة وشعوبها وأرضها وليس حماية الحكام العملاء والمصالح الاستعمارية للغرب الكافر.

 

وهنا لا بد للذكر بأن على الأمة أن تتنبه جيدا بأن لا تصطدم بجيوشها أبدا، فهم أبناؤها، بل عليها أن تبدأ بالحديث معها، وخاصة من بيدهم القوة والمنعة في هذه الجيوش.

 

ولا بد للأمة أن تدرك بأنه: "نعم إن الحكام عملاء"، إلا أن جيوش الأمة هم من جنس الأمة، تشعر بما تشعر به الأمة وتتألم لما تتألم له الأمة، فإن أدركت الأمة هذا الأمر هذه المرة، فسيسهل عليها أن تخاطب أبناءها من أهل القوة والمنعة في هذه الجيوش، وتستمر في حثهم على إعادة ولائهم إلى أن يقفوا في صف الأمة وليس في صف مصالح الحاكم العميل وأسياده من دول الغرب الكافر المستعمر.

 

وبهذا نكون قد أجبنا على مسألة كيف يمكن للأمة الإسلامية أن تتحرك تحركا منتجا يوصلها لأن تتخلص من رجس يهود وشرهم في فلسطين ولبنان.

 

فلا يبقى إلا أن نذكّر الأمة الإسلامية بعامتها من شعوب في بلاد المسلمين وخارجها، وبخاصتها من وجهاء وعلماء وإعلاميين ومفكرين ومؤثرين، بأن المسلمين أمة، ولا شأن ولا عزة لأمة لا دولة لها. وطوال تاريخ الأمة الإسلامية كانت دولة المسلمين هي دولة الخلافة. ولقد بشرنا رسول الله ﷺ بعودتها مرة أخرى بعد زوالها، بل إنه بشرنا بأنها ستعود خلافة على منهاج النبوة، أي كما كانت زمن الصحابة رضوان الله عليهم. فقد قال ﷺ في حديثه الشهير «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».

 

وإن حزب التحرير قد أعد العدة لهذا الأمر فاستنبط ثقافة من الإسلام من شأنها أن يبنى عليها نظام الحكم في دولة الخلافة بجميع أجهزته، ولهذا وفي ذكرى انطلاق معركة طوفان الأقصى ندعوكم جميعا للعمل الجاد مع شباب الحزب للسعي لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

النصر بين الإيمان بالله وقانون السببية

 

انتظمت الدنيا بأسباب ومسببات، فما من مسبَّب إلا وله سبب، وإذا حصل أن نتج مسبب بغير سبب فإنّ ذلك لا يكون إلا على سبيل المعجزة، فالنار تحرق على كلّ حالٍ فكانت سبباً للحرق، والسكين تقطع فكانت سبباً للقطع، وقل مثل ذلك في الماء، وإذا فقد أي من هذه الأشياء خاصيته، في الحرق أو القطع أو الإغراق، كما حصل مع إبراهيم وبني إسرائيل، فإنّ ذلك لا يكون إلا لمعجزة، وهي لا تكون إلا لإثبات نبوة أو شيء بمعناها، المهم أنّ سلب السبب سببيته لا يكون إلا على خلاف الأصل، وقل مثل ذلك في كل سبب، فلا يصح أن يقال قد يجلس المرء أو يقف على الماء في البحر ولا يغرق، ثم يقول بقدرة الله سبحانه، لأنّ الله سبحانه لم يرد أن تكون قدرته خرقاً للسببية، وإلا فإنّ الدنيا ستسير على غير هدي وعلى غير انتظام.

 

والأسباب سواء أكانت كونية أو عقلية أو شرعية، لا بد أن ينتج عنها مسببها حتماً، وإذا تخلف المسبب عن سببه فإنّ ذلك لا يكون إلا لأحد أمرين:

 

الأول: وهو أن يحصل ذلك على سبيل المعجزة كما حصل مع إبراهيم عليه السلام لمّا سُلبت النار خاصية الإحراق، وبدلاً من أن تصبح مادة للتعذيب أصبحت برداً وسلاماً، وكما حصل مع موسى لمّا ضرب الله له طريقاً يبساً داخل البحر فعطّل سببية البحر ثم أغرق فرعون، ولمّا لحق بموسى ظناً منه أنّ البحر قد فقد خاصيته في الإغراق، فأعاد الله خاصية البحر له لمّا قضى موسى وقومه منه حاجتهم. فنزع الخاصية أو تعطيل الأسباب لا يكون إلا لمعجزة.

 

الأمر الثاني: وهو كون الأسباب التي ظنت أسباباً هي ليست كذلك، كمن أراد علاج السرطان مثلاً بمسكنات، أو أراد نقل صخرة عظيمة من مكان لآخر بقوته المتواضعة، ففي هاتين الحالتين فقط فإنّ المسبب لا يكون.

 

ففي الحالة الأولى والتي حصلت على سبيل الإعجاز، نزع الله الأسباب فيها، أي عطل قانون السببية، وفي الحالة الثانية لم يكن السبب سبباً، حتى ينتج عنه المسبب، أمّا في غير هاتين الحالتين فإنّ السببية وقانونها سارية في كل شيء في الكونيات والعقليات والشرعيات.

 

وحتى لا يطول بنا الحديث في المقدمات، وليس همّنا هنا أن نتحدث في الأسباب العقلية أو غيرها، وإنّما نريد الحديث في الأسباب الشرعية، وهل ينطبق عليها ما جاء في الأسباب العقلية، أي أنّ مسببها ينتج عنها حتماً، فنقول:

 

إنّ الشارع سبحانه وتعالى قد طلب من المكلفين أعمالاً وأفعالاً جعلها أسباباً أو شروطاً ليتحقق بها المسبب أو المشروط، وجعل هذه الأسباب والشروط أحكاماً شرعية، لا تتحقق الأحكام الشرعية في الواقع ولا توجد إلا بوجودها، فجعل دلوك الشمس سبباً في وجود صلاة الظهر ووجوبها على المكلف، مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع، وجعل امتلاك النصاب في الزكاة سبباً لوجوبها في عنق المكلف، وجعل حولان الحول شرطاً والدين مانعاً وهكذا، وما من حكم شرعي إلا وله حكم شرعي آخر، والذي اصطلح على تسميته أحكام الوضع، وما نقوله في الصلاة والزكاة نقوله في الحج والجهاد والنصر.

 

وحتى لا يبقى الحديث في عموميات، فإنّنا سنحصر حديثنا في بحث موضوع النصر، وهل يصح أن يقال إنّ للنصر أسباباً وشروطاً لا يتحقق إلا بها، وبالتالي فإنّ المكلف يقوم بها وهو يعلم أنّ المسبب سينتج منها وعنها حتماً، أم أنّ المكلف يقوم بالأعمال والأفعال التي طلبها الشارع دون النظر كونها أسباباً أم لا، بمعنى هل للمكلف مثلاً أن يتوسل بحفظ القرآن أو قيام الليل أو الجهاد وكلها مطلوبة شرعاً ويجعلها سبيلاً للنصر؟ بمعنى أوضح هل أعطاه الشارع الحرية في اختيار الأعمال والأفعال ينصبها سبباً أو طريقاً للنصر؟ وإذا كان الأمر غير ذلك، فهل هناك أعمال طلبها الشارع على وجه سببي لتكون طريقاً لحصول المسبب، وهو النصر؟ وهل يتعارض ذلك - أي جعل جمل من الأعمال سبباً للنصر - مع قوله سبحانه: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ﴾؟

 

قلنا إنّ السببية أصل منذ خلق الله الدنيا ومَن عليها، فهي لا بد منها حتى ينتظم سير البشر على هذه الأرض، وليس في ذلك إلزام للخالق فعل شيء ولا مانع، إذن أن يربط الله النصر بأقوال وأفعال يتحقق النصر بها على وجه السببية، ما دام أنّه سبحانه لم يعط وعداً أو عهداً بوقت النصر وميعاده.

 

وهذا الضرب من الأفعال كثيرة أمثلته، فمثلاً طلب الله الزواج ليكون سبباً في الإنجاب، وبالتالي فإنّ الزوجين يقومان بالزواج سبباً في الإنجاب، مع علمنا أنّ الله وحده هو الذي يهب لمَن يشاء الذكور والإناث ويجعل مَن يشاء عقيماً، وأيضاً فإنّ الله سبحانه في أحكام شرعية كثيرة علل أفعاله بعلل شرعية، بمعنى أنّه أطلع المكلف على باعثه على تشريع الفعل، وليس في ذلك انتقاص من ألوهيته أو التعرض لشيء من صفاته، ولا يتعارض ذلك مع قوله: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾.

 

إذن فإنّ كون الخالق سبحانه يربط النصر بأعمال وأفعال على وجه سببي لا يخالف قوله: ﴿ومَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ﴾، فإنّ الآية في موضعيها في آل عمران والأنفال تتحدث في إمداد المؤمنين بالملائكة في بدر، وأنّ الله لم يجعل هذا الإمداد إلا بشرى، فليست الملائكة سبباً في النصر، وإنّما النصر من الله وحده، وفي هذا عناية بالناحية الإيمانية عند المؤمن، وهذا لا يتعارض مع الأعمال والأقوال التي طلب الشارع من المكلف القيام بها على وجه سببي.

 

قلنا إنّ الشارع قد خلق الدنيا وضبط سيرها وسيّر مَن فيها من المخلوقات على وجه سببي، ولم تكن حركة الإنسان ببدع من هذا السير، بل إنّه سيّر حياته بأسباب لا تتحقق المسببات إلا بها، فإن حصل خرق لهذه القاعدة فإنّه يكون على خلاف الأصل كما ذكرنا في النقطتين، فالأسباب لا بد أن تنتج عنها مسبباتها، والمسببات لا تنتج إلا عن أسبابها.

 

وفي حالة النصر التي نحن بصدد توضيحها فإنّها من قبيل الأسباب والمسببات، مع استحضار الناحية الإيمانية أنّ النصر من عند الله وحده، بموعد وميقات محدد، وليست الأسباب بموجبة على الله النصر بوقت وميعاد. وبذلك يكون الجمع بين الناحية الإيمانية العقدية وبين التلبس بالأعمال التي لا يتأتى النصر إلا بها.

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله: "صحيح أنّ الله هو الفعال لما يريد، الخالق لكل شيء، ولكنّ الله جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها، وجعل للأشياء قوانين تتشكل بحسبها وتتحول أو تبقى وفق هذه القوانين، وهو وإن كان قادراً على خرق هذه النواميس وتلك القوانين، ولكنّه لا يخرقها إلا لنبي، ولا ينقضها إلا لرسول، فالإيمان بأنّ الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين لا يعني أنّه سينصر المؤمنين وهم لا يأخذون بأسباب النصر، لأنّ النصر بدون الأخذ بأسبابه مستحيل، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل، فكون الله قادر على الشيء لا يعني أنّ الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه، فقدرة الله هي صفة خاصة به، وقدرة العبد خاصة به، ولا علاقة لها بقدرة الله، فالخلط بين قدرة الله والإيمان بها وقدرة العبد وقيامه بما أمر الله هو الذي يحمل على القعود، وهو الذي يخدر الأمم والشعوب، وإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ﴾".

 

قد يحصل أن يكون السبب مكوناً من أوصاف عدة لا يتحقق المسبب إلا بها مجتمعة، وإن لم تكن أمثلة ذلك في الفقه كثيرة، فمثلاً يقول الفقهاء: إنّ القود لا يكون إلا في القتل العمد العدوان، فلا يكون في القتل وحده، وإنّما يجب أن تجتمع هذه الصفات الثلاث، بمعنى أنّ هذه الصفات كلها هي التي تسمى سبباً، وإذا انفصل أحدها عن الآخر لا يقاد القاتل بمن قتله، فقد يكون القتل عمداً ولكن من غير عدوان؛ مثل قتل الخليفة رجلاً قصاصاً، فهذا القتل عمداً لكنّه ليس عدواناً، فلا يترتب عليه حكم.

 

أما في حالتنا - أي في حزب التحرير - فإنّ الحزب قد عمل منذ تأسيسه على تحقيق كل الأعمال والأفعال التي يتحقق بها النصر، وهي باجتماعها تصح تسميتها سبباً، فالتثقيف المركز والجماعي، وكشف الخطط، وتبني المصالح، وطلب النصرة، كل هذه مجتمعة هي سبب في النصر أو هي أوصاف إذا اجتمعت مع إحسان العمل بها كما أحسنها عليه الصلاة والسلام فإنّه ينتج عنها مسببها حتماً، مع استحضار الناحية الإيمانية بأنّ النصر من عند الله بوقته وميعاده، وليس تقديم الأسباب يوجب على الخالق فعل شيء.

 

بقيت مسألة أخيرة وهي قراءتنا لقوله سبحانه: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ في ضوء ما نريد إثباته وتوضيحه، فعلماء الأصول يقولون:

 

إنّ الشروط اللغوية هي على الحقيقة أسباب شرعية، بمعنى أنّ الله سبحانه قد طلب من الأعمال والأفعال الشرعية ما يصح تسميته سبباً، ولا يتحقق المسبب أي النصر إلا به، ونصرة الله على الحقيقة تكون بنصرة دينه أو شريعته كما قال ابن عباس وغيره، ويصبح المعنى أو التقدير إن تنصروا دين الله أو شريعته ينصركم، وهذا النصر لدينه وشريعته لا يتحقق كيفما اتفق، بل إنّه عليه الصلاة والسلام قد قام بأعمال خاصة هي سبب للنصر، من تثقيف وتفاعل وطلب للنصرة وغير ذلك.

 

فلا يصح أن يتوسل للنصر بأسباب انتقائية يختارها المكلف وفق هواه، ولا يصح خلط الناحية الإيمانية من أنّه سبحانه هو واهب النصر، وهو الذي بيده أن ينصر المسلمين، وبين ما هو مطلوب من الفرد أو الجماعة القيام به، فالله سبحانه لن ينزل ملائكة لتقيم الخلافة أو تحرر البلاد والعباد، وإن كان قادراً على ذلك، ولكنّه أجرى قانون السبية فانتظمت به الدنيا، ولن يخرقه، لا لحزب التحرير، ولا لغيره، ولسنا في زمن المعجزات والخوارق.

 

نسأل الله بمنّه وكرمه وفضله أن ينصر الأمّة بِنا، وأن يجعلنا سبباً في عزّها ومجدها، وأن يأخذ بيدنا إن نحن قصرنا، ويجعل لنا من أمرنا رشداً.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خالد الأشقر (أبو المعتز بالله)

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمة الإسلامية أمة واحدة

تجمعها العقيدة وتفرقها الأنظمة العميلة

 

هناك هجوم شرس وانقسام فعلي وتباين واضح بين الناس بشأن إيران على فريقين:

 

الفريق الأول يعتبر إيران وجهاً آخر لكيان يهود ويصفها بـ"إسرائيل الشرقية" وشعاره (الشيعة أخطر من اليهود) وهو الفريق الذي يعمل الآن على:

- نشر جرائم مليشيات إيران في كل وسائل التواصل والمواقع على الإنترنت.

 

- فضح وشتم واتهام إيران وأتباعها بالتشيع والرفض والشرك وغيره.

 

- التأليب على قتال إيران ومليشياتها.

 

- علامتهم: اتخاذ موقف الفرح بمقتل أمين عام حزب إيران اللبناني ونشر فتاوى وأقوال بعدم شهادته وباستحقاقه القتل.

 

الفريق الثاني يقول بأن إيران أقرب للمسلمين ويختار صفها بسبب عدائها ليهود ومساندتها غزة، ويعمل هذا الفريق على:

 

- محو السجل الإجرامي لإيران ومليشياتها والدعوة للتسامح.

 

- فضح وشتم واتهام الواقفين ضد إيران من الطرف الأول أو من غيرهم، بالتصهين والموالاة ليهود وإباحة دمهم.

 

- الدعوة إلى الالتحاق بمحور المقاومة بقيادة إيران ومليشياتها للحرب ضد يهود ومن يقف ضد إيران، بحجة "التصهين".

 

- علامتهم: اتخاذ أمين عام حزب إيران اللبناني شهيداً باسم شهيد القدس وسيد الشهداء وغيرها من الأسماء وتمجيده وتقديسه إلى جانب غيره من البارزين من أتباع إيران.

وكل فريق متعصب لرأيه ويصب الزيت على النار واتخذ هذه "الفتنة" أولى أعماله وأهمها، وللبيان نقول:

 

إن هذا التفرق هو "عز طلب" عدو المسلمين الأول الغرب الكافر بقيادة أمريكا وربيبها كيان يهود، وهذا التقسيم لا يصب سوى في صالح أعداء الأمة، وهي حرب ينفخ نارها يهود للخروج من مأزقهم والاستراحة من نكبتهم في حربهم مع المسلمين. ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ...﴾؛ لذا فإن إثارة أي فتنة في صفوف المسلمين تحت أي غطاء سواءً أكان "سنة وشيعة" أم "عرب وفرس" أم "مقاومين وصامتين"، هو عمل شيطاني خبيث يخدم يهود وأعداء الأمة، ويضر بالمسلمين ولا ينفعهم، وهؤلاء الذين تولوا كِبر هذه الجريمة من حكام وسوقة هم ضالّون مضلّون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، ومن تبعهم فهو خائن للأمة إن عَلِم، وإن جهل.

 

فالوقت وقت إنهاض الأمة من سقطتها، وتوحيدها تحت لواء لا إله إلا الله محمد رسول الله في ظل دولة الخلافة الراشدة التي يعتبر العمل لها فرضاً عظيماً بل تاج الفروض، وتحريك الشعوب ومعها الجيوش؛ لإسقاط هيمنة الكافر المستعمر، بدءاً بخدمه من الحُكام، مروراً بأنظمته وحضارته الكافرة المنحلّة، وانتهاءً بأئمّته ورؤوسه من أعداء الله ورسوله والمؤمنين، فقوموا أيها المسلمون وانهضوا لإعلاء كلمة الله، والالتفاف حول قيادة مخلصة وواعية؛ حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، واعملوا معه لإقامة الخلافة التي فيها عزكم، وسعادة البشرية بحياة إسلامية ترضي الله جل جلاله، رب هذا الكون وخالقه ومليكه، القائل سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. بكر الورافي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

كيان يهود والسنوار ورحلة البحث عن وهم الانتصار

 

منذ انطلاق بث أولى مشاهد ملحمة طوفان الأقصى بصيد وجرّ جنود كيان يهود الغاصب كالخرفان أمام العالم وإخراجهم من دباباتهم ومعسكراتهم وأسْرهم كالضباع بعد تجريدهم من أسلحتهم، منذ ذلك الوقت والكيان بزعامة نتنياهو يبحث عن ترميم صورته واستعادة هيبته، بإيجاد صورة انتصار وهمي يحاول من خلالها عبثا محو الذاكرة الجماعية للشعوب حول خسائره البشرية وهزائمه العسكرية التي مرغت أنفه في التراب، أو محو العار التاريخي الذي لحقه فجر يوم أعاد الأقصى إلى الواجهة كعنوان للمعركة الحضارية الوجودية المستمرة بين الإسلام والكفر.

 

من أجل ذلك، ظل كيان يهود يلعب دور الضحية ويُغرق العالم بروايات الدجل السياسي والخداع الإعلامي التي يغطي بها جرائمه المروعة في حق غزة وأهلها، ربحاً للوقت وطلبا للعون والمدد من الدول الكبرى وحتى الصغرى، عسى أن تغيثه وتنقذه من المصيبة التي حلت به، وتعيده بالإسعاف إلى موقع التفوق العسكري في المنطقة من خلال استنزاف ما تبقى للديمقراطية الغربية من رصيد متآكل، وغمر الكيان بأعتى الأسلحة وأشدها فتكا بالبشر، مقابل ترويض الجيوش وإلجامها بلجام "الصبر الاستراتيجي"، حتى يتسنى لهذا الكيان المجرم خوض أعظم حرب غير متكافئة عبر التاريخ، متخذا من إراقة الدماء وسيلة للبقاء، فيظن الأغبياء والسذج أن نمرا من ورق قد تحول فجأة إلى أسد ذي مخالب جارحة!

 

انطلقت رحلة البحث عن وهم الانتصار في اليوم التالي من الحرب، من خلال اعتبار القائد العسكري يحيى السنوار العقل المدبر لعملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 في غلاف غزة وعما حصل فيها من خسائر تكبدها جيش الاحتلال، حيث برز اسمه في الإعلام العبري منذ الأيام الأولى للحرب، ووصف المتحدث باسم جيش الاحتلال الكولونيل ريتشارد هيشت، السنوار بأنه "ميت يمشي على الأرض" في إشارة إلى أن كيان يهود مصر على قتله، بما يوحي للجميع بأن الأمر قد يُحسم في ساعات معدودة، ومنذ ذلك الحين انتقلت الأسطوانة المشروخة حول وجود السنوار داخل الأنفاق إلى الأبواق الصهيونية والمتصهينة.

 

أما الغاية من رفع سقف المواجهة والتحدي إلى مستوى الحصول على رأس السنوار كغنيمة حرب، واستنفار الجميع من أجل تحقيق هذه الغاية، فهي من جهة وضع هدف ممكن التحقيق (في نظر يهود) عند تضافر جهود المخابرات الدولية الداعمة لهم، بما يُمكن لاحقا من الحديث عن انتصار مزعوم كالذي تحدثت عنه أمريكا عند اغتيال أسامة بن لادن، ومن جهة أخرى خوض الحرب الحضارية الوجودية نيابة عن الغرب، باعتبار الكيان قاعدة عسكرية متقدمة للغرب في بلاد الإسلام، وجزءاً من مشروع تقسيمها والحيلولة دون وحدتها، وذلك من خلال استغلال رمزية القضاء على رأس المقاومة والعقل المدبر لعملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بما يحفظ ماء الوجه ويعيد الهيبة لهذا الكيان المتصدع وجيشه الجبان، ويطفئ نشوة النصر التي ملأت قلوب أبناء الأمة قاطبة عند تمزق صورة الجيش الذي لا يقهر أمام أعينهم.

 

لقد رفع مندوب كيان يهود في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، صورة السنوار في أكثر من مناسبة، وربط به قرار وقف إطلاق النار. ولكن قبل هذه المناسبات وبعدها، استمر القتل والحرق والدمار فضلا عن التجويع والحصار، بل استجلبت لهذه المعركة الحضارية البارجات الحربية والطائرات والصواريخ والدبابات وأطنان من القنابل فضلا عن الأسلحة النارية، فسحقت مربعات سكنية ومحيت عائلات بأكملها، ونجحت آلة الحرب في إنتاج محرقة وإبادة جماعية فاقت في وحشيتها جرائم النازية، فدمرت المساجد والمدارس والمستشفيات والمنازل فوق رؤوس أصحابها ولكنها فشلت مقابل ذلك في الوصول إلى السنوار رغم تضافر جهود المخابرات الدولية، على عكس ما حصل مثلا مع قيادات إيرانية!

 

هذا الفشل الاستراتيجي وهذه المفارقة والمفاصلة الحضارية، تزداد وضوحا حين نضع في الصورة كل من تجند وتخندق للقتال وراء هذا الكيان المسخ وسعى لحمايته ودعمه فضلا عمن سكت عن جرمه وطغيانه؛ فمن التحذيرات المصرية إلى الخيانات الأردنية ومشاركة كل منهما في إسقاط ما وُجّه نحوه من صواريخ باليستية، إلى جسور برية وبحرية من الإمارات والبحرين وتركيا وشحنات وقود قادمة من السعودية عبر موانئ مصرية، إلى اجتماعات عسكرية عربية معلنة مع قادة الكيان وأخرى سرّية، خضعت جميعها إلى رواية يهود التي أقنعتهم بأن الكيان يخوض الحرب بالنيابة لحمايتهم من خطر التطرف والإرهاب ومن أسماهم نتنياهو بمحور الشر (والمقصود هي الوحدة التي تلغي وجود الأنظمة الحالية)، من هذا كلّه ندرك بشكل ملموس بأن الأنظمة العربية هي الخطر الجاثم على صدور أبناء الأمة الإسلامية منذ حصولها على وهم "الاستقلال"، يُضاف إلى خطر الخنجر المسموم الذي زرع في خاصرتها، وأن هذه الأنظمة التي اقتنعت بأنها قشور أمام نواة الكيان الصلبة، بما يجعلها بالضرورة من جنسه أو خط إمداد له، هي بلا شك ذات هدف استعماري واحد، هو إبقاء مشروع الهيمنة الغربية والحيلولة دون قيام دولة إسلامية، وهو ما لا تخفيه أمريكا ولا رأس حربتها كيان يهود، التي تجهر بحربها على مشروع الخلافة.

 

إلا أن اجتماع الكفر وجنوده وأعوانه، لم ينل من عزيمة وثبات أهل غزة ولا مجاهديهم، رغم تحالف الكفار والمنافقين والحاقدين على الإسلام طوال أكثر من عام لإلحاق الهزيمة بأمة ليس لها دولة، إنما تذود عنها وعن قضيتها فلسطين فصائل مسلحة محاصرة، تحاول دول الكفر دحرها وسحقها نكاية بالأمة وعقيدتها ومقدساتها ومسرى نبيها ﷺ. ومع ذلك انهزم الجمع أمام صورة أخرى من صور الثبات سطرها السنوار نفسه بعصاه التي واجه بها طائرة دون طيار جددت إيماننا بقول الله سبحانه في اليهود وحلفائهم: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾.

 

نعم، لقد أذهلت الصورة شعوب الكفر نفسها، ولكنها الصورة التي نقلها إعلامهم لعملية تمت عن طريق المصادفة لا على أساس استخباراتي، ليبرز القائد مع إخوانه بسلاحه وبدلته العسكرية في خطوط التماس الأولى مع العدو، بصورة هذا هو شكلها:

 

مراقبة للمكان بالطائرات وإطلاق للقذائف بالدبابات من عدد من جنود (جيش الحفاظات)، توسطها اشتباك دام ساعات، لتنقل كاميرا العدو صورة ملهمة من صور التضحية والثبات، ليست غريبة على هذا الطراز من القيادات، فينقلب السحر على الساحر وتأتي الهزيمة النفسية للكيان ومن وراءه من حيث ظنوا أنهم قد عانقوا النصر. وهكذا، انتقل هدف الحرب من رأس السنوار، إلى استمرار القتل والحصار، ومن إنقاذ الكيان من التفكك والضياع والشتات إلى دولة تمتد من النيل إلى الفرات، ومن غزة ولبنان إلى سائر حواضر الإسلام، بغداد وبلاد الشام، وهكذا توسعت أحلام بل أوهام الكيان الذي تضاعفت ممارساته الوحشية وزاد جنوحه نحو الدموية مستندا في ذلك كلّه إلى نبوءات توراتية، تسرع بحتفه بإذن الله.

 

وبينما يتباهى جيش يهود بالانتصار ونجاحه المزعوم في اغتيال السنوار رحمه الله، تسانده في ذلك رأس الكفر أمريكا، لا تزال جيوشنا تضرب السلام العسكري يوميا لخرق بالية من نسج الاستعمار، وتحرس الحدود الوهمية التي رسمها أعداء الدار، طاعة لحكام فجار خانوا الأمانة واصطفوا مع الكفار، بدل أن تستظل براية التوحيد وتجاهد في سبيل الله طاعة لله ورسوله، لا لحاكم عميل غدّار مكّار.

 

إن ما صنعته العقيدة الإسلامية في قلوب المجاهدين في الأرض المباركة، بقليل من العدة والعتاد، من خروج عن المألوف في الحروب التقليدية وإضافة نظريات وفصول جديدة في العلوم العسكرية، تتقدمها مسافة الصفر وتطبيقاتها، لهي منتجات عسكرية حُقّ لأمة الجهاد أن تستوردها من الأرض المباركة مدرسة العقيدة والجهاد، حيث تنهار النظريات العسكرية بمستوياتها الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية أمام قوة العقيدة الإسلامية في نفوس أصحابها، فلا تخضع السنن الربانية في النصر لآليات الذكاء الصناعي أو لمعادلات التطور التكنولوجي، بل تصنع العصا صورة من النصر ومن إغاظة الأعداء والحاقدين تعجز عن صناعتها الأساطيل الحربية المركونة تحت سقف الأنظمة المرعوبة من طوفان الأقصى.

 

ختاما، وقد تمايزت الصفوف واشرأبت الأعناق لمرحلة ما بعد غزة، وصارت البشرية جمعاء في حاجة إلى من يوقف الرعاية الأمريكية للدمار والخراب ويملأ هذا الفراغ السياسي القاتل، فقد بات واضحا لكل ذي لب وبصيرة بأن الله سبحانه قد اصطفى غزة وشعبها ومجاهديها، ليقيموا الحجة على الأمة بشعوبها وجيوشها وعساكرها؛ بأن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ممكن، وأن طريقه هو الجهاد في سبيل الله، وأن مفتاحه هو الثبات، وأن أقوى ما يتسلح به المؤمن هو العقيدة، وأن القاعدة الشعبية لمن يقود المشروع الإسلامي حصن حصين أمام الأعداء، وأن النوايا الطيبة لا تكفي لخوض السياسة، وأن الصناعة الحربية ممكنة متى توفرت الإرادة السياسية، وأن صناعة القيادات، هو أيضا من الصناعات الثقيلة، ولكنه ليس أمرا مستعصيا على أمة قائدها محمد ﷺ، أنجبت القادة والفاتحين والعظماء، واضطلعت بدورها في قيادة الشعوب والأمم، فملأت دولتها وحضارتها جنبات التاريخ.

 

هذه هي الحقيقة المحرجة وإن تنكر لها البعض، فمن كانت له همّة وخاصة من أبناء الجيوش، فليقصد بها العلياء، وليتجهز للخلافة القائمة قريبا بإذن الله وليكن من جندها، لينال شرف التحرير بعد هذا المخاض العسير، ويعيد للأمة سيرتها الأولى، فيعيش يوما من أيام الله، كالذي عاشه القائد العسكري وسيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه عند فتح دمشق.

 

فبعدما وصلت الجيوش التي أرسلها خليفة المسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه لفتح بلاد الشام ومواجهة جيوش الروم بأرض المعركة، لحقهم خالد بن الوليد ليتولى القيادة بدلاً من أبي عبيدة بن الجراح. وعند أجنادين؛ إحدى نواحي فلسطين، التقى خالد بن الوليد رضي الله عنه مع أركان حرب الجيش الإسلامي المرابط في الشام، وعقَد معهم جلسة طارئة في غرفة العمليات العسكرية ليجمع شمله، وخطب خطبته العصماء...

 

قال خالد بن الوليد بعد أن حمد الله وأثنى عليه، لإخوانه من القادة والجند: "إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه البغي ولا الفخر، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وإن هذا اليوم له ما بعده، فإن رددناهم اليوم إلى خندقهم فلا نزال نردهم، وإن هزمونا اليوم لن نفلح بعدها أبداً، فتعالوا بنا نتعاور (نتبادل القيادة)، فليكن أحدنا اليوم قائداً، وليكن بعد اليوم أحدنا قائداً، حتى يصبح كل منا أميراً على الجيش، وأطلب منكم أن تتركوا لي الإمارة في اليوم الأول".

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس وسام الأطرش – ولاية تونس

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نصر الله آت ولو كره الكافرون

 

 

والذي بعث محمدا بالحق ما نزداد إلا يقينا بكلام ربنا العظيم جل في علاه، خاصة وأننا نرى أمام أعيننا كيف يتجلى كلامه عز وجل في أوضح صورة وأصدق بيان؛ فها هم إخوان الخنازير يتعالون ويتعالون ليس على المسلمين فقط بل على العالم كله، وسفيرهم في الأمم المتحدة يتكلم بكل استحقار لممثلي دول العالم هناك، بل وصل به الحال إلى طلب إلغاء الأمم المتحدة لأنها تقف - حسب زعمه - ضد كيانه في حقه بالدفاع عن نفسه وفي حقه في استحقار العالم وقتل النساء والأطفال...

 

علو وتعالٍ ما بعده علو وعلى قدر العلو يكون السقوط كذلك، عجل الله بسقوطهم عاجلا غير آجل.

 

ما كان هذا الكيان ليتبجح ويستكبر ويضرب يمنة ويسرة إلا وهو يعلم أن جميع حكام المنطقة والمناطق التي تليها ما هم إلا خدم للنظام الغربي المجرم وأنهم لن يتحركوا قيد أنملة نحو كيان يهود، يلحقهم قادة جندهم الذي رضعوا الخيانة والنذالة من أوسخ منابعها فهم لا يرجى منهم خير أو يتوقع منهم دفع ضر أو جلب نفع.

 

يعلم كيان يهود هذا الأمر علم اليقين، ولأن عملية طوفان الأقصى قد أذلتهم في كبريائهم وفي عنجهيتهم وغطرستهم لذا يريدون أن يظهروا للعالم أجمع مدى قوتهم وتمكنهم وقدرتهم على سحق أعدائهم، لكن يسحقون من؟ إنهم يسحقون الأطفال والنساء والعزل من المدنيين الذين تقطعت بهم السبل، خاصة بعد تواطؤ حكام الخيانة والنذالة في مصر والأردن وسوريا وتركيا وإيران والسعودية والبقية الباقية من حكام المسلمين.

 

وفي هذا الواقع المرير وبعد سنة كاملة من حرب لا رحمة فيها ولا قواعد ولا قوانين لم يحقق كيان الخنازير أيا من أهدافه المعلنة؛ من تحرير الأسرى وإسقاط حماس وغيرها من الأهداف الهلامية غير الواقعية، فكان لا بد لهم من استهداف بعض الأهداف التي يتوقعون من خلالها أنهم قد حققوا مكاسب حقيقية من هذه الحرب المجرمة فكان استهدافهم لحزب إيران اللبناني وقيامهم بقتل قادته من الصف الأول والثاني والثالث وختموها بقتل حسن نصر الله زعيم الحزب.

 

وها هو الكيان المسخ يعلن انتصاره بعد استشهاد يحيى السنوار رئيس حركة حماس وتنهال التهنئات والتبريكات من رأس الكفر أمريكا وكأن القضية قضية قادة، فيا لها من انتصارات عظيمة حسب ظن دويلة الأقزام!

 

يا معاشر يهود، يا من انتشيتم وشمتم وفرحتم بقتل زعماء تنظيمات صغيرة قاتلوكم بأبسط أنواع السلاح فأذلوكم وأثخنوا فيكم الجراح وهم لا يشكلون حتى واحداً بالألف من أمة المليار، ولم تحققوا ما حققتم إلا بعد مضي أكثر من عام كامل على حرب دعمتكم فيها كل قوى الغرب الكافر بكل ما تحتاجون إليه من دعم مادي وإعلامي وعسكري واستخباراتي، وتواطأ معكم الحكام السفهاء في بلاد المسلمين، فكيف سيكون حالكم لو أنكم واجهتم أمة الإسلام كلها تحت قيادة حاكم واحد يقود الجحافل من كل أرجاء بلاد المسلمين ويتسابق الضباط المخلصون من ضباط جيوشنا الأسود ليذيقوا يهود العذاب بما كانوا يصنعون؟!

 

يا جيوش المسلمين، يا من يعقد على أكتافكم الأمل، أنتم إنقاذ هذه الأمة من ضعفها وانتكاستها وهوانها، فإلى متى تبقون ساكنين ساكتين جامدين؟! ألا يحرك مشاعركم ونفوسكم ما يحصل لإخوانكم في غزة وغيرها من بلاد المسلمين؟!

 

نعلم يقينا أنكم وكما هو حال كل أبناء الأمة تتوقون للجهاد في سبيل الله وتحقيق النصر المبين على أعداء الله ورسوله، ولكنكم قد رهنتم أمركم وتحرككم بيد قادتكم وحكامكم وأنتم والله تعلمون أنهم خونة لله ولرسوله ولأمة الإسلام، وأمر تحرككم لن يصدر منهم إطلاقا إلا إن كان في تحرككم هلاككم كما حصل في حروب أعوام ١٩٤٨ و١٩٦٧ وغيرها من الكوارث التي حلت على أمة الإسلام بسببهم.

 

فلا تنتظروا منهم أمرا لن يصدر، فعليكم العمل جاهدين ومسرعين لقلعهم وإنقاذ الأمة من رجسهم ودنسهم وخيانتهم، وإعطاء الراية لمن يعملون منذ أعوام طوال ويصلون ليلهم بنهارهم لإيصال الإسلام إلى سدة الحكم، إلى الرواد الذين لا يكذبون أهلهم والمخلصين لربهم ودينهم وأمتهم من شباب حزب التحرير، حتى تقوم هذه الأمة من غفلتها وسباتها، ولتضع الذل عن رقابها الذي طال أكثر مما يجب.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ريان عادل – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الوطنيّة جمرة خبيثة وفتنة قاتلة

 

 

مقدمة

 

ربما لم تشهد الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل فتنة أعظم وأشد من فتنة الوطنية التي عاشتها خلال المائة سنة الأخيرة. حيث مرّت الأمة بمراحل عديدة من القوة والضعف واتساع الرقعة الجغرافية وتآكلها، فامتد سلطان الإسلام إلى الصين شرقا وإلى الأندلس غربا، ولم يقدر أعداء الإسلام على مر العصور رغم الامتداد الجغرافي الشاسع واختلاف اللغات والمذاهب على زرع فتنة تُفجّر وحدة الأمّة من الداخل أو تمزقها إلى أشلاء متناثرة كما صار حالها اليوم، بل كان قضم أجزاء من الدولة وإنهاء نفوذها في مناطق معيّنة من خلال الحروب المستعرة هو أقصى ما يمكن أن يصل إليه أعداء الإسلام، وكان شق مصر لعصا المسلمين بالدولة الفاطمية حالة طارئة وحدثا استثنائيا في التاريخ الإسلامي، استوجب حلا عسكريا عاجلا برز خلاله القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي كبطل منقذ، فقضى على الدولة الفاطمية وضم مصر إلى الخلافة، ثم حرّك جيشه إلى فلسطين فكان التحرير الكامل الذي ردّ كيد الصليبيين وأعلى راية الدّين ووحد شمل المسلمين عملا بقوله سبحانه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.

 

اليوم، وقد قُطّعت أوصال الأمّة وتمزّق جسدها وتعمّقت جراحها حتى غدت عاجزة عن إيقاف نزيف دمائها المتدفقة في كل مكان، وخصوصا في غزة ولبنان والسودان، وقد فقدت الحصن والدرع والشوكة والسلطان، فقد بات حريّا بكل من افتتن بالوطنية فكرة وانتماء وولاء أن ينبذ هذه الجمرة الخبيثة ويتبرأ منها، ويدرك خطرها على أمّة يُراد لها الإبادة والفناء، وأن يُوطّن نفسه على الإسلام عقيدة وأحكاما ومنهج حياة، حتى يحقق معنى العبودية لله سبحانه الذي أوجب على المسلمين الاعتصام والوحدة ونهاهم عن الانقسام والفرقة. لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾.

 

لما كَسَع غلامٌ من المهاجرين غلاماً من الأنصار في غزاة بني المصطلق، واستغاث الأول: يا لَلْمهاجرين، ونادى الآخر: يا لَلأنصار، سمِع ذلك رسول الله ﷺ فقال: «مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟»، فحكوا له ما جرى، فقال ﷺ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». وفي رواية ابن جُريج: «دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ...».

 

في معنى الوطن

 

الوطنُ في اللغة مِنْ وَطَنَ فلانٌ بالمكانِ، أي أقام به، سكَنه وألِفه واتَّخذه وطَناً.

والوَطَنُ (في معجم المعاني الجامع): هو مكانُ إِقامةِ الإِنسان وَمقَرُّه، وإليه انتماؤه، وُلد به أَو لم يولد.

 

ولذلك، فالمعنى اللغوي للوطن، هو ما سكنه الإنسان وألفه وأقام به سواء وُلد به أم لم يولد. ومن البديهي القول إن وطن المسلم لا يقف عند الحدود الوهمية المصطنعة التي رسمها الاستعمار مطلع القرن العشرين إثر هدمه لدولة الخلافة، أي بعد أربعة عشر قرنا من نزول الوحي، بل لقد كان المسلم عبر التاريخ يتنقل بين بلاد الإسلام مترامية الأطراف وهو يشعر أنه في وطنه وبين إخوته، له ما لهم وعليه ما عليهم.

 

بل إنّ هجرة النبي الكريم ﷺ وصحابته رضوان الله عليهم وتركهم بيوتهم وأرزاقهم وقومهم والأرض التي ولدوا فيها، واتخاذهم المدينة المنورة موطناً جديداً لهم ونقطة ارتكاز لدعوتهم، يشير إلى أن الوطن في الإسلام مرتبط بالعقيدة، وأن مفهوم الأمة في الإسلام يرتبط بالاجتماع عليه وعلى قيمه لا الأعراق القومية، فـ"لو كان الولاء للأرض لما ترك النبي مكة، ولو كان الولاء للقبيلة لما قاتل قريشاً، ولو كان للعائلة لما تبرأ من أبي لهب، ولكنها العقيدة أغلى من التراب والدم". ورحم الله القائل:

 

ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً *** الشام فيه ووادي النيل سيان

وحيثما ذكر اسم الله في بلد *** عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني

بـالشام أهلي وبغداد الهوى *** وأنا بـالرقمتين وبـالفسطاط جيراني

ولي بـطيبة أوطار مجنحة *** تسمو بروحي فوق العالم الفاني

إذا اشتكى مسلم في الهند أرّقني *** وإن بكى مسلم في الصين أبكاني

دنيا بناها لنا الهادي فأحكمها *** أكرم بأحمد من هادٍ ومن باني

 

بل لقد امتد سلطان الإسلام وتجاوز بلاد العرب ليصل إلى بلاد تركية وكردية وفارسية وبربرية وأعجمية، فكان الإسلام عامل قوة يصهر جميع الأعراق والأطياف والأجناس في بوتقة العقيدة والدين تحت راية التوحيد، في موطن واحد، سمّي في الفقه دار الإسلام، حدوده الأمان والسلطان مجتمعان، حتى سطع نجم الحضارة الإسلامية في الأندلس، التي ظن كثيرون بأن غياب الطوق العربي هو الذي سهل سقوطها بأيدي أعدائها، ولكن تأتي أحداث غزة اليوم لتؤكد أن وجود الطوق العربي ليس عامل قوة إذا غاب الإسلام وذروة سنامه.

 

الوطنية، ثمرة مسمومة زرعها الاستعمار

 

إن الوطنية فكرة دخيلة على المسلمين، لم تجد لها طريقا في كتب الفقه الإسلامي على مر التاريخ، ولا أصل لها في شرع الله سبحانه، إنما هي منتوج غربي استعماري قامت الدول الصليبية بتصديره إلى المسلمين لكي يتسنى لها تجزئة بلادهم وتفتيتها، عقب هدم دولتهم وضرب وحدتهم، لأنهم ظلوا طوال قرون حالة مستعصية وظلت الأمة كيانا واحدا تعجز الحواجز اللغوية والعرقية عن تفتيته. وهكذا فالوطنية، هي فتنة معاضدة لفتنة القومية التي زرعها الاستعمار في بلاد الإسلام بين الفرس والترك والعرب، وهي ثمرة مسمومة تنضج في بستان الاستعمار وتتغذى بماء الحقد الصليبي الدفين، تُخفي بين أوراقها عبث الهوية وخراب الثقافة ودمار الأوطان، باسم التحرر الوطني.

 

فصار المسلم يضحي بنفسه من أجل "الوطنية"، أي من أجل تكريس واقع التجزئة، وصار "الفكر الوطني" و"المشروع الوطني" عائقا أمام وحدة المسلمين، وصارت الأخوة في "التراب الوطني" مقدمة على الأخوة في الله، وصار أحفاد الصحابة والفاتحين أجانب وربما إرهابيين يستهدفون وحدة الوطن، أما أحفاد أبي لهب ومسيلمة الكذاب فصاروا شركاء في الوحدة الوطنية، بل صار الدفاع عن التراب الوطني واجبا وطنيا مقدسا، أزهقت من أجله أرواح ملايين المسلمين طوال العقود الماضية، وسجن من أجله آلاف العلماء والدعاة، تحقيقا لمآرب الكافر المستعمر الذي صار يتسلى بلعبة إراقة دماء المسلمين هنا وهناك في سبيل تحقيق السيادة الوطنية المزعومة على رقعة صغيرة من الأرض، قد يتدخل مجددا ليقوم بتجزئتها وتغيير اللاعبين داخلها بدعوى المصلحة الوطنية.

 

بل لقد صارت تلك العزلة السياسية والحالة العدائية والنزعة الانفصالية المارقة على مفهوم الأمة وكيانها المعنوي واجبا وطنيا مقدسا، وصلت في أحيان عديدة إلى التبرؤ من التاريخ الإسلامي والقفز فوقه واشتراط إعلان العداء للخلافة كشرط لدخول مضمار الحياة السياسية والمشاركة في تشييد البناء الوطني المستقل، ما يسهل على الكافر المستعمر انتداب العملاء والخونة وتوظيفهم كأداة لإثارة الفتن والحروب والقلاقل أو الحفاظ على واقع التقسيم كحد أدنى، بل صار السهر على حراسة الحدود الاستعمارية جهادا في سبيل الوطن بحسب العقيدة العسكرية لجيوش الدول الوطنية منذ إنشائها، عندها ضاعت بوصلة الجهاد وانحرفت عن مسارها الطبيعي.

 

لقد كان واضحا لكل ذي لب وبصيرة أن المقصود من فكرة الوطنية حصر الولاء والانتماء في الأرض دون الدين، وحصر التقديس لأعلام ورايات الاستعمار دون راية التوحيد (راية العقاب)، بل المقصود من وراء ذلك كله تجريم كل دعوة للوحدة على أساس العقيدة والدين واعتبارها تهديدا للأمن القومي والسلم المجتمعي والسيادة الوطنية، لكونها تستهدف هيبة الدولة الوطنية "العتيدة" بالتآمر عليها مع الخارج ومحاولة تبديل هيأتها، وهو ما يستوجب بحسب العديد من دساتير هذه الدول الوطنية عقوبة الإعدام انتصارا لتلك الخرق والأعلام، وهي الدساتير نفسها التي تقر المعاهدات العسكرية مع الدول المحاربة وتضع جنودها على ذمة القوى الاستعمارية الكبرى، وتفتح أبوابها أمام سفرائها ومخابراتها وكل قذاراتها، مقابل تعطيل جهاد جيوش الأمة لتحرير فلسطين.

 

ذلك أن فكرة الوطنية، هي فكرة علمانية في أصلها ومنشئها، حيث ظهرت الدولة الوطنية مع ظهور المجتمع الوستفالي في أوروبا النصرانية، وكان أول من نادى بالوطنية في البلاد العربية هو النصراني الماروني بطرس البستاني، الذي أصدر صحيفة جعل شعارها "حب الوطن من الإيمان" وهو شعار لم يكن المسلمون يفهمونه حتى ذلك الوقت على طريقة الذين ينادون صراحة بأن الولاء الديني لا يصلح أن يكون أساسا للحياة، فضلا على أن يكون أساسا لاتخاذ قرار السلم أو الحرب.

 

أما من يقاتل في سبيل الوطن والعَلَم الوطني دون إعلاء راية لا إله إلا الله، فهو شهيد في عرف دعاة الوطنية، خلافا لقوله ﷺ: «وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ، وَيَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، وَيَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ فَقُتِلَ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ».

 

وهكذا أصبح أبناء كل وطن يقاتلون غيرهم ويستبيحون دمه إذا كان ذلك في سبيل وطنهم، هذا إن سلموا من فتنة الطائفية والحروب الأهلية، بل أصبح من المسلمات البديهية عند المسلمين وجيوشهم مشروعية القتال في سبيل الوطن، وعلى ذلك تربت الناشئة التي فُرض عليها يوميّا تحيّة العلم وترديد النشيد الوطني. عن رسول الله ﷺ قال: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ». فقيل: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصاً عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ». رواه البخاري ومسلم.

 

اللافت للنظر في مسألة نشأة الدولة الوطنية في بلاد العرب، هو تزامن زرع هذه الكيانات القطرية العلمانية مع مؤامرة تثبيت كيان يهود في قلب البلاد الإسلامية، لتصبح كل هذه الكيانات الكرتونية والأنظمة الوظيفية مستوطنات استعمارية وحدائق خلفية للدول النصرانية الصليبية، مع أفضلية منقطعة النظير لكيان يهود بوصفه القاعدة العسكرية المتقدمة للغرب في بلاد الإسلام، والضامن الأساسي لتكريس واقع الفرقة والتجزئة والحيلولة دون امتزاج الطاقة العربية بالطاقة الإسلامية ودون الوحدة على أساس الإسلام، وهو ما أشار إليه المجرم نتنياهو مباشرة بعد ثورات الربيع العربي، حيث أشار إلى صغر خارطة الكيان بين الدول المحيطة به في المنطقة، ثم أضاف أن كل هؤلاء من الشرق إلى الغرب يحلمون بإقامة خلافة إسلامية، مستجديا دعم دول الغرب بزعامة أمريكا في مواجهة هذا الخطر الذي يتهدد الغرب برمته.

 

الوطنية فتنة عظيمة وسلاح قاتل

 

إن الغرب الصليبي الذي فرض واقع الاستعمار بالحديد والنار ونشر في بلادنا الخراب والدمار هو نفسه من زرع وهم الاستقلال وثبت مشروع الدولة الوطنية كجزء من منظومة استيطانية أريد لكيان يهود أن يكون رأس الحربة فيها، وللأنظمة العربية الملتحفة برداء الوطنية أن تكون جدار صد للأمة ومانعا فعليا للجهاد ضد المحتل، وما يحصل اليوم في غزة ولبنان ومن قبل في العراق وأفغانستان هو خير دليل ومثال، بل حجة إضافية لاعتبار الدولة الوطنية مشروع انتحار سياسي للأمة وتقتيل لأبنائها على مراحل.

 

ولذلك فكيان يهود والكيانات المتصهينة المحيطة به والحامية له، هي جزء من مشروع استعماري خطير خرج من مشكاة واحدة، هو مؤتمر كامبل الذي انبثقت عن مخرجاته اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وغيرهما من آليات الحفاظ على التفوق الاستعماري وأدوات التأسيس الثقافي المستقل للكيانات القُطرية الوطنيّة، التي لم تستطع أن تخفي تجانسها مع كيان يهود في كثير من الأمور الجوهرية، سواء أعلنت تطبيعها أم أخفته إلى حين.

 

فمسخ الهوية وتزييف التاريخ وطمس الحقائق وتقديس العِلْم وضرب العقيدة ونشر الميوعة وإشاعة الفاحشة وتجريم الدعوة إلى الله وشيطنة أصحابها والصد عن سبيل الله وإشهار سيف محاربة الإرهاب وحتى صناعته والحرص على استعادة هيبة الدولة الوطنية وعلى موالاة أمريكا والتحالف معها مقابل التنكيل بالمسلمين وتقتيلهم وتعطيل طاقاتهم وكبح جماحهم ونهب ثرواتهم ومنع وحدتهم، هي جميعها أمور تتشارك فيها الأنظمة العميلة وتتجانس مع كيان يهود، بل لا نبالغ إن قلنا إن بعضها يفوق هذا الكيان من حيث الجرأة على دين الله وعلى حرمة الدم المسلم، ولنا في نظام الطاغية بشار الذي قتل مليوناً من أبناء الشام وهجر أكثر من 13 مليون نازح حول العالم خير دليل ومثال.

 

يقول أحد العلمانيين ويدعى فرح أنطوان: "إنّ العالم قد تغيّر، فالدولة الحديثة لم تعد قائمة على الدين، بل على أمرين: الوحدة الوطنية وتقنيات العلم الحديث".

 

وهكذا، يتبين أن الوطنية بمفهوم أصحابها هي طعنات غرست في جسد الأمة لمنع وحدتها ونهضتها على أساس الإسلام من جديد، وأنها السلاح المباشر الموجه إلينا لقتل كل رغبة في التغيير على أساس الإسلام. وبهذا العدد من الطعنات والوطنيات، صار المسلم ينظر لأخيه المسلم وهو يحترق حيا عبر البث المباشر دون أن يتحرك لإنقاذه، وصارت الدولة الوطنية تضع كل القيود والأغلال على الجيوش لمنع تحركها نحو نصرة المستضعفين في الأرض المباركة وتحرير المسجد الأقصى من رجس يهود، إذ لا حراك ولا تحرك ولا نصرة إلا حين يمس التراب الوطني وتُنتهك السيادة الوطنية. وبعبارة أخرى، فقد أريد للشعوب المخدرة بأفيون الوطنية، أن تبقى كالخرفان تنتظر دورها في الذبح، تماما كما أريد للأنظمة الوطنية أن تكون مسامير صدئة تتناوب على تثبيت الاحتلال وكل سرديات وروايات الاحتلال، وحاشاها أن تفكر في النزال والقتال، لأن القادة المخصيّين منشغلون بالانتخابات الوطنية والحكومات الوطنية والمصالح الوطنية.

 

الوطنية إذن هي فكرة خبيثة وعصبية جاهلية مقيتة ورابطة منحطة تستأصل دعاة الوحدة بتهم التمرد على واقع "السيادة الوطنية"، وتجعل الأغبياء سياسيا مجرد ضحايا لإعلام متصهين يروج لمادة دعائية مغشوشة ومخدرة تُغلّف بحب الوطن وتشحن الناس وطنيّا نحو نضال وهمي يُكرس واقع التقسيم والتجزئة والتفتيت، وهي أيضا فكرة تتناقض مع مفاهيم أساسية عند المسلمين وتعطلها، في مقدمتها مفهوم الأمة نفسه، تليها مفاهيم النهضة والأمن القومي وسياسة الردع والدفاع المشترك المرتبطة كلها بذروة سنام الإسلام: الجهاد في سبيل الله.

 

الوطنية ببساطة هي فعل استعماري خالص، يجعل من الأمة مفعولا به، يفعل بها أعداؤها ما يشاؤون متى يشاؤون وكيفما يشاؤون، وبراءة اختراعها تعود إلى الكافر المستعمر الذي اخترع لنا أيضا فكرة القومية، وجميعها معاول هدم للأمة الإسلامية. فهل ينتظر عاقل أن تصبح معاول بناء وتحرير؟!

 

أما دولتها، فهي أداة غربية تجعل الأمة منكشفة الظهر أمام أعدائها، تفصلها مسافات ضوئية عن التصنيع والريادة والقيادة وعن مجرد اتخاذ قرار السلم أو الحرب، بل هي آلية استنزاف وتنكيل وتعطيل واضطهاد وسوء رعاية وعجز عن نصرة المظلوم يصل إلى حد الخيانة العظمى. وأما إنجازاتها، فهي صفر حضاري محاط بأسلاك شائكة بل بجدران إسمنتية أو فولاذية تعززها منظومة مراقبة إلكترونية للحدود الوهمية موجهة بقليل من الذكاء الصناعي المستورد وكثير من الغباء السياسي المحلي.

 

التحرير يبدأ من التحرر من أغلال الوطنية

 

هذا الواقع الأليم والغربة المريرة والحالة الغثائية الطارئة التي صرنا نعيشها في بلاد الإسلام هي أمر مرفوض شرعا وإثم عظيم وجب على الأمة التوبة منه والتكفير عنه وتبرئة ذمتها بالسعي مع الساعين إلى التغيير الجذري على أساس الإسلام وبناء دولة الإسلام، لأن قضية تحرير فلسطين بالجهاد هي قضية الأمة برمتها وعلى رأسها عساكرها وجيوشها، وليست قضية حزبية ولا وطنية وإن قادها في الأمة حزب. فهذه هي فريضة الساعة وهؤلاء هم مناط الحكم. قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

 

ومع كل ما فرضته الوطنيات من قيود وأغلال على المسلمين، فإن الأمة ولّادة، وإن العقيدة الإسلامية كفيلة بصناعة قائد عسكري من طراز صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، الذي لم يمنعه أصله الكردي ووطنه الشامي من السير في الطريق الشرعي نحو القدس، بل كان إيمانه بأن الأوطان تتحرر تحت راية القرآن دافعا له، ليتحرك بالجيش من سوريا إلى مصر ولم يذهب على فلسطين بالرغم من أنها أقرب إليه من مصر، ولكن لما كانت مصر هي التي شقت عصا المسلمين ما أدى إلى إضعافهم كما هو حاصل اليوم من الدويلات القائمة في بلاد المسلمين، كان لا بد أن يمر بها الجيش ليقضي على الدولة الفاطمية قبل أن يذهب إلى الأرض المباركة، وهذا ما حدث، إذ إنه قضى عليها وضم مصر إلى الخلافة، ثم تحرك الجيش إلى فلسطين فكان التحرير، وهذا ما يجب أن يكون، تحقيقا لوعد الآخرة.

 

قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس وسام الأطرش – ولاية تونس

رابط هذا التعليق
شارك

كلمة الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

في المؤتمر الصحفي بعنوان:

اتفاقية عنتبي وسد النهضة وتضييع الحكام مصالحَ الأمة الحيوية

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وإمام المتقين، سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد،

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته،

 

إن الحديث عن اتفاقيات المياه والسدود هو أمر مهم وخطير، باعتبار أن الماء أمر حيوي، وبه حياة الناس، بل الحياة كلها، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾.

 

لقد كانت هنالك مجموعة من الاتفاقيات تحكم تدفق مياه النيل بروافده الكثيرة بين دول حوض النيل، ما جعل الوضع مستقرا بين هذه الدول لسنوات طويلة، ولكن في الآونة الأخيرة نقضت تلك الاتفاقيات باتفاقيات جديدة، مثل اتفاقية عنتبي التي عقدت بمدينة عنتبي الأوغندية في أيار/مايو 2010م، حيث وقعت كل من إثيوبيا، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا، وبوروندي، على ما سمي باتفاقية حوض النيل، بينما لاقت رفضا من مصر والسودان دون حراك جدي منهما لإبطال هذا الاتفاق.

 

وأخطر ما جاء في اتفاقية عنتبي ما يلي:

 

١- الاستخدام المنصف لمياه حوض النيل، والغرض من هذه المادة هو إنهاء الحصص التاريخية لمصر والسودان، أي 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان، لأن عبارة الاستخدام المنصف، هي عبارة فضفاضة، فمن الذي يحدد حجم هذا الإنصاف في ظل مادة تقول إن القرارات تجاز بالأغلبية وليس بالإجماع كما كان سابقا؟!

 

2- كما نص الاتفاق على تأسيس مفوضية، بعد تصديق 6 دول على الأقل على الاتفاقية عبر برلماناتها، وسيكون المقر الدائم للمفوضية دولة أوغندا، وفعلا صادقت برلمانات كل من: إثيوبيا، ورواندا في العام 2013م، وتنزانيا في العام 2015م، وأوغندا في العام 2019م، وبوروندي في العام 2023م، بينما لم تصادق كينيا حتى الآن.

 

وفي 15/7/2024 صادق جنوب السودان على الاتفاقية، وبتصديقه اكتمل النصاب القانوني لتأسيس مفوضية حوض النيل، وذلك بعد 60 يوما من إيداع جنوب السودان مصادقته على الاتفاقية.

 

ولأن مصر، والسودان، لا تتعاملان بجدية كما ذكرنا، أصدرا بيانا مشتركا قبل يوم واحد فقط من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، وجاء في بيانهما الصادر يوم السبت 12/10/2024 أن اتفاق إطاري حوض النيل غير ملزم لأي منهما، ليس فقط لعدم انضمامهما إليه، وإنما أيضا لمخالفته مبادئ القانون الدولي؛ العرفي والتعاقدي. وفي اليوم التالي لهذا البيان المصري السوداني، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، غرد آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا على منصة إكس، يوم الأحد 13/10/2024 واصفا بدء تنفيذ الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل بأنها لحظة تاريخية.

 

هذا فيما يتعلق باتفاقية عنتبي، وواضح فيها التآمر على الحقوق المائية لمصر والسودان، ومدى تفريط حكام مصر والسودان، وموقفهم الضعيف إزاء ما يجري من مؤامرات.

 

أيضا من الاتفاقيات الجديدة التي نقضت الاتفاقيات السابقة التي تحفظ حقوق مصر والسودان من مياه النيل، اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعه رؤساء مصر والسودان، مع رئيس وزراء إثيوبيا في الخرطوم في 23/10/2015، وهو اتفاق أسوأ بكثير من اتفاقية عنتبي الموقعة في 2010م، لأن فيه الاعتراف الكامل لإثيوبيا بإنشائها السد الكارثة، وبأحقيتها في حجز المياه، باعتبار أن السد أقيم فيها؛ أي في إثيوبيا، والسيادة يجب أن تكون متساوية، فللسودان سيادته كما لمصر وإثيوبيا.

 

وبهذا التوقيع الخياني، تم إلغاء كل الاتفاقيات السابقة، وأعطوا لإثيوبيا الحق بإنشاء ما تريد من سدود على النيل الأزرق، وهذا يعتبر تفريطا من حكام مصر والسودان في حقوق الأمة في أمنها المائي.

 

والسؤال الذي يرد الآن هو، هل هذه الدول الموقعة على اتفاق عنتبي تتصرف وفق إرادتها، وحاجتها من المياه، أم أن هناك تدخلا خارجيا يريد أن يعبث في الموضوع؟!

 

لقد تدخلت أمريكا مبكرا في مسألة مياه حوض النيل، فقد قام خبراء من مكتب استصلاح الأراضي الأمريكية، بالتنسيق مع إثيوبيا، بدراسات ضخمة في منطقة بني شنقول، ومشاريع مياه في عموم إثيوبيا، وأعدت الدراسات لمشاريع وصلت 33 مشروعا، بما في ذلك أربعة سدود، وتزامنت هذه الدراسات مع فكرة إنشاء السد العالي في مصر عدة سنوات، واكتملت في العام 1964م، ولكن إثيوبيا لم تستطع تنفيذ تلك المشاريع في ذلك الوقت.

 

وكما خططت إثيوبيا للسيطرة على النيل، برزت مشاريع كيان يهود للحصول على حصة من مياه النيل، تنقل بواسطة أنابيب، إلا أن الرأي العام في مصر يرفض ذلك رفضا قاطعا، وقد حاول الرئيس المصري الأسبق السادات أخذ ضوء أخضر من الرأي العام، فقد أوردت صحيفة الشرق الأوسط في عددها ١١٢١١ الصادر في 8/8/2009م، بقلم أنيس منصور، حيث كتب يقول: "لقد طلب مني الرئيس السادات أن أنشر خبرا يكون بالون اختبار، فحواه: الرئيس السادات يحلم باليوم الذي تصل فيه مياه النيل إلى القدس ليتوضأ المسلمون منه ويصلوا في المسجد الأقصى".

 

وفي مقال في صحيفة المستقبل اللبنانية في عددها بتاريخ 20/10/2010 جاء ما يلي: إن (إسرائيل) تقوم بتمويل إنشاء خمسة سدود لتخزين مياه النيل في تنزانيا، ورواندا، وذلك في أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية (الإسرائيلي) أفيغدور ليبرمان إلى دول الحوض، كما كشف المحلل السياسي الأمريكي مايكل كلير في كتابه "الحرب على الموارد: الجغرافيا الجديد للنزاعات العالمية"، كشف مخطط يهود للسيطرة على مياه حوض النيل قائلا: إن (إسرائيل) لعبت دورا كبيرا مع دول حوض النيل لنقض المعاهدات الدولية التي تنظم توزيع مياه النيل، وما خفي أعظم.

 

وهذا يؤكد أن ما يسمى بدول الحوض هي مجرد أدوات تستخدم للضغط على مصر والسودان في موضوع حوض النيل.

 

وهناك معلومة مهمة، وهي أن هذه الدول التي تتآمر ضد مصر والسودان، ليست بها حاجة إلى المياه، فهي تقع في منطقة استوائية غزيرة الأمطار، ويقدر خبراء المياه كمية المياه السنوية لدول الحوض بأكثر من 1000 مليار متر مكعب، وكل ما يأخذه السودان ومصر لا يتعدى 75 مليار متر مكعب سنويا.

 

إن الماء أيها الإخوة الكرام هو أمر حيوي، ولا يمكن أن يعيش الناس إلا به فهو من الحاجات الحيوية التي لا بديل عنها. وهذا الموقف المخزي الذي يمثله نظاما مصر والسودان، هو الذي جرأ هذه الدول وبخاصة إثيوبيا. ففي آخر تصريح لوزير الخارجية المصري، نشر في العربية نت يوم 20/10/2024 أكد أن مسارات التفاوض التي جرت مع الجانب الإثيوبي على مدار 13 عاما انتهت دون جدوى! فهذا التصريح يبين مدى ضعف هذه الأنظمة العميلة وهوانها، فإن المفاوضات العبثية التي ذكرها الوزير لم تنته دون جدوى، وإنما انتهت ببناء سد النهضة الكارثي الذي وصل إلى مراحل متقدمة، ويقال إنه الآن يخزن 60 مليار متر مكعب من المياه، وأصبح بذلك قنبلة موقوتة ومعضلة لن يستطيع النظامان المصري والسوداني فعل شيء حياله غير التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

إن تواطؤ حكام مصر والسودان على السماح ببناء سد النهضة هو تفريط في مصالح الأمة، وهو يخالف الحكم الشرعي للأسباب الآتية:

 

١- فيه منع للماء عن الناس، وهذا حرام، قال ﷺ: «ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ»، سنن ابن ماجه، وقال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ». فمياه النيل ليست ملكا للإدارة الأمريكية، ولا لدويلة يهود أو إثيوبيا ليحجزوه عن الناس، كما أنها ليست ملكا لحكومتي مصر، والسودان، لتفرطا فيها، بل هي ملك عام لا يجوز منعه.

 

٢- فيه تمكين لأهل الكفر من رقابنا، فيتسلطون علينا أكثر من تسلطهم الحالي، وهذا حرام يجب منعه، قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾. فما لا يدع مجالا للشك هو أن هذا السد قد أنشئ لمزيد من تركيع شعوب المنطقة، وإدخالها في صراع وقتال، وقيادة الكافر المستعمر لهذه المعركة، ومن الجانب الآخر، يمكن دويلة يهود من تأمين المياه لها من النيل! وفي هذا المزيد من السبيل على الأمة، وهذا حرام شرعاً.

 

٣- فيه أضرار قد يصعب عدّها من كثرتها، وقد ذكر منها الكثير، وهذا الإضرار حرام يجب أن يزال، قال رسول الله ﷺ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».

 

لو كانت السودان ومصر جزءاً من دولة الخلافة الراشدة لما تجرأت بغاث الدول، ربائب الاستعمار وأدواته على تهديد المصالح الحيوية للخلافة، كيدا للإسلام والمسلمين، فدولة الخلافة هي دولة مبدئية، تسعى لاقتعاد مركز الصدارة في الموقف الدولي، لذلك فإن قائمة المصالح الحيوية للخلافة الراشدة تطول ولا تقصر، ولا تتجرأ دولة على تهديد هذه المصالح ابتداء.

 

إن تاريخ الخلافة يحمل العظات والعبر على عزتها ومحافظتها على مصالح المسلمين، وذلك بقوة أعمالها السياسية، وشموخ مفاوضيها ودبلوماسييها، وكبريائهم، وأنفتهم، وتلويحها باستخدام القوة العسكرية، ثم استخدامها فعلا، ويرفدها الملايين من الرجال الرجال المتطلعين للموت في سبيل الله، إنها دولة العزة والكرامة، التي يجب على كل مسلم أن يعمل مع العاملين لإقامتها لأجل حياة طيبة في طاعة الله سبحانه، يرضى عنها ساكنو السماء والأرض.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

إبراهيم عثمان (أبو خليل)

الناطق الرسمي لحزب التحرير

في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

لعنة الرأسمالية الغربية وعولمتها القاتلة

الزراعة التصديرية كنموذج خبيث سام مدمر!كمثال الحالة المغربية!

 

تعاملت الجاهلية الغربية مع البشرية بوحشية وهمجية منقطعة النظير، ترجمتها منظومتها الرأسمالية وفلسفتها في إدارة هذا التوحش عبر اقتصاد سوقها ومنافستها الحرة على الطريقة الداروينية في البقاء لوحوش الرأسمالية الأقوياء أصحاب البنوك والشركات الرأسمالية الكبرى، فهؤلاء هم المرشحون والمؤهلون للبقاء وباقي الركام البشري هو في حكم التصنيف الرأسمالي ما بين عبيد أو ضحايا للرأسمالية. فقد حولت الجاهلية الغربية عبر همجية رأسماليتها العالم إلى غابة يفترس فيها الوحش الرأسمالي الغربي تسعة أعشار البشرية في تطاحن وتغول عز نظيره في تاريخ البشر، في استجابة تامة لرؤيته الفلسفية العدمية، كتب أحد منظري هذا الخراب الرأسمالي الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز عن مضامين ونتائج اقتصاد السوق هي "حرب الكل ضد الكل".

 

وتفاقمت واستفحلت شرور هذه الجاهلية الغربية وهمجيتها الرأسمالية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فازداد الوحش الرأسمالي الغربي توحشا وتغولا، كتب جيمس مورغان سنة 1993 بجريدة فايننشال تايمز ما يلي: "إن انهيار المعسكر السوفيتي قد ترك المجال شاغرا أمام صندوق النقد الدولي ومجموعة السبع الكبار (ج-7) للتحكم في العالم وخلق مرحلة إمبريالية (استعمارية) جديدة". وبالفعل انهمر على العالم سيل من النظريات لأساتذة الخراب الرأسمالي ومنظري فوضاه المدمرة عبر حشد إعلامي هائل (نهاية التاريخ - النظام العالمي الجديد - الليبرالية الجديدة - القرن الأمريكي - القطبية الأحادية...)، هدفها أن ينطبع في الأذهان أن الخلاص والسبيل الوحيد للهروب من الاستبداد الشيوعي هو بالعودة إلى الغابة الرأسمالية وسوقها المتوحشة المتحررة من القيم فهي قدر البشرية وقضاؤها.

 

ثم غَيَّر الوحش الرأسمالي جلده وابتكر أسلوبا جديدا في إدارة استعماره وتوحشه (الاستعمار طريقة ثابتة في المنظومة الرأسمالية أما أساليبه ووسائله فهي المتحولة المتبدلة) عبر فلسفة وسياسة العولمة، فقد طفت العولمة إلى السطح كمصطلح وبرزت كفكرة فلسفية وسياسية مع إعلان الغرب وتحديدا أمريكا عن نظام عالمي جديد بُعَيْد سقوط الاتحاد السوفيتي وكانت العولمة إحدى أسسه وركائزه، وتم نحت المصطلح مع تعمد ترك المحتوى فضفاضا ومائعا لخدمة الرأسمالية الغربية في تحميله وشحنه بكل أغراضها وأهدافها وغاياتها الاستعمارية.

 

تجاوزاً للمفهوم الضبابي الفضفاض المخادع الذي عَمَّت به الرأسمالية عن حقيقة عولمتها، ففي المفهوم أولا وتحريرا لحقيقة المصطلح فالعولمة حقيقة وواقعا هي أسلوب الغرب المبتكر في تعميم النموذج الفلسفي والثقافي والحضاري والسياسي الرأسمالي الغربي، وفرضه كنمط وطريقة حياة على العالم كله، فهي فرض لفلسفات الغرب وثقافته وحضارته وأنظمته أي كل حمولته العلمانية الرأسمالية على العالم عبر سياسات وآليات العولمة، فهي محاولة لدمج البشرية كلها في الحياة الرأسمالية الغربية.

 

فالعولمة هي تحويل للرؤية الغربية الخاصة وليدة ظروفها وبيئتها وإنسانها الغربي، هذه الرؤية التي تتناول قضايا الإنسان الغربي المحكومة بخصوصيته الثقافية وبيئته الغربية الأوروبية تحديدا، إلى رؤية عامة عالمية تتجاوز حدود وقيود ثقافتها وبيئتها وتفرض على البشرية كرؤية عالمية شاملة. وهي الجريمة والجناية الكبرى للجاهلية الغربية في فرض همجيتها على البشرية، ترجمتها عولمتها الاقتصادية عبر تحرير التجارة العالمية من كل القيود والحواجز القانونية والسياسية، حتى تطال أنياب ومخالب الوحش الرأسمالي وأذرع بنوكه وشركاته كل العالم، فتصبح معها الدول والحكومات مجرد سماسرة وإدارات لخدمة مصالح البنوك والشركات الرأسمالية الغربية.

 

وكان من مخرجات العولمة اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية التي أبرمت سنة 1995 لإلغاء كل القيود ورفع كل الحواجز لتمكين الرأسمالية الغربية من السيطرة والهيمنة على العالم، فالعولمة ترجع في التحليل الأخير إلى إزاحة كل العقبات من أمام البنوك والشركات الرأسمالية الغربية، وهذه العملية تدار عبر المؤسسات الرأسمالية الغربية كصندوق النقد والبنك الدوليين والمنظمات التابعة للأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وحكومات الدول الغربية، والغاية هي نزع ملكية الشعوب لثرواتها باسم القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وبمباركة الحكام والحكومات المتواطئة والعميلة وطبقة الانتهازيين المحليين في دول الهامش. وطبقة الحكومات المتواطئة والعميلة والانتهازيين المحليين هم بمثابة صغار اللصوص المحليين في خدمة كبار اللصوص الرأسماليين الغربيين. فالعولمة هي فرض السياسات الرأسمالية الاستعمارية كقانون دولي ونظام عالمي، لا أساس قيمي أو أخلاقي لها بل هي حيلة وخدعة الرأسمالية الغربية وأداتها في إضفاء الشرعية الأخلاقية على الاستعمار الغربي غير الشرعي، فالعولمة مجرد وعاء قانوني لمحتوى غير شرعي للسيطرة والهيمنة الاستعمارية الغربية.

 

ولقد شكلت منظمة التجارة العالمية الأداة المثلى للعولمة الاستعمارية، وصفتها صحيفة نيويورك تايمز "تزويد واشنطن بأداة جديدة في مجال السياسة الخارجية لتصدير القيم الخاصة بالسوق الحرة"، فقد وفرت العولمة عبر منظمة التجارة العالمية للبنوك والشركات الرأسمالية الغربية عوامل جديدة للسيطرة والهيمنة السياسية والاقتصادية، عبر تدويل الإنتاج وكسر الحدود الدولية وتجاوز السيادة السياسية وصناعة الرأي العام المساند والطبقة الانتهازية المحلية المتواطئة (لصوص الداخل الصغار)، عطفا على اعتماد هذه البنوك والشركات الرأسمالية على شبكاتها المالية والتجارية والتقنية والملاحية وشبكة الإنترنت الداعمة لتدويل نشاطاتها، وهكذا تم التحول من منطق الدولة وسيادتها إلى منطق السوق الحرة وبنوكها وشركاتها الرأسمالية الغربية العابرة للقارات واستثماراتها وحركة أموالها ومضاربات بورصاتها وقيمة أسهمها.

 

وهكذا تمت إعادة رسم الخريطة الاقتصادية للعالم فصارت حكومته المركزية الفعلية هي البنوك والشركات الغربية الرأسمالية، هذه البنوك والشركات الرأسمالية العابرة للقارات تعود ملكيتها إلى رأسماليي الدول الغربية تحديدا (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، كندا، سويسرا، السويد، اليابان. لكن ملكية أكثرها تعود لأمريكا) وبدأت مؤخرا تطفو إلى السطح شركات صينية رأسمالية. ولقد تنامى وتصاعد نفوذ هذه البنوك والشركات في الساحة الدولية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولعبت دورا حاسما مباشرا وغير مباشر في صناعة السياسات الاقتصادية لدول الهامش (الدول النامية) في مختلف المجالات ولا سيما المجال الزراعي الذي يشكل القطاع الاقتصادي الأهم في عموم دول الهامش (غالبية السكان في الدول المسماة نامية تعيش على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، حيث إن نسبة سكان البوادي تشكل ما بين 60% و80% من مجموع السكان، وجلهم من صغار المزارعين الفقراء). ولقد شكلت منظمة التجارة العالمية أفعل أداة للرأسمالية الغربية في كسر القيود السياسية والتشريعية لدول الهامش، لتمكينها من السيطرة والهيمنة على زراعة هذه الدول.

 

فقد شهد العالم خلال الثلاثة عقود الأخيرة تغيرات تكاد تكون جذرية في تعامل الرأسمالية الغربية مع العالم، ولقد كانت انعكاساتها على دول الهامش (الدول النامية) وتحديدا في القطاع الزراعي مدمرة، فلقد تم تحويل دول الهامش لسوق وظيفية للإنتاج الزراعي للشركات الرأسمالية الغربية، وتم تسخير واستغلال الأراضي الفلاحية والموارد الطبيعية ومخزون المياه والطاقات البشرية لدول الهامش لخدمة الإنتاج الزراعي الرأسمالي الغربي وشركات احتكاره، باسم تحرير التجارة في المنتوجات الزراعية والتي طرحت كمشاريع سياسية واقتصادية لتحويل زراعة دول الهامش إلى زراعات تصديرية (تسويقية) وفرضت هذه السياسات عبر اتفاقيات وقوانين رأسمالية دولية.

 

وتمت إعادة تشكيل اقتصادات دول الهامش بحسب أغراض وأهداف الشركات الرأسمالية الغربية، وبحسب نمط موحد يسهل الدمج والاندماج في السوق الرأسمالية المعولمة، وتعددت الآليات والوسائل لتحقيق الهدف الرأسمالي المعولم وكان من أبرزها: برامج ومشاريع صندوق النقد والبنك الدوليين، وكان مدخلهما الأساسي هو معالجة المديونية والتصحيح الاقتصادي لمسألتي الدين والعجز المالي لدول الهامش. - اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وأبرزها تحرير التجارة الخارجية من القيود السياسية والتشريعية لدول الهامش (تحويل دول الهامش لأسواق وظيفية لإنتاج وتصدير واستيراد وتصريف الإنتاج الزراعي الرأسمالي الغربي). - قوانين منظمة الأمم المتحدة وفروعها كمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو). - فرض نظام موحد لمعايير الجودة الشاملة (الهدف تركيز الاحتكار الرأسمالي). - فرض نظام موحد للنظم المصرفية (الاحتكار المالي). - نفوذ الحكومات الغربية السياسي على حكومات دول الهامش.

 

ولقد تعدت أهداف الرأسمالية الغربية في نسختها المعدلة (الليبرالية الجديدة، وهي كما يعرفها تشومسكي النموذج السياسي والاقتصادي الذي يعرف به عصرنا، وهي تتعلق بالسياسات والعمليات التي تتيح لحفنة من الشركات الرأسمالية الخاصة السيطرة على أكبر حيز ممكن من حياة المجتمع لتحقيق أقصى ربح)؛ السياسات الاقتصادية، إلى إعادة صياغة كل أنظمة المجتمع في دول الهامش، وظيفة الدولة ونظم الاقتصاد والإدارة والتعليم وقضايا الثقافة والنظام الاجتماعي في دول الهامش، لتمكين الشركات الرأسمالية الغربية من السيطرة ليس على الاقتصاد فقط بل على المجتمعات بإعادة تشكيلها لإزالة كل العقبات والعوائق التي تحول دون سيطرة الرأسمالية الغربية على العالم.

 

جراء هذه السياسات المفروضة من الرأسمالية الغربية على القطاع الزراعي تم تحميل مجتمعات دول الهامش أعباء وتبعات التحول نحو الزراعة التصديرية، أصبحت معها دول الهامش ضيعات وظيفية للإنتاج الزراعي الرأسمالي الغربي على حساب زراعة أهل البلد. وزاد من شدة الكارثة تواطؤ الطبقة الحاكمة المحلية التي صارت معها الدولة في حكم الإدارة المحلية للشركات الرأسمالية الغربية، فسخرت موارد وطاقات البلد لخدمة الرأسمالية الغربية ترجمتها إجراءاتها السامة المدمرة ومن أبرزها: - دعم التصدير عبر حوافز مالية وإعفاءات ضريبة (تقتطع الأموال من ميزانية البلد لخدمة الرأسماليين الغربيين وربط المزارعين المحليين بالسوق الرأسمالية). - رفع الدعم عن السلع والخدمات (حتى تصبح الأسعار خاضعة للسوق الرأسمالية وأرباح شركاتها). - الخصخصة عبر تسليم مرافق البلاد الحيوية للقطاع الخاص (والخاص هنا هو الشركات الرأسمالية الغربية تحديدا). - نزع ملكية الأراضي من صغار المزارعين وتسليمها للطبقة المرتبطة بشبكات التصدير للسوق الرأسمالية، فمن أهم العوامل لدمج الزراعة المحلية في الإنتاج الزراعي الرأسمالي، خلق مزارع كبرى ذات مساحات شاسعة من الأرض لتسهيل السيطرة على القطاع الزراعي المحلي من خلال السيطرة على القلة من ملاك هذه الأراضي وربطهم بالسوق الرأسمالية الغربية عبر ربطهم بشبكات التصدير، وفصلهم وعزلهم عن الحاجات الحقيقية لمجتمعاتهم وأساسيات معيشة أهلهم. - تحويل الإنتاج الزراعي لتغطية حاجة السوق الرأسمالية الغربية على حساب حاجات المجتمعات المحلية وأساسيات معيشة أهلها. - الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية والاستنزاف الحاد للمياه والتربة، فالمنتوج الزراعي الرأسمالي الغربي الذي حولته الرأسمالية الغربية لبلدان الهامش هو المنتوج الأكثر استهلاكا للمياه واستنزافا للتربة عبر استعمال البذور والنوعيات المعدلة وراثيا التي تتطلب كميات هائلة من المياه ومعدلات كبيرة من الأسمدة والكيماويات والمبيدات في الإنتاج الزراعي الرأسمالي المعد للتصدير بشقيه النباتي والحيواني.

 

لقد كان لهذه الشركات الرأسمالية الغربية تأثير مدمر على الزراعة في بلدان الهامش عبر سموم سياسة الزراعة التصديرية (التسويقية)، في التحكم والسيطرة والاستغلال المتوحش لثروات هذه البلدان الطبيعية ومياهها وطاقاتها البشرية، والإضرار المدمر ببيئتها جراء الإفراط في استعمال البذور والأجناس المعدلة وراثيا والأسمدة والمبيدات والكيماويات، عطفا على النفوذ الاستعماري للحكومات الغربية في فرض السياسات السامة والاتفاقيات المجحفة خدمة لأغراض وأهداف الشركات الرأسمالية الغربية. فقد تضرر بشكل خطير الإنتاج الزراعي المحلي بنوعيه النباتي والحيواني (محاصيل الحبوب والخضروات والفواكه ومنتجات اللحوم ومشتقاتها)، عطفا على ذلك التأثير السام على النمط الغذائي للمجتمعات المستهدفة عبر سياسة التنميط الغذائي (نمط موحد على مستوى المأكل والمشرب والملبس) دعما للاحتكارات الرأسمالية الغربية وتسويقا لمنتجاتها. وهكذا تآكل الإنتاج الزراعي المحلي وتزايد الاعتماد على الاستيراد من السوق الرأسمالية الغربية، والأرقام كاشفة وفاضحة لحجم الدمار والخراب الذي حل بزراعة دول الهامش، ففي الستينات من القرن الماضي كان مجموع الواردات لدول الهامش من المنتوجات الزراعية لا يتعدى 5% ثم ارتفع في التسعينات إلى 30% ثم تجاوز عتبة 50% بكثير خلال القرن الحالي، وتسيطر الحبوب (الغذاء الأساسي) على فاتورة الواردات الغذائية بمعدل يفوق 52%. ولقد بلغت قيمة سوق القمح العالمي 73.3 مليار دولار سنة 2022 وفق منصة "أو إي سي ورلد" التابعة للفاو، وتسيطر على سوق صادراته الشركات الرأسمالية الغربية بحجم مبيعات وصل إلى 66.6 مليار دولار. وتعتبر البلاد العربية من أكبر مستوردي القمح علما أن مساحة أراضيها الزراعية تبلغ 220 مليون هكتار، يستغل ثلثها فقط واستغلالا سيئا عطفا على توجيه معظمه للزراعة التصديرية في تواطؤ عميل للأنظمة القائمة مع الرأسمالية الغربية، وقد تم تحويل البلاد العربية لأكبر مستورد للغذاء في العالم ففاتورة استيرادها للأغذية بلغت نحو 100 مليار دولار سنويا.

 

ثم تفاقمت معضلة دول الهامش عبر سياسة العولمة وتحرير التجارة في المنتوجات الزراعية، بعد أن تحولت هذه الدول لمستهلك ومستورد لغذائها من السوق الرأسمالية الغربية، فتفاقم عجزها التجاري وعجز ميزانياتها المالية ما قاد إلى زيادات فلكية في مديونياتها، ثم استفحلت الكارثة مع سياسة تحرير الأسعار للمنتجات الزراعية أي تركها فريسة لجشع أرباح الرأسمالية الغربية وتغول شركاتها فارتفعت الأسعار بشكل جنوني وعم الغلاء الفاحش وطم.

 

وساعدت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة في تكريس وتركيز هذا الاستعمار الزراعي الرأسمالي، ولعبت الفاو دور السمسار للشركات الرأسمالية الغربية، حتى إن مجموعة العمل الاستشارية داخل منظمة الفاو لتطوير ومكننة الزراعة كانت تضم ممثلي أقوى الشركات الرأسمالية الغربية (شركة كاتربيلر الأمريكية من أكبر الاحتكارات الرأسمالية على مستوى العالم، شركة ماسي فيرجسون بريطانية/كندية لصناعة الجرارات، شركة جون ديري الأمريكية للجرارات، شركة فيات الإيطالية، شركة ميتسوي اليابانية، شركتي بريتش بتروليوم وشل البريطانيتين)، وهكذا أصبحت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وكيلا تجاريا لدى الشركات الرأسمالية الغربية لتسويق سياساتها الاستعمارية ومنتوجاتها تحت غطاء الشعار الزائف الكاذب للمنظمة "الأمن الغذائي" وهو في الحقيقة تأمين مصالح الرأسمالية الغربية، وتحت شعار الأمن الغذائي الزائف تم سن قوانين وأنظمة وفرضها على دول الهامش كقانون دولي ملزم، وشرعت أبواب هذه الدول للاستغلال الرأسمالي باسم الاستثمار الأجنبي وتطوير الزراعة والاستفادة من التقنية، وتم رفع الحواجز السياسية والتشريعية من أمام الاحتكارات الرأسمالية الغربية، واتخاذ إجراءات خبيثة سامة خدمة للسوق الرأسمالية الغربية من أهمها: - الإعفاءات الضريبية والجمركية - تسهيل وتيسير المساطر والإجراءات الإدارية (سياسة الشباك الواحد بمعنى أن كل المعاملات الإدارية المختلفة تتم عبر مكتب واحد قريب من الشركات الرأسمالية الغربية العاملة ببلدان الهامش) - توفير اليد العاملة الرخيصة - ظروف عمل خارج الأطر القانونية لسوق الشغل المحلية، تكييف لأيام وساعات العمل وكذلك الأجور بحسب أهداف الشركات الرأسمالية الغربية (العمل ليلا ونهارا وأيام الأعياد والعطل مع معدل ساعات عمل يتجاوز المقنن بكثير) - تحرير الشركات الرأسمالية الغربية من القيود على أرباحها المنقولة إلى بلد المنشأ - رفع القيود على استيراد الشركات الرأسمالية الغربية للوازمها وحاجياتها مع إعفاءات ضريبية وجمركية - اتفاقيات ثنائية بين الشركات الرأسمالية الغربية وبلد الهامش المضيف خارج الأطر القانونية المحلية - إنشاء محاكم وقوانين خاصة لفض المنازعات تكون الأولوية للشركات الرأسمالية في اختيار مكان التقاضي سواء المنشأ أو دولة الهامش المضيفة - توجيه برامج ومناهج التعليم لخدمة أهداف الرأسمالية الغربية - تغيير النظم الاجتماعية لإدماج النساء في سوق الشغل الرأسمالية لتوفير العمالة الطيعة الرخيصة - توجيه وتخصيص الموارد الطبيعية والتجهيزات (الأراضي، السدود، الآبار، المياه، الطاقة، شق الطرقات، النقل وتجهيزاته) لخدمة الرأسمالية الغربية على حساب أهل البلد.

 

وهكذا وبدعم من الأنظمة المتواطئة والعميلة في الغالب لدول الهامش (اللصوص الصغار المحليين) ومن خلال قوانين منظمة التجارة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وشروط وبرامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وقوانين الملكية الفكرية (الاحتكار الرأسمالي)، والنفوذ الاستعماري للحكومات الغربية، تم تسليم زراعة العالم للشركات الرأسمالية الغربية التي شكلت فيما بينها تحالفات وشراكات انتهت إلى اندماجات خبيثة سامة واحتكارات قاتلة، أصبحت بموجبها مسيطرة ومهيمنة على زراعة العالم وغذاء شعوبه.

 

ولقد شكل عام 2017 تاريخا مفصليا للاندماجات الضخمة للشركات الرأسمالية الغربية وتأسيسا للاحتكارات الكبرى السامة وسيطرتها وهيمنتها على الإنتاج الزراعي العالمي (بذور، أسمدة، مبيدات، كيماويات، تعديل جيني، بذور وأجناس معدلة، آليات ومعدات ومحركات زراعية، مياه وسقي، طريقة الإنتاج، الطاقة، نقل، توزيع، أسعار). وكان من أخبث هذه الاندماجات الرأسمالية السامة ثلاثة اندماجات ضخمة منحت أصحابها الرأسماليين سيطرة وهيمنة على الإنتاج الزراعي العالمي، اندماج شركتي "باير ومونسانتو" وشكل هذا الاندماج أكبر احتكار رأسمالي سام إذ بات يتحكم فعليا في قرابة 60% من إمدادات البذور المملوكة عالميا، و70% من المواد الكيماوية والمبيدات ومعظم صفات البذور المعدلة وراثيا على مستوى العالم (تنبيه: من الأهداف الخبيثة الخفية للتعديل الوراثي هو الملكية للبذرة المعدلة والجنس الحيواني المعدل واحتكاره كملكية فكرية للشركة الرأسمالية)، فضلا على الكثير من البيانات حول ما يزرعه الزارعون والإنتاجية التي يحصلون عليها، الأمر الذي مكن الاحتكار العالمي الجديد "باير-مونسانتو" من التأثير في كيفية زراعة معظم الأغذية في العالم ومكنه من التحكم في الإنتاج وطريقته وأسعاره وأسواقه. ثم هناك شركتا داو ودي بونت الأمريكيتين اللتان شكلتا احتكارا آخر خبيثا ساما في مجال البذور المعدلة وراثيا والكيماويات وتقنية المياه. ثم صنعت الرأسمالية الصينية كذلك احتكارها الخبيث السام الخاص بها عبر استحواذ شركة "كيم تشاينا" الصينية للمبيدات والبذور على شركة "سنيجنتا" السويسرية وهذه الأخيرة من أكبر المجموعات الرأسمالية العالمية ولها أذرع في أكثر من 90 دولة عبر العالم، وهكذا تشكل احتكار زراعي رأسمالي خبيث سام جديد "كيم تشاينا-سنيجنتا". ثم توسعت هذه الاحتكارات عبر اندماجات جديدة وضم فروع رأسمالية جديدة للاحتكارات القائمة لتكتمل كل عناصر الاحتكار الرأسمالي للإنتاج الزراعي العالمي.

 

وهذه الاحتكارات الرأسمالية السامة الخبيثة كل همها هو نماء أرباحها عبر السيطرة والهيمنة على زراعة العالم عبر الهيمنة على المصادر والموارد الأولية لصناعتها وإنتاجها الزراعي وفتح العالم كله كسوق لمنتوجاتها. وهي غير معنية البتة بمدى أهمية وجدوى المشاريع التي تنفذها والسياسات التي تنهجها في دول الهامش الوظيفية والمضيفة لإنتاجها الزراعي الرأسمالي، ولا الآثار الكارثية المدمرة على القطاع الزراعي المحلي، ولا الانعكاسات الهدامة على مستوى المجتمعات في بلدان الهامش. بل عل العكس من ذلك فنفوذها السام وانعكاساته المدمرة هي أهم أدواتها للسيطرة والتحكم والاستغلال، فدول الهامش الفاشلة المفلسة ومجتمعاتها المنهكة هي فرصة وساحة الرأسمالية الغربية لفرض توحشها وتغولها.

 

وهكذا تم تحويل دول الهامش إلى دول مضيفة ووظيفية للإنتاج الزراعي للاحتكارات الرأسمالية الضخمة عبر استغلال واستنزاف أراضيها ومواردها الطبيعية ومياهها وتحويل مُزارعيها إلى مُزارعي سخرة ومستخدمين عند الاحتكارات الرأسمالية الغربية. الأمر الذي أفرز فقرا وإفقارا وجوعا ومجاعة غير مسبوقين، ولم يكن سبب هذا الفقر والمجاعة نقص الإنتاج الزراعي أو الجفاف المتهم ظلما للتعمية على الجريمة والجناية الرأسمالية، ولكن السبب الحقيقي هو الاحتكار الرأسمالي للإنتاج الزراعي ولعنة المنظومة الرأسمالية في عولمة هذا التوحش والتغول وفرضه كنظام وقانون دولي على العالم. ففي تقرير للأمم المتحدة لعام 2023 عانى نحو 2.3 مليار شخص، قرابة ثلث سكان العالم، من عدم توفر الغذاء، وأن هذا العدد عرف ارتفاعا حادا منذ سنة 2020، وأظهر التقرير أن حالة الجوع والمجاعة تتفاقم، وأظهر أن نسبة الجياع في أفريقيا واصلت ارتفاعها بمعدل 20.4%. وجراء هذا الدمار والخراب الذي أحدثته الرأسمالية الغربية واحتكاراتها الخبيثة السامة للإنتاج الزراعي فإن 80% من فقراء العالم يعيشون في الأرياف والبوادي العاملين في الزراعة في دول الهامش بحسب تقرير آخر للبنك الدولي. وهكذا صار رأسماليو الغرب واحتكاراتهم الخبيثة السامة مصاصي دماء وغذاء شعوب العالم والسبب الرئيسي في إفقار وتجويع البشر.

 

وكنموذج للانعكاسات المدمرة لسياسات الزراعة التصديرية الحالة المغربية، وقس عليها باقي دويلات الهامش القائمة في بلاد المسلمين في الشمال الأفريقي (الجزائر، تونس، مصر)، فقد نهج النظام بالمغرب منذ ستينات القرن الماضي سياسة تعميق التبعية الغذائية والالتصاق بذيل السوق الرأسمالية الغربية وبنوكها وشركاتها، وكان تلميذا عميلا نجيبا في الاستجابة لمشاريع وبرامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في بداية الستينات والمتمحورة حول ضرورة اعتماد المغرب على الزراعة التصديرية (التسويقية كما يحلو للنظام تسميتها) كركيزة للإنتاج الزراعي وكأساس للنموذج التنموي للبلاد، وكان تمويل هذه السياسات الخبيثة السامة عبر قروض واستدانة مفرطة من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الغربية، وتولى النظام تنفيذ المشاريع والبرامج الرأسمالية وأخذت أسماء وأشكالا عدة (المخططات الخماسية، إعادة هيكلة الاقتصاد، تقويم وتصحيح الاقتصاد، الانفتاح الاقتصادي، المخطط الأخضر، البرنامج التنموي الجديد، الجيل الأخضر) والغاية واحدة لا تتعدد وهي توظيف الدولة ومقدرات البلد لخدمة الرأسمالية الغربية. ثم كانت التحولات الكبرى التي عرفتها الرأسمالية الغربية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وظهور مفهوم الليبرالية الجديدة وعولمتها، ولمواكبة الصيرورة الرأسمالية الغربية في نسختها المعدلة تم رسم الخط الرأسمالي الجديد للنظام بالمغرب، ورسمت له الرأسمالية الغربية عبر البنك الدولي النهج الجديد لسياسة الاقتصاد وتحديدا القطاع الزراعي، ولقد تنامى وتعاظم دور البنك الدولي في سياسة البلد في العقود الثلاثة الأخيرة وباتت كل السياسات المتعلقة بالقطاع الزراعي من رؤيته وتصميمه، وكان من مخططاته مخطط المغرب الأخضر الذي تبناه النظام بالمغرب وأعلن القصر عن انطلاقه سنة 2008، وقد أشرف على تصميمه مكتب ماكنزي الأمريكي في خريف 2007 عبر إنجاز دراسة استراتيجية قدمت لوزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية مقابل 24 مليون دولار، وقد رسم المخطط الأخضر السياسة الزراعية للمغرب للفترة ما بين 2008 حتى 2018، وارتكز هذا المخطط على سياسة ليبرالية واضحة المعالم، هي التركيز على الفلاحة المتجهة نحو التصدير بغية تسريع إدماج الإنتاج الزراعي المحلي ومعه غذاء أهل البلد في السوق الرأسمالية الغربية، عبر توفير شروط الاستغلال الرأسمالي بضمانات من النظام المتواطئ وتحفيزات مالية وجمركية فائقة السخاء لفائدة كبريات الاحتكارات الرأسمالية الغربية، والغاية منه هو تكريس الزراعة التصديرية وتوسعتها ومضاعفة إنتاجها (خمسة أضعاف) كسياسة ثابتة قارة للقطاع الزراعي بالمغرب، وانخرط البنك الدولي في تسييرها وإدارتها وذلك ما أثبتته الوثيقة الصادرة عن البنك الدولي كتقرير (برنامج المغرب للزراعة الرقمية والذكية مناخيا 170419ب)، عبر سلسلة القروض المخصصة للمخطط الأخضر لزيادة حجم منتوجات الزراعة التصديرية (الحمضيات، الزيتون، الفواكه الحمراء...)، إنشاء وتحديث أسواق الجملة والمسالخ وسلاسل البيع الكبرى لرفع مبيعات الإنتاج الرأسمالي الزراعي، توسعة مشاريع الري وتقنية المياه للضيعات المرتبطة بشبكات التصدير.

 

ولضمان تزويد الأسواق الأوروبية والعالمية بالمنتجات الزراعية اعتُمِدت سياسة مائية ضارة وسامة موجهة بالأساس للضيعات المرتبطة بالزراعة التصديرية، وذلك بتوجيه السدود لري هذه الضيعات ومن خلال إعادة تجهيز عدة شبكات هيدروليكية لهذا الغرض، كما جرى دعم هذه المناطق بسدود جديدة منها على سبيل المثال لا الحصر سد "خروفة" لدعم سد وادي المخازن بسهل اللوكوس، وأيضا سد "قدوسة" بمنطقة بوذنيب بالجنوب الشرقي لتجهيز مساحة 5000 هكتار لزراعة نخيل التمر المعدل جينيا، أما في منطقة سوس ماسة فقد جرى الاعتماد على تحلية ماء البحر إجباريا بعد نفاد الثروات المائية بالمنطقة بعد استنزافها في إنتاج الفواكه الحمراء المعدة للتصدير (شديدة الاستهلاك للمياه في منطقة شبه صحراوية)، هذه التحلية لماء البحر التي رصدت لها ميزانية أولية بمبلغ 150 مليار درهم من المالية العمومية خدمة للإنتاج الزراعي المخصص للتصدير. وقد شجع مخطط المغرب الأخضر على حفر الآبار والثقوب المائية بتقديم تحفيزات مالية، ناهيك عن الفوضى التي يعرفها هذا القطاع حيث يوجد حوالي 91% من الآبار دون ترخيص، لخدمة الضيعات الكبرى المرتبطة بالإنتاج الرأسمالي الغربي، ورغم إحداث مقترح قانون لتجريم حفر وإحداث الثقوب المائية فكان المستهدف هم صغار المزارعين والزراعة المحلية.

 

واستفحلت الكارثة الزراعية للبلد واستشرى شر المخطط الأخضر عبر تحويل الأراضي المخصصة للحبوب (الغذاء الأساسي والرئيسي لأهل البلد إذ إن متوسط الاستهلاك السنوي من هذه المادة يقارب 200 كلغ للفرد في السنة، أي ما يمثل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، حيث يعتبر الخبز أهم مكون لغذاء أهل المغرب) إلى إنتاج حاجات السوق الرأسمالية من خضروات وفواكه وثمار ونباتات عطرية مستنزفة للتربة والمياه. وتم اقتطاع أراض جديدة وتخصيصها للتصدير الزراعي، وتم انتزاع أراضي الجموع من أصحابها وتحويلها لضيعات للزراعة التصديرية، وتم تشجيع الاستثمار الخاص عبر حوافز (مالية وإعفاءات وتخفيضات ضريبية) في الزراعة التصديرية، وتم رفع القيود القانونية والإدارية وفتح باب ملكية الأراضي الزراعية أمام الرأسماليين الغربيين (خدمة للاحتكار الرأسمالي الزراعي). وبالحديث عن الكارثة الزراعية فآخر فصولها زراعة فاكهة الأفوكادو المعدة للتصدير وهي من آخر بوائق ومصائب المخطط الأخضر، ففي دراسة نشرتها مجلة "هيدرولوجيا وعلوم نظام الأرض" العلمية خَلُصَت أن إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكادو يتطلب ما يناهز 2000 لتر من الماء. وقد استمر زحف زراعة هذه الكارثة وتضاعف إنتاجها من 45 ألف طن التي استنزفت أكثر من 40 مليار لتر من الماء سنة 2022 إلى 80 ألف طن لموسم 2023-2024 وبحر المياه التي استنزفتها (الأرقام المعتمدة هي لدراسة داخلية اعتمدت استهلاك كيلوغرام واحد من الأفوكادو قرابة 1000 لتر). ثم تتالت المصائب فبوائق هذا النظام البائس تأتي تباعا، موجة الغلاء الفاحش الذي تعرفه المنتجات الفلاحية، من خضر وفواكه ولحوم حمراء وبيضاء وبيض وسمك ومواد غذائية أساسية كالسكر والزيت والشاي والطحين والقطاني… وانقراض مجموعة من المنتجات المحلية كالسلالات الحيوانية للبلد من أبقار وأغنام وماعز، وانقراض أصناف الحبوب التي كانت متداولة بين الفلاحين الصغار، وزاد من حجم الخراب الذي تشهده زراعة البلد اعتماد هذه المخططات الخبيثة السامة على البذور الدخيلة المعدلة وراثيا المهجنة، وهذه الأصناف من البذور المعدلة المستوردة غير ملائمة لبيئة ومناخ البلد ما أدى إلى مضاعفة هشاشة المحاصيل وزاد من خطر انتشار الأمراض والحشرات الضارة مثل سوسة الأغصان التي هاجمت أشجار الزيتون مؤخرا. وتحول المخطط الأخضر إلى أسود كالح أهلك الزرع والضرع، وحوّل البادية لفضاء للبطالة والعطالة والفقر والهشاشة والجفاف والتصحر. كشف والي بنك المغرب في تقريره السنوي لسنة 2024 أن الفلاحة سجلت خسارة جديدة قدرها 202 ألف منصب شغل، وتراجع واقع الشغل بالمناطق القروية بواقع 198 ألف وبلغت عطالة الشباب بشكل عام أزيد من 20%، وكان هذا المخطط المشؤوم سببا مباشرا في تهجير 150 ألف شخص من الوسط القروي كل عام في تجاه المجهول، وعمق المخطط إفقار المزارعين الصغار وألجأهم إلى كراء أراضيهم أو بيعها لشبكات التصدير، كما دفع بالنظام البائس لتسول القمح والشعير والزيوت الرديئة من أسواق أوروبا وكندا وأمريكا، وتسول البقر والجاموس العفن من حظائر أمريكا اللاتينية، وتسول القروض من صندوق النقد الدولي لتغطية احتياجاته وعجزه المالي المتفاقم، بعد أن عرف الميزان التجاري عجزا رهيبا بسبب استيراد المواد الفلاحية والحيوانية، وتحولت زراعة المغرب إلى زراعة تصديرية وظيفية ومضيفة للإنتاج الزراعي الرأسمالي الغربي على حساب قوت وطعام أهل البلد وفقرهم وجوعهم.

 

وكأنك بهذا النظام البائس معمل لصناعة المآسي ما انتهى بعد من هلاك الزرع والضرع حتى انتقل لحوت وسمك أهل البلد وعظيم خيرات بحارهم فأنهكها وأهلكها هي الأخرى عبر برنامج لعين من تصميم الرأسمالية الغربية مخطط "أليوتيس" للصيد البحري الذي أعلن عنه القصر وتبناه وأنفذه النظام سنة 2009، وكانت غايته الخبيثة السامة كذلك هي تحويل إنتاج الصيد البحري من غذاء لأهل البلد واستهلاك داخلي إلى منتوج للتصدير وربطه بالسوق الرأسمالية مع تمكين الاحتكارات الرأسمالية الغربية عبر أساطيلها البحرية الضخمة وشركات تصنيعها لمنتجات البحر من استغلال واستنزاف بحار المغرب ونهب ثروته البحرية، فقد قفز حجم الصادرات السمكية من 36,5% من كمية الأسماك المُصطادة سنة 2005 إلى ما يناهز 61% سنة 2020، وبذلك تضاعف حجم الأسماك الموجهة للتصدير خلال 15 سنة الأخيرة ليقفز من 440 ألف طن إلى 883 ألف طن لسنة 2023 بحسب أرقام وزارة الفلاحة والصيد البحري. والمفجع خلال هذه المدة هو ارتفاع الصادرات بوتيرة مفزعة للغاية تنبئ عن عظم الكارثة، فقد كانت كميات السمك المصدر تتزايد بمعدل نمو سنوي هائل بلغ 6,6% وكان يفوق بكثير مستوى تزايد المحصول السمكي الإجمالي المُصطاد الذي لا يتجاوز 2.7% سنويا.

 

ونظام التصدير المكثف للإنتاج البحري، هو جزء من نظام الاحتكار الرأسمالي للصيد البحري بواسطة الأساطيل البحرية الرأسمالية الضخمة وشركاتها (الأوروبية، الروسية، واليابانية)، ولقد مكن النظام المتواطئ الصناعة البحرية الرأسمالية التصديرية من الولوج المباشر إلى المصايد الرئيسية للأسماك بالبلد عن طريق حصولها على رخص الصيد، كما استولت أيضاً على حصص صيد أكبر بأغنى منطقة صيد بالمغرب (المنطقة الجنوبية المُسماة "المنطقة س")، هذه الرخص الاستثنائية مكنت رأسماليي الصناعات التصديرية للسمك من وضع اليد على الثروة البحرية للبلد عن طريق استبعاد بواخر الصيد الساحلي للصيادين المحليين من ولوج أغنى منطقة للصيد ببلدهم، بل خدمة للإنتاج البحري الرأسمالي واحتكاراته جرى إجبار أسطول الصيد الساحلي (الإنتاج المحلي من صِنف السردين) على تخصيص نصف محاصيله لمصانع الشركات الرأسمالية لتحويل السمك وتصديره، وهذا النزيف البحري ما كان ليكون إلا على حساب قوت أهل البلد من إنتاج بحارهم، فالمغرب يعد في قائمة البلدان الأقل عرضا للأسماك المُوجَّهة للاستهلاك المحلي فقط بمعدل 12,4 كيلوغراماً للفرد في السنة (من أرذل المنتوج ومن أبخس الأنواع)، في حين يبلغ هذا العرض بالنسبة للبلدان الغربية 26,8 كيلوغراماً للفرد في السنة (من أجود الأنواع)، والمفارقة المؤلمة هي في عظيم مساحة الشاطئ البحري بالمغرب والذي يغطي ضفتي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وثروته البحرية العظيمة (طول الساحل البحري المغربي أكثر من 3500 كلم، وبه ما يزيد عن 500 صنف من الحوت والسمك يجعل المغرب يحتل المرتبة الأولى أفريقيا و13 عالميا، والمفارقة الصادمة أن المعروض منها لأهل البلد في السوق المحلية تحسب أصنافه بعدد أصابع اليد ومن أرذل الأنواع)، فكل هذا الغنى من ثروة البحر يقابله مستوى استهلاك للسمك في البلدان الرأسمالية الغربية المحتكرة والمستغلة لصيدنا البحري أعلى من مستوى استهلاكنا المحلي بأكثر من الضعف، عطفا عن إفقار صيادي وأصحاب المراكب الصغرى من أهل البلد المحرومين من الصيد في أعالي بحارهم الغنية بالأسماك ثم القيود على صيدهم الساحلي عبر إجراءات الرخص وتحديد المناطق الجغرافية للصيد والمنع القسري من الصيد تحت ذريعة وخديعة "فترة الراحة البيولوجية للأسماك" والتي تدوم أشهرا، وكمثال فاضح اقتصر الترخيص بالصيد بمنطقة الصيد الجنوبية الغنية لبواخر الصيد الساحلي المحلي على 70 باخرة في السنة، وذلك بالتناوب بين مجموع الأسطول المحلي المتخصص في صيد الأسماك السطحية الصغيرة البالغ حالياً أكثر من 490 باخرة (معظمها بواخر صغيرة تعتمد الصيد التقليدي)، وهكذا استحوذ الأسطول الرأسمالي الغربي المجهز بكل تقنيات الصيد المستنزفة لثروات البحر باستغلال المنطقة الجنوبية الغنية، وهكذا تمكنت الاحتكارات الرأسمالية للصناعات التصديرية للسمك من وضع اليد على الثروات البحرية للبلد، المصيبة أنها لا تقتصر على النهب الرأسمالي لثروات بحارنا وانتزاع إنتاج صيدنا البحري من نطاق الاستهلاك المحلي وغذاء أهل البلد، وإنَّما تعداها إلى الإضرار البليغ بطبيعة البحر وبيئته والإخلال بأنظمته التي يتوالد ويتكاثر السمك في ظلها وحصيلتها الكارثية استنزاف حاد لثروة بحارنا التي تنذر بتصحر بحري (بحار بلا سمك).

 

ثم استمر النظام البائس على نهجه السياسي المشؤوم في تكرار واجترار السياسات الخبيثة السامة للرأسمالية الغربية، فقد أصدر البنك الدولي مذكرة اقتصادية للمغرب سنة 2017 تحت عنوان "المغرب في أفق 2040 - الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي"، وقد رسمت المذكرة الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية للبلاد وكعادة النظام في استجابته التامة للرأسمالية الغربية فقد تم الإعلان بعدها عن النموذج التنموي الجديد وتم إحداث اللجنة الخاصة به سنة 2019 والتي عينها القصر لترجمة مشاريع البنك الدولي إلى سياسيات تنفذها الحكومة، وأعلن كذلك القصر سنة 2020 عن "استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030" وهي نسخة البنك الدولي المعدلة المحينة للمخطط الأخضر الذي استنفد أغراضه، ويسعى المخطط الجديد "الجيل الأخضر" إلى تعميق الالتحام والالتصاق التام للقطاع الزراعي للبلد بالإنتاج الزراعي الرأسمالي واحتكاراته، فالجيل الأخضر هو تكريس وتعميق للزراعة التصديرية عبر دعمها بالتكنولوجيا الرقمية لمضاعفة الإنتاج الموجه للتصدير، ما اصطلح عليه البنك الدولي بالتحول الرقمي للزراعة عبر تصوير الضيعات عبر الأقمار الاصطناعية ومتابعة الدورة الإنتاجية مباشرة من طرف الاحتكارات الرأسمالية، واعتماد تقنيات الإنترنت والهواتف المحمولة وشبكات إنترنت الأشياء (الآليات والأدوات التي يمكن تفعيلها والتحكم بها عبر الإنترنت دون التدخل المباشر للبشر)، واعتماد منصات التجارة الإلكترونية للأغذية عبر قواعد البيانات، ونظام رقمي لمراقبة المحاصيل، ونظام معلومات لأسعار المنتوجات الزراعية، والسجل الزراعي المحلي، واعتماد القطاع المصرفي الديناميكي الذي يقدم الحلول الرقمية للمعاملات المالية. وبناء عليه تم وضع خطة المغرب الرقمي 2020 والتي تهدف إلى رقمنة 50% من الإجراءات الإدارية وربط 20% من الشركات رقميا (الشركات المرتبطة بالسوق الرأسمالية وشبكات التصدير). ما يعني انكشافاً تاماً للقطاع الزراعي المحلي أمام الوحش الرأسمالي، فباعتماد الحلول الرقمية التي تقدمها الاحتكارات الرأسمالية كأساليب ووسائل جديدة لإدارة القطاع الزراعي تكون الرأسمالية الغربية قد أحكمت قبضتها على زراعة البلد وغذاء أهله، فالرقمنة هي الأسلوب الاستعماري المبتكر لتعزيز سيطرة وهيمنة الاحتكارات الرأسمالية الغربية على زراعة العالم، فبعد الاحتكار المالي والصناعي والزراعي نشهد الاحتكار الرقمي عبر العولمة الرقمية.

 

وحصاد الكارثة ينبئ عن حجم الخراب، فعلى مدى السنوات العشر الماضية استمر مؤشر النمو في الهبوط ومعدلات البطالة في الارتفاع وبلغت المديونية أرقاما فلكية وتفاقمت أزمة الاقتصاد واحتد تدهور معيشة الناس وأصبح الغلاء الفاحش كابوس وفزع الناس. فتحول المغرب إلى بلد مفلس ومن أكبر الدول العربية والأفريقية مديونية، فقد تجاوزت مديونيته سقف 100 مليار دولار وبمعدل زيادة سنوية 10%، فقد نقل تقرير بلومبريغ أن دين الخزينة المغربي وصل إلى 1005 مليار درهم في نيسان/أبريل 2023 مقابل 905.5 مليار درهم للفترة نفسها من العام الماضي أي بزيادة قدرها 100 مليار درهم خلال 12 شهرا، وهي زيادة رهيبة مفزعة، ولقد سجلت السنوات العشر الأخيرة غرق النظام في مستنقع الديون وسقوطه في هاوية الإفلاس، وكان من تبعات هذه المديونية الفلكية إملاءات المؤسسات المالية الغربية والخنوع التام للرأسمالية الغربية، عبر نهج سياسة ما سمي بالتقشف (تمكين الرأسمالية الغربية من الثروة على حساب فقر وإفقار الناس)، وكان من إجراءات هذه السياسة الخبيثة السامة تخفيض وتقليص نفقات التدبير والتسيير لأساسيات المجتمع، تسريح موظفي وعمال وأجراء القطاع العام وتخفيض الأجور ورفع سن التقاعد مع رفع حجم الاقتطاعات الضريبية من الأجور، رفع الدعم عن المواد الأساسية لمعيشة الناس (القمح، السكر، الزيت، المحروقات...)، تحرير الأسعار وتركها فريسة للسوق الرأسمالية وأرباح وحشها وغلائها الأسود الفاحش، تحرير التجارة خدمة للرأسمالية الغربية وضرب التجارة المحلية، خصخصة القطاعات العمومية والمرافق العامة (التعليم، الصحة، النقل...) وتحميل الناس الأعباء والتكاليف الباهظة للتعليم والتداوي والنقل، كما أصبحت خدمة الدين (الربا المترتب عليه) تستنزف سنويا أكثر من ميزانيتي التعليم والصحة مجتمعتين، وبات الجزء الأكبر من مداخيل الدولة يعتمد على الضرائب والاقتراض، فبحسب مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 والتي قدرت بمبلغ 311 مليار درهم منها 245 مليار درهم مصدرها الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ونتيجة هذه الأوضاع المأساوية استفحل الفقر واستشرى وزاد من خزي سياسة النظام أن جمع على الناس الفقر والضريبة ما أسفر عن غلاء فاحش منهك وغول جباية مفترس وهاوية إفلاس سحيقة لنظام فاشل مفلس!

 

هذا نموذج ومثال فاضح للدمار والخراب الذي أنتجته الجاهلية الرأسمالية واحتكاراتها الخبيثة السامة بتواطؤ تام مع الأنظمة العميلة لدول الهامش في بلاد المسلمين، فهذا الفقر الأسود والأزمات الطاحنة والإفلاس والخراب هو الحصاد الخبيث السام لرأسمالية الغرب القاتلة، فهذه الجاهلية الرأسمالية التي ملأت الأرض بالخبائث والأرزاء والعذابات والمآسي الإنسانية لن تنتهي من أمر البشر حتى يكون حرضا أو يكون من الهالكين.

 

وقد آن وحان الخروج من هذا التيه، والانفكاك عن ضلالات الغرب وظلمات كفره وجاهلية رأسماليته، آن وحان لكم معشر المسلمين إنقاذ أنفسكم والبشرية من هذا السحق الحضاري والتيه المضل والركام الثقيل، فأنتم أصحاب الرسالة والشهادة، وحقيقة الله في خلقه وخاتمة وحيه، فأنتم النور في آخر النفق المظلم وأنتم ذلك المغتسل البارد والشراب بعد تيه المسير في بيداء الغرب.

 

فما لهذا العالم المنكوب الشقي البائس إلا أنتم لإخراجه من حيرته وضلاله وشقائه، ولن يكون إلا باسترجاع سلطانكم المغصوب من الغرب وأذنابه أولا وتحطيم أصنامه وأوثانه ونسف باطل فلسفته ومنظومته وأنظمته، وتحكيم شرع ربكم بإقامة أمر إسلامكم ببيعة رجل منكم يُحَكِّمُ فيكم كتاب الله سبحانه وسنة نبيكم ﷺ، فيعيد فيكم سيرة الصحب الكرام الراشدين؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، تقام بها أحكام القرآن بعد هجر وتحيى بها سنة المصطفى الهادي ﷺ بعد موات، وتستأنفوا بها حياتكم الإسلامية بعد انقطاع طال أمده، وتحملوا دعوة الإسلام العظيم هداية للعالمين، فتصلوا الأرض بالسماء ليرضى عنكم رب الأرض والسماء.

 

فلنور الله ندعوكم فاستجيبوا وأجيبوا ففيه خلاصكم ونجاتكم.

 

﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

المسرحية الإيرانية مع كيان يهود قاربت على الانتهاء

 

 

لم يعد سرا أن إيران كانت على علم بالضربة قبل تنفيذها والأماكن التي سيضربها الكيان بطائراته، وقد تكفلت الوثائق المسربة بذلك وما ادعته أمريكا بأن تسريب الوثائق كان تحت مصطلح (التسريب)، ادعاء كاذب، بل هو إعلام لإيران ببنك الأهداف الذي قبله كيان يهود بعد مفاوضات وجولات مكوكية لإقناعه بعدم ضرب الأماكن النووية والنفطية في إيران، والاكتفاء بضربة تحفظ لقادته ماء وجههم أمام شعبهم وفي مقابل ذلك لا يذهب شوطا بعيدا في تمريغ وجه إيران بالتراب ويحرجها أمام شعبها، حتى لا تختلط الأوراق وتشتعل المنطقة، والظاهر أن كيان يهود وافق على مطالب أمريكا بضربة متفق عليها والأماكن التي ستطالها طائراتهم، وبحسب موقع أكسيوس الأمريكي وموقع واللا العبري، فإن الكيان أبلغ إيران عن طريق وسيط ثالث عن الأماكن التي ستطالها الطائرات والمواقع والقواعد العسكرية التي سيجري ضربها، وهذا ما كان، فقد خرجت علينا التصريحات الإيرانية بردود باهتة وكلام تافه، بأن ضربات يهود لم تطل أماكن الحرس الثوري وبأن أصوات الانفجارات التي سمعت فوق سماء طهران هي في الواقع أصوات المضادات الأرضية الإيرانية ولا تزال الأضرار التي أوقعها الكيان بضربته لم تُعلم على وجه التحديد.

 

يدرك المتابع السياسي جيدا أن إيران ليست دولة مستقلة على الحقيقة وأنها تدور في فلك أمريكا، بل إن ثورتهم المزعومة في أواخر سبعينات القرن المنصرم لم تكن أمريكا بعيدة عنها، بل إن علاقة الخميني بأمريكا كانت منذ زمن كندي أوائل الستينات، ولم يكن رفسنجاني الرئيس الإيراني الأسبق يكشف سرا عندما قال لولا إيران لما استطاعت أمريكا بسط يدها على أفغانستان والعراق، ولا بأس بإضافة سوريا للقائمة، وبالتالي فإن استخدام أمريكا لإيران لم يعد خافيا.

 

إن المسرحية التي تخوضها إيران وكيان يهود، لتضحك بها على البسطاء من الناس لم تعد خافية، ومع أننا ندرك جيدا بأن الكيان اللقيط ما كان له أن يعربد في سماء بلاد المسلمين لو علم أن في الحكام رجلا يحرص على سماء بلده، لكنه ما خرج وعربد إلا بعد أخذ الأمان، وأن استباحته للأرض والسماء في إيران أو لبنان أو فلسطين أو العراق، ما كانت لتكون لو علم أن دولة أو دولا سترد.

 

يفرح النظام في إيران فرح البلهاء ويحتفي إعلامه لأن الضربة "لم تقتل إلا اثنين من الجنود ولم تسفر إلا عن أضرار مادية محدودة"، ولا غرابة ونحن نعيش في أشباه الدول التي يحكمها أشباه حكام، فالنظام في إيران لم تثر عنده كرامة وأنفة المسلم، ولو ثارت لانتقم على الأقل لمن يمثلهم من طائفته في جنوب لبنان، ولو عامل يهود بمثل ما عامل به المسلمين في الشام والعراق، فهدم بيوتهم وقتل أطفالهم ونساءهم بل وأطلق عليهم أحزابه ومليشياته، لو أنه فعل ذلك لربما ما طلع على الكيان نهار ولكنها العمالة قاتل الله أصحابها.

 

إن أيا من الأنظمة القائمة حاليا في بلاد المسلمين لا تفكر بقتال يهود قتالا حقيقيا حتى لو اختلف معه في جزئية أو جزئيات وهذا ما يفسر لماذا تطلق إيران عشرات الصواريخ البالستية وغير البالستية ثم لا تصيب أحدا بضرر وإن أصابت فالإصابات محدودة، وكيف أن الصواريخ التي يضربها الكيان تصيب وتقتل وتشرد، ذلك أنه لا خطوط حمراء عنده في قتاله، بينما الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين تضرب (بحكمة) وتخشى من ردود الفعل عالميا، وستبقى هذه الحالة بعلاقة الحكام مع يهود حتى يأتي من يضربهم ويقاتلهم قتال من لا ينظر للنظام الدولي رضي أم غضب ويصدق فيهم حديث النبي ﷺ «حَتَّى يَقُولَ الشَّجَرُ وَالْحَجَرُ...» وحينها سينتصر عليهم المسلمون نصرا عزيزا مؤزرا وسيخرجونهم أو يقتلونهم، نسأل الله أن نكون ممن يشرفه الله بقتالهم وقتلهم، آمين آمين.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خالد الأشقر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

عام ويزيد مضى على عملية طوفان الأقصى

ولا جديدبل ازداد الوعيد والتهديد من هؤلاء العبيد

 

 

دخول السنة الثانية للعدوان على غزة العزة ولا يزال الوضع قائما بل يزداد مكرا وشراسة.

 

لن نسرد الأحداث ولن نبين صدق وكذب القنوات الإعلامية وما تبثه على مدار الساعة من سموم، فالجميع بات يدرك كذب تلك القنوات وتلاعبها بالألفاظ وتأثير ذلك على نفسية من يتابعها، وإنما سيكون كلامنا موجها إلى الأمة الإسلامية وجيوشها عسى الله أن يعجل بالنصر والفرج وعودة الأمة كما يريدها الله سبحانه وكما كانت من قبل قوية عزيزة مرهوبة الجانب تحسب دولُ الكفر قاطبة حسابَها.

 

بداية، لا تحصروا تفكيركم فيما تنقله قنوات الإعلام العميلة من تشويهات إعلامية لأسباب وتوجهات مغرضة خدمة للغرب الكافر، وإن كنتم ولا بد فاستمعوا إلى قنوات عدوكم وماذا يقولون لشعوبهم، فهذا إسحاق بريك وقد كان لواءً سابقا في جيشه يقول وهو يصف حكومة كيان يهود: "إن حكومة (إسرائيل) الفاشلة وهؤلاء الجهلة الذين يتبعونها، كأنهم قطيع من الحمقى، سيواصلون قيادة دولتنا نحو خطر يهدد وجودها". ولم يقف عند هذا بل بيّن أن ما يتم في غزة ولبنان هي "حرب استنزاف أدت إلى أن تستعر الكراهية العمياء بين القطاعات المختلفة، وانعدام الثقة التام بينها". وأن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى انهيار الدولة.

 

وإن تمادي حكام المسلمين الطواغيت في الباطل لصالح دول الكفر كلٌّ حسب عمالته، لا يجعلهم متساوين مع الأعداء بل هم أشد منهم مكرا وخبثا؛ باعوا البلاد وما فيها وأذاقوا أهلها ألوان الإهانة من جوع وسجن وسفكٍ للدماء الزكية، بل إنهم وصلوا إلى حد الصراحة والجرأة على إظهار الود ولين الجانب للكافر المستعمر وما يحمله من عقائد، بل وفتحوا بلادهم لاستضافة العدو بأفكاره العقدية وجمعياته وسمومها المدمرة للبيوت والنشء وعقولهم، وكذلك حولوا البلاد إلى مقرات يجتمعون فيها مع الأعداء يكيدون بمشاريعهم التصفوية للأمة الإسلامية.

 

فيا أبناء خير أمة أخرجت للناس: نحن أمة كانت تخرج لملاقاة العدو وتدخل عليهم في حصونهم ولا تنتظر ليدخل العدو عليها لتقاتله، ولقد كان كل من آمن ودخل الإسلام قلبه يَعتبر نفسه جندياً في حالة تأهب، مستعدا لتلبية النداء فوراً؛ ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ: «مِنْ خَيْرِ مَعاشِ النَّاسِ لهمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنانَ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللهِ، يَطِيرُ علَى مَتْنِهِ، كُلَّما سَمِعَ هَيْعَةً، أوْ فَزْعَةً طارَ عليه، يَبْتَغِي القَتْلَ والْمَوْتَ مَظانَّهُ، أوْ رَجُلٌ في غُنَيْمَةٍ في رَأْسِ شَعَفَةٍ مِن هذِه الشَّعَفِ، أوْ بَطْنِ وادٍ مِن هذِه الأوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلاةَ، ويُؤْتي الزَّكاةَ، ويَعْبُدُ رَبَّهُ حتَّى يَأْتِيَهُ اليَقِينُ، ليسَ مِنَ النَّاسِ إلَّا في خَيْرٍ». وهذا يعني أن من لم يكن متأهباً فهو قاعد، قال تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾.

 

فكونوا على ثقة دائمة بالله سبحانه بأنه ناصر عباده المؤمنين وأن جندنا هم الغالبون، ولنا في معركة الخندق عبرة، يقول الله تعالى: ﴿إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ وبعدها تغيرت المعادلة وحصل النصر؛ صدقوا اللهَ، فصدَقَهم الله. فالمؤمن كيفما تحرك يضع نصب عينيه أنه في معية الله حتى ولو كان في أحلك الظروف، وما دام الله قد وعدنا بالنصر فحقا وحقيقة سننتصر بصفتنا أمة إسلامية على أمم الكفر ولو اجتمعت علينا، فوعد الله لا بد حاصل وما علينا إلا ترتيب أمورنا كأمة واحدة متوحدة مجاهدة تسعى للمتاجرة مع الله لننجو بأنفسنا من العذاب الأليم، عن أبي بن كعب عن النبي ﷺ قال: «بشِّرْ هذِهِ الأمَّةَ بالسَّناءِ والرِّفعةِ، والدِّينِ والتَّمكينِ في الأرضِ، فمَن عمِلَ منهم عملَ الآخرةِ للدُّنيا، لم يَكُن لَهُ في الآخرةِ من نصيبٍ».

 

ولن نتوحد باعتبارنا أمة ما دُمنا شعوبا في دول مزق، فما الوحدة إلا في ظل دولة واحدة تجمع الأمة الإسلامية تحت نظام كامل عادل، نظام جمع شمل الأمة لأكثر من ثلاثة عشر قرنا فكانت محط أنظار العالم بما فيها من عدل، لذلك، هلم يا أمة الإسلام وانصري حزب التحرير، فمشروعه إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، هو الوحيد القادر على تخليصك وتخليص العالم من شر شياطين الإنس ومشاريعهم ومخططاتهم، وليكن طوفان الأقصى بوابة لطوفان الأمة المؤدي إلى نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الذي يُنهي جميع آلام الأمة الإسلامية في كل بلاد الإسلام فهذا وعد الله، ووعد الله حق.

 

ويا جيوش المسلمين الجرارة الموحدين لله، المكبلين في ثكناتكم بيد حكامكم، ماذا تنتظرون؟! ولماذا وجودكم يا أصحاب الرتب والنياشين؟! هل لحماية حكامكم أم لتحرير البلاد والعباد من ظلمهم وظلم من نصبوهم على رقاب المسلمين؟! هيا أسرعوا واجعلوا مركز تنبهكم ومحرككم أنكم عباد الله الواحد الأحد الذي فرض عليكم الجهاد ووعدكم بالنصر في الدنيا، وفي الآخرة الدرجات العليا في جنات عرضها السماوات والأرض، فاستعينوا بالله وسارعوا إلى فك القيود وكسر الأغلال، وسيروا على بركة الله مُخْلِصين النية لله مُخَلِّصين الأمة من الظلم الذي وقع عليها لقرن من الزمان ويزيد، وسلموا الراية لمن هم أهلها لتقيم شرع الله العادل في خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة، وعد الله سبحانه وبشرى نبيه ﷺ، ويا سعد من خَلَف سعد بن معاذ لينال مثل ما ناله سعد.

 

اللهم نصرك الذي وعدت ولا ناصر غيرك، اللهم قريبا عاجلا غير آجل.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

راضية عبد الله

 
رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

طوبى لمن اتخذ منه الرحمن شهيدا!

ويا ويل من كانت إبادة غزة وأهوال جباليا غدا له خصما خصيما!

 

 

حُقَّ لطوفان الأقصى أن تسمع به الدنيا وأن يكون مجاهدوه وأهلهم في غزة العزة سادة الدنيا وأئمتها إيمانا وعطاء وتضحية، وأن يعي حقيقته كلُّ ذي لب راشد، فهو الارتقاء إلى أيام الإسلام الخالدات والرقي حتى اعتلاء مراتب معارك الإسلام الشامخات. فهو الرجة الكبرى للبعث والحياة، هو الإسلام العظيم يصنع خارقته في زمن تُعْصَر فيه الأمة ولا تغاث، وقد تكالبت عليها كل قوى الكفر والشر من أوغاد الصليبيين وأوباش المغضوب عليهم وخونة الدار اللئام، عطفا على عباد البقر من الهندوس وعباد الحجر من البوذيين وملاعين مشركي الصين. فكان طوفان الأقصى قيض الله سبحانه وبلاغه المبين لعباده المؤمنين عبر ثلة من المؤمنين الصادقين الصابرين على قلة عددهم وضعف عدتهم، زلزلوا أركان الكفر ومقدمة قواعده كيان المغضوب عليهم، فأقاموا للإسلام ملحمته في زمن عزت فيه الملاحم، وأبرموا أمرا جللا صعق الكيان القاعدة وما جاوز عمر صاعقتهم سويعات ثلاث من بعض يوم فيها قضي الأمر الجلل وزلزل الغرب وكيانه.

 

هي بحق ثلة مؤمنة صادقة صابرة محتسبة شاركت السابقين إيمانهم ونافست الصابرين صبرهم وتسامت مع الفاتحين في جهادهم وأرت للكفرة الملاعين شدة بأس المؤمنين وصلابة إيمانهم وجبروت صبرهم وكيف تكون النكاية بأعداء الدين. كان جهادهم آية وتضحياتهم آية وصبرهم آية، وهم في أمة الإسلام آية، حُقَّ لهم أن يتخذ منهم الجليل سبحانه شهداء فجهادهم حياة أمة وابتلاؤهم اصطفاء وموتهم شهادة، فطوبى لمن اتخذ منه الرحمن شهيدا، طوبى لشهداء غزة الأبرار، لمن باعوا دنياهم بعز الإسلام وأمته ورضا الملك الديان، فهم الأجود أرواحا والأكرم قلوبا والأزكى نفوسا، هم من يروون أرض الإسلام بدمائهم زمن القحط، جهادهم غيث أصاب أرض الإسلام فأحيا مواتها وأنبت خيرها وأينع ثمرها، أحيَوْا قلوب من خلفهم بعظيم صنيعهم، هم الفعل الفاعل في حركة الإسلام وحياة أمته ودورة تاريخه، ترجل فارسهم بعد أن ختم ملحمته بملحمة فصال وجال فأهريق دمه الطاهر مقبلا على الله غير مولٍّ دبره، وهو لعمرك جهاد القادة وعظيم الجهاد، فمن حديث عمرو بن عنبسة أن النبي ﷺ سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: «مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ» رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.

 

قدست غزة ومجاهدوها وأهلها الصابرون المحتسبون وسيأتي يوم إذا ذكر فيه طوفان الأقصى وحرب غزة وجهاد وصبر وعظيم تضحيات أهلها، قال الناس: أولئك أقوام صنعوا زمن الانكسار علياء الإسلام حتى تسامى صنيعهم بحطين فكانوا لسان صدق في الآخرين، طبتم أحياء وشهداء وحق أن تكتب أسماؤكم بماء الذهب في ديوان الفاتحين بجوار فرسان الإسلام الميامين، فرحمة الله عليكم كفاء ما أحسنتم للإسلام وأمته.

 

أمة الإسلام هي غزة العزة وقد أوفت بيعتها المعقودة مع الله وأمضت وأنجزت شرط صفقتها فوهبت أرواحها وأكبادها وأموالها في سبيل عزة الإسلام وإعلاء كلمته وما أبقت لكم من عذر، ووالله ما كانت تلكم البيعة إلا في أعناقكم والصفقة مع الله قيدكم وعقدكم وعهدكم المفروض، ووالله ما لكم من الوفاء بها من مفر أو مهرب، كيف بكم وحرب غزة حرب صليبية مكتملة الأركان وقد جاءكم الغرب الصليبي بكل قضه وقضيضه وأوباشه وحثالة عملائه، ومصيبتكم كأمة أن ثلة مؤمنة، تخوضها بلا ركن وفي العراء الشديد، مجردة من دولتها العقائدية وركنها الاستراتيجي وجيوشها وأسلحتها وحضن أمتها، تكالب عليها كل لئام البشر؛ دول الصليب وكيان المغضوب عليهم وأنظمة الخيانة والعار الجاثمة على طاقات الأمة والمكبلة لقواها والناقضة لقضاياها.

 

أما آن لكم معشر المسلمين خوض طوفانكم وإنجاز ملحمتكم الكبرى التي تطوي فحمة ليلكم الكافر وتمحو كل هذه المآسي والعذابات؟! أما وأن دهركم قد سادت فيه أجهل الجاهليات وعمته أظلم الظلمات ووسد الأمر لألعن حكام الأرض وباض فيه الشيطان وفرخ، فتلكم بديهية زمانكم، فلا تتحيروا وتسألوا عن خلاصكم، فعار على المسلم أن يسأل عن الخلاص والخلاص إسلامه!

 

بل اصدقوا الله في إيمانكم وشمروا عن جد إرادتكم وحديد عزمكم، واعلموا بأن مبتدأ الأمر هدم هذا الكفر الأسود باطل فلسفته ومنظومته وأنظمته وحكامه الخونة العملاء، فكل تأجيل للهدم هو من عمر مأساتكم ومعصية من بيده نواصيكم، ومنتهى الأمر وغاية البناء تحكيم شرع ربكم؛ خلافة راشدة على منهاج نبيكم ﷺ حتى لا تضلوا بعدها ولا تشقوا، وفي ذلكم إفناء لكل مآسيكم ومرضاة خالقكم وبارئكم وربكم ومولاكم.

 

قضيتكم المصيرية معشر المسلمين وأنتم تحيون مأساتكم الكبرى ومصيبتكم العظمى وإبادة غزة وأهوال جباليا شاهدكم المزلزل، هي في عرائكم الاستراتيجي القاتل أمام أعدائكم، تحاربون دولا بلا دولة، تحاربكم دول الكفر كل دول الكفر ألد أعدائكم وأنتم في العراء التام بلا دولة ولا قائد ولا قيادة ولا جيش، تجاهدون أشتاتا ممزقين وطرائق قددا بلا خليفة وإمام وأمير جهاد ودولة تحرك الجيوش كل الجيوش لحسم الحرب مع الغرب الكافر وكلابه، تحاربون جيوشا مدججة بأسلحة دمارها وصناعتها الحربية وتخطيطها العسكري وحقدها الصليبي عطفا على إخوان القردة والخنازير ولئام الحكام الخونة العملاء المندسين في أخطر مناصبكم، وأنتم بلا دولة وبلا سياسة وبلا جيش وبلا سلاح وبلا صناعة حربية وبلا تخطيط عسكري، وأشد من ذلك وأعظم غياب عظيم إسلامكم عن حياتكم وسياسة أمركم، فأنتم اختصارا بلا إسلامكم ودولة إسلامكم مجرد أيتام تتناهشكم وحوش الكفر متى شاءت وكيفما شاءت، فأنتم تسعون لخوض معارك وحروب الدول بلا دولة وهي لعمري عظيم مصيبتكم!

 

تسعَوْن لاجتثاث ظلم حكامكم وفقركم وجهلكم وفساد أحوالكم وضنك معيشتكم وخراب دياركم والتحرر من أعدائكم بلا تطبيق عملي لأنظمة الإسلام في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والقضاء والعلاقات الدولية والحرب والعسكرية... أي تسعون لحل أمّ مصائبكم معضلتكم الكبرى بأدوات تافهة وجهود مبعثرة وفهم سقيم عقيم للإسلام العظيم، يظنها البعض في تزكية الواحد منا علما أنها مصيبة أمة تذبح من مشارق الأرض إلى مغاربها، وصاحبنا ما زال لم يخرج من قوقعة الفردية والأنانية العلمانية التي هي سبب خراب ديارنا وفساد حالنا وخسران دنيانا وآخرتنا، وشعاره الأعوج أصلح الفرد يصلح المجتمع، وإن تحرك ففي مظاهرة ليطفئ نار مشاعره وينفس عن غضب، وقس على ذلك من شغله إعادة تخريج الأحاديث وشرح الشروح بحجة علم شرعي تمت علمنته حتى تم فصله عن قضايا الأمة الحارقة والمعضلات الحقيقية للمجتمع، فتمت إماتة الإسلام باسم علم شرعي زائف لا يميت منكرا ولا يحيي معروفا ولا يفني باطلا ولا يقيم حقا، بل يعتلي صاحب العلم الشرعي الزائف منبر الناس ليحث الناس على السمع والطاعة للخائن العميل، ويحرف ويزور ويأفك في ادعائه أن الخائن العميل ولي أمر!

 

أمة الإسلام: حتما وواجبا عليك أن تعي أن خراب ديارك ونهك وضنك حياتك واستباحة دمائك وأعراضك وأموالك وشنيع استحلال كل حرمات ربك، ما كان ليكون إلا بضياع كل إسلامك وضياع كل حياتك الإسلامية وضياع الحكم بشرع ربك وضياع خلافة إسلامك والإمام الجنة الذي يتقى به ويجاهد من ورائه.

 

وهذا الضياع سببه الغياب التام لحكم الإسلام، وما كان ذلك الحكم إلا خليفة ودولة، إمام يتقى به ويجاهد من ورائه، به تتم الحياة الإسلامية ويجتث الكفر من أصوله، به تتم الطاعة وتتحقق العبادة وتكون التقوى، به تؤخذ الحقوق وترفع المظالم ويسود العدل وتأمن الدهماء، به الأمان والرفاه والعلم والعزة والتمكين، به النهضة والرقي والرفعة والعلياء، به صلاح الدنيا والآخرة ورضوان رب السماوات والأرض خالق وإله الخلق.

 

أمة الإسلام: غزة تستصرخكم لاستئصال كيان المغضوب عليهم وليس للرد على جرائمه، لا يلفتنكم هذا الكيان الحقير عن حقيق قضيتكم، فهو يبقى كيان قوم ﴿...ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ﴾، قوم لو كان للجبن نسل لكانوا أبناءه ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ﴾. كلفتنا موقعة حطين سبع سويعات من نهار من ربيعنا الآخر يوم سبت من سنة 583 لهجرة نبينا ﷺ، بعدما دنس الصليبيون بيت المقدس لثمان وثمانين سنة، فمحونا أثرهم واستأصلنا سلطانهم الغاشم حتى روت سيوفنا من دماء بغاة أمرائهم، فكيف بكيان المغضوب عليهم الحقير؟! هي سويعة من نهار نجوس خلال الديار فنكون سبت حذفهم واستئصالهم بإذن الله.

 

ولكن القضية كل القضية في قائد معركتكم المفقود وجيوشكم المكبلة وبلادكم المستعمرة، وما كان قائد معركتكم وملحمتكم ومنجز وعيد ربكم في المغضوب عليهم ومن قبل ومن بعد في الصليبيين ومن لف لفهم من المشركين والخونة العملاء المندسين، إلا إمامكم الجنة وخليفتكم الراشد، فالقضية كل القضية هي في إقامة خلافتكم ونصب وبيعة خليفتكم فهي أولويتكم لاستئصال كيان المغضوب عليهم، فهي السابقة وليست اللاحقة، فهي فرض الفروض وتاجها والواجب الذي لا تتم الواجبات كلها إلا به، ففيها وبها عظيم تحكيم شرع ربكم وخوض جهادكم وتحريك جيوشكم واستئصال أعدائكم وإعلاء كلمة ربكم ومولاكم.

 

أما لهذه الجيوش، أما آن لها أن تفزع وتتحرك؟! يا أهل الحرب، يا أصحاب القوة والمنعة: حار اللب في أمركم! إن لم تفزعكم وتحرككم إبادة غزة وأهوال جباليا فمتى تفزعون ومتى تتحركون؟! يا جيوش المسلمين: كيف يكون الذنب إنْ حماة الدار أسلموها للعدا؟! أما تخشون يوما كان شره مستطيرا؟! أما تخافون خصما خصيما شديدا من دماء أبنائكم وأعراض نسائكم شاهدا على شنيع خذلانكم؟! أما تخشون أن يلعنكم ويشهد عليكم حديد أسلحتكم وحجر ثكناتكم وعصب جوارحكم؟! أما آن لهذه الجيوش أن تغار لتمحو هذا الكيان العار وتستأصل نتنه ونجسه؟! والله ما هي إلا ساعة من نهار إن تاب ورشد الأغيار، حطموا عروش الخيانة والعار وأعيدوا للأمة سلطانها وللإسلام حكمه وقيادته.

 

يا قادة الجيوش: توبوا إلا بارئكم فما الدنيا إلا ساعة من يوم عناء وابتلاء، ثم هي الواقعة والطامة والصاخة فتعرضون على شديد العقاب لا تخفى منكم خافية، يا أهل الحرب، يا أهل القوة والمنعة: هي حربكم وضد من؟ ضد أحقر وأجبن الخلق وقد فضحهم طوفان الأقصى وعراهم، يا أهل الحرب: هو تاريخ أمجاد أسلافكم وأجدادكم فلا تكونوا سبته ومذمته، هي حطين وما أدراك ما حطين! ما كانت إلا سبع ساعات من يوم من أيام الله الخالدات، من صباح معركة حطين حتى مغيب شمس يومها، قضى الله فيه أمرا كان مفعولا ونصرا كان مسطورا وتحريرا كان محتوما، هي معركة حطين وكانت يومها ضد كل جحافل الصليبيين لتحرير القدس والأقصى وبلاد الشام من رجس كفرهم، أشرقت شمس يومها سبت 24 من ربيع الآخر 583هـ الموافق 4 من تموز/يوليو 1187م، فعملت فيها سيوف جنود المسلمين في الصليبيين مقتلة عظيمة، لم تكن هزيمة الصليبين في حطين مجرد هزيمة وإنما كانت كارثة حلت بهم؛ حيث فقدوا طلائع فرسانهم وقُتل منهم خلق عظيم ووقع في الأسر مثلهم، حتى قيل إن من شاهد القتلى قال ما هناك أسير! ومن عاين الأسرى قال ما هناك قتيل! وسيقت ملوك وأمراء

 

وأكابر الصليبيين أسرى إلى خيمة الناصر المظفر صلاح الدين، وكان أنتنهم وأنجسهم يومها هو أرناط حاكم الكرك، فقام إليه صلاح الدين فذكّر الملعون بجرائمه وقرّعه بذنوبه، ثم قام إليه فضرب عنقه، وقال: "كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدراً".

 

هي حطين وعظيم حطين وما كانت إلا سبع ساعات من نهار، هي معركة حطين ضد كل جيوش الصليبيين كلفتنا سبع سويعات من نهار، فكيف بكيان يهود الحقير الجبان؟! يا نشامى جيش الأردن وأجناد الكنانة الأخيار، والله ما هي إلا ساعة من نهار إن تبتم ورشدتم، والساعة في حق أحقر الخلق من المغضوب عليهم الجبناء كثير، فمشكلة هذه الأمة ليست في الروح القتالية لأبنائها، فهم أعظم البشر تضحية وأجودهم عطاء، ولكن يقينا مشكلتها في القيادة الربانية التي تركز وتوجه وترشد هذه الطاقات وتقود هذه الأمة نحو غايتها المنشودة في تحكيم شرع ربها وتحريرها من الاستعمار وكفره.

 

أما آن وحان يا أجناد المسلمين أن تنبعث حقيقتكم العظمى مرة أخرى فتستعيدوا وتستأنفوا عظيم سيرتكم في نصرة الإسلام وأمته وإعلاء كلمة من بيد الحياة والموت وبيده الملك والملكوت وبيده نواصيكم؟! أما آن لكم يا أجناد المسلمين أن تستجيبوا لأمر ربكم فتقطعوا حبال الكفر وتحطموا عروش حكام الخيانة والعار وتحرروا الأمة من شرورهم؟! فهم سلاسل وأغلال الاستعمار الكافر الغاشم في تكبيل عظيم قوتكم، وهم وسيلة الاستعمار لإذلالكم واستصغاركم، وأشد منها جلب مقت الله لكم.

 

يا جيوش وأجناد المسلمين: ليس بعد إبادة غزة وأهوال جباليا معذرة أو عذر، فالويل ثم الويل لمن كانت عليه هذه الأهوال حجة وكان له الشهيد خصما وعليه شاهدا، فوالله ما لكم من عذر، فأنتم رؤساء الحرب وسادة الميدان وأصحاب الصناعة والبضاعة، وأنتم ظهور مناصبها العالية وأسنّة الحكم فيها، فكيف ترجون من هذه الأمة المقهورة أن تلتمس من ضعف أفرادها ما لم تؤمله من قوة جيوشها وأجنادها؟! فتوبوا إلى بارئكم وقَوِّمُوا اعوجاجكم وقُوموا إلى إسلامكم واعلموا أن مبتدأ الأمر هو في خلع وقلع حكام الخيانة والعار لكسر أغلالكم وسلاسلكم وفك قيودكم استجابة لأمر ربكم وتلبية لنداء واستنصار الربانيين المخلصين الواعين لنصرة الإسلام وأمته وبيعة إمامكم وإقامة خلافتكم وتحكيم شرع ربكم وإعلاء كلمته وتحريك أجنادكم لتحرير الأرض كل الأرض من دنس الكفر ودوله.

 

أمة الإسلام، معشر المؤمنين بالجبار القهار، مالك الملك رب السماوات والأرض، أما من غضبة حق لمالك نواصيكم تستنصرون بها قادة جندكم وضباط جيوشكم لهدم ونسف أصنام رويبضاتكم ومحو خيانتهم وعارهم ودك عروشهم وإعلاء كلمة خالقكم وبارئكم، وفتح مصراعي خلافتكم الراشدة على منهاج النبوة، فتَصْدُقوا ربكم ونبيكم ﷺ؟! واعلموا أن الخلاص الخلاص في الهدم الهدم، ورفع صرح وراية الإسلام وخلافته الراشدة على أنقاض أصنام الغرب وسدنته.

 

﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

خيال القومية
(مترجم)

 


كان ليون أفندي باوس حفيد طبيب عسكري عثماني نقل عائلته من اليونان إلى العراق، في وقت ما خلال القرن التاسع عشر الميلادي. وبموجب القانون العثماني، كان والده يعتبر يونانيا. وفي عام 1897م، عندما اندلعت الحرب بين اليونان والخلافة العثمانية، أدى والده يمين الولاء للاحتفاظ بالتبعية للخلافة.


بعد تقسيم تركة الخلافة العثمانية عام 1918م على يد قوات الحلفاء، مُنح باوس الجنسية العربية. وفي عام 1919م، كتب باوس رسالة إلى المندوب السامي البريطاني يسعى فيها إلى فهم كيف يمكن إجباره على أن يصبح عربيا؟ كما تساءل كيف يمكن للبريطانيين بالضبط أن يستحضروا "الحجاز وبلاد ما بين النهرين وشرق الأردن ومصر وتركيا والآن يجبرون الناس على أن يصبحوا رعايا لهذه البلدان المولودة حديثا؟!". ولم يعالج موظفو الانتداب البريطاني أبدا مخاوفه وظلت قضيته دون حل.


في عام 1921م، أنشأت الحكومة البريطانية إمارة شرق الأردن ومنحت الحكم لعبد الله، شقيق الملك فيصل. وقسم الضباط البريطانيون المنطقة لتكون بمثابة جائزة لعبد الله لدوره في الثورة العربية وكذلك لتكون بمثابة منطقة عازلة بين سوريا وفلسطين. جاء ذلك بعد محاولات من المؤتمر السوري العام معارضة فصل بريطانيا فلسطين عن سوريا، واستعمارها من المستوطنات الصهيونية.


وفي عام 1924م، بعد أن ألغى مصطفى كمال الخلافة، أعلن الشريف حسين، الذي منحته بريطانيا لقب "ملك الحجاز" بعد إطلاق الثورة العربية، أعلن نفسه خليفة جديدا. ومع ذلك، فإن حكمه كخليفة لم يدم طويلا. فقد حول الضباط الاستعماريون البريطانيون دعمهم من الحسين إلى ابن سعود الذي استولى في عام 1925م على مكة وأرسل الحسين إلى المنفى، وأعلن ابن سعود نفسه "ملك الحجاز" الجديد.


وفي وقت لاحق، عام 1932م، وحدت عائلة سعود أراضيها في منطقتي الحجاز ونجد لإنشاء مملكتهم. وفي عام 1936م، عندما صاغت فرنسا معاهدة للبنان، اندلعت احتجاجات في بيروت وصيدا وطرابلس، وكلها طالبت بالوحدة مع سوريا، لكن فرنسا تجاهلت هذه الاحتجاجات واستمرت في خططها لإبقاء سوريا منفصلة عن لبنان.


كل هذه الأراضي كانت جزءا من الخلافة العثمانية. وكما أشار باوس في رسائله، فإن الدول القومية التي بنيت عليها إنما أنشأها الاستعمار.


بعد أن قسم المستعمرون بلاد المسلمين، عملوا على تغيير نظام حكمها، فتم إدخال الأنظمة البرلمانية وأبى الضباط الاستعماريون التعامل مع أهلها إلا إذا وافقوا على تنظيم أنفسهم في شكل أحزاب ديمقراطية. أولئك الذين أتى بهم المستعمرون إلى السلطة هم الذين قبلوا قوانينهم ومبادئهم. وبالتالي فإن ظهور الدول القومية في بلاد المسلمين يرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ الاستعمار والإكراه من القوى الأوروبية التي أرادت أن ترى البلاد الإسلامية مقسمة.


السؤال إذن هو: لماذا نستمر في قبول هذا الشكل من الحكم لأنفسنا؟ الجواب، ربما يمكن العثور عليه في ما كتبه ابن خلدون رحمه الله منذ قرون في مقدمته، حيث قال: "إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده والسبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وفر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب".


ومع الأزمة الأخيرة في فلسطين، أصبح من الأهمية بمكان أن تبدأ البلاد الإسلامية في إعادة تقييم شكل حكمها وتبنيها للمبادئ الغربية. إن الغرب "المتفوق" هو المسؤول عن إنشاء كيان يهود الذي يرتكب اليوم إبادة جماعية ضد مسلمي فلسطين، وإن أفعاله تبررها لغة الدولة القومية ("الحق في الدولة"، "الحق في حماية الحدود") وهذه هي اللغة نفسها التي تستخدمها الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية لتبرير عدم اتخاذها إجراءات ضد كيان يهود.

 

 

نقطة ابن خلدون رحمه الله هي أنه بدلا من افتراض أن المنتصر مثالي، يجب أن نفكر في أسباب الهزيمة. لقد كان تخلي مصطفى كمال عن الشريعة وإلغاء الخلافة هو الذي وضع البلاد الإسلامية في حالتها المهينة اليوم. فقط باستئناف الحياة الإسلامية واستعادة الخلافة يمكن للبلاد الإسلامية التغلب على ظروفها الحالية. قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.


وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يُقَاتِلُ عَصَبِيَّةً وَيَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ». قال الإمام النووي في شرحه: "وَإِنَّمَا يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ لَا لِنُصْرَةِ الدِّينِ، وَالْعَصَبِيَّةُ إِعَانَةُ قَوْمِهِ عَلَى الظُّلْمِ". تشير كلمة "عَصَبِيَّةُ" إلى القبلية وجميع الأفكار المرتبطة بها مثل القومية. وهناك العديد من الأحاديث التي تناقش مدى بغض القبلية في الإسلام. بوصفنا مسلمين، فإننا نتحد من خلال الإسلام، وهويتنا الإسلامية هي المهيمنة على كل شيء آخر، وإلا فإن موتنا يشبه موت الجاهلية كما لو أننا لسنا مسلمين! ونموت آثمين!كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

خليل مصعب – ولاية باكستان
رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

في كل مرة تأمر أمريكا يخرج الحكام بـ"قمة"!

 

 

غزة تذبح من الوريد إلى الوريد منذ أكثر من عام، حرب إبادة، ومجازر بالجملة، وأكثر من 50 ألف شهيد وآلاف دفنوا تحت ركام المباني التي نسفت فوق رؤوسهم.

 

والسودان يفتك القتل والتشريد والدمار والمرض والجوع بأهله، بسبب حرب أمرت أمريكا عملاءها البرهان وحميدتي بإشعالها لتحقيق أهدافها وتقوية نفوذها فيه، والسيطرة على خيرات وثروات سلة غذاء العالم.

 

وفي سوريا لا يزال المجرم بشار يقتل ويقمع، بعد أن دمر البلاد وشرد أهلها وألقى أطناناً من البراميل المتفجرة، فلم يسلم منها البشر ولا الحجر، واعتقل وقتل الآلاف في زنازينه بأبشع الوسائل.

 

وأما الخائن العميل الجولاني، فقد انتهج نهج المجرم بشار فارتكب الجرائم وانتهك الحرمات لإرضاء تركيا التي طعنت الثورة والثوار.

وأما قضايا المسلمين الأخرى المغيبة عن اهتمام الإعلام كلياً فحدث ولا حرج؛ مسلمو الأويغور لا يزالون يعانون من قمع النظام لهم ليتخلوا عن دينهم. ومسلمو الروهينجا، ومسلمو الهند لا يزالون ينكل بهم على يد الأنظمة الحاكمة.

 

ثم يأتي الماجن ابن سلمان ويدعو إلى قمة عربية إسلامية! "السعودية تدعو لقمة عربية إسلامية تبحث العدوان على غزة ولبنان في 11 نوفمبر" وفق بيان للخارجية السعودية.

ما الفائدة التي ستعود على غزة ولبنان من هذه القمة؟! وهل نجحت القمم السابقة حتى تنجح هذه؟! حكام المسلمين هم عدو، ويجب على الأمة أن تتخلص منهم وتقلعهم عن عروشهم، فهم بدون استثناء خونة عملاء كذابون، أذناب لأمريكا والغرب الصليبي، ولا يوجد مسلم ينكر ذلك. أم هناك من لا يزال يصدق أن هؤلاء الصعاليك الرويبضات يرتجى منهم خير؟!

 

إن الدعاء عليهم ليس كافياً، وإن الاستماع لكثير من المشايخ وقولهم إن ما يجري هو من علامات قرب زوال كيان يهود، لا يعفيكم من أداء واجبكم الذي فرضه الله سبحانه وتعالى عليكم.

 

إن واجب الأمة اليوم أن تتخلص من هؤلاء الحكام الذين لا همّ لهم إلا عقد قمم لتقديم مزيد من التنازلات والسير في طريق المفاوضات والاتفاقيات مع الصليبيين أعداء الله ورسوله ﷺ، ومع قتلة الأنبياء الذين جادلوا الله في بقرة، فإلى متى الصمت يا أمة الإسلام والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾؟!

 

إنه أمر الله جل وعلا بأن ننصر دينه ونجاهد في سبيله، وهذا يتطلب العمل والسعي الحثيث للتغيير الجذري حتى نستحق نصره، وليس الترقيع واختيار آيات وأحاديث تبعاً للأهواء! وإن الحل الجذري لكل ما نحن فيه هو بأن نسقط حكام المسلمين ونستبدل بهم خليفة واحداً يجمع المسلمين في دولة واحدة تحت راية واحدة راية رسول الله ﷺ.

 

يقول النبي ﷺ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ؛ فَقَتَلَهُ». وهذا ما يلزم المسلمين فعلُه؛ قول كلمة الحق في وجه هؤلاء الحكام، والحق لم يكن أكثر وضوحاً وجلاءً كما هو الآن.

 

أيها المسلمون: غزة وأهلها ومجاهدوها قدموا ما عليهم، وقدموا عذرهم إلى الله، فما عذركم؟! واجبكم كمسلمين أن تهبوا وترفعوا أصواتكم عالياً لتبلغ عنان السماء أن يا حكام الضرار كفى! والوسيلة إلى ذلك أن تنضموا إلى حزب التحرير الذي رفع صوته وواجه الحكام الطواغيت منذ تأسيسه في خمسينات القرن الماضي.

 

إن حزب التحرير لم يخذل أمته، فقد صدع بكلمة الحق في وجه الكفار وعملائهم وأعوانهم. ولم يكن الطريق سهلاً، بل لاقى شبابه وشاباته في سبيل ذلك أصناف الأذى والعذاب؛ من قتل واعتقال وتضييق عليهم وعلى عائلاتهم، لكن كان لهم في رسول الله ﷺ وصحابته رضوان الله عليهم أسوة حسنة، فصبروا وما زالوا صابرين ثابتين على الحق، أما النصر فهو من عند الله سبحانه وتعالى.

 

إن حزب التحرير قد نصر أهل غزة وآزرهم ولا يزال، بعدما اعتاد كثير من المسلمين المشهد، وبعضهم تعب من المتابعة، والبعض الآخر ينتظر أن تتوقف حرب الإبادة من الذين يرتكبونها أمريكا والغرب الصليبي، ومن مجلس الأمن والأمم المتحدة!

 

يا أمة الإسلام: إن صمتكم يعني استمرار المجازر والدمار، صمتكم يعني أنكم مشاركون في القتل من حيث تدرون أو لا تدرون، فإن كنتم تدرون فتلك مصيبة، وإن كنتم لا تدرون فها هو حزب التحرير يوعيكم ويحذركم أن أفيقوا وعودوا إلى ربكم وإلى تحكيم شرعه سبحانه وتعالى وإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة.

 

إن حزب التحرير يدعوكم إلى ما دعا له رسول الله ﷺ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ».

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أم عاصم الطويل – الأرض المباركة (فلسطين)

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا يَهبُ الغرب لمساعدة يهود؟

 

أصبح واضحاً أن الأزمات غير المحلولة في بقاع العالم تشكل منبع ثروة للدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، لذلك لا غرابة حين نرى الدعم غير المحدود الذي يقدمه الغرب ليهود، وكذلك لا غرابة أيضاً حين يصرح رئيس أمريكا بايدن أنه لو لم يكن كيان يهود موجودا لأوجدناه.

 

لقد بات واضحاً أن كيان يهود هو أفضل استثمار للغرب لتحقيق مصالحه في المنطقة، فلو رجعنا إلى بداية تأسيس هذا الكيان المسخ، لوجدنا أهدافاً كثيرة دعت لإنشائه ومن أهمها: التخلص من يهود المزعجين داخل القارة العجوز التي خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة منهكة، وربما بمثابة مكافأة لرجال الأعمال الأثرياء من يهود على دعمهم المالي لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى، وتفكيك الخلافة العثمانية، لذا غرست بريطانيا كيان يهود في خاصرة الأمة الإسلامية ليكون وعد بلفور بمثابة المكافأة لهذا الكيان المسخ.

 

وبعد أن ضعفت بريطانيا تقدمت أمريكا لتكون هي الدولة الأولى في العالم فتبنت دعم هذا الكيان لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط لكونه يمثل قاعدة تخدم مصالحها التي جعلت من دول المنطقة مائدة يأكل منها الغرب بشراهة. لذلك كان لزاماً على أمريكا أن تجعل هذا الكيان بمثابة كيان خدمات مقابل رسوم ضمن اتفاق لإيجاد موطئ قدم ليهود مقابل أن يكون يهود مصدر صناعة الخوف في دول المنطقة لتحريك ماكينة المصالح الغربية.

 

ويبقى الهدف الأساسي الذي أوجد كيان يهود هو بقاء المسلمين مشغولين في قضية فلسطين، وإبعادهم عن أهم أهدافهم وهو إعادة حلم المسلمين في بناء دولتهم وعزهم وكرامتهم، ليحول دون تكتلهم من جديد ليكونوا أمة واحدة كما كانت سابقاً، ليسهل ابتلاع المنطقة بعد تفتيتها إلى دويلات ضعيفة، وجعل حدود مصطنعة هزيلة لكل منها.

 

لذلك يدرك صناع القرار في الغرب أن العالم يحتاج لكثير من الأزمات غير المحلولة التي يمكن إنعاشها من أجل تنشيط اقتصادهم، إذ لا غرابة عندما نجد أن كيان يهود يضرب عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية، ولا يهمه أي شيء.

 

هكذا صنع الغرب كيان يهود، مع وجود حكام عملاء خونة لا يهمهم سوى سطوتهم على كرسي الحكم لتمييع قضايا الأمة، وخداع الشعوب الإسلامية بكذبة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وهيئة الأمم التي هي الشيطان الأكبر الذي يتم تحريك مبعوثيه لحل النزاعات بين الدول.

 

إن هذه الدول الغربية التي مزقت الأمة وتآمرت عليها، والتي تدعي كذباً أنها راعية حقوق الإنسان، هي نفسها أول من انتهك حقوق الإنسان، واستباحت الشعوب المستضعفة التي لا تنظر إليها أكثر من نظرة السيد إلى عبده.

 

وكذلك خدعوا شعوبنا الإسلامية بمنظمة المؤتمر الإسلامي على أنها للمسلمين، ولكنها للأسف أكبر وكر للتآمر على المسلمين، بل هي المتمم لكذبة الأمم المتحدة التي وجدت للغرض نفسه.

 

إن ما حدث ويحدث بنا اليوم هو من جراء ضياع دولتنا، فالأمة التي تجهل هذه الحقائق، وتتساهل في هذه الاعتبارات هي أمة خاسرة، وهل نزل بنا كل الذي نزل إلا يوم تخلينا عن استعادة مجدنا وعزنا الذي كان يحمي ويدافع عن المسلمين في العالم؟!

 

واليوم نستجدي الغرب أن يوقف المجازر التي تحصل لإخواننا ونحن لا نحرك ساكناً، وهل تحركت هذه الدول الكبرى لغوث المسلمين المبتلين بأخس وأشنع ظلم، من قتل وتدمير وتخريب وتهجير؟!

 

 إنها المصالح ولا شيء غيرها، ولو على حساب الشعوب.

 

فإذا كانت الأمم تنساق بطبيعتها لتأييد الحق، ومؤازرة أهله، فإن أمتنا تزيد على ذلك بباعث من عقيدتها، ودافع من يقينها، ولا يمكن أن تتخلف عنه إلا يوم أن تصبح غير مسلمة، أما إذا كانت الدماء تتغلغل في أعماقها، فلا يمكن أن تقوم بتأييد الباطل، بل ستقارعه في سبيل إعزاز الحق وتمكينه لتستحق ثناء ربها ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

 

أيها المسلمون: أنتم الذين أعلى نظامكم الخالد حقوق الإنسان، وطبقه أدق تطبيق لأكثر من ثلاثة عشر قرناً، فلا يليق بكم أن يبقى سيف الاستعمار مسلطاً على رقابكم.

 

مرحبا بالتاريخ يعيد نفسه ويدعونا إلى ما نشأ عليه أسلافنا، ليكتب الأبناء والأحفاد من صحف المجد مثل ما كتب آباؤهم الأبطال، وليهيئ لنا فرصة لتتقدم هذه الأمة أمام العالم كله، وتركز راية المجد على أعلى قمة من علياء الحياة، والعاقبة للمتقين.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

زيارة ماكرون للمغرب وحنين فرنسا المفلسة

وافتقارها لنفوذها الاستعماري المفقود!

الخلفية والأسباب والتداعيات

 

تأتي زيارة رئيس فرنسا ماكرون للمغرب بعد ثلاث سنوات من التوتر والفتور في العلاقة بين المغرب وفرنسا، في ظرف يشهد النفوذ الاستعماري الفرنسي انحسارا شديدا وتعرف ساحته تآكلا مستمرا، وتعيش فرنسا جراء ذلك على وقع اقتصادها المأزوم وعجز ميزانيتها المتنامي ودينها العام الفلكي (أعلن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية "الفرنسي"، الجمعة 28 حزيران/يونيو 2024 أن الدين العام في فرنسا ارتفع بمقدار 58.3 مليار يورو ليصل إلى 3.159.7 مليار يورو، وارتفع إلى 110.7% من إجمالي الناتج الداخلي في نهاية الربع الأول من هذا العام)، ما دفع بالحكومة الفرنسية للإعلان عن ميزانية تقشفية لعام 2025 عبر تخفيض النفقات بقيمة 60 مليار يورو، وبعد يوم من تقديم الحكومة الفرنسية ميزانيتها التقشفية وضعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني فرنسا في خانة التوقعات السلبية، ما يعد انتكاسة سريعة لسياسة رئيس الوزراء الجديد ميشيل بارنييه في تعامله مع التدهور الحاد في المالية العامة، وخلال جلسة نقاش في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن قال وزير المالية الفرنسي أنطوان أرمان إن فرنسا قد أدركت بالفعل إمكانية وجود نظرة مستقبلية سلبية واتخذت خطوات لإدارة ديونها.

 

هذه هي ظروف الزيارة ما يجعل منها زيارة ذات بعد استثنائي على المستوى السياسي والاستراتيجي بالنسبة لفرنسا ومستقبل نفوذها الاستعماري وتداعيات ذلك على وضع فرنسا كدولة في الداخل والخارج، وقد وصفت الزيارة بأنها من أجل إعادة بناء الشراكة الاستراتيجية والاستثنائية بين باريس والرباط.

 

فالزيارة تأتي وفرنسا غارقة في أزمتها الكبرى التي تكاد تعصف بها كدولة وتلقي بها على قارعة الموقف الدولي، ففرنسا اليوم صارت المسألة الفرنسية التي تطرح للنقاش والمداولة داخل أروقة صندوق النقد والبنك الدوليين وغدا تفرض الشروط وترهن السيادة، فهذه الحالة المأزومة لفرنسا اليوم هي ما يجعل من الزيارة حاجة وضرورة استراتيجية فرنسية لمحاولة ردم الهوة السحيقة لديونها والثقب الأسود لعجز ميزانيتها، وهو ما يفسر كذلك هيكل الوفد الضخم المرافق لماكرون في زيارته الاستثنائية والذي يتكون من عشرة وزراء، على رأسهم وزير الداخلية ووزير الشؤون الخارجية إضافة إلى وزير الجيوش، ووزيرة الثقافة، إلى جانب كل من وزير الاقتصاد والمالية ووزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزير الفلاحة والسيادة الغذائية (الحكومة الفرنسية اتخذت لها من الرباط مقرا)، وإلى جانب المسؤولين الحكوميين هناك عدد من المسؤولين المنتخبين والنواب والوزراء السابقين، إضافة إلى عدد كبير من رأسماليي الشركات الكبرى الفرنسية، وعناصر أخرى من عالم الثقافة والرياضة والفنون... وهو ما يعكس حجم الرهانات الاستعمارية لفرنسا من وراء زيارة ماكرون للمغرب.

 

هذا عن الزيارة وظروفها، أما خلفيتها المعلنة والتي تم تداولها بشكل واسع، فهي التحول الذي طرأ على الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية، ففي 30 تموز/يوليو الماضي أعلن ماكرون دعمه لمبادرة المغرب للحكم الذاتي، مُعتبراً إياها "الحل الوحيد" للنزاع، وهذا الموقف أنهى فترة الفتور الدبلوماسي بين البلدين، إذ ظهرت بوادر التقارب بتعيين سفيرة جديدة للمغرب في باريس وتسارعت الزيارات الوزارية المتبادلة تمهيداً لزيارة ماكرون وطي ملف التوتر، وجاءت زيارة الرئيس الفرنسي إلى الرباط بعد أشهر من توجيه ماكرون رسالة لملك المغرب محمد السادس قال فيها إن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية".

 

هذا عن الخلفية السياسية المعلنة والمتداولة إعلاميا لتفسير مبررات الزيارة، أما الأسباب الحقيقية من وراء تجديد العلاقات بين باريس والرباط فتجد تفسيرها في انتفاء الأسباب الحقيقية التي كانت من وراء توتر العلاقات بين باريس والرباط قبل ثلاث سنوات من زمن التوتر، فانتفاء تلك الأسباب هو ما انعكس اليوم تجديدا للعلاقات بين باريس والرباط بل وبناء شراكة استراتيجية استثنائية. أما عن الأسباب الحقيقية وراء توتر العلاقات بين فرنسا والمغرب فهي راجعة إلى ذلك التنافر والتدابر بين بريطانيا وفرنسا جراء البريكست وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي أدى لشلل تام لسياسة الوفاق والتعاون البريطاني الفرنسي في إدارة استعمارهما داخل أفريقيا في مواجهة المستعمر الأمريكي، وكان لهذا التنافر والتدابر تداعياته على الأطراف العميلة المرتبطة ببريطانيا تحديدا في غرب البلاد الإسلامية لشمال أفريقيا (المغرب والجزائر تحديدا)، فقد رفعت بريطانيا الغطاء عن فرنسا وتركتها لمصيرها المجهول وخاصة بعد مغامرة فرنسا في تونس جراء انقلاب قيس سعيد في 25 تموز/يوليو 2021، وأوعزت بريطانيا لعملائها تنفيذ الإجراءات التأديبية ضد فرنسا، فاتخذ النظام في الجزائر قرار إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطيران العسكري الفرنسي المتجه إلى مالي والساحل، واتخذ نظيره في المغرب إغلاق الطريق البري أمام الشاحنات لقطع الإمدادات عن الفرنسيين، وكان قرار الإغلاق ضربة موجعة للاستعمار الفرنسي، وتجاوز الأمر مالي إلى دول أخرى، فقد حركت بريطانيا ذراعها داخل أفريقيا والمتمثلة في النظام المغربي الذي خلف نظام القذافي فتفاقمت معها المسألة الاستعمارية الفرنسية وأصبحت فرنسا في العراء التام، وكانت ردة فعل الفرنسيين ضد الأداة البريطانية داخل أفريقيا المتمثلة في النظام بالمغرب، فانفجرت معها الأزمة الفرنسية المغربية (وكذلك توترت العلاقات بين فرنسا والجزائر) بعدما اتخذت فرنسا من قضية بيغاسوس مبررا وغطاء لها، القضية التي تفجرت عقب تحقيقات إعلامية صيف 2021 وتضمنت اتهامات للمغرب بالتجسس على مسؤولين فرنسيين من بينهم الرئيس إيمانويل ماكرون. ثم جاء قرار فرنسا في أيلول/سبتمبر 2021 بتخفيض التأشيرات الممنوحة للمغاربة، ثم قام البرلمان الفرنسي باستقبال وفد من البوليساريو في أيلول/سبتمبر 2022، ثم أنهى المغرب مهام سفيره في باريس دون تعيين خلف له. واستمرت الأزمة تراوح مكانها إلى أن ظهرت مؤشرات في النصف الثاني من سنة 2023 تشير إلى ذوبان جليد علاقة باريس-الرباط، أبرزها كان خلال جلسة الأمم المتحدة ودعم ممثل فرنسا تمديد ولاية بعثة المينورسو المتعلقة بالصحراء المغربية، ثم تلتها زيارة المدير العام للأمن الداخلي الفرنسي للرباط ولقاؤه بنظيره المغربي من أجل تقييم التعاون الاستخباراتي والأمني بين باريس والرباط، ثم كانت زيارة الرئيس السابق ساركوزي للمغرب وأخذت طابعا سياسيا تداولها الإعلام بشكل مكثف، ثم نشرت صحيفة لوموند التي تعتبر لسان السياسة الخارجية الفرنسية، مقالا في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 تتحدث فيه عن بداية "التطبيع الدبلوماسي" بين باريس والرباط، ثم عين المغرب سفيرة جديدة لدى باريس بعدما بقي المنصب شاغرا لنحو سنة وتم استقبال للسفير الفرنسي في الرباط، واستمر ذوبان الجليد وصولا إلى زيارة رئيس فرنسا ووفده الضخم وبناء الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية وسيل الاتفاقيات والعقود والصفقات المبرمة.

 

فالأسباب الحقيقية وراء هذا التحول في تجديد العلاقات بين باريس والرباط وليس مجرد إعادتها لسابق عهدها بل تجديدها، هو في انتفاء الأسباب التي أوجبت التوتر، وهي حقيقة ما تم من تجديد للعلاقات بين لندن وباريس وهو ما انعكست تداعياته على الأطراف الوظيفية. فقد مر التحالف الاستراتيجي الاستعماري البريطاني الفرنسي بأوقاته العصيبة، عرف شللا لكنه لم يصل إلى القطيعة جراء البريكست عطفا عليه اتفاقية أوكوس وخسارة فرنسا صفقة الغواصات ثم انقلاب تونس وتداعياته على النفوذ الاستعماري البريطاني. لكن التطورات الجيوستراتيجية الخطيرة التي عرفتها أوروبا جراء الحرب الروسية الأوكرانية، ثم الأزمة السياسية والاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف بفرنسا، ولها نظيرتها في بريطانيا فهي تشهد كذلك أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ 40 عاما، وذلك ما أكدته صحيفة الجارديان، هذه الأوضاع الكارثية على مستوى أوروبا وكذلك الداخل الفرنسي والبريطاني دفع بالحليفين الاستعمارين لإعادة النظر في مستقبل تحالفهما الاستراتيجي. فبريطانيا بحسب معضلتها الاستراتيجية الدائمة هي في حاجة استراتيجية قصوى لأوروبا ومفتاحها في ذلك هي فرنسا فهي بوابتها للاتحاد الأوروبي بعد البريكست، وفرنسا في حاجة استراتيجية قصوى لأفريقيا فهي شريان حياتها ومفتاحها في ذلك هي بريطانيا وسلطتها الاستعمارية في بلاد المغرب بوابة أفريقيا وقنطرتها، وقد تعاظمت حاجة فرنسا بعد ضرب نفوذها الاستعماري في أفريقيا. كما أن الحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة نارها في الداخل الأوروبي دفعت إلى استعادة محور لندن/باريس لنشاطه ومعه العلاقات البريطانية الفرنسية، وهذه الأوضاع التي استجدت في الداخل الأوروبي ومن داخل فرنسا وبريطانيا كانت من وراء تبديد التوتر بين لندن وباريس، أسفرت عن قمة الوفاق بباريس بين رئيس الوزراء البريطاني سوناك والرئيس الفرنسي ماكرون في آذار/مارس 2023 وتم الإعلان عن بداية جديدة، وقال سوناك في بيان له "في وقت نواجه تهديدات جديدة وغير مسبوقة من الضروري تعزيز أسس تحالفنا لنكون جاهزين لمواجهة تحديات المستقبل". ثم تبعت القمة الزيارة الرسمية لملك بريطانيا لفرنسا ولأول مرة في تاريخ العلاقات البريطانية-الفرنسية ألقى ملك بريطانيا خطابا أمام مجلس الشيوخ الفرنسي ودعا "لتعزيز العلاقات الحتمية" بين لندن وباريس، وأشار كذلك إلى سياسة "الوفاق الودي" التاريخية بين لندن وباريس (الوفاق الودي يعبر عن مجموعة من الاتفاقيات المبرمة بين بريطانيا وفرنسا سنة 1904 لتذليل الخلافات الكبرى بينهما). وترجم الوفاق البريطاني الفرنسي الجديد في ملفات عدة أبرزها الملف الأوكراني حيث تم تنسيق المواقف واتفقت لندن وباريس على تدريب مشاة البحرية الأوكرانية، والتنسيق في ملف الهجرة غير القانونية عبر قناة بحر المانش، وبدأت قضايا ملف البريكست مع الاتحاد الأوروبي تعرف طريقها إلى الحل (فرنسا هي من كانت تمسك بملف المفاوضات بشأن البريكست)، وتم التوصل لحل نزاع بروتوكول إيرلندا الشمالية ووضعها الخاص وإبقاء إيرلندا ضمن القواعد التجارية الأوروبية وهو ما يخدم المصالح البريطانية في إبقاء باب الاتحاد الأوروبي مفتوحا أمام بريطانيا، كما تم الاتفاق على أنشطة بحرية مشتركة في المحيطين الهندي والهادي لتجاوز مشكلة أوكوس.

 

وهكذا انعكست هذه الانطلاقة الجديدة للتحالف الاستعماري الاستراتيجي البريطاني الفرنسي على أطراف الوظيفة الاستعمارية وكانت السبب الحقيقي والعامل الحاسم في تجديد العلاقة بين فرنسا والمغرب، لحاجة فرنسا الماسة وضرورتها الحتمية للمغرب وأفريقيا لردم الهوة السحيقة لمديونيتها وعجز ميزانيتها وتقهقر وتدهور نفوذها الاستعماري. ونظام الوظيفة الاستعمارية بالمغرب موكول به انتشال فرنسا من الغرق في أزمتها الساحقة خدمة للتحالف الاستراتيجي الاستعماري البريطاني الفرنسي.

 

أما قضية الصحراء التي يثيرها النظام الوظيفي عند كل محطة حارقة فهي بالنسبة له ورقة التوت التي يريد بها إخفاء سوءات سياساته الخائنة، فقد كانت بالأمس ذريعة النظام لاقتراف الخيانة الكافرة في إقرار المغضوب عليهم على اغتصابهم للأقصى وأرض المعراج والمسرى ومقدسات المسلمين وتطبيع العلاقات مع كيانهم، واليوم يعيد الكرة ويتخذ منها ذريعة لتمرير بوائق سياساته الخائنة في تفانيه في خدمة الاستعمار الغربي في شقيه البريطاني والفرنسي. بل قراءة متأنية للموقف الفرنسي الجديد من قضية الصحراء المغربية والرسالة الموجهة من ماكرون بصددها يكشف عن استمرار ضبابية الموقف الفرنسي فما صرح وأفصح عن حقيقة موقفه، جاء في الرسالة الموجهة للقصر "بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت". فنحن حقيقة أمام الموقف الضبابي الدائم لفرنسا تجاه قضية الصحراء المغربية، فقط تم تغليفه بخطاب دبلوماسي لخدمة مآرب فرنسا الاستعمارية، وهي الضبابية نفسها فقد كانت فرنسا تتبنى موقفاً تعتبره وسطاً من النزاع، عبر دعمها لمقترح الحكم الذاتي كحل "جدي وذي مصداقية"، وتأكيدها في المقابل ضرورة احترام المسار الأممي من أجل التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف، والرسالة لا تأتي بجديد فعبارة "واضح وثابت" في الرسالة أي ما أعلناه بالأمس هو ما نعيده عليكم اليوم، إلا أن يكون مفهوم الثبات عند النظام الوظيفي بالمغرب قد أخضع لقانون النسبية!

 

أما تداعيات تجديد العلاقة بين فرنسا والمغرب فهي خدمة المستعمر الفرنسي ومحاولة انتشال دولته من ورطتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، عبر إمداد فرنسا بأسباب الحياة على حساب الأمة ودينها وقضاياها وثرواتها، ودعما وإسنادا للتحالف الاستعماري الاستراتيجي بين بريطانيا وفرنسا. فوظيفة النظام بالمغرب اليوم العاجلة هي توفير الموارد المالية للمستعمر الفرنسي لردم بعض من تلك الهوة المالية السحيقة التي تتهدد بقاء واستمرار دولته، عبر ذلك السيل من الاتفاقيات والعقود والصفقات المبرمة؛ فقد وقعت الحكومتان المغربية والفرنسية خلال زيارة ماكرون إلى الرباط اتفاقيات استثمار بلغت قيمتها نحو 10 مليارات يورو وفق ما أعلنت الرئاسة الفرنسية، وقالت وكالة أنباء المغرب العربي الرسمية إن المغرب وفرنسا وقعا على 22 اتفاقية، بحضور الملك محمد السادس وماكرون، وتشمل الاتفاقات التي تم توقيعها بين البلدين السكك الحديد وقطاعات الطاقة والهيدروجين الأخضر وصناعة الطائرات...

 

والمفارقة الخائنة أن توفير الموارد المالية للمستعمر الفرنسي وتمويل عجز ميزانيته يتم عبر إغراق المغرب في مستنقع الديون وتوريطه في مشاريع باهظة الكلفة فاقدة للجدوى محليا لا علاقة لها بحاجات وأساسيات أهل البلد، بل الغاية منها خدمة الاستعمار وسياساته ومشاريعه، فسداد ديون فرنسا وتمويل عجز ميزانيتها سيكون بأموال الديون والمديونية التي سيحمل أوزارها قهرا أهل البلد.

 

ثم الشق الآخر من الخدمة الاستعمارية التي سيقدمها النظام الوظيفي بالمغرب متعلقة بأفريقيا "وهي المسكوت عنها" عبر تذليل العقبات أمام النفوذ الاستعماري الفرنسي، فالمغرب اليوم في الاستراتيجية البريطانية الاستعمارية للقارة الأفريقية هو معبرها الجيوستراتيجي للتأثير في الاقتصاد والسياسة الدولية، فقد تم تحويله إلى قنطرة عبور رئيسية بين أوروبا وأفريقيا والأمريكتين لخدمة السياسة الاستعمارية البريطانية واستراتيجيتها للقارة الأفريقية وبات نظامه سمسارا لمصلحة الاستعمار، وبعد الوفاق البريطاني الفرنسي تمت استعادة التنسيق بشأن المصالح الاستعمارية المشتركة بأفريقيا، والنظام بالمغرب هو الموكول به خدمتها، وتوظيف سياسة الشراكة الثلاثية الخبيثة لتحقيق تلك المصالح الاستعمارية المشتركة بين بريطانيا وفرنسا (والشراكة الثلاثية هي الأسلوب المبتكر الجديد لإدارة العلاقة الاستعمارية كما تم تعريفها سياسيا؛ شريكين من الجنوب مع شريك من الشمال، أي أطرافها الدولة الاستعمارية ودولتان من الهامش تكون إحداهما وكيلا في إدارة العلاقة بين الدولة الأولى والطرف الثالث، ويتم تسويق هذه السياسة الاستعمارية اليوم بغطاء كثيف يخفي الوجه القبيح للمستعمر الغربي الطرف الأول الفاعل، ويتصدر المشهد دويلات الهامش باسم تعاون وشراكة "جنوب جنوب" واستثمار "رابح رابح" بينما الصفقة كلها هي لخدمة المستعمر الأصيل الغربي وله صافي الربح). وقد اعتمدت فرنسا كذلك أسلوب الشراكة الثلاثية لوقف نزيفها الاستعماري الحاد بأفريقيا بعد فشل سياسة فرنسا الاستعمارية القديمة "أفريقيا الفرنسية" التي كانت تدار بأسلوب العصابة الإجرامية والتي قادها الفرنسي جاك فوكار لفترة طويلة وكانت من تصميم رئيس فرنسا ديغول، في طبخ الانقلابات وتعيين الرؤساء الأفارقة وقتل المعارضين وإشعال الاضطرابات. فقد جاء التقرير الفرنسي الأخير المتعلق بإعادة التفكير في الاستراتيجية العسكرية الفرنسية برمتها، وأوصى برسم سياسة استعمارية جديدة لأفريقيا تخفي الوجه القبيح المجرم للمستعمر الفرنسي عبر الدبلوماسية الاستعمارية الناعمة بدل القبضة الحديدية، والشراكة الثلاثية تفي بالغرض والنظام بالمغرب هو سمسارها.

 

هذا عن خلفية وأسباب الزيارة المشؤومة لماكرون لأرض المغرب وتداعياتها الكارثية على أبناء هذه الأمة ودينهم وقضاياهم ومصالحهم وثرواتهم، فهي الولاء السافر الفاجر للكافر المستعمر بل ولأشد وألد أعداء الإسلام وأمته، بل إن حقير فرنسا أنطقه حقده على الإسلام وأمته وفي قبة برلمان النظام الوظيفي الرخيص وحثالة ساسته وصرح حقير فرنسا "أن الهجوم الذي نفذته حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 كان همجيا ضد (إسرائيل) وشعبها"، مؤكدا أن دولة يهود لها الحق في الدفاع عن شعبها ضد هذا التهديد!

 

فقضيتنا ليست في حقير فرنسا فهو العدو بل ومن ألد الأعداء، ولكن مشكلتنا هي في الدولة الوطنية صنيعة الاستعمار وأنظمتها الوظيفية، فهي مناقضة ومعادية لإسلامنا وقضايانا ومصالحنا ودنيانا وآخرتنا، فهذه الدولة الوطنية الملعونة تأسيس وإنشاء استعماري ومشروع استعماري خالص، وهي قد تورمت سطوتها وتفاقمت أزمتها واستفحلت شرور وظيفتها الاستعمارية وبات كل أمرها دماراً وخراباً.

 

معشر المسلمين! هذا ما صنعت بكم أنظمة الاستعمار؛ تتقاذفكم خياناتها من واد سحيق إلى أسحق منه، والله ما كانوا فيكم إلا شرا محضا، ويكأن فيهم يتلى قول الجليل سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

سياسة الإقالة والتعيين

هل ستحل مشكلة الحكم في السودان؟

 

أصدر البرهان، رئيس مجلس السيادة، يوم الأحد 3/11/2024م، قرارا بإنهاء تكليف وزراء الخارجية، والإعلام، والأوقاف، وتعيين بدلاء عنهم. وكان عين في 17 نيسان/أبريل الماضي، وزير الخارجية المقال اليوم. وفي آذار/مارس 2024م، أقال كذلك رئيس المفوضية القومية للحدود وعين بديلاً له. والعام الماضي، في آذار/مارس 2023م، أقال حكام 3 ولايات وعين آخرين، وذكرت وكالة الأنباء (سونا) أن "البرهان أصدر قرارا بإعفاء وتعيين ولاة بولايتي غرب وجنوب كردفان، وولاية البحر الأحمر". وفي أيار/مايو 2023م وبسبب الحرب وبعد شهر من اندلاعها أقال نائبه حميدتي وعين مالك عقار خلفا له. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2023م، أصدر قراراً بإنهاء تكليف وزراء الطاقة والنفط، والتجارة والتموين، والنقل والعمل والإصلاح الوزاري، ووزير الثروة الحيوانيّة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2023م شملت التعديلات 4 وزارات هي الداخلية والعدل والصناعة والشؤون الدينية والأوقاف، إلى جانب إقالة حكام 6 ولايات هي الجزيرة، كسلا، غرب كردفان، وسط دارفور، جنوب دارفور، والولاية الشمالية، وتعيين ولاة جدد لـ4 منها. ولم يكشف البيان أسباب هذه الإقالات.

 

وفي أثناء حكم البشير جرى تغيير عدد كبير من الوزراء والحكام والحكومات، خاصة بعد كل فشل أو إخفاق حكومي، وكان من أوضح هذه التعيينات، ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية مع الحركة الشعبية بعد اتفاق نيفاشا 2005م التي أدت للأسف إلى فصل الجنوب. ثم كانت حكومة الوفاق الوطني بعد ما سمي بالحوار الوطني الذي رعاه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مبيناً ذلك في تقريره 18-25 كانون الثاني/يناير 2024م الذي أكد فيه "تعهدات" الرئيس البشير خلال لقاء جرى بينهما في الخرطوم، قبل خطاب "الوثبة" بحوار وطني حقيقي، وحل سلمي للخلافات، وكيفية تشجيع الفصائل السياسية المعارضة للمشاركة في الحوار (الراكوبة، 5/2/2024م).

 

والذي يؤكد فشل النظرة السياسية لهذه التعيينات والإقالات وأنها عبارة عن مأكلة وترضيات وليست حكما وأمانة ورعاية لشؤون الناس، هو ما قاله الرئيس البشير في مؤتمر صحفي، على هامش تنصيب نائبه بكري حسن صالح رئيسا للوزراء: "الكيكة صغيرة والأيادي كثيرة ويتنافس عليها 90 حزباً وأكثر من 40 حركة مسلحة ستجد موقعها في السلطة التنفيذية والتشريعية". (سكاي نيوز، 3/3/2017م). وهذه آخر حكومة سقط بعدها الرئيس البشير.

 

وبعد الثورة جاءت حكومة حمدوك والبدوي التي سميت بحكومة التكنوقراط والكفايات، تربع بها عدد من الوزراء والحكام على مناصب الحكم والإدارات ولكنها أوصلت البلاد إلى الفوضى والفشل نفسه. حيث شكا حمدوك من عدم تسلمه برنامجاً للحكم من قوى الحرية التغيير الحاضنة السياسية له. في حين كان أتباعه يصفونه بالمؤسس والمخلِّص! كما طالب البدوي وزير المالية بخبراء من البنك الدولي للمساهمة في معالجة مشاكل الاقتصاد في السودان. فكيف يكون أمثال هؤلاء أصحاب أهلية وكفاية؟!

 

كل ذلك يؤكد أكذوبة ما يسمى بحكومة التكنوقراط ويبين عدم امتلاكها لفكرة سياسية مبدئية للحكم. لذلك لم تقدم هذه التغييرات في الوزراء والحكام إلا مزيداً من الفشل وجر البلاد إلى الحروب والفوضى.

 

بل لم تجب هذه التعيينات والإقالات على أسئلة حقيقية بماذا تحكم البلاد؟ وكيف تحدد الحقوق والواجبات؟ وكيف تحدد الجرائم والعقوبات؟ وما هي نظرتها للمشكلة الاقتصادية؟ وواردات المال ونفقاته؟ وكيف توضع موازنة الدولة؟ وعلى أي أساس تحدد بنودها؟ وعلى أي نظام؟ وهل هذا النظام بتوافق مع عقيدة الناس أم يتناقص معها؟ وأكدت أن الشهادات الجامعية والدرجات العلمية لا تكفي وحدها لتولي منصب الحكم ورعاية شؤون الناس.

 

كما عجزت هذه التعيينات والإقالات عن علاج مشاكل وأزمات حقيقية مثل أزمة الحكم؛ فما زال النقاش إلى اليوم كيف يحكم السودان؟ ولم يستطيعوا تحديد الهوية في بلد 99% من أهله مسلمون! وفي أزمة الاقتصاد حيث انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية بشكل جنوني دون أي معالجات، ولم تقدم الرؤى لكيفية إدارة الثروات الضخمة التي يتمتع بها السودان. كما تتفاقم مشكلة الفقر بالرغم من أن السودان يعتبر من أغنى بلاد العالم إلا أن غالبية أهله يعيشون تحت خط الفقر! كما تتكرر حوادث السيول والأمطار وإغلاق الطرق وتدمير البيوت بالرغم من أن مياه الأمطار نعمة من الله تعالى، فما الذي يمنع أن تصنع خزانات المياه الضخمة لمياه الشرب، والزراعة، وصناعة الأسماك، والدواجن، واللحوم والألبان...إلخ؟! والعجيب في الأمر أن مياه الأمطار تغرق الطرقات في العاصمة بورتسودان وأغلب أحيائها تشتري مياه الشرب!! وأزمة الكهرباء في بلاد تحيط بها الأنهار والبحار والأمطار والترع والسدود، من كل مكان، ولكن برغم ذلك تعجز الدولة عن توصيل الكهرباء للناس! ناهيك عن سوء خدمة الاتصالات والإنترنت رغم أخذ شركات الاتصال استحقاقها المالي من الناس! مع انتشار الصراعات القبلية التي أصبحت متحكمة في مؤسسات الدولة وأصبحت أداة لتمزيق البلاد، بالإضافة إلى أزمة تحكم الدول الاستعمارية، حيث تحول السودان من الاستعمار البريطاني، إلى الاستعمار الأمريكي في عهد الرئيس النميري، وظلت أمريكا متحكمة في السودان وتنهبه وتسيطر عليه عبر جنرالات الجيش، حتى اليوم، فهي المشعل الحقيقي للحروب وصناعة المليشيات، لتحقق أجندتها، مثل الحركة الشعبية التي فصلت بها أمريكا الجنوب، وما زالت تتحكم عبر عملائها في قيادات القوى العسكرية وقوات الدعم والسريع.

 

وخلاصة القول إن هذه التغييرات للحكام والوزراء لم تنجح في حل مشاكل البلاد بل ازدادت الأوضاع سوءا لأن النظرة قائمة على تغيير فلان بفلان، وتغيير الوجوه وليس تغيير العقلية التي تدار بها البلاد... والحديث عن الأشخاص وليس النظام الذي يؤسس للحياة الكريمة، أما هؤلاء فلا يمتلكون فكرة سياسية عميقة مستنيرة من عقيدة الناس ليقوم عليها الحكم وتقدم بها الحلول. لذلك يستمر الفشل وتستمر عملية الإقالات والتعيينات حتى ينعم الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بتغيير جذري على أساس الإسلام لتطبق أحكامه وتقام شريعته في دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ليصل الإسلام إلى الحكم فتكون السيادة للشرع وليس للبشر، لا مدنيين ولا عملاء للمستعمرين، والسلطان فيها للأمة وليس لجنرالات يغتصبون الحكم عبر الانقلابات العسكرية!

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد جامع (أبو أيمن)

مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مسابقة العلم الوطني في صنعاء تثبيت لأفكار الاستعمار

 

أعلنت وزارة الإعلام في حكومة الحوثيين أسماء الفائزين بمسابقة "أجمل صورة للعلم الوطني" منتصف الشهر الماضي. وهنا لا بد لنا من وقفة مع إخواننا أبناء اليمن حيث إن العلم هو الذي تراق عليه الدماء وترخص له الأرواح وتموت لأجله الجيوش ليبقى هو عاليا خفاقا في السماء؛ العلم معناه أنه هو الذي يعلو ولا يعلى عليه، العلم هو الأمارة والدلالة والهدف لأي أمة من الأمم، فلو رجعنا لغزوة أحد لرأينا بأن حمزة رضي الله عنه شكل سرية مهمتها في المعركة فقط هي قتل من يحمل راية الكفار فأسقط حمزة راية الكفار إحدى عشرة مرة لما تحمله الراية من أهمية.

 

فقيمة هذه الأعلام وأهميتها تكون في هدفها ومدلولها وإلى ما ترمز ومن صنعها، فعندما يكون من رسم هذه الأعلام اليوم الكفار للمسلمين فماذا بربكم ستكون دلالتها ورمزيتها إلا دلالة للجهل والهوان ورمز للعار والتبعية والشماتة بهذه الأمة المحمدية التي مرغ جيشها براية التوحيد أنوف الروم والفرس والصليبيين، فمن هنا يحقدون على راية نبينا، راية العُقاب؛ فعندما تأتي وزارة الإعلام التي تحسب أنها تتبع مسيرة قرآنية كما يدعون لتروج لهذا العلم وترسخه في قلوبنا حسب قولها فلماذا لا تخبر هذه الوزارة الناس بأن من صنع لنا هذا العلم هي بريطانيا التي قتلتنا بالأمس وتقتلنا اليوم؟ لم لا تخبرنا هذه الوزارة بأن هذه الأعلام هدفها هو تقسيم الأمة الإسلامية؟ لماذا لا تخبرنا بأن رفعها ليس وطنية وإنما خيانة للوطن؟ فكيف تكون وطنياً وأنت ترفع علماً صنعه لك الكافر المستعمر الذي يقتلك وينهب ثروتك ويدنس مقدساتك؟! هذا إن دل فلا يدل إلا على أن الإعلام يروج لنا ما يريده الكفار المستعمر.

 

إن دور الإعلام والإعلاميين الصادقين اليوم هو توضيح حقيقة زيف هذه الأعلام وحرمتها ومناقضتها للقرآن والعقيدة، وأن تبين حقيقة راية نبينا وتحببها لقلوب الناس، هذا هو الواجب ومن يعمل عكس ذلك ويقلب الأدوار ويلبس الحق بالباطل والباطل بالحق فسيخزيه الله عاجلا أم آجلا. وأقول للصادقين المخلصين لا تخشوا الطغاة واخشوا الله إن كنتم مؤمنين.

 

ألا تتأملون يا أهل الله بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله ما عادت تشاع في الإعلام إلا عندما تكون غطاءً للعاهرات والساقطات عند حكام آل سعود في البارات والمراقص، أو خلف قتلة الأطفال والأبرياء عبيد أمريكا، أو تحت أقدام يهود وحلفائهم الصليبيين؟! أما عاد من أهل القوة من أبناء الأمة من يرفع هذه الراية المقدسة عند الله وعند نبيه والخلفاء الراشدين؟ ألا يوجد من يرفعها بحقها ويقيم نظام عدلها الرباني؟ وإن المحب لما أحب غيور؛ أفلا تغارون على هذه الراية أم اكتفيتم بالكلام الفارغ الذي ما رفعتم به راية ولا حميتم به مقدسا؟

 

عندما نشاهد صوراً في الشهر المنصرم لجيش يهود تتداول على وسائل التواصل وهم يدوسون راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، الراية الطاهرة تحت أقدامهم النجسة، فهذا إن دل فإنما يدل على عدائهم لعقيدتنا وراية نبينا، نعم لم يدوسوا علم فلسطين ولا علم اليمن ولا علم لبنان، هم لا يأبهون بكل هذه الأعلام لأن من صنع كيان يهود هو نفسه من صنع لنا هذه الأعلام الوطنية، فبالله عليكم لماذا ما زلتم مصرين ومتمسكين بهذا الهوان؟! ألا تعقلون؟ ألا تفقهون بأن هذه الأعلام وجدت لتكريس الوطنية لتقسيم الأمة التي وصفها النبي كالجسد الواحد لأكثر من خمسين جزء يستفردون بكل جزء منها متى ما شاءوا وكيف ما شاءوا؟!

 

نلاحظ بريطانيا الكافرة تعبر عن عقيدها برايتها راية الصليب بينما إذا أردت أن تعتز بعقيدتك وتعبر عنها برفع راية نبيك فستصبح إرهابيا في الإعلام نفسه الذي يروج لأعلام التفرقة والضعف التي صنعتها لنا بريطانيا لأن الإعلام حقيقة بيد الكفار لا يروجون إلا ما أرادوا أن يفسدونا به، لأن هذه الأعلام والحدود وكل هذا الواقع الفاسد أنشأه الاستعمار بكل تفاصيله فلا يروج لحبها وتقديسها إلا جاهل، وما عاد هناك جهال وإلا فخائن مندس عقد النية على الحفاظ على هذا الواقع الفاسد وتفاصيله، ولا يجوز لمسلم أن يتعايش مع هذا الواقع المنحط وإنما بعث الله الإسلام لتغيير هذا الواقع وليس للتعايش معه لأن التعايش معه والحيلولة دون تغييرة يعتبر إثماً بل هو إثم كبير.

 

وإننا أبناء هذه الأمة نخاطب كل من بقي فيهم ذرة من إيمان أن اعتزوا بعقيدتكم وارفعوا راية نبيكم بحقها وطهرها ونظامها، راية مدحها رسول الله ﷺ ومدح رافعها عندما قال: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، أليس عليا هو رافع راية العُقاب السوداء التي يشع منها نور العقيدة، لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ راية فتحت بها خيبر ومكة والقدس، راية خضع لجيشها العالم، راية تعبر عن عقيدة ينبثق عنها نظام ووجهة نظر في الحياة، ألا يكون قدوتكم رسول الله وليس سايكس وبيكو الذين بدلوا هويتنا من هوية إسلامية إلى هوية وطنية ناقصة نتنة؟! هويتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعندما أضاع المسلمون هويتهم الحقيقية استباح الكفار وأذنابهم كرامة الأمة.

 

نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بالوطنية أو بالقومية العربية أذلنا الله، فإن كنتم صادقين يا من تدّعون حب الرسول في الشمال والجنوب فبينوا للأمة ما هي راية نبيكم، ولماذا أسماها براية العُقاب، بينوا للأمة بأن هذ الراية توحدكم وبينوا لهم لماذا شوهت، وبأن طُهرها لا يتأثر بنجاسة العملاء وقتلة الأبرياء، حتما قتلة الأطفال والأبرياء لا يمثلون عقيدتنا وراية نبينا. فاللهم هيئ لهذه الراية أنصاراً كأنصار رسول الله؛ أشداء على الكفار رحماء بينهم، لا يخافون في الله لومة لائم، يقيمون الدين في الدولة ويوحدون الأمة وينصرون المستضعفين براية هذا الدين.

 

نحن خير أمة أخرجت للناس بـلا إله إلا الله محمد رسول الله، نحن شهداء على الناس بـلا إله إلا الله محمد رسول الله، نحن بها أمة واحدة في مشارق الأرض ومغاربها تجمعنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، لها نحيا وفي سبيل إقامتها نموت كي تبقى عالية خفاقة في السماء، هي من تخفق لها القلوب وفي سبيل نصرتها تتحرك الجيوش، هي من قطعت لأجل رفعها أيادي الرجال من أصحاب رسول الله ﷺ حيث كانوا يعظمون قول ربهم ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ بدمائهم فكيف تبدلون العزة بالردى ما لكم كيف تحسبون؟!

 

إخواني الكرام، إذا كان إعلامنا ومشاهيرنا يروجون لمخلفات الكافر المستعمر فلن يغير الله ما بهذه الأمة من ردى وظمأ للعزة والمجد لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ألا نلاحظ عندما يرفع المسلمون راية الإسلام التي شوهها كل إعلام العالم في مسلسلات وأفلام أنتجت بمليارات الدولارات لكي يكون لها وصف يخاف منه المسلمون، فإن نحن خفنا منها وتركناها للأنجاس حققنا ما يسعى له الكفار وأذنابهم.

 

نحن اليوم في معركة الوعي ولا يجوز أن يكون صوت الحق خافتاً، فلا علو لأبواق الباطل، ولا يمكن أن ينصر الله أمة قدوتها سايكس بيكو تعشق أعلامهم وتقدسها وتقاتل في سبيل إعلائها؛ لا تكونوا سبباً في تأخر نصر الله، يا أمة الإسلام لن ينزل الله نصره إلا على الجيل الذي قدوته وقائده الرسول محمد ﷺ، جيل يفخر بعقيدته يرفع راية نبيه، من يقدم حب الإسلام على الوطن هو الذي سيذيق أمريكا وأوروبا وبال أمرها وتجرؤهم على الإسلام والمسلمين، يرونه بعيداً ونراه قريبا.

 

ندائي لأهل اليمن، أهل المدد، إلى أحفاد من أقاموا دولة الإسلام الأولى، أهل الحكمة والإيمان: لا تكونوا وطنيين بل كونوا ربانيين. يا أحفاد الأنصار: أما آن الأوان أن ترفعوا الراية من جديد؛ راية الأنصار، راية الكرار، راية حبيبنا ورسولنا المختار وتستأنفوا ما قطعة الكفار بتعاون خونة العرب والترك، وتوحدوا الأمة من جديد فتبايع إماماً واحداً على تطبيق الشريعة، إماما تقاتل الأمة من ورائه وتتقي به؟ بالله عليكم كونوا أنتم نقطة الارتكاز، فبداية كل نار شرارة، وأنتم تستحقون شرف توحيد هذه الأمة الإسلامية من جديد إن صدقتم وأخلصتم وعزمتم.

 

إنه يستحيل أن تجتمع هذه الأمة تحت راية غير راية عقدها رسول الله ﷺ يوم بدر، فمن يجمع هذه الأمة المبعثرة تحت سبع وخمسين راية؟ إن من يريد تحرير فلسطين وكل بلاد المسلمين يجب أن يعمل على توحيد هذه الأمة تحت راية رسول الله ﷺ وليس أي علم غيره، ومن كان وطنياً فهو كباقي الوطنيين، فكفا الوطنيين تباكياً، فقد قتلنا في العراق ومنعتنا من نصرتهم الوطنية، قتلنا في الشام ومنعتنا من نصرتهم الوطنية، قتلنا في بورما ومنعتنا من نصرتهم الوطنية، وفي كشمير وتركستان والشيشان والهند وفلسطين ولبنان واليمن... كل وطني يقاتل عن وطنه، ونحن نريد أن نكون مسلمين نلبي وا إسلاماه وليس وا وطناه!

 

وأخيراً قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ فما دامت أمتكم واحدة وتجمعكم عقيدة واحدة وهذا كتابكم واحد وهو بين أيديكم صنعكم سابقا، وعبرتم به البحار، وكنتم الدولة الأولى في العالم، فبه تعودون ونبيكم واحد الذي بلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا جميعا على المحجة البيضاء، وهذه هي راية نبيكم التي ندعوكم لرفعها من جديد فهي التي توحد أمتكم وفي دولتها يطبق كتابكم وفي رفعها ترفعون ذكر نبيكم ﷺ وتعبرون عن نظامكم ووجهة النظر في حياتكم وأسوتكم وتأسيكم بنبيكم.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سيف مرزوق – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

حال نساء السودان في مخيمات اللاجئين يندى له الجبين

 

 

 

في خضم الأزمات الإنسانية التي تعصف بالسودان، تبرز قضية مؤلمة للغاية، تضاعف من معاناة النساء في المخيمات، وهو انتهاك صارخ لحقوقهن على يد بعض الذئاب البشرية، فقد كشف تقرير لوكالة أسوشييتدبرس في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2024م، عن حالات عدة تعرضت فيها النساء للاغتصاب، وإجبارهن على ممارسة الزنا، مع عمال الإغاثة، مقابل الحصول على مساعدات سموها إنسانية!

 

وقد تعرضت إحدى الفتيات، بحسب التقرير، للاستغلال الجنسي بعد مقتل واختطاف معظم أفراد أسرتها في منطقة دارفور بالسودان، حيث لجأت هذه الفتاة مع من بقي من أسرتها، إلى تشاد، ولم يكن لديها ما يكفي من المال لإشباع الحاجات الأساسية، من مأكل وملبس لها ولأسرتها، فحصلت على وظيفة في أحد المطاعم بمخيم بتشاد لكن بشرط ممارسة الجنس، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

ومنهن من أجبرن على الجنس لإطعام أطفالهن، بالإضافة إلى حالات مماثلة تكاد لا تحصى، من معاناة أخواتنا المسلمات جراء هذه الحرب العبثية اللعينة.

 

فأين أولئك الذين يتشدقون بحقوق المرأة؟ وأين الحكومة التي تدعي اهتمامها بالمرأة وتنميتها؟ أليس الوقت قد حان للعودة إلى مفاهيم الإسلام وأحكامه المتعلقة بحقوق المرأة؟!

 

نعم، ففي ظل الخلافة صرخت امرأة وقالت: وا إسلاماه! فتحرك جيش كامل لإغاثتها... واليوم، آلاف من أخواتنا المسلمات تنتهك أعراضهن، ويقتلن بأبشع أساليب القتل، في فلسطين والسودان واليمن وغيرها، يطلبن الإغاثة ولا مجيب لصرخاتهن! فأين أنتم يا جيوش أمة محمد ﷺ من كل هذا؟! أين أنتم؟! أم في آذانكم وقر؟!

 

إنكم تعلمون أن الخالق سبحانه وتعالى، قد حرم الاعتداء على النساء أيا كان هذا الاعتداء، بل وأمر بحماية النساء، والأطفال، وبخاصة في ظروف الحرب والنزاعات.

 

ويؤكد القرآن الكريم على حماية المرأة من جميع أشكال العنف والاستغلال، ودوام المحافظة على حقوقها باعتبارها أماً، وربة بيت، وعرضاً يجب أن يصان. هذا هو ديننا الحنيف؛ يكرم المرأة ويصونها، بينما الأنظمة الوضعية الرأسمالية الجائرة تظلمها، وتنتهك حرماتها.

 

فيا إخوتي، ويا أخواتي، والله ليس لنا حياة هنية إلا بالسعي الجاد لإقامة دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وحينئذ سيكون للنساء من يرعى شؤونهن، ويصون أعراضهن ويحمي أرواحهن، ويحرك الجيوش لنصرتهن، بل ويحاسب كل من أجرم في حقهن.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فاطمة داود – ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

ما بين التنزه من البول وقضية فلسطين

 

يذبح أهل غزة من الوريد إلى الوريد، يقتل أطفالهم وشيوخهم، ولا تستحيى نساؤهم، تهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتنتهك أعراض المسلمين في السودان ويدفنون وهم أحياء، ويهجر أهل لبنان من ديارهم وأموالهم، تعربد طائرات الكفار في سماء اليمن، وتقصف وتقتل في الشام والعراق دون حسيب أو رقيب، وحكام بلاد المسلمين لاهون، يجتمعون في قمم طارئة تحت مسميات شتى؛ فمن قمة عربية إلى عربية (إسلامية)، ثم يخرجون ببيانات ختامية لا تختلف إلا في التاريخ واليوم ليقولوا ندين ونشجب ونستنكر، في لازمة موسيقية واحدة! فلا تكاد تسمع منهم نشازا أو خروجا عن اللحن، ولا عجب؛ فمعلمهم واحد وما يتم تحميله على أدمغتهم يوزع على الجميع بعدل واستقامة، وكلهم يخشى أن تصيبه دائرة، يسارعون في الديمقراطيين، حتى إذا وصل الجمهوريون سارعوا في تهنئتهم بالفوز، وحالهم (وما أنا إلا من غزية أن غوت غويت)، ويقف إلى جانبهم أنصاف بل أرباع طلاب العلم، فيزعم أن الله سيسأل العبد في قبره لِم لَم يتنزه من بوله ولن يسأله عن فلسطين وغزة، ولو سمح له الوقت لقدّم دخول الحمام على الأندلس!

 

أي دين وأي قياس هذا الذي يزعمه هؤلاء وأي طاعة لأولياء الأمور أوصلتهم إلى هذه المواصل؟! نتفهم أن الحكام لا همّ لهم إلا خدمة سادتهم من الكفار الصليبيين ويهود، لكننا لم نكن نظن أن نشهد ذلك اليوم الذي تقاس فيه قضية فلسطين بالتنزه من البول! لم نكن نظن أن انتكاسة العلماء ولحاقهم بأولياء الأمور خاصتهم ستصل إلى هذا الحد، فما علاقة الاستنزاه من البول بقضية فلسطين وغزة؟! إلا أن يكون ولي أمرهم قد أمرهم بالتقليل من شأن الجهاد وغزة، فلم يجدوا إلا هذا القياس الشنيع، وإلا فإنهم كان بإمكانهم أن يأتوا بمثال آخر ولكنها طاعة (ولي الأمر)!

 

إن الجهاد الذي عطله حكام الضرار أولياء أمور السفهاء أمثال هذا الرجل، هو حكم شرعي وليس أي حكم، فهو ذروة سنام الإسلام، وما ذلت الأمة الإسلامية إلا بعد أن تركته، ولو عقل هذا وأمثاله لنقل أو لجرؤ أن ينقل أقوال العلماء في حرمة ترك الجهاد أكثر من سنة إن كان الجهاد في طلب العدو، وإن كان الجهاد لصد الأعداء ودفعهم عن بلاد المسلمين وصيانة الأعراض والأموال تعيّن، حتى يندحر العدو عن بلاد الإسلام، ولم ينتطح في هذا الأمر عنزان، بل إن أهل العلم الأتقياء الأنقياء لم يختلفوا في ذلك، ولا يجادل في الأمر إلا من ضرب الله على عقله وقلبه.

 

كان الأحرى بهذا وأمثاله لو كانوا يعقلون أن يبينوا أن الجهاد لا يبطله جور جائر ولا يعطله عدل عادل، فهو ماض إلى قيام الساعة، وأن بلاد المسلمين قبل أن يحكمها المطايا أولياء الأمور خاصتكم، كانت بلادا عزيزة وكان الجهاد جزءا من عملها وكان علماؤها ابن قدامة وابن تيمية والنووي والعز بن عبد السلام، ولما آلت الأمور إلى أولياء أموركم من السفهاء، خرج علينا هذا وأضرابه من علماء السوء، ليفاضلوا بين البول وقضية فلسطين!

 

إن الأحكام الشرعية لا يعارض بعضها بعضا، وإن الشارع سبحانه وتعالى لم يكلف الناس إلا ما يطيقون؛ فالاستنزاه عن البول واجب وهو حكم من أحكام الطهارة بل إن باب الطهارة من أوسع أبواب الفقه، ولكن في مقابل ذلك فإن الاهتمام بأمر المسلمين ومعرفة قضاياهم واجب كذلك وبالذات إذا وصلت الأمة إلى ما وصلت له من الذل والهوان الذي وصلته، فدماؤها مستباحة وأرضها وسماؤها تحت سيطرة الكافر، وليست غزة إلا باكورة عمل الكفار بعد أن وصلت الأمة إلى هوان لم تصله من قبل، فمنذ زوال الخلافة تفرقت الأمة شذر مذر، ولم يعد لها وفيها رجال يحكمونها بل حفنة من العملاء والمطايا لا همّ لهم إلا خدمة سادتهم وكبرائهم، وهؤلاء بدورهم استوظفوا بعض أهل العلم من أمثال هذا ليؤصل في طاعة ولي الأمر خاصته فيجعل طاعته فوق كل طاعة، وقد قال بعض أهل العلم قديما "من تحدث بقوم في حرمة الربا وقد فشا فيهم الزنا كان خائنا لله ولرسوله وللمؤمنين"...

 

ونختم فنقول لهذا وأمثاله: إن هذا العلم أمانة وإن صاحبه مسئول عنه يوم القيامة، هل أديت حق الله فيه؟ ونذكره بحديث النبي عليه الصلاة والسلام في أول من تسعّر به جهنم ومنهم من تعلم العلم حتى يقال عالم وقد قيل، ونذكره بأن الدنيا لا تغني عن الآخرة وبأن أولياء أموره في الدنيا سيتبرؤون منه يوم القيامة، قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ وليعدّ كل منا حساباته أمام ربه فإن الموقف عظيم.

 

وإن أهل غزة لا يضرهم من خذلهم وهم يقومون بفرض عظيم. نسأل الله تعالى لهم وللأمة النصر والتمكين وأن يختم لهم انتصاراتهم بخلافة راشدة على منهاج النبوة يعز بها أهل الإسلام ويذل بها أهل الشرك والكفر.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذ محمد تقي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

معارك غزة وتغير وجه التاريخ

 

لقد بدأت المدينة المنورة (يثرب وقتها)، بلدة صغيرة عندما هاجر إليها رسولنا الكريم ﷺ، وأقام فيها دولته التي تحمل مشروعا عظيما، وقد توفرت فيها مقومات الدولة؛ من عقيدة سياسية، وأمنها ببيد أهلها فصمدت منذ الوهلة الأولى.

 

ثم اجتاحت أعظم كيان في الجزيرة العربية في ذلك الوقت، دولة قريش المشركة في مكة، ولم يكن يخطر على بال أحد من الدول العظمى، من فرس وروم، في ذلك التاريخ، أن بلدة صغيرة تغير وجه التاريخ وتؤثر في الدول العظمى آنذاك، لعدم وجود الوعي السياسي عندها، واعتمادها على القوة المادية المحضة. ولم يخطر على بالهم كذلك، بأن يثرب التي أسس فيها كيان وسلطان لأهل الإيمان بعقيدة الإسلام العظيم قد بات بالانتصارات الكاسحة، وأن قوتها تكمن في إيمانها الراسخ بأن لهذا الكون والإنسان والحياة خالقاً خلقها، وأن الله سبحانه الذي أنزل التوراة والإنجيل والقرآن، قد فضل رسوله محمداً ﷺ بدين الإسلام، الذي جاء رحمة للعالمين، وأن المؤمنين بهذا الدين قد أوجب الله عليهم أن يكونوا بديلا لكل الأديان، وأن يسوس هذا الإسلام العظيم العالم كله، يرعى شؤونه تحت سلطان الإسلام، وذلك بتأثيره الدولي على مجريات الأحداث العالمية، من بوتقة دوله العظمى آنذاك، فكان المشروع العظيم الذي بدأ في المدينة ليبسط سيطرته على جزيرة العرب، معلنا نفسه بديلا لدول الشرك، ومهددا الروم والفرس.

 

هذا هو سر عظمة الإسلام وقوته، أما أن يختزل العالم الغربي ويتغطرس، ويزمجر، وراء آلته الحربية، ظانا أن سحره هو الغالب، فإن غزة لم تعد كما كانت، بل هي غزة العصية، يصعب سحقها وضربها، ولا تؤمّن أمن يهود كما جرى في جنوب لبنان لما يقارب عقدين من الزمان، عبر قوات اليونفيل.

 

إن الله يهيئ الظروف، وقد ترك سيدنا محمد ﷺ أعظم ثروة فكرية (العقيدة الإسلامية) وما تحويه من أحكام عظيمة قادرة على أن تقلب الطاولة على الغرب، وعلوجه من الحكام الخونة، الذين ارتضوا أن لا يكون لهم حظ من أثر الانصار الذين نصروا رسول الله ﷺ. هؤلاء الحكام لم يسمعوا صرخات الأطفال تحت الأنقاض ولا يسمعون صرخات النساء المسلمات الصابرات، ولا يسمعون صرخات الأمة جمعاء، فليس لهم حظ لنصرة الأمة التي امتدت دولتها ثلاثة عشر قرنا من الزمان تحت سلطان الإسلام.

 

إن غزة جذوة النصر القريب بإذن الله، الذي يدنو ويحرك في الأمة مشاعر الأخوة الصادقة نحو إسلامها ومركز تنبهها الطبيعي، لتحرك الجيوش بإذن الله تعالى لتقوم بواجبها تجاه أمتها فتسلم سلطان الأمة المغصوب، للثلة الواعية؛ شباب حزب التحرير، لتبايع الأمة خليفة يسوسها بشرع الله العظيم. إن الله جعل لنا كياننا وسلطاننا ونصرة ديننا، أمر بشرى وفق أحكام الإسلام العظيم، فقد أوجب علينا الالتزام بشرعه، والانضباط بأحكامه، لينزل لنا النصر من عنده، قال سبحانه: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾.

 

إن غزة أشبه بالمدينة المنورة من حيث بُعدها العقدي، وارتباطها بمسرى رسول الله ﷺ، وتحريك المسلمين تجاه مقدساتهم، وأن يهبوا هبة رجل واحد، قد بات أمراً قريب المنال، فقد ورد في الأثر أن الخير في أمة محمد ﷺ إلى قيام الساعة.

 

إن الغرب وأعوانه لا يعلمون عظمة هذه الأمة وأن سر النهوض موجود فيها، وأن المعاول التي اشتغلت فيها لم تقتلها، بل أمرضتها فقط، وها هي بدأت تتعافى من أمراضها بكثرة الهزات والضربات الموجعة. فالصحوة قد اكتملت، وبدأت تباشيرها بإعلان دولة الخلافة على منهاج النبوة تلوح في الأفق. قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ محمد السماني – نيالا – ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

هل تستغني أمريكا عن إيران؟

 

مع فوز ترامب في انتخابات الرئاسة لأمريكا تعالت أصوات وسائل الإعلام بطوفان من التحليلات، حول مستقبل إيران على ضوء تصريحات ترامب.

 

ابتداءً يجب أن لا ننسى أن إيران ما زالت الوزة التي تبيض ذهبا؛ إذ لا يمكن لأمريكا الاستغناء عنها مهما تغير الحاكم، وهذا ثابت في الخطوط العريضة لسياسة أمريكا، التي من المعروف عنها أنها دولة مؤسسات، وأن القرارات الدولية مقسمة حسب مصلحتها.

 

لذا أرى أن إيران ستبقى البعبع الذي تستعمله أمريكا لتخويف دول المنطقة، وابتزازها بصفقات أسلحة مليارية.

 

كذلك لا يزال كيان يهود يعتبر إيران أفضل بعبع طائفي يدق أسافين التفرقة بين المسلمين (الشيعة والسنة)، ليصرف أنظارهم عن اغتصابه أرضهم وصراعهم معه.

 

لذا كلما علا صوت الوعيد والتهديد، وتبادل الاتهامات، بين أمريكا وكيان يهود، وإيران، تزداد قنوات الاتصال الخلفية لتعمل بكل طاقتها بينهم.

 

ربما يتصاعد الموقف إلى ما هو أكثر سخونة وقد تحصل احتكاكات كما شاهدناها من قبل، ولكن يبقى الموقف فعّالا، فإيران هي الوزة التي تبيض ذهباً بالنسبة لأمريكا، ومن يعتقد حالياً بأن أمريكا يمكن أن تفرط بإيران فهو واهم.

 

ربما يريد ترامب اتفاقاً نووياً جديداً يحاول من خلاله بناء سياسة إقليمية لا تشكل تهديداً لحلفاء أمريكا ليبقى يتقاضى عن هذه المنجزات ما يشاء من الإتاوات من جيوب حكام الخليج.

 

وربما بعد أن أضعف كيان يهود قوة حزب إيران اللبناني، التي كانت تشكل هاجس خوف خصوصاً بعد عملية طوفان الأقصى، ولكن يبقى الحزب هو صاحب الصوت المعطِّل في السياسة اللبنانية، ولربما يعيد طلاء صواريخه لتبدو أزهى في عروض عسكرية تحت أنظار حكومة لبنانية مشلولة.

 

كذلك سيدخل الحوثيون تاريخ اليمن من أوسع أبوابه في تقرير مصير أهل اليمن، وستظل هتافات "الموت لأمريكا ولـ(إسرائيل)" تعلو في شوارع طهران، وتكتب اللافتات لتعلو مقرات الحشد الشعبي في العراق ولبنان واليمن.

 

لا شك أن أمريكا سمحت لإيران بالخوض واللعب في المنطقة كيفما تشاء، لتحقيق مآرب يعلمها القابعون في البيت الأبيض، فقد نشرت إيران مليشياتها في العراق واليمن وسوريا ولبنان لتزعزع أمن المنطقة، كي يسارع حكامها إلى الارتماء في أحضان أمريكا طلبا للخلاص، كما أدخلت أمريكا إيران ومليشياتها وحزبها في لبنان إلى سوريا لمنع سقوط بشار أسد الذي لا يمكنها الاستغناء عنه حاليا إذ لا يوجد بديل يحل محله في العمالة والتبعية لها وتحقيق مصالحها، في الوقت الراهن.

 

لقد بات واضحا أن هناك مشروعا أمريكيا في المنطقة، وسيكون لإيران دور فيه، وربما يكون دور المسرحيات قد انتهى ولم يعد للعرب وزن في موازين القوى الآن، وليس لهم موقع من الإعراب إلا أن يقوموا بالتصفيق والمشاهدة ودفع الفواتير، وما كان مطلوب منهم إنجازه، فالوضع العربي لا يمكن التنبؤ به بفضل هوان حكام الذل والعار الذين صنعهم الكافر المستعمر، وسلطهم على رقاب الشعوب.

 

كذلك وبكل ما تحمله أمريكا من غطرسة وعنجهية فقد سبق لها أن ضربت بقرارات مجلس الأمن، والفيتو، وتوصيات الأمم المتحدة، واعتراضات الاتحاد الأوروبي، كلها عرض الحائط واحتلت العراق، فلنقس على ذلك وبهذا المنطق الغاشم ستبدأ مرحلة جديدة في المنطقة تعيد رسم الخارطة السياسية والعسكرية، وبناء تحالفات إقليمية تسير وفق ما جاء في صفقة القرن.

 

لذلك يبقى الدور الإيراني في المنطقة رهين السياسة الأمريكية المدروسة بشكل محكم، وأن هذا الدور يتقلص ويتوسع وفق متطلبات هذه السياسة، لذلك تبقى أمريكا تحتفظ بإيران كتهديد ثوري بغطاء إسلامي ضد دول المنطقة، ثم توسع ذلك حتى بات لها دور لا يمكن الاستغناء عنه، ربما بعد عودة عملاء أمريكا الآخرين مثل مصر وتركيا والسعودية قد يحدّ من دورها حالياً لكن يبقى لها دورها الفعال في السياسة الأمريكية لتحقيق أهداف أمريكا.

 

وإنه لمن المؤسف أن تكون أمريكا، وقيمها الفاسدة، وحضارتها العفنة، ذات شأن في بلاد المسلمين فنراها تصول وتجول، ويتنافس على خدمة مصالحها من يعدون أنفسهم حكاماً، ومن المخزي أن تكون بلادنا الإسلامية وكراً لمخططات أمريكا، التي تستعمل أجواءنا، ومقدراتنا لتقتل المسلمين المستضعفين في بلادنا دون رادع يقف في وجهها.

 

وإنه من الواجب على كل مسلم أن تكون قضيته المصيرية هي؛ عودة عزنا، ودولتنا التي تدافع وتحامي عن حمى المسلمين، والتي تهاونّا في إقصائها من المسرح الدولي، فلا حياة، ولا عزة إلا بدولة تدافع وتحمي حمى المسلمين، ليعز الله سبحانه بها الإسلام والمسلمين.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لن يصلح الزمان ما أفسدته الرأسمالية

وحان وقت إسدال الستار على فصولها الأخيرة

 

عيّن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الرئيسَ التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، ورجلَ الأعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية والمرشح الرئاسي السابق فيفيك راماسوامي، لقيادة مبادرة جديدة تسمى "وزارة كفاية الحكومة"، هدفها خفض البيروقراطية، والحد من الهدر، وخفض إنفاق الحكومة الفيدرالية البالغ 6.5 تريليون دولار، ومن المقرر أن تركز هذه الخطة التي شبهها ترامب بـ"مشروع مانهاتن"، على الإصلاحات البنيوية لتبسيط العمليات الحكومية بحلول عام 2026م.

 

مع ذلك، فإن اقتصاد أمريكا في ورطة عميقة، حيث تجاوز دين الحكومة الفيدرالية الآن حاجز 33 تريليون دولار، وتستهلك مدفوعات العوائد الربوية وحدها جزءاً كبيراً من الميزانية الوطنية، ما يحرم الاستثمارات الحيوية في المدارس والرعاية الصحية والبنية الأساسية، وفي عام 2023م، أنفقت أمريكا 6.75 تريليون دولار، كان معظمها مخصصاً لسداد الديون القديمة. يمكن تشبيه الممارسات المالية لأمريكا باستنفاد أسرة لرصيد بطاقتها الائتمانية مراراً وتكراراً دونما سداد للرصيد، وفي كل عام تقوم الأسرة باقتراض المزيد من المال لتغطية مستلزماتها، في حين تتراكم الأقساط الربوية عليها، وهذا يخلق حلقة مفرغة ذاتية التجدد حين يتم تحويل الموارد التي يجب أن تكون لسدّ الحاجات الأساسية إلى سداد الديون.

 

كما أن الاحتيال والإهدار وعدم الكفاية في الإنفاق الحكومي يكلف مليارات الدولارات، ولكن حتى القضاء على هذه المشاكل لن يؤثر إلا بالكاد على الدين، واقتراح الساسة المتكرر لتخفيض الميزانية وتقليص الإنفاق كحل لا يمكنه علاج العيوب الرئيسية في النظام.

 

إن المشكلة تكمن في بنية النظام المالي نفسه، الذي بُنيَ على مبادئ الرأسمالية القائمة على الديون الربوية، التي تضاعف مكاسب نخبة صغيرة من الرأسماليين بشكل جنوني، على حساب الملايين الذين يكافحون يومياً من أجل تلبية احتياجاتهم. إن حل هذه الأزمة يتطلب فكراً جريئا يتجاوز الإصلاحات التدريجية، وبديلاً ناجعاً، وهذا البديل هو الاقتصاد الإسلامي، فهو نظام شامل يحقق تطبيقه العدالة والاستقرار والازدهار.

 

لن تنجح الرأسمالية في تحقيق نتائج عادلة، فهي تعمل على أمرين رئيسيين يعملان على إدامة التناقضات وعدم الاستقرار؛ الأول: تقوم المؤسسات المالية على الإقراض القائم على الربا، الذي يضمن نمو الدين بشكل مستمر ويوسع فائض الأثرياء أصحاب رؤوس الأموال. والثاني: تعطي الشركات والحكومات الأولوية للمكاسب قصيرة الأجل على الاستدامة طويلة الأجل، ما يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي، والتدهور البيئي، واتساع الفجوة بين طبقات المجتمع.

 

كانت هذه المبادئ واضحة خلال الأزمة المالية عام 2008م، عندما فقد ملايين الأمريكيين منازلهم ووظائفهم ومدخراتهم - ليس بسبب إخفاقات شخصية بل بسبب عيوب في النظام - وسرعان ما تعافى الأثرياء من الأزمة، في حين واجه عامة الناس صعوبات اقتصادية طويلة الأجل، ومنذ ذلك الحين، لم يتغير الكثير بشكل أساسي.

 

في ظل النظام الاقتصادي الرأسمالي تتسع الفجوة بين الثروات أكثر فأكثر، وشخصيات مثل إيلون ماسك وغيره كدست أموالاً طائلة، مع ربط المليارات بالأسهم والمشاريع الاحتكارية والتوسعات المؤسسية، في الوقت نفسه الذي يكابد فيه العديد من الأمريكيين لدفع الإيجار أو تكاليف الرعاية الطبية. إن مطالبة شخص مثل ماسك بحل النظام ذاته الذي أغدقه بالمال، يشبه مطالبة الذئب برعي الأغنام، فقد ضاعف ماسك والعديد من أمثاله من ثرواتهم بسبب هذا النظام الفاشل، في حين يتحمل عامة الناس عواقبه.

 

إن تشبيه هذا المسعى بـ"مشروع مانهاتن" أمر مثير للسخرية حقاً، فمثله كمثل المشروع الذي يحمل الاسم نفسه، والذي قضى على المدن والحياة تحت ستار التقدم. يَعِدُ هذا المشروع بـ"إصلاح" الاقتصاد مع ضمان خروج المشتبه بهم المعتادين (النخبة الأكثر ثراءً)، ليدفع عامة الناس الثمن، كما هو الحال دائماً، مع التضحية بسبل عيشهم ومستقبلهم، وسوف يستمتع مهندسو هذا "الحل" العظيم بوهج نجاحهم، تاركين الجميع يتحملون تداعيات المشروع.

 

إن البديل لهذا المشروع هو النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يقدّم نهجاً مختلفاً تماماً، فهو على عكس الرأسمالية ليس مصمماً ليكون مجزأً أو قابلاً للتكيف في إطار مدفوعات الديون الربوية، بل هو نموذج كامل متكامل، يؤكد على العدالة والمسؤولية المشتركة والحوكمة الأخلاقية، يشمل أحكاماً شرعية مثل تحريم الربا وإعادة توزيع الثروة وفرض القيود على الممارسات المضاربة والإنفاق الشرعي...

 

إن المعاملات القائمة على الربا محرمة في الإسلام، وبدلاً من استغلال حاجة الناس للديون، تنطوي العلاقات المالية في ظل الإسلام على مخاطرة ومكافأة مشتركة، وعلى سبيل المثال، فإنه بدلاً من منح قرض تجاري تقليدي يجمع من خلاله البنك نسبة ربوية ثابتة بغض النظر عن استفادة المقترض، فإن الناس في ظل الإسلام يستثمرون في المشاريع كشركاء، يتقاسمون الأرباح بينهم، وإذا كان أداء المشروع أقل من المتوقع، يتحمل الممول جزءاً من الخسارة، وهذا النهج يضمن أن يبذل كلا الطرفين وسعهم في سبيل نجاح الشركة، ويضمن تعزيز العدالة والحدّ من الممارسات المالية الاستغلالية.

 

في الإسلام تضمن أحكام تقاسم الثروة الإلزامية؛ كالزكاة، الحدَّ من الفقر والتفاوت مع تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية للجميع، فهي تعمل على إعادة توزيع جزء صغير من ثروة الفرد على الفقراء والغارمين وغيرهم، وعلى النقيض من أنظمة الرعاية المجتمعية العلمانية فإن الزكاة ليست سياسة تقديرية، بل هي جزء لا يتجزأ من النظام الاقتصادي الإسلامي.

 

إنّ الاحتكار في التجارة والمضاربة والأنشطة المالية الشبيهة بالمقامرة محرّمة في النظام الاقتصادي الإسلامي، فالاستثمارات يجب أن ترتبط بأصول حقيقية ملموسة مثل الشركات أو البنية الأساسية أو العقارات، وهذا من شأنه أن يعمل على استقرار الاقتصاد، ويقلل من احتمال حدوث فقاعات وانهيارات تزعزع استقرار مجتمعات بأكملها.

 

إن النظام الاقتصادي الإسلامي يعطي الأولوية للإنفاق لرفع المستوى المعيشي والرفاهية المجتمعية بدلاً من تحقيق الربح الخالص، ويخصص موارد للقطاعات الحيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية الأساسية المستدامة، بدلاً من عمليات الإنقاذ المسرفة للشركات.

 

إن عواقب النظام الرأسمالي الحالي واضحة، فالدين الوطني المتزايد يؤدي إلى ارتفاع الضرائب، وتقليص الخدمات العامة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وفي الوقت نفسه، يتسع التفاوت في الثروة، بينما يقدّم النظام الاقتصادي الإسلامي بديلاً مُرضياً، قائماً على مبادئ يمكنها معالجة هذه القضايا النظامية بشكل مباشر.

 

إن الثمار الرئيسية للنظام الاقتصادي الإسلامي تشمل خفض الديون من خلال تحريم الربا، واستقرار الاقتصاد من خلال الاستثمارات الملموسة، وضمان العدالة والإنصاف من خلال أحكام مثل الزكاة، ومواءمة القرارات الاقتصادية مع تحقيق الرفاه المجتمعي بدلاً من دوافع الربح قصيرة الأجل.

 

إن إصلاح الاقتصاد الأمريكي يتطلب أكثر من مجرد حلول مؤقتة، وصحيح أن النموذج الاقتصادي الإسلامي يقدم إطاراً شاملاً لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة، والاعتماد على الديون، وعدم الاستقرار، مع ذلك فإن هذا النموذج لن يتناسب مع الأنظمة الرأسمالية العلمانية كحلٍّ هجين، فمبادئه مترابطة ويجب تبنيها بالكامل لقطف ثمار قدرته على التغيير.

 

السؤال المُلحّ هو ما إذا كان المجتمع قادراً على تبنّي التحول بعيداً عن قبضة الرأسمالية الاستغلالية الجشعة. بالنسبة للمسلمين، فإن إقامة الخلافة هو أكثر من مجرد طموح، بل إنه واجب منبثق عن العقيدة الإسلامية، وتأثيره يمتد إلى ما هو أبعد من الالتزام الديني، فهو يوفر للإنسانية مساراً للتحرر من دورات الديون وعدم المساواة التي تحرسها الرأسمالية. إن نموذج الخلافة، الذي يرتكز على العدالة والمسؤولية الجماعية، يمكن أن يكون بمثابة منارة عالمية للعدالة واستعادة التوازن وتعزيز المساواة الاقتصادية للجميع.

 

﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

علي خان – ولاية باكستان

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...